تعيش العديد من الأحياء في كل من مدن سلا والدار البيضاء بالمغرب، على وقع "حروب" حقيقية، بين شباب ومراهقين منتمين إلى روابط المشجعين، أو ما يصطلح عليه بـ"الألتراس".
وخلفت هذه المواجهات مآسي للعديد من الأسر المغربية، بعد أن أودت بحياة بعض المشجعين، وتسببت في عاهات مستديمة للبعض الآخر، وألقت بالمتورطين في السجون، وتسببت في خسائر مادية في ممتلكات عامة وخاصة.
"حروب الألتراس" انتقلت، في السنتين الأخيرتين، من الملاعب الرياضية ومحيطها، إلى الشوارع والأحياء داخل المدن، في ظل إغلاق المرافق الرياضية، ضمن رزنامة الإجراءات الاحترازية التي تتخذها السلطات المغربية لمكافحة انتشار وباء كورونا.
واستعملت خلال هذه المواجهات الأسلحة البيضاء، والهراوات، والقنينات الزجاجية، و"الشماريخ" النارية، ما تسبب في حالة من الهلع والرعب لدى السكان.
وتحولت الأحياء إلى ساحات معارك بين منتمين لفصيل "ألتراس عسكري" و"بلاك آرمي" المشجعة للجيش الملكي، و"ألتراس بيراتس" المشجعة لجمعية سلا، بينما في الدار البيضاء تدور معارك دامية بين فصائل "الكورفا سود" المساندة للرجاء الرياضي، و"الوينزر" المساند للوداد الرياضي.
"عربي بوست" توصلت إلى مجموعة من المعطيات، كشفت أسباب الكراهية بين المشجعين، الذين يرفضون التعايش في مدينة واحدة رغم اختلاف انتماءاتهم الرياضية، ودور "مجرمين مبحوث عنهم" في تأجيج الوضع لممارسة نشاطهم الإجرامي تحت غطاء "الألتراس".
المدينة لنا والحيّ لنا!
تصر جماهير مدينتي الدار البيضاء (الرجاء والوداد)، والرباط (الجيش الملكي وجمعية سلا)، على رفض التعايش تحت سقف مدينة واحدة، أو في حي سكني واحد، إذ تصر كل "ألتراس"، على أن المدينة أو الحي، هو معقل خاص بأعضائه وحدهم.
ويرفض كل جمهور أي تسوية بينه وبين الفصائل الأخرى، ما يعجِّل بشن "غارات" مفاجئة على كل تجمع أو نشاط يقوم به أفراد إحدى هذه المجموعات التشجيعية، من قبل مجموعة أخرى، رافعين شعار أن المدينة أو بعض أحيائها هي "معقلهم الخاص".
وينتج عن كل هذا معارك أخرى ثأرية، بين مجموعة من الشباب والمراهقين، حولت الشوارع إلى ساحات دامية، لا تنتهي إلا بتدخل رجال الأمن باعتقال متورطين وفرار آخرين، بينما نُقل المصابون إلى المستشفيات.
وشن جمهور "ألتراس بيراتس" منذ تشكيل هذه المجموعة في 2007، هجمات متكررة، على جماهير الجيش الملكي، التي تعد بعشرات الآلاف في مدينة سلا، تفاقمت في السنة الحالية.
وترفض المجموعة السلاوية أن يمارس الجمهور العسكري نشاطاته بحرية في المدينة التي تضم المركز الرياضي للجيش الملكي بمنطقة المعمورة، لأن سلا بالنسبة لهم هي فقط لجمهور "القراصنة" (لقب جمهور جمعية سلا)، وأن انتقال الجيش الملكي منذ فترة إلى سلا، لا يعطي الحق لجمهوره في الجهر بحبه له، ولا يسمح لهم بارتداء القميص الخاص بهم في الشارع.
وتعتبر هذه الجماهير أن ذلك يعد تحدياً لهم يستوجب ردعه بالاعتداء على صاحبه، بل حرمانه من الحياة، كما حدث في جريمة بحي الرحمة، التي أودت بحياة قاصر يرتدي قميص الجيش الملكي، تعرض لهجوم حتى الموت من قبل منتمين للجمهور السلاوي بالهراوات والأسلحة البيضاء.
فصائل الجيش الملكي، بدورها لم تقف مكتوفة الأيدي، ورفضت منع أعضائها من تشجيع فريقهم وإظهار الولاء له علناً في أي مدينة، خاصة في المدن المنتمية إلى ما تسميها "العاصمة الكبرى" المشكلة من الرباط وسلا وتمارة والصخيرات وتامسنا، وشنت هجمات ارتدادية للدفاع عن وجودها بالمدينة.
ولا يختلف الحال في الدار البيضاء، عما يقع في سلا المجاورة للعاصمة الإدارية، إذ أصبحت حرب الألتراس وأعمال العنف والرشق بالحجارة واستعمال الأسلحة البيضاء مستفحلة في أحياء المدينة بين مناصري الغريمين الوداد والرجاء.
وعاشت المدينة في الأسابيع الماضية، على وقع أحداث خطيرة، خربت خلالها عشرات السيارات، وانتهت باعتقال 15 فرداً، في حين أفلح آخرون في الفرار بعد تدخل رجال الأمن.
رسومات الجدران.. حرب أخرى
من أهم أسباب هذه المعارك، في أحياء المدن المعنية، ما يصطلح على تسميته بـ"الطاغ" وهي رسومات حائطية عملاقة، تحرص كل مجموعة على وضعها على بعض البنايات داخل الأحياء كتأكيد على أن المنطقة هي تحت سيطرتها.
هذا التصرف لا تتقبله المجموعات الأخرى، التي تعمد إلى تخريبها، ما ينتج عنه صدام بين أفراد الفصائل التشجيعية، وتتطور إلى أحداث خطيرة تستعمل فيها جميع الأسلحة البيضاء.
ويعد حي بطانة بمدينة سلا أهم مسرح للحرب بين جمهوري فريقي "الجيش الملكي" و"جمعية سلا"، وشهد الكثير من التدخلات الأمنية على نطاق واسع، انتهت باعتقالات وإصابات خطيرة، في صفوف الطرفين، وكان السبب الرئيسي فيها محاولة أحد الفصائل تلطيخ "طاغ" الطرف الآخر.
وفي البيضاء أيضاً تسببت حروب "الطاغ" في بتر يد أحد مشجعي الرجاء بينما لقي شاب منتم لفصيل الوداد حتفه في حي سباتة، الأمر الذي نتجت عنه معارك جانبية امتدت إلى بقية الأحياء المجاورة في محاولة للثأر ورد الدين، لا تنتهي إلا بمآسٍ جديدة، تعانيها أسر هؤلاء المراهقين..
كما خلفت حروب "طاغ" مجموعة من الخسائر المادية الخاصة والعامة، وعاهات مستديمة لمجموعة من القاصرين والشباب، وأدخلت مجموعة أخرى إلى السجن، إذ إنها في كل مرة تنتهي بتكسير محلات تجارية وسيارات المواطنين، قبل أن يتدخل الأمن.
مجرمون تحت غطاء الألتراس
كشفت مجموعة من المعطيات أن وراء جل أحداث الشغب، مجرمين حقيقيين مطلوبين في قضايا إجرامية مختلفة، يتسترون وراء قناع مشجعين لهذا الفريق أو ذاك، ويمكن مشاهدتهم اليوم مع الجمهور السلاوي وغداً مع الجمهور العسكري، أو مع جمهور الوداد والرجاء.
وكشفت مصادر أمنية لـ"عربي بوست" أن مصالح الأمن كثيراً ما وضعت يدها على مجرمين مبحوث عنهم خلال هذه المواجهات بين الجمهور، بعد أن يجري إيقافهم وكشف هوياتهم، مؤكدة أن حوالي 80% من أحداث الشغب يتسبب فيها مجرمون يستغلون سذاجة بعض المشجعين القاصرين، ويقحمونهم في مواجهات دامية رفقتهم، علماً أن غايتهم الأساسية من الاعتداء على المواطنين والمحلات التجارية هي السرقة.
وكشفت العديد من التحقيقات أن جميع الذين تعرضوا للعنف أضاعوا أموالهم وهواتفهم المحمولة وثيابهم وأحذيتهم، الشيء الذي يؤكد أن الغاية الأساسية من معظم هذه المعارك المفتعلة هي السرقة.
"فيسبوك" وقاصرون في قفص الاتهام
الكثير من أحداث الشغب والعنف في الشوارع، تخلف اعتقال قاصرين ما زالوا يتابعون دراستهم في مؤسسات تعليمية إعدادية، كما حدث في جريمة حي الرحمة بسلا التي انتهت نهاية مأساوية بمقتل قاصر، وحُكم على المتورط فيها بـ15 سنة سجنا نافذاً.
كما أظهرت مجموعة من التسجيلات المصورة اعتداء قاصرين على نظرائهم بل زملاء لهم في المؤسسة التعليمية ذاتها، ويظهر فيها قاصرون يربطون طفلاً صغيراً بقيود، ويرغمونه على سب فريقه المفضل وتقبيل شعار فريقهم، بطريقة سادية، أثارت العديد من التساؤلات، ودفعت الكثير من المتتبعين إلى المطالبة بتدخل حكومي عاجل لإعادة النظر في سياسات الدولة في التعليم والتربية، بعد انهيار القيم لدى هذه الفئة الصاعدة من المجتمع المغربي.
وكشفت المصادر ذاتها أن التحقيقات الأمنية توصلت إلى أن النسبة الأكبر في هذه الاعتداءات والحروب الدامية، تنطلق شرارتها الأولى من منصات مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما "فيسبوك" الأكثر استخداماً في المغرب.
وتستغل بعض المجموعات نشر أحد القاصرين بعض أنشطته مع جمهور فريقه وثقها بالفيديو على حسابه بالمنصات المذكورة، ليتربصوا به بعد التعرف عليه للاعتداء عليه، وهناك العشرات من الشكايات الموضوعة لدى رجال الأمن بهذا الشأن.
ويكون الهدف من نشر هذه الأنشطة وتوثيقها عبر مواقع التواصل هو التباهي ورفع التحدي، ما يثير المجموعات المناوئة التي تسرع بالرد بالاعتداء على صاحبها، مع توثيقه أيضاً ونشره كنوع من الرد، الأمر الذي يخلق حلقة مفرغة، إذ يسعى أصدقاء المعتدى عليه إلى نصرته، ويهبون للثأر له، حاملين معهم جميع أنواع الأسلحة البيضاء.
مخدرات واعتقالات ومذكرات بحث
أسفرت أحداث الشغب في السنة الجارية بين جمهور فريقي "الجيش الملكي" و"الجمعية السلاوية"، ما لا يقل عن اعتقال 50 مشجعاً من كلا الجانبين، وإصدار 30 مذكرة بحث محلية، بينما تجاوزت الاعتقالات هذا العدد على خلفية الأحداث التي شهدتها الدار البيضاء.
وحسب مصادر "عربي بوست" يوجد ضمن المعتقلين الخمسين، حوالي 14 مشجعاً بسلا الجديدة، في الوقت الذي اعتقل الباقون في أحداث شهدتها أحياء سلا القديمة والغرابلية، وبطانة، وتابركيت، والعيايدة، إضافة إلى حي السلام وحي مولاي إسماعيل.
ويجري حالياً البحث عن مجموعة من المتورطين، صدرت في حقهم مذكرات بحث محلية ووطنية، واستعان رجال الأمن بالكاميرات المثبتة ببعض المحلات التجارية والمقاهي الموجودة على الشوارع، إضافة إلى بعض الكاميرات الموجودة على أبواب البنوك، من أجل التعرف على هوية الجناة.
وتشكل المخدرات والمهيجات القوية أحد أبرز الأسباب، التي تقف خلف المواجهات الدامية بين روابط المشجعين، إذ إن أغلب الاعتقالات التي جرت، كشفت أن المراهقين، كانوا تحت تأثير المخدرات والأقراص المهلوسة، إذ يؤدي الاستعمال المفرط لبعض المخدرات القوية إلى استخدام العنف دون وعي كامل، غير أن ندمهم يأتي متأخراً بعد أن يجدوا أنفسهم أمام المحاكم بتهم ثقيلة، قد تحجب حريتهم لسنوات طويلة خلف القضبان.
محاولات للصلح
استحسن الرأي العام المغربي مبادرات الصلح التي أطلقها عقلاء الألتراس المعنية بهذه الأحداث المؤسفة، حيث عبرت الفصائل المشجعة للوداد والرجاء، عن أسفها للأحداث الدامية التي جرت طيلة الأسابيع الماضية، داعية الجماهير إلى العودة لجادة الصواب، والاكتفاء بتشجيع فريقها دون الاعتداء على المخالفين، معتبرة أن ما حدث يسيء إلى سمعة الحركات التشجيعية التي كانت دائماً تثير إعجاب الجميع بلوحاتها التشجيعية ورقيها في الملاعب، بعيداً عن العنف.
من جهته، أطلق جمهور الجيش الملكي بمدينة سلا، مبادرات للصلح مع نظرائهم السلاويين، ودعا إلى الجلوس إلى الطاولة مع متزعمي فصيل "ألتراس بيراتس" لوضع حد للمآسي التي عاشتها المدينة، كما طالب بقبول التعايش في المدينة الواحدة، وأن يشجع كل طرف فريقه، وأن يمارس طقوسه التشجيعية في أحياء المدينة بكل حرية، دون أن يتدخل في أنشطته الطرف الآخر.