منذ يوم 17 سبتمبر/أيلول 2022، خرج الآلاف من الإيرانيين للشوارع احتجاجاً على وفاة الشابة الإيرانية "مهسا أميني"، بعد اعتقالها من قبل "دورية الإرشاد" أو شرطة الأخلاق في إيران، بسبب ما تطلق عليه الحكومة في طهران "الحجاب السيئ".
وتستمر الاحتجاجات ضد الحجاب الإلزامي حتى الآن، إذ تظهر مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة الناطقة بالفارسية، تعرّض المحتجين إلى العنف من قبل القوات الأمنية.
كما أن مصير احتجاجات الحجاب في إيران لا يزال مجهولاً حتى الآن، لكن بنظرة خاطفة على مصير الحركات الاحتجاجية السابقة منذ التسعينات وحتى عام 2019، نجد أن جميع الانتفاضات في إيران السابقة قد تعرضت للقمع الحكومي.
ومن خلال مراقبة الأجهزة الأمنية الإيرانية التي تتواجد فى الشوارع أثناء الاحتجاجات، نستطيع القول إن المؤسسات الأمنية في الجمهورية الإسلامية تتقوى يوماً بعد الآخر، وترفع درجة جاهزيتها لمواجهة أي احتجاج مناهض للحكومة.
يقول صحفي إيراني مقيم في طهران ومتابع لملف الاحتجاجات، إن "الناس خارج إيران يعتقدون أن الشرطة النظامية هي التي تُواجه الاحتجاجات، لكن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، فهناك عشرات المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية تتعامل مع الاحتجاجات".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، شرط عدم ذكر اسمه، أن "جميع القوات المشاركة فى التعامل مع الاحتجاجات في إيران، سواء كانت عسكرية أو شبه عسكرية، تخضع في النهاية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية".
قوات "نخسا" لأول مرة
كشف صحفي إيراني يغطي الاحتجاجات لـ"عربي بوست" أن "هناك سيارات الإسعاف تلعب دوراً غير مسبوق، ففجأة تظهر وسط المتظاهرين، وعندما يتم فتح بابها تجد بها قوات شبه عسكرية بزي مدني أسود يختطفون المتظاهرين، ويقومون بإنزال القوات الأمنية وسط الحشود".
نفس الأمر الذي كشفه الصحفي الإيراني الذي يُغطي الاحتجاجات في إيران، أكده ثلاثة من شهود العيان لـ"عربي بوست"، لكن ما هي هذه القوات التي تستغل سيارات الإسعاف لاختطاف المتظاهرين واعتقالهم، أو نقل الجنود والذخائر إلى وسط الاحتجاجات؟
الإجابة هي "نخسا" أو "القوات العفوية للأراضي الإسلامية"، أو "المقاومة الإسلامية في العالم" كما يقول شعارهم باللغة العربية، فما هي قوات "نخسا" التي ظهرت لأول مرة في الاحتجاجات الحالية في إيران؟
يقول مسؤول أمني إيراني سابق، ومقيم خارج الجمهورية لـ"عربي بوست"، لكنه فضل عدم ذكر اسمه، "نخسا قوات تابعة للحرس الثوري، تم تأسيسها من المتطوعين الإيرانيين، وجزء من أفراد الباسيج، وكان لهم ظهور خاص في الحرب في سوريا".
وأضاف المصدر ذاته "لكن هناك جزء كبير من قوات نخسا مخصص للتعامل مع الاحتجاجات وحرب الشوارع، لا يتم ذكر هذه القوات كثيراً، حتى إن أغلب الإيرانيين لا يعلمون بوجودها من الأساس".
ولا تتوفر الكثير من المعلومات عن قوات "نخسا"، لكن بمزيد من البحث عنها تجد قناة على تطبيق "تليغرام" تابعة لهذه القوات وتحمل نفس الاسم، وفي آخر منشور لها كُتب "في طهران ومن ميدان ولى عصر إلى ميدان انقلاب، وإلى الصادقية ونازي آباد وشهرري، تم اقتلاع مثيري الشغب".
قوات "نخسا" تضم أيضاً العديد من الجنسيات الأخرى، من العراق، وباكستان، وأفغانستان، وسوريا، لكن العناصر التابعة لها والتي تدخل في مسألة الاحتجاجات الحالية في إيران، هي عناصر إيرانية فقط، حسب ما أكدته مصادر إيرانية لـ"عربي بوست".
وحدات "نوبو" الخاصة
أيضاً، تجد في الاحتجاجات الإيرانية قوات أخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني منتشرة في المحافظات، وهي وحدات يُطلق عليها اسم "نوبو"، حسب ما أكدته مصادر خاصة لـ"عربي بوست".
وحدات "نوبو" قال عنها الحرس الثوري الإيراني إنها قوات مهمتها مكافحة الإرهاب، لكن المسؤول الأمني الإيراني السابق، الذي تحدث لـ"عربي بوست"، قال إن "وحدات نوبو منذ تأسيسها وهي متواجدة وسط الاحتجاجات فقط".
وحدة مشاة القوات الخاصة
وحسب شهود عيان تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن هناك قوات أمنية أخرى حاضرة في الاحتجاجات الإيرانية، وهي "وحدة مشاة القوات الخاصة" وهي وحدة عسكرية تتعامل مع الاحتجاجات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولدى "وحدة مشاة القوات الخاصة" العديد من الفروع وأهمهم على الإطلاق، وهم راكبو الدراجات النارية، وهي فرقة تدخل وسط حشود المحتجين بالدراجات النارية، لإثارة الرعب بينهم، وفي محاولة لتفريقهم، من خلال الدوران المستمر حول المتظاهرين.
كتائب الإمام علي
كتائب الإمام علي هي أحد الفروع التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي قد تأسست بشكل خاص لمواجهة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، تم تشكيلها بعد احتجاجات عام 2009، أو ما يعرف باسم "الحركة الخضراء".
يقول الصحفي الإيراني المقيم بالعاصمة الإيرانية طهران، لـ"عربي بوست"، إن "كتائب الإمام علي من أقوى المؤسسات الأمنية التي تتعامل مع المظاهرات في المدن الحضرية الكبيرة، ولديها الآلاف من العناصر الأمنية، كما أنها تُعتبر جزءاً من قوة المشاة التابعة للحرس الثوري".
ويضيف المصدر ذاته، قائلاً لـ"عربي بوست": "كتائب الإمام علي كان لها تأثير كبير على إنهاء الاحتجاجات الأخيرة في عام 2019، ومتواجدة الآن بقوة في الشوارع في أنحاء البلاد، وتشتبك مع المتظاهرين".
وحدة ثأر الله
وحدة "ثأر الله"، هي واحدة من أقدم وأهم الفروع العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، تم تأسيسها مع بداية تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، وشاركت في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات.
وكانت وحدة "ثأر الله" تقوم بعمل "دوريات الإرشاد" الحالية في السنوات الأولى لتنفيذ قانون الحجاب الإلزامي على النساء في إيران، كما أنها كانت تساعد اللجان الثورية في مراقبة المعارضين للجمهورية الإسلامية، وأنصار الشاه محمد رضا بهلوي، آخر ملوك إيران.
أصحاب اللباس المدني
من ضمن القوات التي تواجه الاحتجاجات في إيران، فرقة من العسكريين لكن عادة ما تتم مشاهدتهم وسط حشود المحتجين بلباس مدني، يقول الصحفي الإيراني المتابع لملف الحركات الاحتجاجية الإيرانية، لـ"عربي بوست".
وأضاف المتحدث أن "أصحاب اللباس المدني ينقسمون إلى فريقين، فريق منهم يرتدي غالباً الملابس السوداء، ويشكلون الخط الأمامي للقوات الأمنية خلال الاشتباك مع المتظاهرين، والفريق الثاني يندس وسط المتظاهرين، يحاول إثارة غضبهم أكثر، واستدراجهم لأعمال الشغب والعنف".
في الاحتجاجات الأخيرة، انتشرت شائعات بين أنصار الحكومة الإيرانية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة بالفارسية، ووسائل الإعلام الإيرانية المؤيدة للحكومة، تقول إن المتظاهرين يحرقون المساجد والقرآن الكريم في بعض المناطق.
في هذا الصدد، يقول الصحفي الإيراني الذي تحدث لـ"عربي بوست"، "من الممكن أن يكون من حرق المساجد هم أصحاب اللباس المدني المندسون وسط المحتجين، سبق وحدثت فى مظاهرات 2019، عندما شوهدت هذه العناصر ليلاً وتُحرق وتُكسر الممتلكات العامة، لتشويه سمعة المحتجين، وفي نفس الوقت لا أنكر انجرار بعض المتظاهرين إلى أعمال الشغب".
الأجهزة الاستخباراتية
بجانب القوات العسكرية وشبه العسكرية، هناك حوالي ما يزيد عن عشرة أجهزة استخباراتية إيرانية، مهمتها مراقبة المحتجين والنشطاء السياسيين، لاحكام سيطرة الحكومة على أي حركة احتجاجية.
يقول الصحفي الإيراني الذي يغطي الاحتجاجات الحالية لـ"عربي بوست"، "العناصر الاستخباراتية، مهمتها جمع المعلومات حول المتظاهرين ومراقبتهم ومعرفة أماكن سكنهم، بالإضافة إلى النشطاء السياسيين والصحفيين والمصورين، لتسهيل عملية اعتقالهم فيما بعد".
الباسيج
هو فصيل مسلح شبه عسكري، يعتمد على الآلاف من المتطوعين من الرجال والنساء، تم تأسيسه في عام 1979، بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كما شاركت قوات الباسيج في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات.
وقبل إعادة هيكلتها في أوائل التسعينات، كانت قوات الباسيج من ضمن القوات المسؤولة عن حماية الأخلاق في الشارع الإيراني، ومراقبة تنفيذ النساء الإيرانيات للحجاب الإجباري وقواعد اللباس الإسلامي.
وفي عام 2009، بعد الاحتجاجات العارمة التي شهدتها إيران، في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في نفس العام، "الحركة الخضراء"، تم دمج وحدات الباسيج ضمن القوات البرية للحرس الثوري الإيراني.
وبحسب المسؤولين والسياسيين الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن نجل المرشد الأعلى الإيراني، مجتبي خامنئي، يسيطر بشكل كبير على قوات الباسيج، التي كان لها دور كبير في قمع الاحتجاجات عام 2009.
يقول الصحفي الإيراني المقيم في طهران لـ"عربي بوست"، "الباسيج هم أهم وأقوى مؤسسة أمنية تتعامل مع المظاهرات، بل هم أهم مؤسسة تلعب الكثير من الأدوار في الحياة الاجتماعية والسياسية في إيران، لا يوجد رقم محدد للقوة البشرية للباسيج، ولكن بعض التقديرات تقول إن قوات الباسيج تقدر بنحو 6 ملايين شخص".
ومن أهم المهام الموكلة إلى قوات الباسيج، قمع المعارضين السياسيين داخل إيران، وهي القوة الهامة التي تم استخدامها لإنهاء الاحتجاجات الطلابية الكبيرة في عام 1999.
يقول الصحفي الإيراني الذي يتابع الاحتجاجات الحالية عن كثب لـ"عربي بوست"، "أفراد الباسيج هم من أوائل العناصر الأمنية التي تنزل إلى الشوارع لمواجهة المحتجين، وهم الآن موجودون بكثافة في كل شوارع إيران.
وأضاف المتحدث أنهم قوة صارمة في قمع أي احتجاجات مناهضة للحكومة، والقيادة الإيرانية تعتمد عليهم بشكل كبير في إنهاء أي احتجاج.