لا يستطيعون العيش في المملكة وممنوعون من مغادرتها.. مأساة آلاف الوافدين بعد تراكم الرسوم عليهم

«ادفع وإلا لن تغادر».. آلاف الأسر أصبحت عاجزة عن السفر بعد تراكم رسوم المرافقين في السعودية عليها.. قصة رجل لديه 33 ابنا وثلاثة زوجات.. فكم سيدفع؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/03 الساعة 13:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/31 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
Jeddah, Saudi Arabia - April 4, 2015: Arrivals area full of people waiting for travelers, a the Jeddah Airport. Mobilestock image.

100 ألف ريال ديوناً أصبحت مستحقة على الفلسطيني أبو يزيد السبعاوي، بعد تراكم رسوم المرافقين في السعودية عليه، بشكل يكاد يستحيل عليه سدادها.

أبو يزيد السبعاوي الذي يبلغ من العمر 64 عاماً، والذي كان يعمل طبيباً، يعيش في السعودية منذ أكثر من 37 عاماً، أي عاش نصف عمره في المملكة، وهو الآن في مأزق كبير بعد تراكم رسوم المرافقين في السعودية عليه.

السبعاوي متزوج من ثلاث نساء، ولديه 33 ابناً، 17 ذكراً، و16 أنثى.

والأسوأ أنه فقد عمله مع وزارة الصحة السعودية، الأمر الذي أدى إلى تراكم رسوم المرافقين في السعودية عليه لتبلغ 100 ألف ريال.

ابنه الأكبر يزيد قد أنهى دراسة الطب في السودان، والتحق بالعمل في أحد المستشفيات السعودية، لمساعدة والده على تحمُّل أعباء الحياة، بعد أن فقد والده عمله.

السبعاوي هو واحد من آلاف الوافدين الذين أجبرتهم الظروف على البقاء مرغماً داخل السعودية، بعد القرارات الأخيرة الصادرة بحق المقيمين في السعودية، وفرض رسوم مالية على المرافقين.

ولم تمكنه السنوات الطويلة التي قضاها في السعودية من تأمين حياة كريمة تضمن له ولأبنائه الحقوق العامة، كتوفير التعليم والصحة، ومرتب تقاعدي يعينه على أعباء الغربة التي أثقلت كاهله.

ولكن كيف تراكمت عليه هذه المبالغ الطائلة؟

بدءاً من عام 2017، فرضت الحكومة السعودية رسوماً على المرافقين للعمالة الموجودة على أراضيها.

وكان المبلغ 100 ريال شهرياً، يرتفع تدريجياً كل عام ليصل إلى 400 ريال في عام 2020، إضافة إلى فرض رسوم على العمالة ذاتها.

وبالتالي مع دخول العام الثاني (2018) من تطبيق الرسوم على الوافدين، فإن كل مرافق أصبح يستحق عليه 200 ريال شهرياً، ستصبح 300 ريال في 2019.

وبالنظر إلى أن أسرة السبعاوي يبلغ عددها نحو 36 فرداً، فيمكن تخيل حجم الرسوم المفروضة عليه.

ولذا قرر أبو يزيد السبعاوي في 2018 إرجاء دفع الرسوم للسنة القادمة، بعد أن صدر البدء بتطبيقها في النصف الثاني من عام 2017م، وذلك على أمل أن تخفض الرسوم أو يصدر إعفاء رسمي منها من قبل السلطات السعودية.

ولكن لم تتحقق أمنياته، بل ما حدث له هو تراكم رسوم المرافقين في السعودية عليه لتصل إلى أكثر من 100 ألف ريال.

والأمر لا يقتصر على رسوم الوافدين، فهناك الإقامة والتأمينات

"جئت إلى السعودية قبل أكثر من 37 عاماً من مدينة غزة، تاركاً وطني، وكلي أمل أنا وزوجتي الأولى في حياة ومستقبل أفضل"، بهذه الكلمات يروي أبو يزيد السبعاوي لـ "عربي بوست"، كيف بدأت حياته في السعودية.

ويضيف قائلا "مرَّت بي السنون في الغربة ولم أكن أعرف أن مستقبلاً مجهولاً سينتظرني".

ويتذكر الأيام السعيدة قائلاً: "بدت لي الحياة هادئة وجميلة في البداية بعد انتقالي إلى السعودية، لكن عاماً بعد عام بدأت أعباء الحياة تزداد بعد تزايد أبنائي".

ويضيف: "لم أكن أتوقع أن ينتهي بي الأمر لأصبح مديوناً للمكان الذي عشت به طيلة عمري أنا وأبنائي"

"فبدل أن نكافأ على الأقل نحن وأبناؤنا بإعطائنا أدنى حقوقنا البسيطة من صحة وتعليم وراتب تقاعدي، نجد أنفسنا نعود للنقطة صفر التي بدأنا بها بعدما تركنا وطننا، بل لنعود أسوأ حالاً مما كنا عليه في بداية حياتنا".

آلاف الأسر عاجزة عن السفر بعد تراكم رسوم المرافقين في السعودية.. وخياراتهم كلها يائسة

وبحسب إحصائية رسمية، فإنّ إجمالي المرافقين للعمالة الوافدة في السعودية يبلغ 2 مليون و221 ألفاً و551 مرافقاً من الذكور والإناث، وهم موجودون مع 11 مليون وافد و119 ألفاً و370 عاملاً، أي المرافقون يشكلون ما يعادل نحو خُمس عدد العمالة.

تقرير للبنك السعودي الفرنسي قدَّر عدد العمالة الوافدة التي غادرت وستغادر السعودية مع بدء تطبيق رسوم المرافقين بنحو 670 ألفاً بحلول عام 2020. وسيكون معدل مغادرة العمالة الأجنبية في حدود 165 ألف عامل سنوياً.

الرسوم تشكل مأزقاً مزدوجاً للوافدين القادمين من دولة مضطربة/مواقع التواصل الاجتماعي
الرسوم تشكل مأزقاً مزدوجاً للوافدين القادمين من دولة مضطربة/مواقع التواصل الاجتماعي

لكنّ هناك تحدياً أكبر يتمثل في عدم قدرة آلاف الأسر على سداد الرسوم، بحسب ما قاله مصدر خاص من وزارة العمل السعودية لـ "عربي بوست".

إذ يقول المصدر: هذه الأسر ستواجه خيارات سيئة كلها.

فإما البقاء الحتمي بالسعودية حتى وإن لم تكن قادرة على سداد الرسوم فهي لن تكون قادرة على المغادرة من دون تسديد الرسوم كاملة عن المرافقين.

كما أن هناك جنسيات تعاني أوطانها من الاحتلال أو الحروب، وبالتالي لا تستطيع العودة لبلادها، مثل الفلسطينيين الذين يحملون وثائق سورية ولبنانية، إضافة إلى المقيمين من الجنسية السورية.

وكانت السعودية قد أعفت أربع جنسيات من الإبعاد ورسوم العمالة، وهم: "الفلسطينيون بوثيقة مصرية،  وميانمار، وتركمانستان، ومقيم بلوشي (بدون)".

ويشير المصدر إلى أنّ هناك آلاف الحالات التي تقدمت بشكاوى رسمية إلى مكاتب الوزارة، المنتشرة بالمدن السعودية، بعد تراكم رسوم المرافقين في السعودية عليهم، مما أدى إلى تعسرهم في دفع الرسوم المترتبة على وجود أسرهم وأبنائهم معهم.

وقال إنّ الوزارة تسعى عبر التنسيق مع الجهات الرسمية لإعادة دراسة هذا القرار، ليكون ملائماً ومتناسقاً مع كافة الفئات.   

وهذه حقيقة التراجع عن رسوم الوافدين

ونفت السعودية ما نقلته وكالة بلومبيرغ الأميركية استنادا إلى مصادر مطلعة بأنها تقوم بمراجعة سياستها بشأن الرسوم التي تفرضها على العمالة الوافدة.

وقالت بلومبيرغ خلال ديسمبر/كانون الأول 2019 أنه ليس من المحتمل إلغاء تلك الرسوم، لكن لجنة وزارية تدرس تعديلها أو إعادة هيكلتها؛ لأنها تسببت في هروب الأيدي العاملة وخسارة القطاع الخاص

ونقلت الوكالة عن مصدر قوله إن قراراً بهذا الشأن سيعلن في غضون أسابيع. 

وتشير بعض التوقعات إلى توجه سعودي رسمي خلال الفترة القادمة نحو إعادة النظر في ضريبة القيمة المضافة، والرسوم على المرافقين للمقيمين من العاملين في الجمعيات الخيرية المسجلة تحت مظلة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والتي لا تمارس نشاطاً اقتصادياً ويوجد لديها بعض المنشآت غير الاقتصادية.

يأتي هذا التوجه بعد اللقاء المفتوح الذي عقده وزير العمل المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، مع عدد من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات وأمناء الجمعيات الخيرية في المنطقة الشرقية.

وأوضح خلال اللقاء أن الوزارة تبذل جهودها لإعفاء القطاع الثالث من ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى ما يعرف بـ"الفاتورة المجمعة" وإعادة النظر في رسوم المرافقين والمرافقات للعاملين الوافدين في القطاع غير الربحي بالسعودية (الجهات والجمعيات والمنظمات الخيرية).

الجالية اليمنية لديها مأساتها المضاعفة

قصة الفلسطيني أبو يزيد واحدة من مئات، بل آلاف القصص، للأسر التي أجبرتها ظروف الحياة على البقاء في السعودية دون القدرة على العودة إلى ديار الوطن.

واليمنيون كذلك إحدى الجنسيات التي تعاني من مشكلة تراكم رسوم المرافقين في السعودية.

سامي باكرموم، يمني الجنسية، يعيش هو وأسرته في حي البطحاء بالرياض، وهو الحي الذي يرتبط اسمه بانتشار العمالة الوافدة النظامية والمخالفة على السواء، خاصة العمالة اليمنية.

باكرموم انتقل من حضرموت بجنوب اليمن وهو في عمر لا يتجاوز 21 عاماً، ليعمل في بداية الأمر في أحد محال قطع غيار السيارات في نفس الحي.

رسوم المرافقين دفعت آلاف الأسر لمغادرة البلاد
رسوم المرافقين دفعت آلاف الأسر لمغادرة البلاد

ويقول باكرموم، الذي يبلغ الآن من العمر 58 عاماً لـ "عربي بوست"، إنّ تحديات عديدة باتت تواجهه هو وأسرته حالياً، والتي تضم سبعة أبناء، 3 ذكور و3 إناث بالإضافة إلى زوجته.

ويضيف قائلاً "إنّ المعاناة ازدادت أكثر فأكثر بعد فرض رسوم المرافقين على المقيمين، حيث وصل المبلغ المترتب عليه لمدة سنتين أكثر من 25 ألف ريال، بعد  تراكم رسوم المرافقين في السعودية عليه.

ويؤكد على عدم قدرته على تسديد هذا المبلغ، نظراً لأنّ راتبه لا يتجاوز 3500 ريال شهرياً، فهو بالكاد يغطي احتياجات الأسرة من معيشة ومسكن.

ويضيف باكرموم: "كيف يمكن أن أعيش وأنا مضطر لسداد رسوم تصل إلى نصف الراتب الشهري، هذا عدا رسوم الإقامة والتأمين الصحي والسكن".

ويتساءل: "كيف له أن يلتزم بسداد رسوم المرافقين، وهو بالكاد يغطي رسوم المعيشة والمسكن" .

وأسرته أصبحت مهددة بالحرمان من التعليم والعلاج

ويوضح باكرموم أنّ الإشكالية الكبرى التي تواجهه أيضاً هي عدم قدرته على مغادرة الأراضي السعودية، بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية المتردية في بلاده.

فهو ليست لديه القدرة على العودة إلى بلده، وفي نفس الوقت غير قادر على العيش في ديار الغربة معيشة مستقرة، تضمن مستقبلاً آمناً له ولأبنائه.

باكرموم الذي يتحدث بحسرة وألم على ما وصل إليه حاله، موضحاً أنّه غير قادر على تجديد الإقامة حالياً بسبب تراكم رسوم المرافقين في السعودية عليه.

وقال إن عدم قدرته على تجديد الإقامة يعني أنّه سيكون محروماً من حق التعليم والصحة له ولأبنائه، بل وحتى حق السفر والخروج النهائي السعودية، فهو يحتاج إلى تسديد المبلغ كاملاً قبل أن يفكر أصلاً في العودة إلى وطنه اليمن، إذا ما تم ذلك أصلاً.

مليونا سوري يواجهون مصيراً أسوأ

نموذج آخر للمعاناة الناتجة عن تراكم رسوم المرافقين في السعودية، لكن هذه المرة لمقيم سوري يدعى صخر المحيمد.

صخر هو واحد من أكثر من مليوني سوري مقيم بالسعودية، ولديهم أعمالهم وحياتهم مع عائلاتهم، المستمرة منذ عقود، خاصة أنّ السعودية كانت ملجأ كثير من الشباب السوري للعمل والادخار وبناء مستقبلهم.

لكن الحال تغير وتبخرت كل أحلامهم، على وقع رسوم المرافقين التي تحولت إلى كابوس يلاحقهم حتى الممات.

هناك رسوم على العمالة إضافة إلى رسوم الوافدين/مواقع التواصل الاجتماعي
هناك رسوم على العمالة إضافة إلى رسوم الوافدين/مواقع التواصل الاجتماعي

المحيمد يملك ورشة للنجارة في مدينة جدة، وذلك بالشراكة مع أحد المواطنين السعوديين.

وهما يتقاسمان إيرادات الورشة مناصفة، من دون أن يتحمل الكفيل السعودي أي أعباء مترتبة على العمل، من تكاليف العمال وإيجار المنشأة ورسوم سنوية لوزارة العمل، بالإضافة إلى رسوم أخرى.

وقال إن الكفيل السعودي يعتبر بمثابة شريك له، حيث يسمح نظام الكفيل بالسعودية له بالتحكم في مكفولِه، بصفته صاحب العمل من الناحية القانونية.

والعمالة التي تعمل لديه تضاعفت رسومها

ويشير المحيمد، الذي يرجع في أصله إلى مدينة دير الزور في شمال شرقي سوريا، إلى أنّه بعد فرض رسوم العمالة والمرافقين في عام 2017، فإنّ حامل إقامة العمل السوري بات يدفع مبلغ 100 ريال، ثمّ  200 ريال سعودي في عام 2018 عن كل مرافق معه.

بالإضافة إلى أنّه يدفع مبلغ 400 ريال عن كل عامل يعمل معه بالورشة.

إذ يبلغ عدد العاملين فيها أربعة أشخاص، مما سبَّب كارثة حقيقية له ولمعظم المقيمين، خاصة صغار المستثمرين، في ظل تراكم رسوم المرافقين في السعودية، وغيرها من الالتزامات المالية الأخرى.

وقال إن هذه النفقات تجعل الحياة صعبة، في ظل ارتفاع الأسعار في البلاد.

ويضيف قائلا" إنه حتى تجديد الإقامة بات صعباً للغاية له ولأسرته المكونة من خمسة أفراد، بعد فرض رسوم على  المرافقين، وارتفاع رسوم الإقامة، وفرض التأمين الصحي على كل مقيم داخل السعودية عند تجديد الإقامة".

وحتى السفر أصبحت تتقاضى الدولة عنه مقابلاً مادياً

المحيمد يقول إنّ أعباء الحياة بالسعودية باتت كثيرة جداً، فقد كانت في السابق مقتصرة على الكفالة ومشاكلها المعروفة.

أما الآن فقد تعدَّت لتصل إلى ارتفاع تكاليف الإقامة ورسوم مكتب العمل ومصاريف العمال الشهرية ورسوم المرافقين.

بالإضافة إلى ذلك هناك مصاريف التأمين الصحي، إضافة إلى رسوم تأشيرات الخروج والعودة البالغة 100 ريال عن كل شهر يغيب به العامل عن السعودية.

بل إن السوريين في بلادهم تضرروا من هذه الرسوم

"على مدى أعوام اعتمدت كثير من العائلات داخل سوريا على دعم أقاربهم العاملين بالسعودية، حسبما يقول المحيمد.

ويضيف: "أنا شخصياً كنت أعيل والدي ووالدتي وأشقائي المقيمين في سوريا".

لكنه يستدرك قائلاً "إن المقيم السوري بالسعودية لم يعد يستطيع تحمل مثل هذا الأمر، بعد أن تغيرت حياته كلياً، وباتت تشبه وضع العامل السوري في أي مكان آخر، بعدما كانت تتسم بالرفاهية في السابق".

كل هذا جعل المحيمد وغالبية السوريين في السعودية يعيشون تخوفاً وقلقاً مستمراً حول مصيرهم ومستقبل أبنائهم، خاصة في ظل الخيارات المحدودة جداً إذا حاولوا البحث عن مكان إقامة جديد.

فإما محاولة السفر إلى تركيا أو السعي للجوء أو العودة الى سوريا، وهذا يكاد يكون شبه مستحيل.

إذ يشير إلى أنّ دير الزور ومناطق الشمال الشرقي في سوريا قد دُمرت كلياً أثناء الحرب، وبات من الصعب الرجوع إليها، خاصة بعد أن استعادها النظام السوري من جديد.

تحميل المزيد