تشهد العاصمة الليبية طرابلس، منذ 30 ديسمبر/كانون الأول 2021، تحركات عسكرية تُوصف بالمريبة، في ظل الوضع السياسي المتخبّط الذي تعيشه ليبيا، بعد تأجيل الانتخابات التي كان مزمعاً إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول.
وتثير هذه التحركات تساؤلات عديدة حول خلفيات إرسال هذه القوات الكبيرة، وهو ما يوحي وكأن طرابلس تستعد لمعركة حاسمة عقب تأجيل الانتخابات وتداعياتها.
مشكلة الانتخابات كانت البداية
تأتي هذه التحركات وسط مشاكل رافقت عملية الإعداد للانتخابات، التي انتهت بالفشل، سواء على مستوى القاعدة التشريعية أو الإجراءات التي اتُّخذت في مراكز الاقتراع وغيرها، وكانت سبباً رئيسياً في دخول بعض التشكيلات العسكرية إلى العاصمة، وخروجها عن مرحلة السلم.
ووصل الأمر إلى تلويح بعض هذه التشكيلات باستعمال القوة، حيث أصبح بعض منها مؤيداً لاستمرار الحكومة، والبعض الآخر رافضاً لوجود حكومة عبد الحميد الدبيبة، التي يعتبرونها منتهية الصلاحية.
وما حصل في مدينة سبها جنوب ليبيا كان له الأثر الأكبر في تحرك هذه القوات. فظهور سيف الإسلام القذافي، وتقديم أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية في مدينة سبها، وما تبعه من قبول مفوضية الانتخابات لأوراق ترشحه، تسبب في تباين بالمنطقة بين مؤيد ومعارض.
أضِف إلى هذا التخبط في المواقف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمفوضية العليا للانتخابات، كل هذه المعطيات جعلت القوى العسكرية في المنطقة الغربية تتخذ موقفاً شبه موحد -رغم تباينها- وهو الدخول إلى العاصمة وأخذ مكانها، تجهيزاً للمرحلة المقبلة غير واضحة المعالم حتى الآن.
ما هي القوات التي دخلت العاصمة؟
ومن أجل فهم ما يحدث في المنطقة الغربية وسر تحرك هذه القوات، فعلينا النظر عن كثب لهذه التشكيلات العسكرية وطبيعتها الجغرافية.
وفق مصادر إعلامية محلية، فقد وصلت إلى مدينة طرابلس تعزيزات عسكرية من "قوة مكافحة الإرهاب" بمنطقة تاجوراء شرقي طرابلس، وتشكلت هذه القوة إبان حكومة السراج بعد حرب البنيان المرصوص.
ووحدات عسكرية بينها "كتيبة المحجوب" و"لواء الحلبوص" التي تعد من أشهر كتائب مصراته عدداً وتسليحاً، وهذه الأولية تشكلت إبان حرب فجر ليبيا، وكان باشاغا أحد أكبر داعميها.
ويوضح "المركز الإعلامي لمحور قوة مكافحة الإرهاب" أن هذا التعزيزات العسكرية جاءت "تطبيقاً للترتيبات الأمنية الموضوعة للمساهمة في الحفاظ على أمن العاصمة وسلامة مواطنيها".
ليست وحدها كتائب مصراته من تحركت نحو طرابلس، بل أيضاً كتائب من الزنتان، بقيادة اللواء أسامة الجويلي، الذي عيّنه رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، مطلع ديسمبر/كانون الأول المنصرم، "مديراً لإدارة الاستخبارات العسكرية".
ومن المرتقب أن تنضم كتائب الزاوية، التي يعد خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، أبرز عرّابيها السياسيين، والتي تحمل اسم قوة مكافحة الإرهاب، بينما توجد قوة أخرى في مدينة الزاوية، مناهضة لقوة مكافحة الإرهاب التي يدعمها المشري، وهي بقيادة شخص يدعى حسن بوزريبة.
وتأتي هذه التحركات العسكرية المثيرة للجدل بعد أيام قليلة من تأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، وفي ظل إعلان عدة أطراف بينها نواب في البرلمان رغبتهم في تغيير الحكومة، ومحاصرة مسلحين لمؤسسات رسمية في طرابلس.
كيف يتشكل الوضع عسكرياً في ليبيا الآن؟
يمثل التقارب بين الأطراف الفاعلة على الأرض بعد لقاء فتحي باشاغا مع خليفة حفتر في بنغازي، والتواصل المباشر بين رئيس مجلس الدولة خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح في المغرب، حدثين مهمين قد يعززان الثقة بين الأطراف المتنازعة لإيجاد حل للأزمة السياسية الليبية.
ووفقاً لمصادر عسكرية لـ"عربي بوست"، فقد شهدت العاصمة الإيطالية روما، خلال الشهر الماضي، اجتماعات عسكرية مهمة كانت بين ممثلين عن قادة بعض الكتائب في طرابلس، أبرزها كتيبة النواصي وقوة الدعم والاستقرار بقيادة غنيوة الككلي من جهة، وممثلين عن صدام، نجل خليفة حفتر.
ويمكن أن تمثل هذه الكتائب حجر عثرة تجاه إتمام اتفاق سياسي جديد يقره البرلمان الليبي لتشكيل حكومة جديدة.
وبحسب المصادر فقد تمحور الاجتماع حول توحيد القوة العسكرية بين كتائب المنطقة الغربية وقوات حفتر في المنطقة الشرقية، بضمان دعم فتحي باشاغا لرئاسة الحكومة.
وأضافت المصادر أنه تم الاتفاق مبدئياً على عدم إجراء الانتخابات الرئاسية إلا بعد تعديل الدستور والاستفتاء عليه، موضحة أنه من المرتقب استكمال باقي الاجتماعات بين القوى العسكرية المتمثلة بين الاثنين في المغرب، لوضع الأحرف الأخيرة حول الاتفاق.
هذه الاجتماعات تخلق واقعاً عسكرياً جديداً، جعل القوى العسكرية المختلفة تفرض وجوداً لها على الأرض في العاصمة الليبية طرابلس، في وقت ينتظر فيه الاتفاق على مشهد سياسي جديد عقب فشل إجراء الانتخابات الليبية.
إقالة ضابط كبير فجّرت الوضع
كان الاحتقان الأمني وصل ذروته في العاصمة، عقب إقالة المجلس الرئاسي القائد الأعلى للجيش منتصف ديسمبر/كانون الأول، اللواء عبد الباسط مروان، قائد المنطقة العسكرية طرابلس، وتعيين اللواء عبد القادر منصور، قائد غرفة عمليات ترهونة (غرب)، خلفاً له.
وأقيل مروان، على خلفية التحقيق في الهجوم على مقر "اللواء 444 قتال"، بمعسكر التكبالي، جنوبي طرابلس، والذي أسفر عن سقوط قتيل وعدد من الجرحى، بحسب موقع بوابة الوسط.
ففي سبتمبر/أيلول الماضي، هاجمت "قوة دعم الاستقرار" بقيادة عبد الغني الككلي (غنيوة) التابعة للمجلس الرئاسي، مقر "اللواء 444" التابع لرئاسة الأركان، الذي يقوده محمد حمزة، والذي سبق له أن وجه اتهامات بالفساد للواء مروان.
وبعد إقالة اللواء مروان، في 15 ديسمبر/كانون الأول، من قيادة منطقة طرابلس العسكرية، نفذت عدة تشكيلات أمنية وعسكرية انتشاراً في الأحياء الرئيسية بالعاصمة، وسيطرت على مقر المجلس الرئاسي، وتمركزت حول محيط مقر رئاسة الحكومة، وحول مقرات رسمية، وأصدر قادتها بياناً أعربوا فيه عن رفضهم "التام" لهذا القرار، بل وهددوا بما لا يحمد عقباه.
واستغل صلاح بادي، قائد لواء الصمود (من مصراتة ولا يتبع المجلس الرئاسي) احتقان الوضع الأمني في طرابلس، وسيطرة عناصره على بعض المقرات الرسمية، وأعلن رفضه لإجراء الانتخابات.
وقال بادي حينها: "لن تكون هناك انتخابات رئاسية ما دام الرجال موجودين، توافقت مع الرجال على إغلاق كل مؤسسات الدولة في طرابلس".
وصدر بعدها قرار من المجلس الرئاسي بتأجيل تعيين اللواء عبد القادر منصور قائداً لمنطقة طرابلس، ما هدأ الأوضاع الأمنية.
غير أن اللواء منصور أصدر بياناً نفى فيه تلقيه أي خطاب بتأجيل تعيينه قائداً لمنطقة طرابلس، وقال إنه اتصل بالقائد الأعلى للجيش (المجلس الرئاسي)، وإن الأخير أبلغه بعدم صحة الخطاب (قرار تأجيل التعيين).
استدعاء الكتائب.. لخلق التوازنات؟
لذلك فإن استدعاء المجلس الرئاسي، وقائد الأركان (محمد الحداد)، ومعه رئيس حكومة الوحدة وزير الدفاع المكلف، لقوات من مصراتة والزنتان والزاوية، يهدف بالأساس لمواجهة اختلال التوازن مع التشكيلات الأمنية والعسكرية الطرابلسية في العاصمة.
وفي هذا الصدد، نقل موقع "بوابة إفريقيا"، عن مصادر عسكرية حكومية، أن هذا التحرّك يأتي عقب اجتماعات مكثفة بين قادة مصراتة وطرابلس والزاوية، بالتنسيق مع المجلس الرئاسي ورئاسة الأركان فيما يخص آخر التطورات في العاصمة.
وأوضح المصدر أن دخول الوحدات العسكرية من مصراتة إلى طرابلس، يهدف "لوضع حد للتجاوزات التي تطال الرئاسي، من استفزازات من خلال محاصرة مقرات الحكومة ووزارة الدفاع، وأيضاً المقر الرئيسي للمجلس الرئاسي وعدم تكرارها".
لكن احتشاد عدد كبير من القوات في طرابلس قد يزيد من الاحتقان بين مختلف التشكيلات المسلحة، وقد يؤدي إلى مواجهات على غرار تلك التي وقعت في 2017، بين قوات حكومتي الوفاق والإنقاذ في طرابلس.