أوردت المواقع المختصة بتعقّب الطائرات خبر اقتراب جهوزيّة الطائرة الرئاسية المصرية من نوع بوينغ 747-8i، بعد إرسالها للطلاء في مطارٍ إيرلندي الأسبوع الماضي، مع تزايد التكّهنات عن المبالغ المدفوعة للطائرة الرئاسية الجديدة.
وعند البحث عن هذه الطائرة، وجدنا في "عربي بوست" أن لهذه الطائرة حكاية خاصّة، إذ صُنعت لتخدم غاياتٍ تجارية، لكن الشركة التي طلبتها رفضت استلامها، لتبقى في "مقابر الطائرات" لسنين طويلة دون حراك.
إليكم القصة الكاملة عن الطائرة الرئاسية الجديدة، ومميزاتها التي تجعل بعض الدول تحاول اقتناءها، والدول والشركات التي لديها منها.
رفضتها شركة طيران ألمانية وأُرسلت للتخزين
جاء طلب الحكومة المصرية لهذه الطائرة العملاقة، لتعيدها للحياة للمرة الأولى بعد أن قضت معظم عمرها مُخزّنة في مقابر طائرات وكراجات مختلفة في الصحارى الأمريكية.
بدأت رحلة هذه الطائرة مع طلبِ شركة لوفتهانزا الألمانية أسطولاً من طائرات بوينغ، ذات الطراز الأحدث (بوينغ 747-8) عام 2011 من الشركة المصنّعة، على أن يجري تسليمها بين عامي 2012 و2015.
وكان من المقرر تسليم 20 طائرة من هذا النوع للشركة الألمانية، لكن شركة بوينغ طلبت أن تُبقي واحدة من الطائرات لإخضاعها لبرنامج اختبار، على أن تُرسل بعد الانتهاء.
لكن لوفتهانزا اكتفت بالطائرات التسعة عشر التي لديها، وانسحبت من طلب الطائرة العشرين تلك لاحقاً، لتبقى الطائرة التي تحمل الرقم التسلسلي MSN 37826 في عهدة شركتها المصنّعة.
ويعود سبب رفض شركة لوفتهانزا للطائرة، لأن شركة بوينغ أخضعتها لاختبارات طيران على نحوٍ مكثّف، أكثر مما اتُّفِق عليه في التعاقد، وفقاً لمجلّة Flug Revue الألمانية المتخصصة بالطيران والسفر إلى الفضاء.
وتقول المجلة إن الطائرة ربما خضعت للعديد من التغييرات الفنية التي جعلتها مختلفة عن إخواتها التسع عشر، لا سيما أن شركة لوفتهانزا معروفة بشراء مجموعات الإنتاج المترابطة كلما أمكن، وذلك لتسهيل أمور الصيانة.
في ديسمبر/كانون الأول 2014، أُعيد تسجيل الطائرة تحت رقم N828BA وملكية شركة بوينغ، لتمضي بعدها 6 سنين من التخزين، والنقل إلى مكانٍ آخر لإعادة تخزينها من جديد.
ووفقاً لموقع تعقّب الطائرات الألماني Plane Spotters، تُركت الطائرة قرابة العامين -من مايو/أيار 2015 إلى يوليو/تموز 2017- في مطار Pinal Airpark الإقليمي في أريزونا، الذي يُعدّ مقبرة الطائرات الأكبر في أمريكا، وواحداً من أكبر مخازن الطائرات في العالم.
ومن ثم تبع ذلك تخزينها لأشهر متعددة عام 2018 في قاعدة لاكلاند الجوية في تكساس، ومن ثم التوقف الأطول كان في مطار فيكتورفيل في صحراء موهافي الأمريكية، حيث بقيت هناك أكثر من 3 سنين حتى أغسطس/آب 2021.
تجهيز الطائرة للزبون المصري
بقيت الطائرة بألوان شركة لوفتهانزا الألمانية، إلى أن أتى شركة بوينغ حجزاً لشرائها من عميلٍ جديد لم يُعلن اسمه في وقتها، وبدأت الشركة بتجهيز الطائرة لمالكها المُقبل بعد 11 سنة من التأخر عن الدخول في الخدمة.
في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، سجّلت الطائرة رحلتها الأولى على الإطلاق خارج الأراضي الأمريكية، حيث وصلت إلى مطار هامبورغ في ألمانيا، وظهر على ذيلها التسجيل الجديد تحت اسم SU-EGY، ما أكّد تخمينات المراقبين بأنها ستُرسل للرئاسة المصرية.
بقيت الطائرة مُخزنة في مطار هامبورغ قرابة 10 أشهر، وقد استلمتها هناك شركة لوفتهانزا تكنيك الألمانية المتخصصة بصيانة وإصلاح الطائرات المدنية، من أجل إجراء تعديلات على مقصورتها وتصميمها الداخلي هناك لتُصبح طائرة نفاثة تليق بالشخصيات المهمة (الـVIP).
وأخيراً، حلّقت الطائرة من مطار هامبورغ في أغسطس/آب 2022 إلى مطار شانون الإيرلندي، حيث ستقوم شركة IAC الأمريكية بطلائِها وفقاً لما أورده موقع Simply Flying المتخصص بالطيران، وقد بنت الشركة مؤخراً حظيرة كبيرة بما يكفي لاستيعاب حتى أكبر طائرات الركاب في العالم.
ورغم سنين التخزين الطويلة، فإن الطائرة تعد صغيرة بالعمر من الناحية الفنيّة وفقاً لموقع aero الألماني المختصّ بمعلومات الطيران، فالطائرة لم تطِر إلا لساعات قليلة منذ أن بُنيت، كما أن شركة بوينغ قد أجرت ترقيات متعددة على الطائرة وإصلاحات هيكلية باهظة الثمن عام 2015.
ما مميزات طائرة الرئاسة الجديدة؟
تلقّب طائرات بوينغ 747-8 بملكة السماء لحجمها الهائل، وهي من ضمن الجيل الرابع للطائرات النفاثة التجارية من طراز بوينغ 747، وثالث أكبر الطائرات التجارية في العالم.
وتُعد نسخة 747-8i التي صنُعت الطائرة المصرية على طرازها، أطول طائرة ركاب في العالم.
وتصف شركة بوينغ دفعة طائرات 747-8i التي سلمتها لشركة لوفتهانزا بأنّها تحلق لمسافة أبعد وأسرع من أي طائرة بوينغ 747 سابقة، مع أعداد أكبر من الركاب والبضائع، كما أنها أكثر نظافة وهدوءاً وفعالية في استهلاك الوقود من جميع النسخ السابقة.
كما تتميز بأحدث تصاميم بوينغ للأجنحة والمحركات في الصناعة، مع تصميم داخلي مستوحى من طائرات بوينغ دريملاينر.
ويدرج موقع بوينغ المميزات المتعددة لنوع طائرات 747-8، فحجمها الهائل يمكّنها من نقل حمولة تعادل 10767 سبيكة ذهب من فورت نوكس.
وتُمكّن التكنولوجيا الحديثة لمحرّكاتها من نوع GEnx-2B من الطيران بسرعة تجعلها تقطع ثلاثة ملاعب كرة قدم بالطول في ثانية واحدة.
وتبلغ هذه الطائرات من الضخامة، بأن ذيلها يعادل طوله بناء من 3 طوابق (قرابة 20 متراً)، كما أن طول الطائرة يصل لـ76.3 متر مع ارتفاع 19.4 متر، وطول جناحيها 68.4 متر.
وبصورةٍ عامة، تُشعر طائرات بوينج 747 بنسخها المختلفة ركّابها بالرهبة لضخامة حجمها وشكلها الفريد وتقنيتها الفائقة التطور، وقد عبّر أول مراسل طيران لصحيفة فايننشال تايمز عن دهشتِه إزاء تجربته لبدايات طائرات بوينغ في السبعينيات، قائلاً إن ركوب الطائرة يشبه "دخول مسرحٍ خاص".
ولم تصرّح شركة لوفتهانزا تكنيك عن نوع التعديلات التي أجرتها على الطائرة الرئاسية لتحوّلها من طائرة مجهزة للاستخدام التجاري إلى التنقّل المناسب للمسؤولين، لأن الشركة ترفض تقديم أيّ معلومات عن العملاء والطائرات المصنّفين ضمن قسم "خدمات طائرات كبار الشخصيات والمهمات الخاصة".
من يمتلك مثل هذه الطائرة في العالم؟
بامتلاك طائرة بوينغ 747-8، تنضمّ مصر إلى دولٍ قليلة من العالم ممن يضعون هذا النوع في خدمة المسؤولين الحكوميين.
ووفقاً لما ينقله موقع Simply Flying، فإنّ كلاً من كوريا الجنوبية والكويت والمغرب وعمان وقطر تستخدم طائرات بوينغ 747-8 ونسخها لتنقل المسؤولين الحكوميين.
وكان الطيران الأميري القطري (Qatar Amiri Flight) يشغّل طائرتين من طراز بوينغ 747-8، لكن أمير قطر منح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واحدة منهما عام 2018، وكانت قيمتها تبلغ حوالي 500 مليون دولار آنذاك.
تضم الطائرات الرئاسية الأمريكية حالياً اثنتين من نوع بوينغ 747، لكن من طراز 747-200B وهي مُعدّة خصيصاً بتقنيات اتصال وتكنولوجيا متطورة مناسبة للعمل كمركز قيادة متنقل عند الطوارئ، وفقاً لموقع البيت الأبيض، ووفقاً لما أورده موقع شركة بوينغ، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد طلبت استبدالهما بطائرات بوينغ 747-8 حديثاً، ليصبح هذا النوع المكوّن المستقبلي للأسطول الرئاسي الأمريكي.
أما على الصعيد التجاري، فما تزال طائرات بوينغ 747-8i تعمل مع شركة الطائرات الألمانية السابق ذكرها، إذ لا يزال قرابة نصف دفعة الطائرات المصاحبة للطائرة المصرية في الخدمة، وكذلك توجد هذه الطائرات لدى الخطوط الجوية الكورية والصينية.
علماً أن أغلب شركات الطيران حول العالم تتجه لإرسال طائرات بوينغ 747 لديها للتقاعد، وذلك لظهور طائرات أصغر وأفضل كفاءة في استهلاك الوقود.