إنّ كنت تحبُّه أو تكرهه إنّه رجب طيب أردوغان الذي حاربه العالم بأسره سياسياً وانتصر، هو من حاربه الإعلام الأجنبيُّ بمعظمه وتمترست جميع القنوات المعارضة في الداخل ضدّه، هو من استطاع أن يجمع المتفرّق فأجلس 7 أشخاص من مرجعيّاتٍ مختلفةٍ على طاولةٍ واحدةٍ، هو من وحّد كلَّ فئات الشّعب التي تكرهه في بيدقٍ واحدٍ واستطاع أن يحشد ضدّه المثليّ والقوميّ والكردي والعلمانيّ ليغلبوه إلا أنه انتصر.
فمن هو رجب طيّب أردوغان وكيف استطاع أن يحافظ على الحكم لأكثر من عشرين سنة دون أن يسقط ولو لمّرةٍ واحدةٍ؟
هو رجب طيّب أردوغان الرّجل الذي قد يعتبره البعض أنه لا يتمتّع بكاريزما عالية بسبب ملامحه الحادّة ووجهه المتجهّم إلا أنه حتماً يمتلكُ فائضَ قوّةٍ يجعله من أكثر 5 رؤساء تأثيراً وإثارةَ جدلٍ في العالم، تسلم الحكم في 10 غسطس/آب 2014 ليصبح الرئيس الثّاني عشر لتركيا وأوّل رئيسٍ تُركيٍّ يأتي بالاقتراع المباشر.
تسلم أردوغان الحكم وكانت البلاد في حالة شبه مزرية اقتصاديّاً فاستطاع خلال فترة حكمه أن يدعم الاقتصاد وأن يجذب عدداً كبيراً من الاستثمارات الأجنبيّة كما استطاع دعم اللّيرة التي حافظت على استقرارٍ نسبيٍّ خلال فترة حكمه، إلّا أنّها أفلتت من بين يده في آخر سنتين.
استطاع أردوغان خلال فترة حكمه أن يحوّل تركيا من بلدٍ تتكدّس به النّفايات على الطرقات إلى بلدٍ سياحيٍّ بامتيازٍ ينافس الدّول الأوروبية على المراكز الخمس الأولى في السياحة، حيث أصبح جزء من الاقتصاد التركي قائماً على العائدات السياحية الضخمة التي تدخل إلى البلاد سنويّاً كما استطاع بناء شبكة مواصلات ضخمةٍ ومهمّةٍ تربط الجزء الأوروبي بالأسيوي بالإضافة إلى إنشائه منظومة صحية متكاملة.
هو الرجل الذي واجه امتحاناً صعباً في فترة حكمه وهي أخطر لحظةٍ واجهها أردوغان وكانت في أواسط عام 2016 حينما قام عددٌ من الضباط بمحاولة انقلابٍ عسكريٍ فاشلٍ كانت فيه حياته عرضةً للخطر، إذ داهم عدد من جنود الكوماندوز المتمرّدين الفندق الذي كان يقيم فيه بعيد لحظاتٍ من مغادرته ورُبّما كان اللاّفت بالموضوع هو موقف المعارضة بكلّ أحزابها الذين كانوا أوّل المدافعين عنه في الانقلاب، ووقفوا بجانبه ضدّ انقلابٍ عسكريٍ دبّرته جهات تركية معارضة وبتعاونٍ مع استخباراتٍ دوليّة.
أردوغان الكابوس الأوروبي الذي يرغب الجميع في التّخلص منه
هو الرجل الذي لم تحبه أوروبا لا على المستوى الشخصي ولا السياسي، فهو من حاربها بورقة اللاجئين واستدعى سفراءها في أكثر من موقف وقطع علاقته بهم في أكثر من حدث ولم يتوان في مهاجمتهم على المنابر السياسية في مختلف المناسبات، إلا أنه الرجل الذي استطاع أن يصبح حاجة مُلحّة لأوروبا بعد الحرب الأوكرانية الروسية فلجأ إليه ليس فقط الأوروبيون بل العالم بأسره لحل مشكلة القمح ليصبح أردوغان حمامة السلام والمخلّص في العالم بعدما استطاع أن يؤمن صفقة الحبوب التي جنّبت العالم أزمة غذاء كبيرة.
أردوغان هو الرجل الذي يناديه أنصاره بـ"بابا"، فشخصيته الحادّة تُشبه شخصيّة الأبِ الحازم الّذي يُحافظ على النّظام العام في المنزل وعلى الرّغم من حزمه إلا أنه أبٌ محبوبٌ لبعض أفراد الأسرة، وفي نفس الوقت هو الأبّ الديكتاتوري لفئة لا يستهان بها من الشعب التركي ولاسيما بعض الشباب الذين يرون فيه سلطة الأبِ النرجسي المستبد المُصّر على حرمانهم من الحرية لجهة الهوية الجنسية والتحرر.
هو من حشدت الصحافة العالمية كلّ أقلامها بوجهه فدعت صحيفة "ذا إيكونوميست" البريطانية الأتراك صراحةً إلى التصويت ضده في الانتخابات واصفة إيّاه بالديكتاتور وهزيمته ستكون قيمةً جيوسياسيّةً ضخمةً للغرب، والذي أظهرته صحيفة "دير شبيغل" على غلافها يجلس على عرشٍ محطّمٍ ويظهر فيه الهلال العثماني ورمز الدولة التركية مكسوراً.
كما لم تنس الصحافةُ الفرنسية بدورها جلد أردوغان أيضاً، فنشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية تقريراً للصحفيّ غيوم بيرييه، قال فيه إن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى تحقيق حلمه بالإمبراطوريّة تماماً مثل فلاديمير بوتين"، متسائلاً: "هل يمكن أن يخسر أردوغان الانتخابات المقبلة؟".
أردوغان الرجل المثير للجدل داخلياً وخارجياً
لم يفشل يوماً الرجل في إبهارنا، فهو من أهان السفير الإسرائيلي في تركيا عقب ما تعرضت له سفينة مرمرة وقطع علاقته مع إسرائيل دعماً لفلسطين، وهو نفسه من أعاد العلاقات مع إسرائيل وأدانت وزارة خارجيته مؤخراً العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون في الداخل ضد الإسرائيليين.
هو الرجل الذي استضاف الأوروبيين في إسطنبول ليوقعوا على "اتفاقية إسطنبول" ليعود ويخرج من الاتفاقية نفسها بعد عدة سنوات بحُجّة تعارض الاتفاقية مع معايير المجتمع التركي، هو الرجل الذي هاجم الرئيس السوري بشار الأسد ونعته بالمجرم وأصرّ على إسقاطه عن الكرسيّ، ليعود مؤخّراً ويدعو الرجل نفسه إلى الحوار للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، هو حليف إيران وخصمها في الوقت نفسه، نعم إنه المثير للجدل دائماً.. إنه رجب طيّب أردوغان.
أردوغان الرقم الصعب في أي معادلة
هو باختصار رجب طيّب أردوغان الذي إن أحببته أو كرهته استطاع أن يحافظ على كرسيّه لعشرين سنة من دون أن يسقط في الشّارع بين محبّيه، هو نموذجٌ يجب أن يدرس لاسيما أنه وبشهادة الأنظمة العالمية والمراقبين الدوليين استطاع أن يفوز في ظلّ انتخابات نزيهة عن عمر يناهزُ السّبعين عاماً.برأيي هو حالة خاصة قد لا تتكرّر كثيراً، وسبب عدم سقوطه في الحكم يعود إلى عدّة أسباب وأبرزها ذكاء الرجل وحنكته في السياسة فهو أكثر من يطبق مقولة "لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة"، وبالإضافة إلى شخصيته الفذّة وأسلوبه القومي القوي الذي يُشعر خصمه بالضّعف تلقائيّاً، ففائض القوة الذي يتمتع به الرجل يجعله الرابح في أي معادلةٍ يكون بها طرفاً، هو حالةٌ تجعلُ خصمه يجلس مع 6 أشخاص من مرجعيّاتٍ مختلفةٍ ليغلبهُ فيخسر السّبعةُ ويربح هو، باختصار هو رجب طيّب أردوغان وقد يكون اسمه كافياً لفوزه في أي انتخاباتٍ يخوضها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.