بعد حصوله على الباكالوريا، كانت رغبة الطالب المغربي سفيان الالتحاق بشعبة دراسات اللغة الإنجليزية، بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. كان يعتقد أن الطريق سيكون سالكاً أمامه لتحقيق رغبته في التخصص بلغة أحبها كثيراً، غير أن ما حدث كان غير ما تمنى.
لم يستطع سفيان إيجاد مقعد له في شعبة اللغة الانجليزية، بسبب الطلبات الكثيرة للتسجيل في هذا التخصص، وباءت كل محاولاته وأسرته بالفشل.
يقول سفيان لـ"عربي بوست" إنه أمام كثرة طلبات التسجيل اشترطت الشعبة مجموع 15 من 20 في امتحان اللغة الإنجليزية لقبول الملفات، ولحصر لائحة المتقدمين.
بعد بحث واتصالات مكثفة وجد الشاب مقعداً في نفس الشعبة، لكن في كلية أخرى، ورغم أنها تبعد عن منزله مسافة حافلتين فإنه لم يجد حلاً آخر لتحقيق رغبته.
اللغة الانجليزية في العمل
بدأ (عبد العزيز- ب) -موظف في نهاية عقده الرابع- العام الماضي متابعة دروسه في اللغة الإنجليزية مع زملائه في الإدارة التي يعمل بها.
وعبد العزيز مسؤول في إحدى الإدارات العمومية المغربية، تخرج في أحد المعاهد العليا المغربية، بعد أن درس بالفرنسية والعربية.
يقول لـ"عربي بوست"، إن تعلم اللغة الانجليزية لم يعد ترفاً بالنسبة لموظفي إدارته، فقد لمسوا في السنوات الأخيرة حاجة ماسّة لتعلم هذه اللغة، وتحسين مستواهم فيها لتسهيل عملهم.
ويضيف أن من الأسباب التي دفعت المؤسسة التي يعمل بها إلى تمويل تطوير الموظفين في اللغة الإنجليزية، هو أن معظم الدراسات الحديثة في مجال العمل باللغة الإنجليزية، وكذلك الوثائق التي يشتغلون عليها مع الجهات الدولية، كما أن تمثيلهم لمؤسستهم في لقاءات واجتماعات منظمات وهيئات دولية يستلزم معرفة باللغة الإنجليزية.
اهتمام متزايد
ومثل سفيان وعبد العزيز كثيرون؛ إذ يتزايد في السنوات الأخيرة الاهتمام بتعلم اللغة الإنجليزية في المغرب، بعدما ظلت اللغة الفرنسية لعقود هي لغة التدريس في الجامعات، ولغة التواصل في عالم المال والأعمال.
وبدأت الأسر المغربية تهتم بتعليم أبنائها اللغة الإنجليزية في سن مبكرة، وهو ما يظهر من خلال ملاحظة حجم الإقبال على تسجيل الأطفال والمراهقين في مراكز اللغات، سواء التابعة للمركز اللغوي الأمريكي أو المجلس الثقافي البريطاني أو المراكز المحلية.
وقدم المجلس الثقافي البريطاني نهاية الشهر المنصرم تقريراً حول "فهم فرص وحواجز التعلم العالي عبر الوطني في المغرب"، في ندوة افتراضية على شبكة الإنترنت، حضرها وزير التعليم العالي المغربي.
وسلّط التقرير الضوء على المنحنى التصاعدي نحو تعلم الإنجليزي في المغرب، وأظهر أن التحول الحالي نحو التدريس باللغة الإنجليزية يدفع به إلى الأمام الاهتمام المتزايد لدى عدد مضطرد من الشباب، والنمو في المدارس الدولية، وتزايد طلب أرباب العمل للخريجين ذوي المهارات اللغوية الإنجليزية من القطاع المتعدد الجنسيات المتنامي في المغرب.
كما أن جامعات مغربية خاصة تقدم برامج دراسية باللغة الإنجليزية، مثل جامعة الأخوين، وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، والجامعة الدولية بالرباط منذ فترة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت جامعة الحسن الثاني العمومية في الدار البيضاء، أنها ستقدم برنامجاً للاقتصاد باللغة الإنجليزية، كما أن جامعة محمد السادس الخاصة تقدم الآن شهادات في الطب تدرس باللغة الإنجليزية.
ولأول مرة تدخل اللغة الانجليزية الإعلام الرسمي، إذ وقعت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والمجلس الثقافي البريطاني بالمغرب، في يوليو/تموز الماضي، اتفاقية شراكة بحضور وزير التربية الوطنية.
وبموجب هذه الاتفاقية شرعت الإذاعة الوطنية، الشهر الماضي، في بث برنامج إذاعي جديد لتعلم اللغة الإنجليزية، من الإثنين إلى الخميس، موجه إلى تلاميذ المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
الشباب المغربي والإنجليزية
وأظهرت دراسة مستقلة أُجريت على 1200 شاب مغربي، بمبادرة من المجلس الثقافي البريطاني، ونُشرت في أبريل/نيسان من العام الجاري، أن الغالبية العظمى من الشباب المغربي يعتبرون اللغة الإنجليزية لغة حيوية لمستقبلهم ومستقبل البلاد.
وبحسب الدراسة وعنوانها "التحول إلى اللغة الإنجليزية في المغرب"، وتزامن نشرها مع اليوم العالمي للغة الإنجليزية، أبدت غالبية كبيرة من الشباب المغربي، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاماً، رغبتهم الكبيرة في تعلم اللغة الإنجليزية.
وبالأرقام، أظهرت الدراسة أن أكثر من ثلثي الشباب المغاربة مقتنعون بأن اللغة الإنجليزية ستنجح في السنوات الخمس المقبلة في إزاحة الفرنسية، باعتبارها أول لغة أجنبية في المغرب.
ويعتقد 74% منهم أن التحول إلى اللغة الإنجليزية سيفيد طموحات المغرب كمركز دولي للأعمال والسياحة.
ويتوقع 85% زيادة عدد المغاربة الذين يستخدمون اللغة الإنجليزية خلال العقد المقبل.
وحسب الدراسة، فقد عبّر 82% عن رأي إيجابي في اللغة الإنجليزية كلغة، واعتبر 65% اللغة الإنجليزية لغة مهمة للغاية، واعتبر 62% نفس الأمر بالنسبة للغة العربية، بينما اعتقد 47% فقط أن الفرنسية لغة مهمة.
وخلصت الدراسة إلى أن الشباب يميلون أكثر للتوصية بتعلم اللغة الإنجليزية بدلاً من العربية أو الفرنسية، حيث يرونها لغة دولية، وأيضاً لغة العلم والأعمال والإنترنت.
السياسات الفرنكفونية
ويرى الأستاذ الجامعي سلمان بونعمان، أن الطلبة المغاربة وعموم الباحثين كانوا دوماً مهتمين باللغة الإنجليزية، ويتطلعون لتجاوز دائرة ما سمّاه "التخلف الفرنكفوني والوصول إلى العالمية البحثية".
وبحسبه، فالجامعات والباحثون صاروا ينجذبون للإنجليزية بوصفها لغة البحث العلمي، وبالنظر لما يتوفر عليه النظام الأنجلوساكسوني البحثي من فاعلية ومرونة وقدرة على التطور والتكيف.
ولفت بونعمان في حديث مع "عربي بوست" إلى أن السياسات الفرنكوفونية كانت ومازالت هي العائق أمام تقدم اللغة الانجليزية في السياق المغربي، إذ تبدي النخب والمؤسسات مقاومة شرسة للنفوذ الإنجلوساكسوني في الدول الإفريقية المحسوبة تاريخياً على الفرنكفونية.
وأضاف أن التوجهات السياسية الحالية للمغرب نحو بريطانيا وأمريكا ستعيد صياغة الخارطة الإقليمية وتموقع المغرب فيها، كما سيؤثر ذلك على السياسات اللغوية والتعليمية والثقافية في المستقبل القريب.
وأكد على أن "عائد الانفتاح على اللغة الانجليزية على المستوى العالمي أوسع أفقاً ويتيح فرصاً أكبر من الانغلاق على الفرنسية، وهي تعيش آخر أيامها على مستوى الإنتاج العلمي والإبداع الفكري".
سياسات جادة
وفي نظر محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات، فإن الاهتمام المتزايد بتعلم الإنجليزية في المغرب والمنطقة المغاربية عموماً "يرتبط بتحول الطبقة الوسطى واهتماماتها، باعتبار أن اللغة الفرنسية تراجع موقعها في العالم، وبالتالي أصبحت الحاجة ماسّة للبحث عن بديل، فكانت اللغة الإنجليزية هي المؤهلة أكثر، كما أن هناك رغبة أكبر من طرف الدولة بشكل غير مباشر للخروج من التبعية لفرنسا".
ورغم أن هذا الاهتمام موجود على مستوى الجامعات، فإنه لم يتحول بعد -بحسب مصباح- إلى سياسات جادة على المستوى العملي.
ففي الجامعات العمومية تقدم اللغة الانجليزية بوصفها مادة للانفتاح، وليست مادة أساسية للتدريس، إذ ما زالت التخصصات العلمية تُدرس باللغة الفرنسية.
يقول مصباح لـ"عربي بوست" إنه "في قطاع التعليم لم تكن هناك خطوات كبيرة في هذا السياق، على مستوى عدد الأساتذة الذين يدرسون اللغة الإنجليزية، والرفع من المسالك في الثانويات التي تدرس بالإنجليزية، وبالتالي نحن فقط في مرحلة التعبير عن الحاجة من دون أن تكون هناك سياسات كبيرة أو مؤثرة لتغيير الواقع اللغوي".
على مستوى عالم الأعمال، يقول مصباح إن تأسيس القطب المالي للدار البيضاء كان يهدف إلى التواصل مع إفريقيا غير الفرنكفونية، غير أن هذا المشروع تعثّر، والسبب في نظره هو هيمنة اللغة الفرنسية واللوبي الفرنسي في المغرب.
ويخلص مصباح إلى وجود "اهتمام متزايد وحاجة ملحة للغة الإنجليزية في التدريس وعالم الأعمال، لكن الأمر يحتاج إلى مجموعة من الإجراءات، وعلى رأسها تخصيص موارد بشرية وإطار مؤسساتي يساعد على هذا التحول اللغوي".