نقلت صحيفة The New York Times الأمريكية، على لسان مسؤولين أمريكيين اثنين، أن الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان باتتا أقرب للاتفاق بعدم السماح بشنّ هجمات ضد واشنطن انطلاقاً من أفغانستان.
وقال المسؤولان أيضاً إنَّ الطرفين أحرزا تقدماً كبيراً في عنصرٍ ثانٍ، يتضمَّن تفاصيل خطة لانسحاب القوات الأمريكية.
ومن المتوقع أن يعود كبير موفدي السلام الأمريكيين زلماي خليل زاد إلى واشنطن، مساء الخميس 14 مارس/آذار، لإطلاع وزير الخارجية مايك بومبيو على تقدم المباحثات.
المباحثات بين طالبان وأمريكا تناولت ملفين مهمين
كبير موفدي السلام الأمريكيين زلماي خليل زاد، قال أثناء مغادرته المباحثات: "قضيتُ وقتي هنا بصورة جيدة. لقد أحرزنا تقدُّماً، وعقدنا مناقشاتٍ تفصيلية للتوصل إلى تفاهم بشأن قضايا صعبة ومعقدة".
وأكملت حركة طالبان اجتماعاً داخلياً بعد مغادرة المُفاوِضين الأمريكيين المنتجع في العاصمة القطرية الدوحة، حيث انعقدت المباحثات في إجراءات أمنية مشددة.
المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد كشف في بيان: "شهدت هذه الجولة من المباحثات إجراء مناقشات مكثفة وتفصيلية بخصوص قضيتين اتُّفِق عليهما في مباحثات يناير/كانون الثاني. هاتان القضيتان هما انسحاب كافة القوات الأجنبية من أفغانستان، ومنع أي طرف من إلحاق الضرر بالآخرين، انطلاقاً من الأراضي الأفغانية".
وأضاف: "أُحرِز تقدم بخصوص كلتا القضيتين. وفي الوقت الراهن، سيُجري كلا الطرفين مداولاتٍ بشأن التقدُّم الذي أُحرِز ويُطلِعا قيادتهما عليه".
لكنهما سيلتقيان مجدداً لوضع اللمسات النهائية لاتفاقهما
ومن المتوقع أن يلتقي الطرفان مجدداً في وقتٍ لاحق من هذا الشهر، على أمل وضع اللمسات النهائية للتوصل إلى اتفاق.
لكنَّ عدم حدوث انفراجة واضحة في المباحثات مباشرةً قبل حلول فصل الربيع، الذي عادةً ما يشتد فيه القتال، يُثير مخاوف من عام دموي آخر.
وقد حصدت الحرب حياة عشرات الآلاف من المدنيين الأفغان، وأكثر من 100 ألف جندي أفغاني ومقاتل بحركة طالبان مجتمعين، وأكثر من 2400 من القوات الأمريكية، وأكثر من ألف من قوات الدول الأخرى الأعضاء في التحالف العسكري الذي غزا أفغانستان قبل نحو 18 عاماً.
وتحاول واشنطن ضمان عدم شنِّ هجمات ضدَّها انطلاقاً من أفغانستان
في أثناء المفاوضات، حاول الأمريكيون تحقيق الهدف الأمريكي الأساسي بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي شنَّها تنظيم القاعدة؛ منع انطلاق الهجمات الإرهابية من أفغانستان ضد الولايات المتحدة وحلفائها. خاصة أنه إبَّان هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كانت القاعدة متمركزة في أفغانستان، التي كانت تسيطر عليها حركة طالبان.
قال مسؤول أمريكي رفيع إنَّ طالبان صاغت مقترحاً تفصيلياً لاتفاقٍ بشأن منع انطلاق الهجمات الإرهابية من أفغانستان، وذكرت على وجه التحديد تنظيم القاعدة، وهي قضية صعبة لمتمردي طالبان، الذين لم يدينوا التنظيم المتطرف قط.
وأشار مسؤولو طالبان إلى أنَّهم سيسيرون على خطٍّ رفيعٍ جداً فيما يتعلَّق بصياغة لغة هذا البند، في محاولة للتوصل إلى تفاهمٍ مقبول من الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه لا يُغضِب مقاتليهم، أو يُحدِث انقساماً في صفوف الحركة.
وقال المسؤول إنَّ الجانب الأمريكي راضٍ عن آليات تطبيق تعهُّد طالبان هذا، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
هناك ملف آخر في المفاوضات يتعلق بالقوات الأمريكية في أفغانستان
أضاف المسؤول في حركة طالبان أنَّ الطرفين انخرطا أيضاً في جلساتٍ مُطوَّلة بشأن تفاصيل جدولٍ زمني أمريكي لسحب القوات الأمريكية. لكنَّ التقدُّم بخصوص هذه النقطة كان بطيئاً، ولا يزال المُفاوِضون بعيدين عن التوصل إلى اتفاق.
ففي حين طالبت حركة طالبان بانسحابٍ في غضون ستة أشهر فقط، كان الجانب الأمريكي يضغط من أجل انسحابٍ على مدار ثلاث سنوات.
وقال المسؤول إنَّ عدة عوامل تسبَّبت في إبطاء التقدُّم خلال المباحثات، أهمها أجواء عدم الثقة، إذ يظن كل طرف أنَّ الآخر ربما يستغل المفاوضات كوسيلة تشتيت للحصول على أفضلية في ساحة القتال. وكان أحد العوائق الأخرى يتمثل في حذر طالبان من المضي قدماً، لأنَّهم لا يتمتعون بخبرة كبيرة في التفاوض على نصوص بهذه الأهمية.
وساهم وجود نائب زعيم حركة طالبان، الملا عبدالغني برادر، في التغلب على تلك العقبات وإبقاء المباحثات مستمرة. إذ أدَّت مشاركة الملا برادر لأول مرة في المباحثات، بعدما قضى قرابة 10 سنوات قيد الاعتقال في باكستان، إلى وجود سلطة لدى فريق طالبان المُفاوِض كان يُفتَقَر إليها من قبل، فكان المُفاوِضون يضطرون في كثيرٍ من الأحيان للانتظار حتى تلقّي الردود من القيادة في باكستان.
وقد التقى الملا برادر وخليل زاد شخصياً لحل الخلافات، حين اصطدم فريقاهما المُفاوِضان بحائطٍ سد، والتقى الرجلان قرابة 12 مرة أثناء المفاوضات.
وتحاول واشنطن تقديم تطمينات على رغبتها في الانسحاب من أفغانستان
وقال مسؤول أمريكي إنَّ الفريق الأمريكي المُفاوِض ضمَّ خبراء عسكريين في الخدمات اللوجستية ومكافحة الإرهاب. وقد جيء بهم جزئياً للمساعدة في البرهنة لطالبان على أنَّ الأمريكيين لا "يُماطِلون" في الجدول الزمني للانسحاب مثلما تزعم طالبان، وأنَّ إنهاء وجودٍ عسكري مستمر منذ 18 عاماً بطريقة منظمة يتطلَّب وقتاً.
وقال المسؤول الأمريكي إنَّ محادثة مهمة جرت أيضاً بشأن تقليص مستويات العنف، في محاولة واضحة لردّ هجوم طالبان في الربيع، الذي كان يتسبَّب في خسائر فادحة للقوات الأفغانية في الماضي. ومن شأن هذا أيضاً أن يتطلَّب التزاماً من جانب القوات الأمريكية والأفغانية بتخفيف حملتهما الجوية، التي صعَّدوها في الشتاء.
وحتى إذا ما وضعت الولايات المتحدة وطالبان اللمسات النهائية على اتفاقهما، فإنَّهما ستواجهان مهمة شاقة لنقل عملية السلام إلى المرحلة التالية، التي ستتفاوض فيها طالبان مع الحكومة الأفغانية حول المستقبل السياسي للبلاد.
وتأتي خطوة لقاء طالبان والحكومة الأفغانية بعد ذلك
ورفضت حركة طالبان حتى الآن اللقاء مع الحكومة الأفغانية، التي تراودها الشكوك هي الأخرى بشأن المباحثات.
لكنَّ الحكومة رحَّبت الثلاثاء بالجولة الأخيرة من المباحثات.
فقال هارون شاخنصوري، المتحدث باسم الرئيس أشرف غني: "نُرحِّب بالجهود الأمريكية في عملية السلام الأفغانية. ونأمل أن تشهد وقف إطلاق شامل طويل المدى مع طالبان، ونأمل أن تبدأ مفاوضات مباشرة بين جمهورية أفغانستان الإسلامية وحركة طالبان قريباً".
وحذَّر مستشار الرئيس غني للأمن القومي، حمد الله محب، مجلس الأمن الدولي الإثنين 11 مارس/آذار، من أنَّ عملية السلام لا بد أن تشمل ممثلين عن "أفغانستان الجديدة"، وألا تكون "صفقة تُعقَد بين النخب".
وقال: "إن كان السلام سيخص الأفغان وهم مَن سيُحافظون عليه، فلا بد أن يكون في نهاية المطاف ملكاً للأفغان أنفسهم".
وأشار مسؤولون من الطرفين إلى أنَّهم ربما يحاولون كسر الجليد ببطءٍ وبطرقٍ مبتكرة. وقد يعني هذا تفاهماً يحضر فيه ممثلون عن الحكومة الأفغانية المباحثات مع طالبان، كجزءٍ من مجموعة أكبر من الأفغان، بصورة مماثلة لأحد التجمُّعات التي عُقِدَت الشهر الماضي في موسكو، حيث التقى أعضاء طالبان عشرات السياسيين الأفغان المعارضين.
وقال المسؤولون إنَّه من المتوقع أن تُعقَد جولة مباحثات أخرى، شبيهة باجتماع موسكو بين تلك المجموعة وطالبان، في الأسبوع الثاني من أبريل/نيسان في الدوحة.
للتفاوض على تسوية شاملة نهائية
وقال خليل زاد، في سلسلة تغريدات بعد انتهاء المباحثات إنَّه عند "وضع اللمسات النهائية على جدولٍ زمني للانسحاب وإجراءات فعَّالة لمكافحة الإرهاب، ستبدأ طالبان والأفغان الآخرون، بما في ذلك الحكومة، مفاوضات أفغانية-أفغانية بشأن تسوية سياسية ووقفٍ شامل لإطلاق النار".
وأضاف: "سنلتقي مجدداً قريباً، ولن يوجد اتفاق نهائي قبل الاتفاق على كل شيء".
ويُعَد تسلسل عناصر عملية السلام أمراً حساساً، إذ يُحذِّر الساسة الأفغان الولايات المتحدة من فقدان نفوذها على طالبان، عن طريق إعلانها جدولاً زمنياً للانسحاب قبل أن يتفق متمردو طالبان والجانب الأفغاني على تسوية سياسية ووقف لإطلاق النار.
ومن شأن إنهاء القتال أن يتطلَّب من طالبان والحكومة الأفغانية حل قضايا كبرى، بما في ذلك تشكيل حكومة مستقبلية، وكيفية تقاسم السلطة، وكيفية حماية مكتسبات الحقوق الأساسية التي تحقَّقت على مدار الـ18 سنة الماضية، بما في ذلك حقوق النساء اللواتي كُنَّ مُقيَّداتٍ في بيوتهن أثناء سنوات طالبان القمعية في السلطة.
وستكون هذه المفاوضات مهمة شاقة إذا ما حدثت، حين يكون الانسحاب جارياً بالفعل. فمن ناحية ستكون هناك قوة من طالبان متحمسة لما تنظر إليه باعتباره انتصاراً في ساحة القتال على أكبر تحالف عسكري في العالم، ومن ناحية أخرى ستكون هناك حكومة أفغانية تشعر أنَّ شركاءها الغربيين تخلوا عنها في موقفها الصعب.