أثارت أول زيارة رسمية للرئيس التونسي قيس سعيد لفرنسا، الثلاثاء 23 يونيو/حزيران 2020، جدلاً واسعاً على خلفية تصريحات وصفها البعض بـ"الغريبة" والتي تتعلق بالأزمة الليبية وقضية الاستعمار الفرنسي وجرائمه في إفريقيا في فترة الاستعمار.
وخلال المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيسين الفرنسي والتونسي قال قيس سعيد تصريحات أثارت غضباً وردود فعل في الداخل الليبي وخارجه على حد سواء، خاصة ما يتعلق بدستور البلاد، وسط تساؤلات عن دلالة هذه التصريحات الآن، وما إذا كان "سعيد" قد غير توجهه في ليبيا أو أنه بعيد عن فهم الحالة داخل البلاد.
الملف الليبي: سعيد قال إنه "يجب على الليبيين وضع دستور مؤقت، على غرار الدستور الذي جرى وضعه في أفغانستان سنة 2020، كما أنه رأى أن الشرعية الدولية في ليبيا هي شرعية مؤقتة" ولن تدوم، مؤكداً أن بلاده من أكثر الدول تضرراً مما يحدث في ليبيا.
فيما علق مبعوث رئيس المجلس الرئاسي إلى دول المغرب العربي جمعة القماطي قائلاً: "حديث الرئيس التونسي قيس سعيد عن أن الحل في ليبيا يكمن في القبائل على غرار النموذج الأفغاني! يعكس غياباً لفهم صحيح للمجتمع الليبي سياسياً وثقافياً واجتماعياً".
في حين وصف عضو مجلس الدولة الليبي عادل كرموس "مقترح "قيس سعيد" بأنه "جاء مخيباً للآمال كون الأزمة الليبية لا تحتاج إلى دستور مؤقت أو دائم لأنهما موجودان حقيقة، وبالتالي الحل الدستوري موجود لكن من يعرقله الثورة المضادة التي تسعى من وراء ذلك لإنهاء أي مظهر من مظاهر الديمقراطية في ليبيا".
ومن جانبه، علق رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، على تصريحات قيس سعيد، قائلاً:" رحم الله الرئيس الباجي قايد السبسي"، مشيراً إلى عدم انحياز الرئيس الراحل وعدم تدخله في الشأن الليبي.
جرائم فرنسا في إفريقيا: أما الموضوع الثاني الذي أثار جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي خلال زيارة الرئيس التونسي لفرنسا هو وصفه للاحتلال الفرنسي لتونس بالحماية قائلاً إن "تونس كانت تحت نظام الحماية وليس احتلالاً مباشراً مثلما حدث بالجزائر"، وأضاف، خلال حوار مع قناة فرانس 24 الناطقة بالفرنسية: "تونس كانت تحت الحماية وليس احتلالاً مباشراً.. ورغم ذلك فقد تم ارتكاب جرائم ضدّ التونسيين ودفعوا ثمناً غالياً".
فيما تجاهل الرئيس التونسي تماماً قضية "الاعتذار الفرنسي" عن المحادثات، بعد أن شغلت الرأي العام المحلي إثر سقوط مشروع لائحة برلمانية تقدمت به كتلة "ائتلاف الكرامة" تطالب الدولة الفرنسية بالاعتذار عن الجرائم المرتكبة خلال حقبة الاستعمار.
فيما وصف النائب عن "ائتلاف الكرامة" عبداللطيف العلوي صمت الرئيس عن قضية الاعتذار، أمام نظيره الفرنسي، بالأمر "المخزي والمخجل".
غضب في تونس: حديث الرئيس التونسي، قيس سعيد، عن "الشرعية المؤقتة" لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً وعن الاحتلال الفرنسي لتونس أثار جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس وليبيا، إذ رجح البعض أن سبب تصريحاته هو الضغط الذي مارسته باريس على تونس لتبني موقف معادٍ لأنقرة، فيما اعتبر آخرون أن هذه التصريحات غريبة وتعقد الأزمة الليبية، وتتضمن نوعاً من "الاصطفاف" مع طرف ضد آخر، وهو ما يتناقض مع الموقف الرسمي التونسي المحايد تجاه الوضع القائم في هذا البلد المجاور.
رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبروا عن خيبتهم، إذ قال المستخدم التونسي فتحي في تغريدة على تويتر تعليقاً على تصريحات رئيس بلاده: "أنا المواطن التونسي من مدينة تطاوين الحدودية مع ليبيا جنوب تونس أعلن أني بريء من تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيّد بما يمثله من خرق للموقف التونسي من العدوان على العاصمة الليبية طرابلس في ليبيا وأني أعترف بالشعب الليبي الحبيب صاحب السيادة".
فيما قالت المستخدمة أم فادي: "عن نفسي تصريحات قيس سعيد لا تمثلني بخصوص حكومة الوفاق والملف الليبي، سيدي الرئيس ما رأيك أن نعتذر نحن لفرنسا بما أن ما مرت به تونس طيلة 75 سنة لم يكن احتلالاً بل حماية؟!".
أما أمين فاكتفى بالتعليق على تصريحات رئيس بلاده قائلاً: "قيس سعيد طلع خيبة أمل غير متوقعة".
الصراع في ليبيا: وجاءت زيارة الرئيس التونسي إلى فرنسا وتصريحاته المثيرة للجدل عن الملف الليبي في وقت تتصاعد فيه الدعوات إلى وقف القتال واستئناف الحوار في ليبيا، بعد أن تمكن الجيش الليبي، في 4 يونيو/حزيران الجاري، من تحرير كامل طرابلس من ميليشيا حفتر، ثم مدينتي ترهونة وبني وليد وقاعدة "الوطية" الجوية، ومناطق أخرى في الغرب الليبي.
وتعاني ليبيا منذ سنوات من صراع مسلح، فبدعم من دول عربية وأوروبية، تنازع ميليشيا الجنرال الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر الحكومةَ المعترف بها دولياً على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.