لا يوجد قائد بلد في العالم لا يحيط به رجال ونساء يثق فيهم ويُخلصون له، ولقائد المغرب الملك محمد السادس أشخاص معينون اختارهم بدقة بالغة، يعملون معه ويستشيرهم لتسيير الأمة، هؤلاء يُطلق عليهم اسم: مستشارو الملك.
الملك محمد السادس كوالده الراحل الملك الحسن الثاني، دأبا على اختيار مستشارين لهم من رجال ونساء أمسكوا مراكز المسؤولية في البلاد، وراكموا تجارب وخبرات فحصلوا على مركز الثقة لدى القصر.
يروي الراحل عبد الهادي بوطالب، أن الملك الحسن الثاني حينما اختاره رفقة ثلاثة مستشارين آخرين، خطب فيهم قائلاً: "مهمتكم أن تتابعوا عمل الوزراء، وتكونوا واسطة بيني وبينهم فيما يبعثونه إلى الديوان الملكي، وتقدموه إلي مع مقترحاتكم عليه، وتقترحون علي أفكاركم بشأنه، لأتخذ القرار على ضوء ذلك".
في هذه الرواية التي قدمها كتاب "نصف قرن من السياسة" للمستشار الراحل عبد الهادي بوطالب، تبدو المهمة واضحة وسهلة، لكن الواقع يقول إن وظيفة المستشار الملكي واحدة من المهام الأكثر غموضاً وسرية في النظام السياسي في المغرب، وذلك نظراً لما أثير دوماً حول تدخل نتائج المستشارين في عمل الحكومة والمؤسسات المغربية.
من هو المستشار الملكي؟
يقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أحمد بوز، أن الأمر يتعلق بوظيفة تحاط بكثير من الغموض وليس من السهل فهمها أو الوقوف على تفاصيل دقيقة حول كيفية ممارستها، فهي غير مؤطرة بنص قانوني، باستثناء ظهير التعيين الذي يشير عادة إلى تعيين شخص معين في هذا المنصب، وليس هناك أي سند آخر قانوني يسمح لنا بمعرفة حقيقة هذه الوظيفة وحدودها.
ويضيف أحمد بوز في تصريح لـ"عربي بوست"، "من خلال تتبع واقع الممارسة يمكن القول إن الأمر يتعلق بأشخاص يجري تعيينهم بناء على الثقة فيهم، إذ يُعد المستشارون من خلصاء الملك، لذلك قال الملك الراحل الحسن الثاني، بحسب رواية الراحل عبد الهادي بوطالب، إنه يمكن أن يستقبلهم حتى في فراش نومه".
وأشار المتحدث إلى أنه "وبناء أيضاً على التراكم الذي يمكن أن يكونوا قد حققوه في مجالات اشتغالهم إما كوزراء سابقين أو كمسؤولين في مناصب ومهام معينة. وكذا بأشخاص يلعبون أدواراً مهمة في الحياة السياسية المغربية، تعد امتداداً للوظائف التي يقوم بها الملك، الذي يستمدون منه سلطتهم لأنهم يعينون بظهير ملكي".
ويسجل بوز "لا تنحصر وظيفتهم في تقديم الاستشارة إلى الملك في الملفات والقضايا التي يطلب منهم رأيه فيها، وهذا هو الدور الطبيعي، وإنما يتجاوز ذلك إلى لعب دور الوساطة في العلاقة مع الحكومة ومع الأحزاب السياسية ومع فاعلين آخرين، وحتى مع دول ومسؤولين بدول كحاملي رسائل مثلاً".
معايير اختيار المستشارين
"أنا لا أختار مستشاراً لي إلا من تقلّب في وظائف وزارية كبرى ونجح فيها، وإلا من يتوفر على التكوين السياسي لرجل الدولة، والمستشارون هم خُلصائي وجلسائي المقربون إلي. فلا اختارهم إلا من بين الذين يعرفونني ويعرفون توجهاتي وممن لا يضايقني أن أستقبلهم ولو في غرفة نومي وحتى من دون أن أكون قد غادرت الفراش".
هكذا قدّم عبد الهادي بوطالب روايته حول اختيارات الحسن الثاني لمستشاريه، فعلى مستوى العدد، كان مستشارو الحسن الثاني معدودين على أصابع اليد الواحدة، حيث تشكل فريق مستشاري الملك الراحل من أربعة مستشارين، وهم محمد رضا كديرة، وإدريس السلاوي، وأحمد بن سودة، وعبد الهادي بوطالب.
الرابط بين هؤلاء الأربعة هو كونهم عملوا وزراء في حكومات المغرب الأولى بعد الاستقلال، كما أنهم تمتعوا بنوع من الصداقة والقرب من الملك الراحل.
ولأن مسؤولية الملك تكمن في استمرار الدولة، فلقد سارع الحسن الثاني قبل رحيله، وبعد تأكده من مرض الموت الذي أصابه، (سارع) إلى تعيين مستشارين جدد، بهدف مساعدة الملك القادم على تدبير شؤون الحكم، فألحق كلاً من المرحومين عبد العزيز مزيان بلفقيه، وزليخة نصري، كما أضاف محمد المعتصم، وعباس الجراري، وأندري أزولاي (يهودي الديانة).
وعلى غير عادته، لم يكن كل المستشارين الذين اختارهم الحسن الثاني لمرافقة ولي العهد من الوزراء، فباستثناء بلفقيه ونصري، اللذين سبق لهما العمل داخل الحكومة، كان الثلاثة الآخرون من ذوي الخبرات القانونية (معتصم)، والثقافية/الدينية (الجراري)، والإعلامية/المالية (أزولاي).
أما الجيل الثالث من المستشارين فسيعلن عنه رسمياً في الفترة بين حراك 20 فبراير 2011، وبعيد تشكيل حكومة عبد الإله بن كيران الأولى، في يناير/كانون الثاني 2012.
حيث عين العاهل المغربي الملك محمد السادس مستشاريه وهم المرحوم مصطفى الساهل (الداخلية)، وعمر عزيمان (العدل)، ثم فؤاد عالي الهمة (الداخلية)، وياسر الزناكي (السياحة)، والطيب الفاسي الفهري (الخارجية)، ناهيك عن رئيس اللجنة الملكية المكلفة بتعديل الدستور عبد اللطيف المنوني.
ويمكن القول إن فترة الملك محمد السادس عرفت أكبر عدد من المستشارين، بحيث انتقل العدد من أربعة في عهد الحسن الثاني، إلى 13 مستشاراً معروفاً توفي منهم ثلاثة، وبقي منهم عشرة على الأقل في عهد محمد السادس، بعد إضافة محمد ياسين المنصوري، ومحمد منير الماجدي.
لكل مستشار ملفه الخاص
يقول أحمد بوز، "واقع الممارسة الاستشارية يسمح لنا أيضاً بتبين أن الأمر يتعلق بوظيفة موزعة بين مستشارين بحسب ملفات محددة، إذ يمكن من خلال طبيعة الرسائل التي يقرأها المستشارون، أو طبيعة المهام التي يُكلفون بها، أو نوعية المناسبات التي يحضرونها، وأحياناً من خلال بعض المؤسسات التي تُسند إليهم رئاستها، معرفة مجال اشتغال كل مستشار من المستشارين".
هذا الحديث تدعمه شهادة المستشار السابق عبد الهادي بوطالب، الذي كشف الملفات التي كان يشرف عليها هو وزملاؤه في مذكراته (نصف قرن من السياسة)، "كان رضا كديرة يشرف على وزارتي الخارجية والداخلية، وإدريس السلاوي على وزارات المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة، وأحمد بن سودة على وزارتي الشبيبة والرياضة، والأوقاف والشؤون الإسلامية، وعبد الهادي بوطالب على وزارات العدل والإعلام والتعليم وشؤون البرلمان".
هذه التخصصات والعمل على الملفات لم يتسن للناس التعرف عليها إلا من خلال "شهادة" بوطالب، غير أنه في العهد الحالي لا وجود لشهادات مشابهة، غير أن كثرة الشواهد والأدلة على تخصص بعض المستشارين في بعض الملفات تساعد على فهم طبيعة الوظائف الموكلة إلى كل مستشار.
فؤاد عالي الهمة.. ظل الحاكم
فؤاد عالي الهمة زميل دراسة الأمير سيدي محمد على مقاعد المدرسة المولوية (مدرسة الأمراء داخل القصر الملكي، يجمع فيها التلاميذ المتفوقين دراسياً من مختلف مدن المغرب، بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي) الذي درس معه، وكان زميله وظله ورجل ثقته ولم يفارقه إلى اليوم.
فؤاد عالي الهمة القادم من بنجرير (شمال مراكش)، تكلف قبيل وصول الأمير سيدي محمد إلى العرش بالعمل داخل وزارة الداخلية، وبعد تولي الملك محمد السادس الحكم عين بمهمة كاتب وزارة الداخلية، ليصبح وزيراً منتدباً في هذه الوزارة من سنة 2002 إلى 2007.
"السي فؤاد" أو "الحاج" كما يحب الجميع مناداته، صاحب مشروع مواجهة الإسلاميين، قرر الترشح لبرلمان 2007، حيث حقق نجاحاً كبيراً، ثم أسس "حركة لكل الديمقراطيين" في نفس السنة، وبعدها أسس حزب الأصالة والمعاصرة في 2008، قبل أن يستقيل منه في 2011 بعد تعيينه مستشاراً ملكياً.
تقول الشهادات التي جمعها "عربي بوست" إن "السي فؤاد" بحكم عمله السابق في الداخلية، مكلف بالجانب السياسي والأمني، لكن الملاحظ أن عالي الهمة، أصبح شبيهاً بظل الحاكم، ويرافق الملك في جميع تحركاته ولقاءات العمل وبعض تنقلاته الخاصة، ما يعني إشرافه على كثير من الملفات.
محمد ياسين المنصوري.. الأمن
"ولد الفقيه" عاش نفس مسار "سي فؤاد"، حيث تعرف على زميله محمد السادس في المدرسة المولوية، انطلقت مسيرته من وزارة الداخلية في 1999، قبل أن يتولى إدارة وكالة المغرب العربي للأنباء (رسمية).
وبعد سنوات في هذا الملف، سيتم تعيينه رئيساً للمديرية العامة للدراسات والمستندات (المخابرات الخارجية)، ليصبح بذلك أول مدني يدير مصلحة مكافحة التجسس الأجنبي في المملكة.
يجمع المنصوري بين صداقة تاريخية للملك، كما يعمل على ملف الأمن الخارجي للدولة، وهاتان الصفتان خولتاه بحسب الشهادات الحضور الدائم في الدائرة الضيقة لصناعة القرار لدى الملك، باعتباره مستشاراً "فوق العادة".
وتفيد الشواهد بأن دور المنصوري تراجع نسبياً لصالح صعود نجم عبد اللطيف الحموشي، الذي أصبح جزءاً من البنية الضيقة لصناعة القرار الأمني في المغرب داخلياً وخارجياً.
الطيب الفاسي الفهري.. الخارجية
بعد مسار تكويني في التحيل والاقتصاد السياسي بفرنسا، يتم تعيين الطيب الفاسي الفهري عام 1986 رئيس قسم التعاون بشؤون الاتحاد الأوروبي بوزارة الخارجية.
هذا التعيين كان بداية مسار من التدرج الوظيفي السريع، ففي عام 1989 أصبح مديراً للشؤون الخارجية بالوزارة، وأصبح في 1993 وزير الدولة المعني بالشؤون الخارجية والتعاون، وهو منصب ظل فيه إلى 2002.
عمل الطيب وعلاقاته يسرت له في 2002، تحقيق ما تعتبره الرباط نجاحاً في المفاوضات التي أثمرت توقيع اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وهو الملف الذي خوله الحصول على منصب وزير منتدب للشؤون الخارجية، قبل أن تتم تسميته وزيراً للخارجية في 2007، وهو المنصب الذي ظل فيه إلى حين تعيينه مستشاراً ملكياً في 2012، بعد وصول إسلاميي العدالة والتنمية للحكومة.
تنسب للطيب الفاسي الفهري بصمات على السياسة الخارجية للمغرب منذ اختياره مستشاراً للملك، انعكست في عناوين من بينها "تنويع الشركاء الاستراتيجيين" للمغرب، و"السياسة الإفريقية"، وكذلك "التطبيع مقابل الصحراء".
عبد اللطيف المنوني.. رجل القانون
بعد نجاحه في إدارة ملف المشاورات مع الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني حول تعديل الدستور، بعد موجة 20 فبراير/شباط بالمغرب، أصبح عبد اللطيف المنوني، مستشاراً ملكياً في 2011.
الحديث اليوم عن مسؤولية المنوني عن إدارة الحوار مع الحكومة في المسائل القانونية، خاصة حول مشاريع القوانين التنظيمية التي تعرض وجوباً في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك.
المنوني كأستاذ سابق للملك، وإدارته الناجحة لمشاورات الدستور، وإشرافه على الملفات القانونية، رفعت مكانته، وذهبت الشواهد إلى أنه هو من تكلف بإعداد قانون مجلس الوصاية الذي يحدد ترتيبات انتقال الحكم في حال وفاة الملك قبل بلوغ ولي العهد سن الرشد.
ويذهب الحديث أيضاً عن كونه ساهم بشكل كبير في تعيين أمينة المريني، رئيسة للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.
محمد منير الماجدي.. كاتب الملك
مدير الكتابة الخاصة للملك منذ 2000، ولكن قبل ذلك كان زميل دراسة الملك منذ المدرسة المولوية، عهد إليه بتدبير ملف ثروة الأسرة الملكية من خلال إدارة شركة "المدى"، كما أنه يملك حضوراً قوياً في الاقتصاد والإعلام والثقافة.
غير أن الملاحظ أن حضور الماجدي تراجع في السنوات الأخيرة، ولم يعد يثار اسمه إلا نادراً من قبيل "أوراق بنما"، التي تحدثت عن تحويل الأموال إلى ما يعرف بـ"الملاذات الآمنة".
سبق للماجدي أن ترأس جمعية مغرب الثقافات التي تشرف على مهرجان "موازين"، وبعد احتجاجات شعبية وحزبية قرر الاستقالة من رئاسة الجمعية في 2015.
تجمع الشواهد على أن هؤلاء الخمسة يعتبرون أشهر مستشاري الملك محمد السادس في الوقت الحالي، لكن هناك أيضاً مستشارون آخرون يعملون معهم إما ضمن ملفات، وإما ضمن فرق عمل، كما يُضاف آخرون لتقديم الاستشارة عند الحاجة إليهم.
حكومة ظل
كثرة عدد المستشارين، وتنوع الملفات التي يعملون عليها، دفعت أحمد بوز إلى القول: "كون المستشار مرتبط مباشرة بالملك، سواء من حيث تعيينه أو من حيث طبيعة اشتغاله، أو من حيث المعلومات التي تتاح له، فإن هذا يقوي حضوره في الساحة السياسية، ويعطيه نفوذاً أكبر من الوزير، ويجعل المستشارين بمثابة "حكومة ظل"، أو لنقل حكومة فعلية في ظل نظام ملكي يتمتع فيه الملك بنفوذ قوي، ويلعب دوراً مباشراً ومحورياً في الحياة السياسية".
وتابع أحمد بوز، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "هذا الأمر وإن كانت الظروف السياسية التي مر منها المغرب في بداية العشرية الثانية من الألفية الثالثة، قد سمحت بالحديث عن بعض التحول على هذا المستوى، باستحضار معطيات الربيع العربي، ودستور 2011، والتغير الذي حدث في المشهد السياسي المغربي، إلا أن واقع الممارسة السياسية القائمة إلى اليوم تبين أن دور المستشارين ما زال كبيراً، فهم المعبرون عن الإرادة الملكية والمجسدون لها في تحركاتهم وأنشطتهم ولقاءاتهم وتصريحاتهم. كما تبين أن الطبقة السياسية والحزبية لا تزال تُمثل عملهم وتنظر إلى أدوارهم على هذا النحو، وتضعهم في موقع الصدارة مقارنة أحياناً بالمنتخبين، أي من يفترض فيهم أنهم يجسدون الإرادة الشعبية".
ويقدم بوز نماذج عن هذا الحضور القوي لمستشاري الملك، فهم "يقودون المفاوضات حول تشكيل الحكومة، فضلاً عن ذلك فإنهم قد يرأسون مؤسسات وهيئات معينة يمكن أن تشكل من خلال العمل الذي تقوم به تلك المؤسسات، تجاوزاً للقطاعات الحكومية التي يتقاطع عملها مع تلك المؤسسات، لما نستحضر مثلاً الدور الذي كان يلعبه المستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه في مجال التعليم".
وتابع "كما قد يعقدون ندوات صحفية أو مقابلات إعلامية لتوضيح جوانب معينة مثار الرأي العام، أو للرد على مواقف وآراء معينة، وهنا يمكن أن نستحضر مثلاً ظهور بعض المستشارين في فترة تعيين حكومة إدريس جطو في 2002، لما تولى كل من محمد معتصم وعبد العزيز مزيان بلفقيه الرد على ما أثير إعلامياً حول توزير أشخاص باسم حزب الاستقلال، كما يمكن أن نستحضر أيضاً كيف تولى المستشاران الملكيان أندريه أزولاي وعمر عزيمان الرد على حكومة التناوب التوافقي، عبر جريدة لوموند الفرنسية واتهامها بالضعف".
وخلص إلى: "ما يبدو مثيراً في مهمة المستشار الملكي، مقارنة بما هو موجود في تجارب أخرى، هو أن الأمر لا يتعلق بوظيفة تتم من وراء الستار، وإنما يتعلق الأمر بوظيفة مكشوفة، وتمارس بكيفية علنية".
ورطة العفو عن مغتصب أطفال
تمثل قضية العفو الملكي عن مغتصب الأطفال الإسباني "دانيال كالفان" واحدة من الهزات الاجتماعية العنيفة التي أصابت المغرب، حيث عرف المغرب مئات الأشكال الاحتجاجية وعلى امتداد البلاد في 2013 زاد من حدتها تورط مستشار الملك في العفو.
تفاصيل الواقعة عرضتها الصحافة الإسبانية التي روت أن الملك الإسباني السابق خوان كارلوس الأول خلال زيارته للمغرب، التمس في اليوم الثالث من الزيارة 17 يوليو/تموز من رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، ترحيل سجين إسباني مسن (74 سنة) اسمه أنطونيو غارثيا بيدرييل، لإتمام عقوبته بإسبانيا بحكم إصابته بالسرطان.
بن كيران أحال الملتمس إلى الملك محمد السادس، الذي أمر رئيس حكومته بحل الموضوع، في 19 يوليو/تموز 2013، عبر التنسيق بين وزارتي العدل المغربية والإسبانية.
غير أنه في 20 يوليو/تموز، اتصل مستشار الملك فؤاد عالي الهمة بالسفير الإسباني بالرباط، أنطونيو نافارو، ليبلغه باستياء القصر الملكي من كون الملتمس قدم إلى رئيس الحكومة عوض الملك، عارضاً "كرماً" كبيراً يقضي بترحيل جميع السجناء الإسبان في المغرب.
في 30 يوليو/تموز 2013، صدر بلاغ عن القصر الملكي المغربي أعلن عن تمتُّع 1044 من المحكومين أمام المحاكم المغربية بالعفو الملكي، وأكد البلاغ عن ورود 48 سجيناً إسبانياً ضمن اللائحة. ضمت اللائحة اسم دانييل كالفان، المدان في 2011 بالسجن 30 سنة بتهمة اغتصاب الأطفال.
فور صدور العفو الملكي، انتشرت الدعوات للاحتجاج على القرار، ففي 1 أغسطس/آب تعرضت عشرات الوقفات لتعنيف قوات الأمن، لكن حدة الغضب ازدادت، وتوجهت نحو الحكومة التي نفت مسؤوليتها على "العفو" وحملتها للديوان الملكي.
وبعد إصرار الحكومة على نفي مسؤوليتها، وازدياد الضغط الشعبي، أمر الملك بفتح تحقيق رسمي انتهى بتحميل المسؤولية لرئيس المندوبية السامية لإدارة السجون السابق حفيظ بنهاشم، الذي جرت إقالته.
غير أن الغضب استمر، ليقرر الملك لقاء أسر الأطفال الضحايا لتطييب خواطرهم، ويدعو وزارة العدل إلى القيام بجميع الإجراءات الكفيلة بإعادة "كالفان" للسجون المغربية.
تعد قضية العفو الملكي عن كالفان نموذجاً حياً للخطأ الذي يصدر من مستشار ملكي، وتكون آثاره كارثية، لأنه ووفق دراسات فإن جغرافيا الغضب على العفو عن مغتصب الأطفال تجاوز بكثير احتجاجات 20 فبراير/شباط 2011.
تقويم النموذج التنموي
تعكس فكرة النموذج التنموي أن العلاقة بين الديوان الملكي، ومستشاري الملك، والملك، مع الوزراء السابقين لا تنقطع، حيث رفعت فكرة النموذج التنموي من وزير سابق، وأصبحت بعد سلسلة من الخطوات خارطة طريق إخراج المغرب من أزماته.
تحكي مصادر "عربي بوست" أن وزيراً أسبق رفع تصوره للخروج بالمغرب من الأزمة السياسية والاجتماعية التي دخلت فيها البلاد بعد 2016ـ2017، وذلك بتقديم رأي حول السبل الكفيلة بالخروج من هذه الأزمة.
وتابعت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن الوزير الأسبق رفع ورقة تصورية إلى مستشاري الملك، الذين رفعوها بعد إبداء ملاحظات حولها إلى "النظر السامي" الذي أمر بتحويلها إلى الحكومة، للعمل على الاستفادة منها في صياغة نموذج تنموي شامل.
وأفادت المصادر أن الحكومة أساءت التعامل مع الفكرة، حيث حولت جوهر فكرة البحث عن نموذج تنموي جديد إلى مناظرة وطنية حول الحماية الاجتماعية في أواخر سنة 2018.
وسجلت المصادر، أن المناظرة وإن ناقشت مشروع الحماية الاجتماعية، إلا أنها لم تحقق الهدف منها، وهو البحث عن نموذج تنموي جديد ينهض بالبلاد في جميع القطاعات.
هذه الأفكار حوّلها مستشارو الملك إلى عنوان جلسات عمل امتدت قرابة السنة، انتهت بتعيين الملك رئيس لجنة النموذج التنموي، وهو سفير المغرب بفرنسا شكيب بن موسى، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
اللافت -تقول المصادر- أن لجنة النموذج التنموي التي أعلن عنها في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، وضمت 35 عضواً من مختلف التخصصات، خلت من الوزير الأسبق صاحب الفكرة، كما افتقر المشروع التنموي المنشود إلى الحديث عن المدخل السياسي والحقوقي لحل أزمات المغرب.