كل شيء كان عادياً قبل أن يتغير كل شيء، كانت الأسر واحدة، وبيوت المغاربة والجزائريين متراصة متلاحمة، كيف لا وهم جيران الجغرافيا، والعادات والتقاليد، لكن السياسة أنهت كل شيء.
تعيش الآلاف من الأسر من المغرب والجزائر مأساة إنسانية بسبب الإغلاق المستمر منذ سنة 1994، حينما قررت الجزائر إغلاق حدودها مع جارتها رداً على اتهامها لها بالوقوف وراء أحداث إرهابية شهدتها المملكة.
ورغم إغلاق الحدود بين البلدين فإن صلة الرحم بين الشعبين استمرت، عبر اختراق الحدود في كلا الاتجاهين، بمساعدة أشخاص لهم دراية بالطرق السرية عبر الحدود بين البلدين، قبل أن يتوقف كل شيء نهائياً قبل 5 سنوات تقريباً.
"عربي بوست" انتقل إلى الحدود المغربية الجزائرية، ونقل من البلدين وضعية أسرة الأم فاطمة التي تعيش وحيدة في منطقة بوكانون نواحي مدينة مغنية غرب الجزائر، وابنتها التي تعيش في مدينة وجدة شرق المغرب.
حكاية الحدود
الأم فاطمة حالة واحدة من بين الآلاف من الحالات التي تجسد التمزق الإنساني الذي يعيشه الشعبان المغربي والجزائري، فالمرأة المسنة التي تجاوزت 80 سنة لا تستطيع اليوم رؤية ابنتها التي تعيش مع زوجها في المغرب.
تقول فاطمة التي التقاها "عربي بوست" في منطقة بوكانون نواحي مدينة مغنية غرب الجزائر إنها زوجت ابنتها من ابن أختها، هذه الأخيرة المتزوجة بدورها من مغربي واليوم لا تستطيع رؤيتها.
ابنة فاطمة تعيش اليوم في مدينة وجدة غرب المغرب، ولا تستطيع رؤية والدتها التي تبعد عنها بضعة كيلومترات فقط، وتحتاج لسفر طويل من المغرب إلى الجزائر لرؤية ابنتها.
تقول الأم فاطمة في لقائها مع "عربي بوست" إنها لم ترَ ابنتها ولا أحفادها منذ سنوات، وهي الآن تعيش وحيدة في منزلها وصورة ابنتها لم تعد تتذكرها بشكل كلي، وتتمنى رؤيتها قبل الموت.
المرأة المسنة التي تمكن منها المرض تقول إنها لن تستطيع السفر إلى المغرب عبر الطائرة لرؤية ابنتها بسبب تدهور حالتها الصحية، وتكتفي بمكالمات هاتفية تنسيها القليل من الشوق لفلذة كبدها.
وقبل إغلاق الحدود كان المغاربة والجزائريون يعيشون كشعب واحد، والمسافة التي تفصل بعض مدن شرق المغرب عن الجزائر لا تتجاوز بضعة كيلومترات قليلة، كان يقطعها الناس في يوم واحد.
تعايشت الأسر المغربية الجزائرية على مر السنين مع بعضها البعض، فأحدث المئات من الزيجات المختلطة نتج عنها ولادة جيل كاملٍ، أصبح اليوم مقسماً، نصفه في الجزائر والنصف الآخر في المغرب.
وتعيش المغرب والجزائر أزمة سياسية امتدت لأكثر من عقدين، سببها الرئيسي هو نزاع المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية على إقليم الصحراء، واختيار الجزائر لدعم الجبهة.
حدود المغرب والجزائر
تبلغ طول الحدود البرية بين المغرب والجزائر حوالي 1600 كيلومتر، أشهرها معبر "زوج بغال" الفاصل بين مدينة وجدة شرق المغرب ومغنية غرب الجزائر.
أغلقت الحدود بين المغرب والجزائر في صيف 1994 بعد حادث تفجير فندق آسني في مراكش، بعدما فرض المغرب التأشيرة على الجزائريين، بعدها قررت الجزائر إغلاق الحدود البرية ورفضت فتحها رغم أن المغرب يطالبها في أكثر من مرة بإعادة فتح الحدود.
يقول زوج ابنة فاطمة الذي يعيش في المغرب إن إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر تسبب لهم في معاناة إنسانية، إذ إن زوجته لا تستطيع زيارة والدتها وصلة الرحم مع أهلها.
وأضاف المتحدث في لقائه مع "عربي بوست" أن المسافة بين المغرب والجزائر أصبحت طويلة جداً بعدما أغلقت الحدود، وساعة الزمن التي كانوا يحتاجونها لزيارة خالته، أصبحوا اليوم يقطعونها في أكثر من يوم.
وطالب المتحدث من المسؤولين في البلدين النظر باسم الإنسانية لحالات الأسر المغربية والجزائرية المتفرقة، والتي تمنع الحدود لقائهم، وإيجاد حل مناسب ينهي هذه المعاناة.
عائلة فاطمة ليست الوحيدة، ففي اليوم الواحد تقف العشرات من الأسر المغربية والجزائرية على الحدود، يُلوحون لبعضهم البعض بالأيدي ويرسلون التحايا بأصوات لا يُسمع منها إلى الصدى، الذي تبتلعه المسافة قبل وصوله.
المغرب والجزائر.. خاوة خاوة
"ما يجمع أكثر مما يفرق"، "خاوة خاوة" بهذه العبارات الجامعة الساحرة، يواجه الحالمون بمشروع التكامل المغاربي والوحدة المغاربية تغوّل لغة "التوتر" بين المغرب والجزائر.
وبالقدر الذي باعدت السياسة بين البلدين، قرّبت التقاليد وعلاقات الدعم والمصير الاقتصادي المشترك أبناء الشعبين الشقيقين.
ويجمع الجزائريون والمغاربة مجموعة من القواسم المشتركة، الفنية والثقافية، كفن الراي مثلاً، الذي خرج من قبائل البدو المتاخمة على الحدود المغربية الجزائرية، وطبق الكسكس الذي صنفته الأونيسكو مؤخراً كطبق مغاربي.
وبالقدر الذي باعدت السياسة بين البلدين، قرّبت التقاليد وعلاقات الدعم والمصير الاقتصادي المشترك أبناء الشعبين الشقيقين.