بعدما خيبت قوات حفتر آمالها.. الإمارات توسع تدخلها في ليبيا، وهذا ما طلبته من مصر

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/03/19 الساعة 16:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/19 الساعة 21:30 بتوقيت غرينتش
اللواء المتقاعد خليفة حفتر مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، أرشيفية/ مواقع التواصل

تبدو الحرب الليبية مقدمة على مرحلة أكثر دموية مع انشغال العالم بتفشي فيروس كورونا، والغضب الإماراتي من الدور التركي الذي أفقد هجوم حفتر زخمه.

في الآونة الأخيرة، أسفرت اللامبالاة الأمريكية المستمرة تجاه المنطقة، والشعور المتزايد بالحصانة من العقاب، عن منح بعض هذه الدول الجرأة على فعل ما يحلو لها في ليبيا، بحسب مجلة Foreign Policy الأمريكية. 

تقول المجلة "لعل الدولة الأشد سعياً إلى تأكيد وجودها هناك هي الإمارات العربية المتحدة، تليها مباشرة غريمتها الإقليمية تركيا. وصحيحٌ أنَّهما من حلفاء الولايات المتحدة، لكنَّهما تقفان على جانبين مختلفين في هذا النزاع". 

وفي العام الماضي 2019، شرعتا في التدخل العسكري المباشر في ليبيا، بالإضافة إلى دعم وكلائهما المعتادين هناك. ولكن ثمة اشتباك آخر يختمر الآن بين المعسكرين الرئيسيين في ليبيا، فيما تشير بعض أحداث الأسابيع الأخيرة إلى أنَّ القتال سيكون أشد تدميراً من أي وقت مضى، وربما لا يؤدي إلى فوزٍ أيٍّ من الجانبين بانتصارٍ نهائي.

قوات الشرق لا تريد الموت من أجل حفتر

يُذكَر أنَّ الجولة الحالية للحرب الأهلية بدأت قبل عام، حين هاجم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المتمركز في شرق البلاد، العاصمة الليبية طرابلس، التي تعد أحد آخر المعاقل المتبقية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً. ولم يتمكن ما يسمى الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر حتى الآن من تحقيق هدفه المتمثل في الاستيلاء على المنطقة الحضرية الثمينة، التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليون نسمة، والإطاحة بحكومة الوفاق الوطني.

إذ تواجه قوات حفتر مقاومة شديدة من ميليشيات مختلفة متحالفة اسمياً مع الحكومة، لذا فشل في اختراق وسط مدينة طرابلس. وعلاوة على ذلك، فحملة حفتر، وإن كانت مُدمِّرة، فإنها تواجه عوائق تتمثل في قدر جسيم من انعدام الكفاءة الاستراتيجية والتكتيكية. 

وقد كشفت حرب الاستنزاف التي نتجت عن ذلك وتباطؤ وتيرة القتال عن خللٍ آخر في تحالفه، وهو أنَّ قلة من مقاتلي شرق ليبيا يرغبون في المخاطرة بحياتهم من أجل حفتر على بُعد حوالي 960 كيلومتراً من ديارهم. 

الإمارات استفزت تركيا فدخلت الحرب الليبية مرحلة جديدة

ونظراً إلى حرص الإمارات على تعويض ضعف الجيش الوطني الليبي على الأرض، شنَّت أكثر من 900 غارة جوية في منطقة طرابلس الكبرى في العام الماضي، باستخدام طائرات صينية مقاتلة بدون طيار، وطائرات مقاتلة فرنسية الصنع في بعض الأحيان.

وصحيحٌ أنَّ التدخل العسكري الإماراتي أسهَم في كبح قوات حكومة الوفاق الوطني لكنَّه لم يُعزِّز تقدُّم حفتر نحو أهدافه، بل أسفر عن تأثيرٍ سلبي لأنَّه استفز بعض القوى الإقليمية الأخرى. إذ ردَّت تركيا على الإمارات بنشر طائراتٍ تركية بدون طيار من طراز Bayraktar TB2، وعشرات من الضباط الأتراك لشنِّ حوالي 250 غارة سعياً لمساعدة حكومة الوفاق الوطني في مقاومة هجوم حفتر. وكذلك فهذا الوضع المتأزم دفع روسيا إلى تكثيف تدخُّلها في ليبيا.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج/رويترز

ففي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، انضم بضع مئات من المرتزقة الروس إلى الجبهات الأمامية بالقرب من طرابلس لدعم قوات حفتر. وأسفرت قوتهم الفتَّاكة ومعداتهم المتطورة وجهودهم التنسيقية عن تمكين قوات حفتر من الاستيلاء تدريجياً على أجزاء من ضواحي المدينة. وفي الوقت نفسه تقريباً، أدَّت بعض العوامل الفنية المختلفة إلى توقف المساعدة السرية التي كانت تركيا تقدمها.

وقد أجبر هذا التوقف حكومة الوفاق الوطني على إبرام اتفاقيةٍ بحرية مثيرة للجدل، تمنح أنقرة حقوقاً نظرية للتنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، ​​مقابل تدخُّل تركي عسكري كامل لدعم معسكر مقاومة حفتر.

وأبوظبي خسرت زمام المبادرة وتلوم حفتر، وهاهي ترسل أعداداً هائلة من الطائرات

وأسفرت هذه الخطوة الجريئة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خسارة الإماراتيين لزمام المبادرة في ليبيا، وألقت أبوظبي باللوم في هذه الخسارة على عدم كفاية القوة النارية وقوات المرتزقة التي حُشِدَت في العام الماضي. والآن، يبدو أنَّ الإمارات مصممة على العودة لمواجهة عزم أردوغان.

فوفقاً لبيانات مفتوحة المصدر حلَّلها المُحلِّل الإسرائيلي غيرجون، المتخصص في تتبُّع الطائرات، نقل الإماراتيون، منذ منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أكثر من 100 طائرة شحن إلى ليبيا (أو غرب مصر، بالقرب من الحدود الليبية). ومن المحتمل أن تكون هذه الطائرات تحمل آلاف الأطنان من المعدات العسكرية. فيما تشير دلائل أخرى إلى أنَّ عدد الموظفين الإماراتيين على الأراضي الليبية قد ازداد أيضاً. وكل هذا يشير إلى أنَّ تحالف حفتر وحلفائه سيحاولون مرةً أخرى تحقيق انتصار كامل بالقوة.

والمشاركون في مؤتمر برلين لا يحركون ساكناً، ولكن تركيا تقف بالمرصاد

وعلى الصعيد الدبلوماسي، فمنذ انعقاد قمة برلين غير المجدية في يناير/كانون الثاني الماضي، لم يُبذَل أي جهدٍ حقيقي في الحوار نحو تسوية سياسية. ويبدو أنَّه لا يوجد العديد من الأطراف الفاعلة الدولية على استعداد لمعارضة الإمارات، فبينما تزداد عزلة حكومة الوفاق الوطني لا توجد حكومة غربية تريد ممارسة أي ضغط حقيقي على حفتر. ولذلك، فمن المرجح أن يواجه هجومه الجديد مقاومة أقل من المجتمع الدولي، لكنَّه سيواجه خصماً صعباً متمثلاً في تركيا.

فخلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، أوصلت ثلاث سفن شحن تركية على الأقل ما مجموعه حوالي 10500 طن من المعدات والذخيرة إلى ليبيا. 

ماذا يفعل الأتراك في ليبيا، وكيف أسقطوا الطائرات الإماراتية المسيرة؟

يتكون الوجود التركي على الأراضي الليبية حالياً من عدة مئات من الرجال يُدرِّبون المقاتلين الليبيين على الحرب الحضرية، مع التركيز على تكتيكات صد المركبات المدرعة. 

ومن أجل التصدي للهجمات الجوية، تعتمد أنقرة على تكنولوجيا الحرب الإلكترونية ومزيج من أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والتركية. وقد نصبت أنظمة دفاعية مماثلة في القاعدة الجوية في مصراتة، وهي مدينة قوية مناهضة لحفتر تقع غرب مدينة سرت، التي استولى عليها الجيش الوطني الليبي في 6 يناير/كانون الثاني الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك، فمنذ أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصل أكثر من 4 آلاف مقاتل سوري، مدعومين من تركيا، إلى طرابلس والمنطقة المحيطة بها. ومعظمهم مقاتلون إسلاميون متشددون ينتمون إلى ثلاث ميليشيات كبيرة مناهضة للنظام السوري. فيما تعمل تركيا كذلك على ترقية قدرات أسطولها من الطائرات المُسيَّرة المقاتلة المنتشرة في شمال غرب ليبيا.

وحفتر يستعين بالأسد

ولمواجهة التدخل التركي الجديد، أضفت الحكومة الموالية لحفتر في شرق ليبيا طابعاً رسمياً على اصطفافها مع النظام السوري بقيادة بشار الأسد، وهو ما سمح للجيش الوطني الليبي بشراء المشورة الفنية من دمشق، مستعيناً بمكافآت مادية ودبلوماسية. ويقال إنَّ بضع مئات من المتعاقدين السوريين الذين استعانت بهم الميليشيات الموالية للأسد موجودون الآن في ليبيا ويقاتلون في جبهة حفتر. فيما تتعرض مصر لضغوطٍ كي تُقدِّم مساعدةً أكبر للجيش الوطني الليبي.

وبتشجيع من هذه العوامل، يشن الجيش الوطني الليبي الآن هجوماً جديداً متعدد الأصعدة يُركِّز على خنق طرابلس وتقليل أهميتها حتى يغادر الأتراك ليبيا. 

والآن بعدما تم تحييد طائرات أبوظبي المسيرة، فإنها تدفع حفتر لخيار يقتل المدنيين بلا تمييز

ولأنَّ وجود تركيا وترسانتها صعَّبا على الإمارات تسيير طائراتها المقاتلة من دون طيار، فقد بدأت قوات حفتر وحلفاؤه حملة قصف متواصل باستخدام صواريخ غراد وغيرها من المقذوفات. لكنَّ مثل هذه الصواريخ والقذائف التي تنهال على طرابلس لا تصيب الأهداف العسكرية الشرعية فحسب؛ بل تضرب المدنيين أيضاً. فالصواريخ غير الموجَّهة عشوائيةٌ بطبيعتها، ولا يستطيع المعسكر المؤيد لحكومة الوفاق الوطني فعل أي شيء تقريباً لمنع هذا النوع من الهجمات.

قوات حفتر/رويترز

ويبدو أنَّ هذا جزءٌ من فلسفة العقاب الجماعي، وتماشياً مع هذا النمط من التفكير، يفرض المعسكر المؤيد لحفتر حصاراً على إنتاج النفط يُكلِّف ليبيا 1.5 مليار دولار شهرياً منذ منتصف يناير/كانون الثاني الجاري. ونتيجة لذلك، قد يصبح نقص الوقود أكثر انتشاراً. وكذلك فقمع النشاط الاقتصادي الوحيد الذي يُدرُّ دولاراتٍ على البلاد يُعَد وسيلةً للقضاء على البنك المركزي المعترف به دولياً في طرابلس وتغييره ببديلٍ موالٍ للجيش الوطني الليبي، يستولي على جميع عائدات تصدير النفط في المستقبل.

وأخيراً، فعلى صعيد العمليات البرية، نشطت محاولات ما يسمى الجيش الوطني الليبي مرةً أخرى للاستيلاء على مناطق جديدة في محيط طرابلس. وستستمر هذه الاعتداءات المكثفة وتزداد في الأيام والأسابيع المقبلة، وذلك بفضل الموارد التي قدَّمتها الإمارات العربية المتحدة مؤخراً.

ماذا عن روسيا، هل تختار حفتر أم أردوغان؟

وعكس التدخل الإماراتي، يُعَدُّ التدخُّل الروسي في ليبيا أكثر زئبقيةً بكثير. ففي الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، قلبت شركة Wagner شبه العسكرية المرتبطة بالكرملين ميزان الصراع بالانضمام إلى القتال مع جبهة حفتر. ثم أصبح المقاتلون الروس على خط الجبهة بطرابلس أقل نشاطاً فجأةً في أوائل يناير/كانون الثاني، أي قبل عدة أيام من مشاركة الرئيس فلاديمير بوتين في طلبٍ لوقف إطلاق النار بليبيا. 

وفي وقتٍ لاحق، وبالتزامن مع الحشد الأكبر الذي تقوده الإمارات العربية المتحدة، ارتفع عدد الرحلات الجوية الروسية، مما يشير إلى إدخال معدات إضافية،  في حين ارتفع عدد المتعاقدين والمستشارين والمقاتلين النظاميين الروس على الأراضي الليبية بعدما كان نحو 2000 شخصٍ فقط في أواخر العام الماضي. وصحيحٌ أنَّ القوات الروسية المتمركزة بالقرب من طرابلس لم تعد تمتثل للهدنة، لكنَّها في الوقت الحاضر مجرد طرفٍ مُساعِد. ولم يتخذ بوتين حتى الآن قراراً استراتيجياً يقضي بالانخراط مباشرةً في حربٍ حضرية طويلة، والحرص على منح حفتر انتصاراً نهائياً، مع أنَّه قادرٌ على فعل ذلك.  

وقد تختار روسيا مواصلة اتباع نهجها الحالي واستخدام الشراكة المثيرة للجدل التي تحافظ عليها حتى الآن مع تركيا. فالعلاقة الدينامية بين أنقرة وموسكو متجذرة في ازدرائهما المشترك لأوروبا بقدر ما هي متأصلة في العداء المتبادل بينهما. 

وهذا يعني أنَّ روسيا يمكن أن تتسامح مع تركيا فترةً أطول إذا شعرت بأنَّ ذلك أفضل لمصالحها. وهذا النهج المتقلب بين مدٍّ وجزر يعزز نفوذ موسكو ويمكن أن يُخرِج الأوروبيين في نهاية المطاف من المسرح الليبي تماماً. غير أنَّ روسيا قد تُغيِّر رأيها بالسهولة نفسها، وتستثمر في مساعدة الجيش الوطني الليبي لإلحاق هزيمةٍ بحلفاء أردوغان.

وعلى الرغم من الشقوق التي من المؤكد أنَّها ستتسع داخل ائتلاف حكومة الوفاق الوطني، فإن ترسُّخ التدخل التركي في ليبيا وحجمه الهائل يُصعِّبان اجتثاث هذه الحكومة. ورغم سعي تركيا إلى الاستفادة من الغاز الكامن تحت الماء في البحر الأبيض المتوسط​، فهي ليست لديها أي نيةٍ للتخلي عن مصالحها التجارية بليبيا أو تطلعاتها الجيوسياسية الأوسع في بقية إفريقيا.

أمَّا على الجانب الأخر، فتسعى الإمارات العربية المتحدة إلى إيجاد حكومةٍ ليبية في طرابلس خالية من أي تأثير للإسلام السياسي. ولذلك، لن تقبل أبوظبي بتسويةٍ تفاوضية مع حكومة أردوغان الإسلامية. وما يزيد الطين بلةً أنَّه لا الولايات المتحدة ولا أي دولة في الاتحاد الأوروبي مستعدةٌ لاستخدام نفوذها الإقليمي للوقوف في طريق الإماراتيين. ومن ثَمَّ، فمن المرجح أن يستمر تصعيد الحرب الليبية قبل استكشاف أيِّ حل سياسي بجدّية، بغضّ النظر عمَّا إذا كان ذلك يُعرِّض عدداً كبيراً من أرواح المدنيين للخطر. 

تحميل المزيد