تقرير دولي: ثروة 26 شخصاً تعادل ما يملكه نصف سكّان الأرض.. لكن الفقراء لا يزيدون فقراً كما تعتقد!

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/25 الساعة 18:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/25 الساعة 18:19 بتوقيت غرينتش
Scrooge McDuck swimming in money (Disney)

أصدرت منظمة "أوكسفام Oxfam" الخيرية في يناير/كانون الثاني 2019، إحصائية تفُيد بأن القيمة الصافية لثروات أغنى 26 شخصاً على وجه الأرض في العام 2018، كانت مساويةً لثروات النصف الأفقر من سكان العالم أجمع، أي نحو 3.8 مليار شخصٍ.

وتعد تلك الإحصائية التي تصدرها "أوكسفام Oxfam" سنوياً أشبه بتقليد يسبق عادةً موعد انطلاق المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، ذلك التجمع السنوي لأثرى أثرياء الأرض.

تقرير المنظمة الخيرية الصادر في 2019، أشار أيضاً إلى أن أنَّ ثروة ألفين و200 ملياردير على مستوى العالم زادت بنسبة 12%، بينما انخفضت ثروة النصف الأفقر بنسبة 11%.

هل تقرير "أوكسفام Oxfam" دقيق؟

يعاب على تقرير "أوكسفام Oxfam" أنه يصنّف الأشخاص الأغنياء الذين عليهم ديونٌ كبيرة ضمن الأفقر في العالم. فمثلاً: إذا كنت طبيباً استدان مبالغ كبيرة لإتمام تعليمه، فإنك فقير بحسب التقرير! ما يؤثر على دقة المعلومات.

محرر موقع Vox الأميركي ديلان ماثيوز، شدَّد على ضرورة فهم المعايير المتبعة في التقرير الذي أصدرته المؤسسة الخيرية لاستعياب مخرجاته، مشيراً إلى أن أنَّ الأثرياء يزدادون ثراءً فاحشاً بالفعل، لكنَّ ثروة أفقر سكان العالم هي الأخرى في حالة ازديادٍ.

مشكلة "الفقراء الأثرياء"!

يقول ماثيوز إن قياس عدم المساواة في الثروة أصعب من قياس عدم المساواة في الدخل لسببٍ بسيطٍ؛ فالكثير من الناس لديهم ثروةٌ بـ "السالب".

ففي الدول الغنية، من السائد جداً أن تكون للناس قيمةٌ صافية بالسالب عند وضع قروضهم الجامعية، وديون بطاقاتهم الائتمانية، ورهونهم العقارية وما شابه في الحسبان.

لذلك ففي تقرير الثروة العالمية من بنك "كريدي سويس Credit Suisse"، الذي تستند إليه "أوكسفام Oxfam" باعتباره المصدر الرئيسي للبيانات عن ثروة النصف الأدنى، نلاحظ ظاهرةً غريبةً: أنَّ الشريحة الأدنى (0-10%) من سكان العالم حسب معدل توزيع الثروات تشتمل على كثيرٍ من الأمريكيين الشماليين والأوروبيين، بينما لا تشتمل الشريحة التالية (10-20%) إلا على القليلين منهم!

ذلك لأنَّ الأمريكيين المدينين بمبالغ مهولةٍ للجامعات، أو عشرات الآلاف المدينين بديون البطاقات الائتمانية، أو من لديهم أطنان من الديون من الفنادق والكازينوهات وشركات الخطوط الجوية الفاشلة مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه، كل هؤلاء يقعون في الشريحة الأدنى (0-10%).

ومن الممكن أن يكون البعض منهم يعاني حقاً، كمَن تثقلهم ديون البطاقات الائتمانية. لكنَّ ترامب لم يكن من أفقر الناس على وجه الأرض، وفقاً لأي معايير معيشية، حين أصبحت قيمة ثروته الصافية بالسالب في التسعينات.

لماذا يظهر الأمريكان كفقراء في التقرير؟

وللتأكيد، ففي العام 2015، اعترف نِك غالاسو من مؤسسة "أوكسفام Oxfam" بأنَّ قاعدة البيانات التي يستخدمونها تشمل 158 مليون أمريكي وأوروبي في الشريحة الأدنى ذلك العام.

وقدَّم غالاسو مبرِّرَين لاستخدام البيانات على هذا النحو:

  1. مع أنَّ هناك أمريكيين وأوروبيين في الشريحة السفلى واقعون تحت ديونٍ طائلةٍ لكنَّهم موضوعياً في حالٍ ماديةٍ لا بأس بها، فهم لا يمثلون إلا 23% من تلك المجموعة؛ إذ يتألف معظمها من أشخاصٍ في دولٍ فقيرةٍ يعانون بالفعل.
  2. إذا أزلت الشريحة الأدنى (0-10%) بأكملها من النصف الأدنى السكان حسب توزيع الثروات، ستحصل على الصورة ذاتها. فكما كتب في يناير/كانون الثاني 2015، في العام 2014 كان "الأشخاص الذين يقعون في الشرائح الدنيا الثانية والثالثة والرابعة والخامسة (10-50%)، البالغ عددهم 2.8 مليار شخص، يملكون جماعياً 1% فقط من الثروة العالمية، أي نحو 2.6 مليار دولار. ويساوي ذلك تقريباً الثروة نفسها التي يملكها أغنى 147 ملياردير في العالم". و147 هو رقمٌ أكبر من قيمة "س"، التي عادةً ما تشير لها مؤسسة Oxfam في إحصاءاتها، بسبب استبعاد كل تلك القيمة الصافية السلبية في الشريحة الأدنى (0-10%)، لكنَّه ما زال رقماً صغيراً إلى حدٍّ مدهشٍ.

يقول ماثيوز إن كلا المبررين السابقين مبرِّران منطقيان؛ فليس صحيحاً أنَّ الشريحة الأدنى تقتصر على أثرياء مدينين من العالم الغني، وصحيحٌ أن هناك عدم مساواةٍ شاسعةً في الثروة العالمية.

لكن كما أشارت مايا فورستاتر وفيجايا راماتشاندران من مركز التنمية العالمية، فإنَّ مبرر "أوكسفام Oxfam" يحمل بين ثناياه شيئاً مثيراً للاهتمام، ألا وهو أنَّ أغنى 147 ملياردير في العالم يتحكمون في نحو 1% من الثروة العالمية.

صحيحٌ أنَّ هؤلاء يمثلون نسبة 0.000002% من سكان العالم، وهي نسبة أقل بكثير من 1%، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ حفنةً صغيرةً من المليارديرات يتحكمون في معظم الثروة العالمية.

الحقيقة كما يبدو هو أنَّ عدداً صغيراً (من المنظور العالمي) من المليونيرات يتحكمون في حصةٍ صادمةٍ من الثروة العالمية، كما يوضح هذا الرسم البياني من تقرير بنك "كريدي سويس Credit Suisse":

إذ يملك 42 مليون شخص، أو 0.8 بالمئة من سكان العالم، ثرواتٍ صافيةً تتعدى المليون دولار. وبهذا يمتلك نحو 1% من سكان العالم نحو 44.8% من الثروة العالمية. لذا فمن الصحيح أنَّ رقماً ضئيلاً من الناس يتحكمون في نصف الثروة العالمية، لكنَّه رقمٌ أكبر قليلاً من الرقم الذي تميل تقارير Oxfam إلى ذكره.

الثروة المتناقصة للنصف الأدنى

كان الجزء الأكثر صدمةً من آخر تقارير "أوكسفام Oxfam" هو ادعاء تناقص ثروة النصف الأدنى من البشر بنسبة 11%، بينما زادت ثروة بضعة آلاف من المليارديرات بنسبة 12%.

وليست الحقيقة الثانية بالمفاجئة، إذ يقول محرر Vox إنَّ القيم الصافية لثروات المليارديرات غالباً ما تكون مرتبطةً بأسهم الشركات الفردية، ولذلك فهي شديدة التقلب.

صحيح أن مؤسس موقع Amazon جيف بيزوس كسب وحده 24 مليار دولار في العام 2018، لكن القول بأن ثروة النصف الأفقر من الناس تراجعت بنسبة 11% لا يزال مريباً، بل اعتبرها بعض خبراء التنمية الاقتصادية على تويتر مثيرةً للفضول.

إذ كتب صحافي Bloomberg نواه سميث، تغريدةً قال فيها، "ربما يُعاد تغريد هذه التغريدة آلاف المرات، لكن ليس صحيحاً أنَّ (القليلين يحتكرون النمو). كلا، نحن لا نعرف حقاً كيفية قياس ثروة فقراء العالم. وما زالت منافع النمو الاقتصادي قطعاً تصل إلى الفقراء في الدول الفقيرة".

بينما كتب جونا ريكسر بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني، 2019: "تناقص نصف سكان العالم فقراً بنسبة 11% في عامٍ واحدٍ (2018، كما يُزعَم) من شأنه أن يعني وجود كارثةٍ اقتصاديةٍ عالميةٍ لم نشهد مثلها قط. على الناس أن يفكروا في المقادير المعقولة قبل ترديد إحصاءاتٍ مختلَقةٍ".

يقول مكاثيوز إن المديرة الإعلامية للسياسة والحملات بفرع "أوكسفام Oxfam" في واشنطن لورا روسو، أخبرته بأنَّ المنظمة ليست متأكدةً من سبب ملاحظتهم تراجعاً بهذا الحجم في القيمة الصافية لثروات النصف الأدنى.

أما فرضية ماثيوز لمحاولة تفسير نتائج التقرير، فتقول إن تقرير "كريدي سويس Credit Suisse"، الذي تستند إليه "أوكسفام Oxfam"، لا يعتمد على تعادل القدرة الشرائية (PPP)، وهي أداةٌ إحصائيةٌ يستخدمها خبراء الاقتصاد في مقارنة العملات من ناحية كمية السلع التي يمكن للعملة شراؤها، وإنَّما يعتمد على أسعار الصرف، التي غالباً ما تتباين في السوق العالمية.

علاوةً على أنَّ آخر تقارير "كريدي سويس Credit Suisse" يُجري بعض الحسابات باستخدام متوسطات أسعار الصرف، مما يحدُّ من تقلُّبِها، لكنَّه مع ذلك يُفَضِّل أسعار الصرف على تعادل القوة الشرائية من بدايته حتى نهايته.

وعندما نظر المحرر الاقتصادي بصحيفة The Financial Times كريس غايلز، في إحصائيةٍ مشابهةٍ أصدرتها "أوكسفام Oxfam" في العام 2016، خَلُص إلى أنَّ منهجية أسعار الصرف هذه قد تسببت في التناقص المزعوم في ثروة النصف الأدنى. فحين يصبح الدولار الأمريكي أعلى قيمةً بالتناسب مع العملات المحلية، يظهر هذا كتراجعٍ في الثروة حتى في ظل عدم حدوث تراجعٍ في معايير المعيشة.

وبالفعل، زادت قيمة الدولار الأمريكي في العام 2018 مقارنةً بالنيرة النيجيرية، والراند الجنوب إفريقي، والروبية الهندية؛ وبالنظر إلى حجم الكثافة السكانية في تلك الدول وحدها، ومدى فقر شعوبها، يبدو من المعقول جداً أن يتسبب ارتفاع قيمة العملة في جزءٍ كبير من تراجع الثروة أو كله. وهذا حقيقيٌّ على الأخص بالنظر إلى أنَّ تقرير "كريدي سويس Credit Suisse" قد صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أي قبل مرور الدولار بعددٍ من الانتكاسات.

وقد دافعت لورا روسو عن استخدام بيانات أسعار الصرف بدلاً من تعادل القوة الشرائية قائلةً، "في الأغلبية العظمى من الدول، لكن لا سيما في الدول النامية والناشئة، يقع جزءٌ كبيرٌ من الثروة الشخصية تحت أيدي أغنى الأغنياء؛ أي في الأُسَر الواقعة في أغنى الشرائح في التوزيع. وغالباً ما يتمتع هؤلاء الأفراد بإمكانيةٍ كبيرة للتحرك حول العالم، مما يدفعهم إلى نقل أصولهم عبر الحدود بصورةٍ متكررةٍ". في ذلك السياق، ما يهم هو قوتهم الشرائية الدولية، ومن المنطقي قياس ذلك بقيَم الدولار الفعلية".

لكن هذا المبرر لا يبدو دقيقاً عند تحليل النصف الأدنى، أو النظر في الأسباب التي ربما قد أدَّت إلى تراجع ثروة هذا النصف وفقاً لبيانات "كريدي سويس Credit Suisse".

هل يزداد الأثرياء ثراءً بينما يشتد الفقراء فقراً؟

وبعيداً عن التفاصيل الاقتصادية المعقدة، يبقى السؤال الأهم: هل يزداد الأثرياء ثراءً بينما يشتد الفقراء فقراً؟

الإجابة المختصرة هي أنَّ الأثرياء قطعاً يزدادون ثراءً، وهي مشكلة. لكن في المقابل، فإن أفقر سكان العالم يزدادون ثراءً أيضاً.

يمكنك أن ترى الظاهرة الأخيرة في عديدٍ من الإحصاءات، أبرزها تقديرات "البنك الدولي" لعدد مَن يعيشون على أقل من 1.90 دولار يومياً. هذه البيانات مبنيةٌ على استطلاعات الأُسَر، التي تستغرق أعواماً في تحصيلها، لذلك فقد عفا عليها الزمن مهما صدرت في أي وقتٍ بعينه، وكنَّ النمو الاقتصادي في الهند والصين، وحتى دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، يوحي بأنَّ التقدم مستمر حتى يومنا الحاضر.

وترى أيضاً حدوث هذا في ما يُعرَف باسم رسم "لوخ نس" البياني الذي يصدره سنوياً فريقٌ من خبراء الاقتصاد، بزعامة فاكوندو ألفاريدو ولوكاس تشانسِل، والثلاثي الشهير في بحوث عدم المساواة توماس بيكيتي وإيمانويل سايز وغابرييل زوكمان:

يوضِّح المخطط أعلاه كيف شهدت كل شريحةٍ مئويةٍ من توزيع الثروات العالمية زيادةً في دخولها منذ العام 1980 وحتى العام 2016.

إذ يظهر نتوءٌ على اليسار، في إشارةٍ إلى زيادة دخول الأفراد في اقتصادات الأسواق الناشئة بنسبة 100 إلى 125% على مدار تلك السنوات، وتراجع نمو الدخل في المنتصف (بما في ذلك الطبقتين الفقيرة والوسطى في الولايات المتحدة وغرب أوروبا)، ثم نمو صاروخي بالنسبة للواحد بالمئة من سكان العالم، وبالأخص نسبتَي 0.001% و0.0001% من سكان العالم.

باختصار، بالفعل يزداد الأثرياء ثراءً فاحشاً. وهناك حجةٌ حقيقيةٌ يمكن طرحها، وهي الحجة السياسية التي تُعنى إحصاءات "أوكسفام Oxfam" بطرحها، بأنَّ إضفاء مزيدٍ من التقدمية على الضرائب وتخصيص الأموال نحو المدفوعات النقدية للأسر الفقيرة مثلاً،من شأنه أن يفضي إلى تناقصٍ أسرع في الفقر مما حدث في ظل النظام الحالي. ويقترح أحد التحليلات أنَّه من الممكن القضاء على ما يصل إلى 50% من الفقر المدقع العالمي في حال اعتمدت الدول النامية فرض معدلاتٍ أعلى من الضرائب على الشريحة العليا.

لكنَّ ازدياد الأثرياء ثراءً لا يمنع أنَّ هناك زيادةً في ثروة الفقراء أيضاً، وبينما شهدت الطبقات الوسطى في الولايات المتحدة وأوروبا معدلاً أدنى لنمو الدخل من الفقراء في الدول النامية وأغنى الناس على وجه الأرض كذلك، فإنَّ التقدم العالمي في مكافحة الفقر المدقع حقيقيٌّ وملحوظٌ. وكنتُ قد جادلت أيضاً بأنَّ بعض الإحصاءات مثل إحصاءات "أوكسفام Oxfam" قد أغفلته بلا أي فائدة.

علامات:
تحميل المزيد