في الأيام القليلة الماضية تجدد استهداف قاعدة عسكرية تركية شمالي مدينة الموصل العراقية، فيما لم يمر سوى أربعة وعشرين ساعة على استهداف مماثل، وأوضحت السلطات الأمنية التي تعمل في هذه المنطقة، لـ"عربي بوست"، أن قاعدة "زليكان" العسكرية التركية في مدينة نينوى تتعرض بشكل شبه مستمر في الآونة الأخيرة للهجوم بواسطة صواريخ الكاتيوشا، والتي يتم إطلاقها من مكان قريب من القاعدة، دون تحديد هوية الجاني.
مَن الذي يقف وراء الهجمات على القوات التركية في العراق؟
تتمتع حكومة إقليم كردستان العراق، وبالتحديد الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحزب الأقوى في الإقليم، والذي يتخذ من مدينة أربيل مقراً له، بعلاقات جيدة مع دولة تركيا، كما تربطهما الكثير من المصالح التجارية المشتركة، بالإضافة إلى ذلك فإن العلاقات بين أربيل وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الموجودة في العراق، جيدة للغاية، وتستضيف مدينة أربيل القواعد العسكرية التي تتخذها القوات الأمريكية مقراً لها.
علاقات أربيل الجيدة بكل من تركيا والولايات المتحدة كانت دائماً موضع انتقاد للجماعات الشيعية المسلحة العراقية المرتبطة بإيران، ومنذ اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، ورفيقه العراقي، أبو مهدي المهندس، نائب رئيس وحدات الحشد الشعبي، كثفت الفصائل المسلحة الشيعية المدعومة من إيران، استهداف للقوات الأمريكية الموجودة داخل إقليم كردستان العراق.
أعلنت الجماعات المسلحة الشيعية، المقربة من إيران، مسؤوليتها عن أغلب الهجمات التي استهدفت القوات الأمريكية الموجودة داخل مدينة أربيل، وبالتحديد الهجمات الصاروخية على مطار أربيل الدولي، الذي يستضيف عدداً من القوات الأمريكية.
لكن ظلت الهجمات التي حدثت مؤخراً على القواعد العسكرية التركية الموجودة داخل العراق، وخاصة في المدن التي تقع تحت سيطرة أمنية مشتركة بين القوات الأمنية العراقية المركزية، وقوات البيشمركة الكردية، مجهولة، ولم تعلن أي جماعة مسلحة في العراق مسؤوليتها عن الهجوم، كما لم توجه القوات الأمنية الحكومية أي اتهام لأي جهة.
لكن بعد الاستهداف شبه المستمر للقوات العسكرية التركية في العراق، هناك من أشار إلى تورط الفصائل المسلحة الشيعية المدعومة من إيران في هذه الهجمات.
الاستهدافات الأخيرة أصبحت تمثل خطراً
في حديثه لـ"عربي بوست"، يقول مسؤول أمني كردي يعمل في المنطقة التي تقع فيها القاعدة العسكرية التابعة للجيش التركي في مدينة نينوى: "هناك إصرار على استهداف مناطق مثل بعشيقة وسهول نينوى، التي توجود فيها القواعد العسكرية التركية، وتعتبر هذه المناطق كردية تقع خارج إقليم كردستان، وحكومة الإقليم تساعد القوات التركية في محاربة الإرهابيين في تلك المناطق، لكن الاستهدافات الأخيرة أصبحت تمثل خطراً على السكان والقوات الأمنية الموجودة هناك".
لكن هذا لا يمنع وجوداً كبيراً لوحدات الحشد الشعبي في هذه المناطق، وخاصة الفصائل المسلحة الشيعية المرتبطة بإيران، والتي طالبتها الحكومات العراقية السابقة بإخلاء هذه المناطق بعد الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية، وترك مسألة تأمينها للقوات العراقية الحكومية وقوات البيشمركة الكردية، لكن هذا الطلب قوبل بالرفض من قبل هذه الجماعات المسلحة الشيعية.
قائد شبه عسكري في فصيل كتائب سيد الشهداء، وهو فصيل شيعي مسلح مقرب من إيران، ويعمل تحت مظلة وحدات الحشد الشعبي، قال لـ"عربي بوست"، "طلب الحكومة العراقية بانسحاب الحشد الشعبي من سهول نينوى وسنجار وبعشيقة طلب ساذج، ويدلّ على عدم إدراك الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان للمخاطر الأمنية التي من الممكن أن تواجهها نتيجة هذا الانسحاب".
أما فيما يخص استهداف القوات العسكرية التركية في هذه المناطق، فيقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، "القوات التركية الموجودة داخل الأراضي العراقية مثلها مثل القوات الأمريكية، قوات احتلال، الأتراك يقولون إنهم موجودون داخل العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني، ونحن فصائل مقاومة لا نقبل بذلك، ولا نقبل بتعاون حكومة إقليم كردستان مع القوات التركية".
تجدر الإشارة هنا إلى أن الفصائل المسلحة الشيعية المقربة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تعمل ضمن وحدات الحشد الشعبي العراقي، تطلق على نفسها باستمرار اسم "فصائل المقاومة"، لانضمامها إلى محور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة.
بالعودة إلى استهداف القوات التركية العسكرية في العراق، يقول القائد شبه العسكري في كتائب سيد الشهداء، لـ"عربي بوست": "يجب أن يعرف الجميع في حكومة إقليم كردستان العراق أننا لن نسمح باستمرار وجود القوات التركية داخل الأراضي العراقية بدعم كردي".
رسائل سياسية
لكن بجانب الحديث عن معارضة وجود قوات أجنبية، سواء تركية أو أمريكية داخل الأراضي العراقية، وبعيداً عن نبرة المقاومة التي تتبناها الفصائل المسلحة الشيعية التي يتم اتهامها بالوقوف وراء الهجوم على القوات التركية والأمريكية في العراق.
وبحسب مسؤولين أمنيين وسياسيين في بغداد وأربيل، تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن الاستهداف المستمر على القوات العسكرية التركية في شمالي العراق، يحمل رسائل سياسية.
يقول قائد بارز في الإطار التنسيقي الشيعي، معلقاً على مسألة استهداف القوات التركية في العراق، لـ"عربي بوست"، "القادة الشيعة في الإطار يرون الآن الأكراد والسنة العراقيين سبباً واضحاً في الانقسام الأخير داخل البيت الشيعي، تركيا تتمتع بعلاقات قوية سياسية وتجارية مع إقليم كردستان، وبالتحديد الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما أن أنقرة تدعم قطبي السياسة السنية العراقية".
في الأشهر الأخيرة، وبالتحديد قبل إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، كانت قد اتسعت الفجوة وزاد الصراع السياسي بين كل من محمد الحلبوسي السياسي السني البارز، وزعيم تحالف تقدم الذي حقق انتصاراً كبيراً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وبين رجل الأعمال الثري والسياسي السني، خميس الخنجر، زعيم تحالف عزم، وكانت أنقرة قد استضافت الرجلين في محاولة لإصلاح هذه الخلافات، لتوحيد الجبهة السياسية السنية العراقية في الانتخابات الأخيرة.
في نفس الوقت، ترى الأحزاب السياسية الشيعية والفصائل المسلحة المقربة من إيران، أن كلاً من الأكراد والسنة العراقيين يستغلون أي دعم أجنبي، سواء أكان تركياً أو خليجياً، لتشتيت القادة الشيعة، في صراعهم الأخير مع رجل الدين الشيعي والسياسي البارز، مقتدى الصدر، الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في انتخابات العاشر من أكتوبر/تشرين الأول.
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، يقول نائب في ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي (2006: 2014)، شريطة عدم الكشف عن هويته، "الفصائل المسلحة الشيعية غاضبة للغاية من الأكراد، لانضمامهم إلى تحالف مقتدى الصدر ضد الإطار التنسيقي الشيعي، وأي استهداف للقوات التركية أو الأمريكية في المناطق الكردية بمثابة رسالة شديدة اللهجة للأكراد".
استهداف المصالح الاقتصادية التركية في العراق
يقول مصدر أمني كردي لـ"عربي بوست"، "الفصائل الشيعية المقربة من إيران تستهدف أيضاً المصالح الاقتصادية المشتركة بين أنقرة وأربيل".
يشير المصدر السابق إلى استهداف أنابيب نقل النفط بين أربيل وتركيا، فيقول لـ"عربي بوست"، "في الأشهر الأخيرة، وخاصة بعد معركة الانتخابات البرلمانية، زاد استهداف المسلحين لخط الأنابيب الذي ينقل النفط من إقليم كردستان إلى ميناء جيهان، ما يكلف الطرفين الكردي والتركي الكثير من الخسائر المادية".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "نحن نعلم جيداً من يقف وراء استهداف أصدقاء أربيل في العراق، وأخبرنا الحكومة المركزية في بغداد بضرورة العمل على الحد من هجمات الفصائل على القوات التركية أو الأمريكية في أربيل، لكن لا توجد أي استجابة إلى الآن".
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، يقول سياسي كردي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، "الفصائل المسلحة الشيعية تزيد من ضغطها على أربيل باستهداف القوات التركية، والعمل مع حزب العمال الكردستاني، الذي يتخفى في زي الحشد الشعبي، من أجل الضغط على الحزب الديمقراطي الكردستاني للدخول في تحالف مع الإطار التنسيقي، ونحن لا نريد أن نكون جزءاً من الصراع الشيعي على السلطة".