تعرف دانييلا فايس بين أنصارها بـ"عرابة الاستيطان"، وقد شاركت في إنشاء وترويج المستوطنات في الضفة الغربية منذ سبعينيات القرن العشرين، حيث اختارت أن تحوّل الأيديولوجيا الدينية إلى حجارة ترسخ في الأرض، وكانت من أوائل الذين دعوا إلى إعادة احتلال قطاع غزة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقد تأثرت بشدة برؤية الحاخام تسفي يهودا كوك، الأب الروحي للتيار الديني الصهيوني، الذي أسس منهجاً عقائدياً يرى أن الاستيطان في الضفة الغربية ليس فقط واجباً دينياً، بل هو حجر الأساس للمسيانية الصهيونية.
والثلاثاء الماضي، فرضت بريطانيا عقوبات على دانييلا فايس، وفي ورقة العقوبات، وُصفت العجوز فايس بأنها متورطة في "التهديد بارتكاب أعمال عدوانية وعنف ضد الفلسطينيين وتشجيعها ودعمها".
وقال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إن فرض العقوبات على شخصيات وكيانات استيطانية يؤكد تصميم بلاده على محاسبة المستوطنين المتطرفين، في الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من العنف والترهيب.
وجاءت الخطوة البريطانية في وقت تشهد فيه إسرائيل "أزمة غير مسبوقة" مع حلفائها التقليديين في أوروبا بسبب ممارساتها في قطاع غزة، واستخدام "التجويع" سلاحاً ضد الفلسطينيين.
من هي دانييلا فايس؟
- ولدت دانييلا فايس عام 1948 في حي بني براك قرب تل أبيب، ونشأت في مزرعة في بيئة يهودية أرثوذكسية، وتلقت تعليمها في مدرسة ثانوية دينية.
- كان والداها، اللذان هاجرا من بولندا، ناشطين في حركة "ليحي" التي تُعرف أيضاً بحركة "شتيرن السرية" نسبة إلى مؤسسها، والتي كانت من أكثر المنظمات اليهودية المسلحة تطرفاً في تاريخ إسرائيل، حيث رفعت شعار "إنشاء دولة إسرائيلية من الفرات إلى النيل"، وتبنت الحرب ضد الانتداب البريطاني لتحقيق ذلك.

- وحصلت دانييلا فايس على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي والفلسفة والعلوم السياسية من جامعة بار إيلان، التي سُميت على اسم أحد أكبر حاخامات الصهيونية الدينية، مائير بار إيلان.
- بدأ نشاط فايس الاستيطاني في سبعينيات القرن الماضي، بعدما انخرطت في حركة "غوش إيمونيم"، وهي المنظمة التي شجعت على الاستيطان اليهودي في أنحاء الضفة الغربية بعد احتلالها عام 1967، وبعد زواجها انتقلت مع زوجها إلى قاعدة عسكرية مهجورة في "كدوميم" بالضفة الغربية.
- في ذلك الوقت، كانت خريطة الضفة الغربية بالنسبة لها "ورقة بيضاء" يجب ملؤها بالمستوطنات، وكل بؤرة استيطانية يجب ألا تكون بناءً عشوائياً، بل "حجراً في معبد الهيكل القادم"، كما كانت تصفها في مقابلاتها وخطاباتها.
- وشغلت فايس منصب الأمين العام لمنظمة "غوش إيمونيم"، وبقيت في منصبها حتى حُلّت عام 1988.
- وفي مايو/ أيار 1987، عقب مقتل مستوطنة في الضفة الغربية، قادت فايس مجموعات المستوطنين إلى مدينة قلقيلية الفلسطينية، حيث رشقت الحجارة وأطلقت النار، وحُكم عليها بدفع غرامة مالية وسجن لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ.
- خلال انتخابات الكنيست الـ13 عام 1992، ترشحت فايس ضمن قائمة ما يُسمى "التوراة والأرض" التي تزعمها الحاخام موشيه ليفينغر، لكنها لم تستطع الحصول على أصوات عالية.
- ترأست بلدية كدوميم من عام 1996 حتى 2007، وأثناء تلك الفترة توسعت المستوطنة لتشمل 13 حياً منفصلاً ومنطقة صناعية، رغم قلة عدد مستوطنيها.
- كانت عضواً في مجلس "يشع" الاستيطاني، ولكن بسبب معارضتها لاتفاق التسوية الذي جرى بين رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك والمجلس عام 1999، استقالت منه، ووجهت انتقادات حادة له، خاصة في ضوء الأحداث التي أعقبت خطة فك الارتباط من حكومة أريئيل شارون عام 2005.
- وخلال إخلاء مستوطنة "غوش قطيف" في قطاع غزة، تم تصويرها وهي تمزق "أمر الترحيل" الذي انتزعته من شرطية إسرائيلية، صارخة: "نظام الانتداب انتهى"، وحدثت بينها وبين حرس الحدود مشادة، حُكم على إثرها بالسجن ووُضعت تحت الرقابة.
- وعقب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وبؤر استيطانية في شمال الضفة، بما يعرف بـ"فك الارتباط"، قررت دانييلا فايس مع الحاخام موشيه ليفينغر تأسيس حركة "نحالا" الاستيطانية، التي تشجع ما يسمى "شباب التلال" على الاستيطان في البؤر الاستيطانية.
- وشاركت فايس في تأسيس القناة السابعة الاستيطانية، وإنشاء مدارس ومعاهد دينية في مستوطنة "كيدوميم"، كما شاركت أيضاً في إنشاء العديد من المستوطنات غير القانونية، وكانت فاعلة في مختلف الفعاليات الاستيطانية في الضفة الغربية.
- وفي مايو/ أيار 2023، حصلت على "جائزة الإنجاز مدى الحياة" من منظمة "ريغافيم" الاستيطانية، التي تشرف على البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، بسبب دور فايس طوال خمسة عقود في العمل الاستيطاني.
- كما لُقبت دانييلا فايس بـ"ملكة كافتيريا الكنيست"، نظراً لاتصالاتها الوثيقة وغير الرسمية المنتظمة مع أعضاء الكنيست.
مواقف متشددة تجاه العرب وشكل الدولة والتعديلات القضائية
في أوائل عام 2023، ناشدت فايس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدم وقف التعديلات القضائية بسبب الاحتجاجات، زاعمة أن المحكمة العليا الإسرائيلية كانت تحاول القضاء على "العنصر القومي اليهودي" في إسرائيل ويجب إيقافها.
وقالت في تصريحات صحفية: "ما زلت أعتقد أنه لا يوجد سبب كافٍ لوقف عملية الإصلاحات، آمل أن يجد نتنياهو، بخبرته وفهمه للوضع، سبيلاً لمواصلة الإصلاحات، فهناك كل الأسباب للقيام بذلك".

واتهمت فايس المحكمة العليا ورئيسها السابق أهارون باراك بالسعي لجعل "الدولة" للجميع، "يهوداً وعرباً"، مضيفة: "لا يمكن أن تكون هذه الدولة لليهود والعرب معاً، إنها دولة للأمة اليهودية، ولذلك فالإصلاحات ضرورية للغاية".
في مقابلة معها عام 2007، تعتقد فايس أن حركة الاستيطان قد جعلت إسرائيل دولة أقوى، وتقول: "لا يمكن تحقيق السلام إذا كانت دولة إسرائيل صغيرة"، وتعتقد أن حدودها المستقبلية يجب أن تشمل الضفة الغربية.
وحول الفلسطينيين، فهي مع ترحيلهم وقتل من يرفض السيادة الإسرائيلية، مشيرة إلى أنه يمكن منح جوازات سفر لمن يبقون بشرط اجتيازهم اختبارات "الولاء والإخلاص لإسرائيل".
في مقابلة أجرتها صحيفة "هآرتس" معها عام 2017، تشدد دانييلا فايس على أن دولة إسرائيل تمتد من نهر الفرات إلى النيل، ومن البحر إلى نهر الأردن.
التجهيز لاستيطان غزة
منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دعت دانييلا فايس إلى إعادة توطين اليهود في القطاع، الذي أخلته إسرائيل في عام 2005، وتقول منظمتها إنها سجلت بالفعل أكثر من 500 عائلة للاستيطان المستقبلي في القطاع.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، كانت فايس متحدثة في مؤتمر "نصر إسرائيل" في القدس، إلى جانب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، للترويج لعودة المجتمعات اليهودية إلى غزة بعد الحرب.
وقد سُمح لها من قبل جنود الجيش الإسرائيلي بمسح المواقع، على الرغم من الأوامر العسكرية التي تقيد وصول المدنيين إلى قطاع غزة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي لاحقاً أنه يحقق في الحادثة، وصرحت فايس لوسائل الإعلام بأنها "جهزت مئات المستوطنين للدخول فوراً"، وأنه سيكون من الصعب على السلطات إبعادهم.
وظهرت فايس في تقرير لشبكة CNN نُشر في ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث خاطبت مجموعة من المؤيدين في مستوطنة كارني شمرون بالضفة الغربية، وقالت للحاضرين في اجتماع تجنيد: "سجلوا، سجلوا، ستكونون في غزة".

وأظهرت خريطة عُرضت خلال الاجتماع خططاً لإقامة ستة تجمعات استيطانية في مختلف أنحاء قطاع غزة.
كما هو الحال في الضفة الغربية، توضح فايس أن عملية توطين غزة ستبدأ بمواقع عسكرية، ثم "تطويق تجمعات" المستوطنين الذين يعيشون إلى جانب الجيش، ثم أخيراً البلدات.
ويقول موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن فايس مقتنعة بأن حلمها سيتحقق، لكن هناك مقاومة حتى من حلفائها.
في حديثها لشبكة CNN من منزلها في كدوميم، قالت: "لا عربي، أنا أتحدث عن أكثر من مليوني عربي، لن يبقوا هناك، نحن اليهود سنبقى في غزة".
وأضافت: "العرب يريدون إبادة دولة إسرائيل، لذا يمكن وصفهم بالوحوش، يمكن وصفهم بتطهير اليهود، نحن لا نفعل ذلك بهم، بل هم من يفعلونه بنا" على حد زعمها.
وفي فيلم وثائقي لشبكة "بي بي سي" البريطانية، اسمه "المستوطنون"، ظهرت فايس وهي تشجع على توسيع المستوطنات في الضفة والتطهير العرقي للفلسطينيين في غزة.
ووصفت المستوطنات بأنها تحقيق لمهمة إلهية، ولم تقدم أي اعتذار عن تهجير مئات الآلاف من الناس.