لا تنتهي الخلافات التي يثيرها رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، والتي كان آخرها مكالمته المسربة مع أحمد دياب، رئيس رابطة الدوري المصري وعضو مجلس الشيوخ المصري عن حزب مستقبل وطن، وهي المكالمة التي حفلت بالسباب المتبادل بألفاظ يعاقب عليها القانون.
تجاوزات رئيس الزمالك طرحت سؤالاً في الشارع المصري لم يجد له إجابة حتى الآن، وهو عمَّن يحمي مرتضى منصور بالشكل الذي يمنحه الجرأة للتطاول على كل المسؤولين في مصر؛ من أول رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ورئيس النادي الأهلي محمود الخطيب ورئيس الاتحاد الدولي لكرة اليد حسن مصطفى وغيرهم الكثير.
"عربي بوست" تحدث مع عدد من المقربين من منصور ودياب؛ لمعرفة سر الأزمة بينهما، كما تحدث مع مسؤول سابق في جهاز سيادي مصري لتبيّن حقيقة ما يتردد في مصر عن تمتُّع مرتضى بحماية من جهاز سيادي مهم.
صراعات في الكواليس بين أجهزة سيادية
في البداية علَّق المسؤول السابق بالجهاز السيادي، في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، على الأزمة الأخيرة بين مرتضى وأحمد دياب، فوصف المكالمة المسربة بأنها سباب "بالوكالة" بين الأجهزة السيادية في مصر، وهو الأمر الذي يكشف إلى أي درجة وصل التنافس والصراع بين تلك الأجهزة على النفوذ.
قال إن لديه معلومات بأن رئيس نادي الزمالك تم تحريضه قبل أسابيع للتطاول على رئيس رابطة الدوري المصري المحسوب على جهاز سيادي، مشيراً إلى أن المكالمة المسربة حدثت قبل فترة من الوقت الذي أذيعت فيه، وغالباً كانت في بداية شهر مايو/أيار الماضي، وهو الوقت الذي تلقى فيه مرتضى تعليمات الجهاز السيادي بالهجوم على دياب، مدللاً على صحة كلامه بالموقف السلبي لوزير الرياضة المصري أشرف صبحي من الأزمة حين اكتفى بترديد عبارات جوفاء عن أن هناك قانوناً في الدولة.
وأضاف المسؤول أن خطة الهجوم بدأت بتصريحات أمير نجل مرتضى والمشرف على الكرة بالزمالك ضد دياب، وأنه لا يجوز له رئاسة رابطة أندية الدوري التي تم إطلاقها في بداية الموسم الكروي الحالي؛ كونه يشغل منصب رئيس شركة نادي فيوتشر لكرة القدم، وهو أحد الأندية المتنافسة في الدوري المصري الحالي.
ثم كانت الخطوة الثانية في الخطة بالمكالمة التي أجراها مرتضى مع دياب؛ حيث يُظهر الجزء المحذوف منها استفزاز رئيس الزمالك الواضح لرئيس الرابطة بهدف إخراجه عن هدوئه ومجاراة مرتضى في تبادل الألفاظ الخادشة للحياء، مشيراً إلى أن الجزء المحذوف من المكالمة يُظهر أن دياب كان يتعامل مع مرتضى بأدب واضح وكان يخاطبه مستخدماً لقب سيادة المستشار.
وحول ما قاله رئيس الزمالك في تصريحات تالية لتسريب المكالمة من أن هناك شخصاً يعرفه قام بتسريب المكالمة حتى يوقع بينه وبين أحمد دياب، قال المسؤول السابق إن ما تم تسريبه من المكالمة هو الجزء الخاص بسباب دياب فقط، في حين اكتفى مرتضى بإعادة ألفاظ السباب التي كان يقولها دياب، وكأنه يهدف لتوثيقها، كما أنه ردَّد عدة مرات خلال الجزء المسرب عبارة "خلّي اللي بيحموك ينفعوك"، في إشارة إلى أن أحمد دياب يتمتع بحماية جهاز سيادي في الدولة.
في السياق نفسه، قال مسؤول سابق في الاتحاد المصري لكرة القدم، في اتصال مع "عربي بوست"، إن أزمة مرتضى-دياب المشتعلة في هذه الأيام هي مجرد واجهة لما يحدث خلف الكواليس، مؤكداً أن لديه معلومات حول ضيق بعض الأجهزة السيادية في مصر من انفراد جهاز سيادي بالهيمنة على مقدرات كرة القدم في الفترة الأخيرة.
المخابرات العامة اختارت دياب لرئاسة رابطة الأندية رغم تواضع تاريخه الرياضي
وأضاف أن المشتغلين في الرياضة في مصر يعرفون أن المخابرات العامة هي التي تتولى كل ما له علاقة بالكرة المصرية منذ شهور، وأن الجهاز هو من اختار المرشحين في انتخابات اتحاد كرة القدم التي جرت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وقام باستبعاد هاني أبو ريدة، رئيس اتحاد الكرة السابق وعضو المكتب التنفيذي للاتحادين الإفريقي والدولي لكرة القدم، والرجل القوي في الكرة المصرية من الترشح، كما أن الجهاز قرر تصفية العاملين القدامى في اتحاد الكرة، وإبعاد كل من له شبهة علاقة بأبو ريدة، الذي فقد ثقة الجهاز السيادي منذ تورطه في التلاعب في انتخابات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم التي تم فيها انتخاب الملاجاشي أحمد أحمد رئيساً للكاف خلفاً للكاميروني عيسى حياتو الذي كانت مصر ترفض استمراره.
قبل ذلك اختارت المخابرات أحمد دياب رئيساً لرابطة أندية الدوري المصري، رغم أنه لا يملك تاريخاً في كرة القدم ولم يمارس اللعبة من قريب أو من بعيد، وكل علاقته بكرة القدم أنه رئيس تنفيذي لشركة فيوتشر التي تملك عدة شركات تحت مظلتها، منها نادي فيوتشر الذي تم إعلانه قبل بداية الموسم الحالي، حينما قامت الشركة بشراء نادي كوكاكولا الذي كان قد صعد إلى الدوري المصري الممتاز في ذلك الوقت، وتم تغيير اسمه إلى نادي فيوتشر.
كما أن المخابرات العامة هي من اختارت إيهاب جلال لتدريب المنتخب الوطني- بحسب المسؤول السابق في اتحاد الكرة- رغم أن أغلب أعضاء اتحاد الكرة كانوا يميلون لإسناد المهمة إلى حسام حسن، الذي يملك تاريخاً كبيراً كلاعب دولي، كما أن خبراته التدريبية أكبر من جلال، فضلاً عن امتلاكه شخصية قيادية يحتاجها المنتخب المصري بعكس جلال، لكنَّ رد الجهاز السيادي جاء قاطعاً وحاسماً وقتها بأن حسام حسن صديق شخصي لعائلة الرئيس الراحل حسني مبارك، واعتاد أن يلعب الكرة مع نجليه علاء وجمال، وأن الدولة في المرحلة الحالية لا تريد وجوهاً ترتبط بعلاقات مع أنظمة سابقة!
هذه الهيمنة، كما يقول المسؤول السابق، تسببت في حالة من الضيق لدى مسؤولي أجهزة سيادية أخرى، في ظل التنافس بينها على توسيع مساحة نفوذها داخل قطاعات الدولة المصرية، ولهذا قامت بتأليب مرتضى منصور ضد أحمد دياب المدعوم من المخابرات العامة.
علاقة مرتضى منصور الودية مع المشير طنطاوي
لكن يظل السؤال الذي يشغل الشارع المصري قائماً، وهو مَن يحمي مرتضى منصور وتجاوزاته في حق جميع العاملين في الوسط الرياضي؟! مصدر مقرب من عائلة رئيس نادي الزمالك قال إن المستشار كان قريب الصلة جداً من وزير الدفاع الراحل المشير حسين طنطاوي الذي كان معروفاً للقريبين منه بأنه مهووس بكرة القدم، وكان يمارسها بانتظام رغم تقدمه في العمر حتى اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2011 وانشغاله بالأمور السياسية، بعد أن تولى المجلس العسكري قيادة البلاد عقب تنحي مبارك، كما كان معروفاً عنه تشجيعه لنادي الزمالك وارتباطه بعلاقات جيدة مع العديد من نجوم النادي ورموزه ومنهم مرتضى منصور.
وأضاف قائلاً إن علاقة مرتضى مع طنطاوي وثقة الأخير فيه مهدت لفتح باب التعاون بين رئيس الزمالك والمؤسسة العسكرية وأجهزتها السيادية، وهو الأمر الذي أمّن لمرتضى الحماية من المساءلة رغم تجاوزاته العديدة في حق الكثيرين، مشيراً إلى أن تجميد مجلس مرتضى منصور في نهاية عام 2019 ومن قبلها إسقاطه في انتخابات مجلس النواب التي جرت في نفس العام، تم بعد استئذان المشير طنطاوي حسبما علم من أسرة مرتضى نفسها، حيث عرض المسؤولون في الدولة على المشير الراحل تسجيلات متداولة لرئيس الزمالك يقول فيها إن "البلد دي مفيهاش راجل"، وهو ما اعتبره البعض إسقاطاً من رئيس الزمالك على كل المسؤولين في مصر، ووقتها قال المشير لمن عرضوا عليه التسجيلات: "اعملوا معاه اللي انتو عايزينه".
لكن لم تمضِ شهور قليلة حتى عاد مرتضى إلى الأضواء مجدداً بقرار عودة مجلسه لإدارة نادي الزمالك واختفاء التحقيقات التي زعم وزير الرياضة المصري أشرف صبحي أنها تجري للبحث في مخالفات مالية وقع فيها مرتضى منصور، ويُرجع المصدر هذه العودة إلى الجهاز السيادي التابع للمؤسسة العسكرية الذي أقنع القيادة السياسية بأن مرتضى يلعب دوراً مهماً في شغل الشارع المصري بتجاوزاته، ويساهم في تنفيس المواطنين الغاضبين من الأحوال المعيشية الصعبة عن غضبهم حين يتبارون في انتقاده وربما حتى صب لعناتهم عليه، وفق ما قال المصدر.
قناعة في معسكر أحمد دياب بأن الهجوم عليه ليس عفوياً
في الجانب المقابل، حاول "عربي بوست" التواصل مع أحمد دياب، رئيس رابطة أندية الدوري المصري، للتعليق على ما جاء في المكالمة المسربة، إلا إنه لم يرد على الاتصالات، لكنَّ مصدراً مقرباً منه أقر في اتصال مع "عربي بوست" بوجود خطة تستهدف عضو مجلس الشيوخ، دون أن يحدد الجهة أو الأشخاص وراء هذه الخطة المزعومة.
وقال إن ما حدث يؤكد أن تطاول مرتضى على دياب لم يكن عفوياً؛ إذ ليس من المعقول أن يوجه رئيس الزمالك ونجله اتهامات مرسلة إلى رئيس رابطة الأندية في وقت واحد، وليس من المعقول كذلك أن أمير مرتضى استيقظ من نومه في شهر مايو/أيار بعد أكثر من 7 شهور على إنشاء رابطة الأندية؛ ليكتشف أن رئيسها يعمل في نادٍ منافس في الدوري، وبالتالي لا يحق له رئاسة الرابطة، فأين كان أمير من ذلك التجاوز المزعوم وقت حدوثه؟! كما أن تسريب جزء من مكالمة مرتضى مع أحمد دياب دون بقية المكالمة يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الهدف هو الضغط على المسؤولين لإبعاد دياب من منصبه.
ورفض المصدر الإجابة عن سؤال حول ما إذا كانت الحملة ضد دياب جزءاً من صراع غير معلن بين الأجهزة السيادية، قائلاً إنه لا يملك معلومات عن الأمر، مثلما أنه لا يعلم شيئاً عن ارتباط دياب بجهاز المخابرات العامة أو دوره في توليه رئاسة رابطة الأندية، لكنه أشار إلى أن دياب لم يخالف اللوائح حين تولى رئاسة الرابطة باعتبار أنه لا يملك منصباً تنفيذياً في نادي فيوتشر الذي ينافس في الدوري المصري، ولكنه يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة فيوتشر التي تمتلك عدة شركات منها النادي الرياضي.
كما رفض المصدر الإجابة عن سؤال "عربي بوست" حول ما إذا كان دياب نفسه هو من قام بنشر الجزء المحذوف من مكالمته مع مرتضى منصور، أو قام جهاز سيادي بذلك نيابةً عنه، مكتفياً بالقول إن هناك رجالاً في مصر يرفضون الظلم وربما تدخلوا لدعم دياب بعدما رأوا أنه تعرض للظلم أمام الحملة الشرسة التي يتعرض لها دون سبب.
جدير بالذكر أن أحمد دياب، المولود في عام 1978، هو نجل إحسان دياب، وهو أحد نواب البرلمان المصري في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وكان أحد المتهمين في قضية شهيرة بمصر في ذلك الوقت عُرفت باسم "نواب القروض"؛ حيث أدين 19 نائباً برلمانياً بالاستيلاء على حوالي 4.2 مليار جنيه مصري من البنوك بضمانات وهمية ثم تهربوا من السداد، وعوقب دياب بالسجن لمدة 15 عاماً، لكنه مع متهمين آخرين في نفس القضية عقد تسوية لسداد القروض التي حصلوا عليها بموافقة البنك المركزي ليتم الإفراج عنه، ثم ألقي القبض عليه مجدداً عام 2009 بتهمة انتهاك عقود التسوية والاحتيال عليها.