«الدعم السريع» بالسودان.. «القوة الضاربة» في البلاد تثير الجدل بعد تصريح قائدها بالوقوف بجانب المتظاهرين

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/28 الساعة 08:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/28 الساعة 08:21 بتوقيت غرينتش
نائب رئيس المجلس العسكري السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو/ رويترز

تصريحات لافتة أدلى بها محمد حمدان دقلو، قائد قوات "الدعم السريع" بالجيش السوداني، دعا من خلالها حكومة بلاده إلى توفير الخدمات للمواطنين، وتوفير سبل العيش الكريم لهم.

موقف دقلو أظهر اصطفافاً سافراً إلى جانب الاحتجاجات المتفجرة بالبلاد، والمنددة بالأوضاع الاقتصادية، واستقطب اهتمام جميع الأوساط السودانية، بل كسر أيضاً الصورة النمطية المتداولة عن قوات، لطالما طوّقتها انتقادات واسعة جعلتها مثار جدل محلي منذ تأسيسها قبل 7 أعوام.

البعض يرى في تصريحات القائد العسكري، الشهير بـ "حميدتي"، محاولة لرأب الصدع اللاحق بسمعة قواته، جراء اتهامها بارتكاب "انتهاكات" واسعة بحق مواطنين.

في حين يرى البعض الآخر أن الرجل أعلن، بذلك، القطيعة مع الرئيس عمر البشير، مع أن الأخير هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ببلاده، والتي تشمل قوات "الدعم السريع".

فيما يلي، نستعرض لمحة عن هذه القوات، التي يبدو أنها ستثير الجدل ببلادها، لكن هذه المرة، بشكل بعيد عن زاويته المعتادة:

منذ أكثر من أسبوع، تشهد 13 ولاية سودانية وأكثر من 18 مدينة تظاهرات احتجاجية ضد الغلاء، توسعت مطالبها إلى المناداة بإسقاط النظام.

ومع أن السلطات السودانية اعتمدت مقاربة أمنية لتفريق الاحتجاجات، وسط وعود بالإصلاح وحلّ الأزمات، إلا أن تصريحات "حميدتي" بعثرت الموقف الرسمي، باصطفافه إلى جانب المتظاهرين.

وجاءت تصريحات القائد العسكري، لدى مخاطبته الكتيبة الخاصة من قواته، العائدة من الحدود السودانية-الليبية ومنطقة وادي هور بشمال دارفور.

ومنذ تشكيلها قبل نحو 7 أعوام، ظلت قوات "الدعم السريع" محل اهتمام كبير، باعتبار أن توقيت تشكيلها جاء في سياق معقد، بالتزامن مع الحرب بإقليم دارفور غربي البلاد.

ويشهد الإقليم، منذ 2003، نزاعاً مسلحاً بين الجيش السوداني ومتمردين، ما خلف نحو 300 ألف قتيل وشرّد نحو 2.5 مليون شخص، بحسب إحصائيات أممية.

ويعد الدعم السريع "قوة مقاتلة"، جرى تشكيلها لمحاربة المتمردين في دارفور، ثم لحماية الحدود لاحقاً، وحفظ النظام بالبلاد، غير أن وجودها في المدن السودانية واجه انتقادات واسعة محلياً.

لكن رغم الانتقادات، فإن الثقة التي تحظى بها القوات من البشير، منحتها مزيداً من القوة والنفوذ والدعم، لتكون إحدى أذرع النظام القوية.

انتقاد لقوات "الدعم السريع" السودانية

احتفظت القوات بخصوصيتها، وتميزت باسمها "قوات الدعم السريع"، والذي لا يكتمل تعريفه إلا بـ "التابع للجيش السوداني"، حيث كانت تتبع في السابق (قبل يناير/كانون الثاني 2017) جهاز الأمن والمخابرات بالبلاد.

هذه الخصوصية اعتُقل بسببها زعيم المعارضة الصادق المهدي، شهراً، لاتهامه تلك القوات بارتكاب "تجاوزات" ضد المدنيين بدارفور، وذلك في مايو/أيار 2014.

ولم يكن المهدي وحده المنتقد لقوات "الدعم السريع" آنذاك، فجهات دولية وأحزاب مدنية معارضة وحركات متمردة مسلحة زعمت أن "الدعم السريع" امتداد لـ "ميليشيا الجنجويد" سيئة السمعة، وتعتمد في مكوّنها على العنصر العربي بدارفور.

لكن الحكومة ظلت تنفي عن القوات صفة القبلية، وأكد المسؤولون الحكوميون مراراً أنها "قوة قومية".

في الآونة الأخيرة، شهدت عدة مدن سودانية احتفالات بتخرّج الآلاف من مجندي هذه القوات، وهو ما اعتبره حميدتي "تأكيداً على قوميتها، وأنها لا تمثل قبيلة واحدة كما يروج الأعداء".

ويشدد قادة قوات "الدعم السريع" على أنها، منذ تأسيسها، ضمت كل أبناء دارفور، لمساعدة الجيش السوداني في حربه ضد الحركات المسلحة بالإقليم.

وفي مايو/أيار 2014، دخلت قوات "الدعم السريع" في جدل مع البعثة الأممية المختلطة "يوناميد" بدارفور، ووجهت اتهامات لقوات البعثة بأنها "تتربح من وراء الحرب الدائرة بالإقليم، وتسعى لتمديد أمدها".

جاء ذلك رداً على تقارير أممية اتهمت قوات "الدعم السريع" بارتكاب "جرائم فظيعة" في دارفور، وأعلنت القوات حينها أنها "نظامية تتبع إدارياً وفنياً جهاز الأمن، في حين تتبع القوات المسلحة فيما يتعلق بالتخطيط والعمليات القتالية".

توسع المهام

مع تراجع العمل العسكري في دارفور بالأعوام الأخيرة، لعدة أسباب، أهمها وقف إطلاق النار الأحادي من قِبل الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، توسعت مهام قوات الدعم، لتشمل الحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية على الحدود السودانية مع ليبيا وكذلك في الحدود الشرقية.

كما أن مشاركتها في حرب اليمن ضمن منظومة الجيش السوداني، أكسبها بعداً إقليمياً مؤثراً، حيث يشار إليها بأنها القوة الأكبر على الأرض من القوات السودانية التي توجد في حرب اليمن.

ويشارك السودان في حرب اليمن التي تقودها السعودية والإمارات منذ مارس/آذار 2015، ولم يعلن السودان عن عدد قواته المشاركة في الحرب، لكنه أعلن استعداده إرسال 6 آلاف مقاتل إلى اليمن.

وحققت قوات "الدعم السريع" نصراً كبيراً، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017، حين تمكنت في معركة قصيرة بمنطقة مستريحة في دارفور، من القبض على موسى هلال، الزعيم "التاريخي" لميليشيا "الجنجويد"، المدرج على قائمة العقوبات الأميركية لشخصيات سودانية، بسبب حرب دارفور.

وهلال، قائد لميليشيا شهيرة محسوبة على مجموعة القبائل العربية، أطلق عليها وقتها اسم "قوات الجنجويد"، حاربت إلى جانب الحكومة منذ اندلاع النزاع في دارفور، وهو وحميدتي ابنا عم.

ويتزعم هلال عشيرة "المحاميد"، إحدى أفخاذ قبيلة "الرزيقات" العربية، وأسس الميليشيا الشهيرة، ثم تطورت لاحقاً إلى قوات "حرس الحدود"، التي انضمت إلى الجيش السوداني.

وقال حميدتي، في تصريحاته الأخيرة، إن قوات "الدعم السريع" "تتعهد بمواصلة جهود بسط هيبة الدولة دون هوادة أو مجاملة لأحد، ومهما كانت التكلفة"، متعهداً بالمضي في حملة جمع السلاح.

وجمع السلاح حملة أطلقتها الحكومة السودانية في 6 أغسطس/آب 2017، وتهدف إلى لذجمع السلاح غير المرخص، وانتهت مرحلتها الطوعية، وبدأت مرحلة جمعها قسرياً.

وفي سبتمبر/أيلول 2016، اتهمت حركات مسلحةٌ الاتحاد الأوروبي بتمويل قوات "الدعم السريع"، للحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية.

إلا أن الاتحاد الأوروبي نفى ذلك، وأوضح أن تسليم الاتحاد مساعدات للسودان على المستويات الثنائية والإقليمية، يتم "من خلال الوكالات الدولية والمنظمات غير الحكومية، وليس من خلال الحكومة السودانية".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، دخل حميدتي في خصومة علنية مع والي ولاية شمال كردفان، أحمد هارون، المقرب من البشير، والمطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لكن الرئيس استطاع أن يجمع بينهما، ليعقدا صلحاً.

وأجاز البرلمان السوداني، في يناير/كانون الثاني 2017، قانوناً للقوات المثيرة للجدل، يجعلها تابعة للجيش بعد أن كانت تتبع جهاز الأمن والمخابرات.

وفي ظل التطورات الراهنة، يرى مراقبون أن دور هذه القوات في خضم الأحداث بالسودان، سيكون واضحاً في جانب ما، وأن الأيام المقبلة ستفرز مواقف سافرة لقيادتها، قد تكون أخطر مما يبدو عليه الأمر حالياً.

 

تحميل المزيد