كشفت مصادر خاصة سابقة داخل جهاز المخابرات العامة المصرية لعربي بوست أن هناك جهات سيادية خاصة، وخصوصاً جهاز المخابرات العامة المصرية، هي التي تساند وتدعم مقاول الجيش محمد علي.
وأوضح المصدر، الذي كان يحتل منصباً رفيعاً بالجهاز لكنه رفض التصريح باسمه أو طبيعة عمله حفاظاً على أمنه، أن معظم وكلاء المخابرات العامة الذين أقالهم السيسي أو أحيلوا للتقاعد غادروا بالفعل مصر، وأغلبهم خارج البلاد الآن، وأن لديهم تحفظات على أداء الرئيس، "إن لم يكن هناك رغبة في الانتقام بعد طردهم من هذا الجهاز"، على حد تعبيره.
ومنذ نهاية عام 2013 وحتى الآن، تمت إقالة ونقل وإحالة حوالي 114 موظفاً ووكيلاَ للمعاش في جهاز المخابرات العامة.
وفي 28 يونيو/حزيران 2018، تجلى الحدث الأبرز، بعدما كلف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رجله المقرب ومدير مكتبه وذراعه اليمنى اللواء عباس كامل بإدارة جهاز المخابرات العامة، خلفاً للواء خالد فوزي الذي أطيح به في ظروف غامضة.
الخطة بدأت منذ عامين
يأتي هذا في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر داخل الحكومة والأمن المصري منذ 3 أيام في أعقاب تعليق الرئيس المصري السيسي على فيديوهات المقاول والفنان "محمد علي" وحديثه عن بناء القصور، بحسب ما أوضحت مصادر "عربي بوست".
وتأكد هذا التوتر في ردود الأفعال والسماح للإعلام المصري بتناول القضية، والرد على محمد علي، بالإضافة إلى غرفة العمليات التي عقدت تحت إشراف محمود السيسي، نجل الرئيس المصري، شخصياً لمتابعة تطورات الأمور.
وأوضح المصدر في حديثه لـ "عربي بوست" أن ما يؤكد وقوف رجال من المخابرات العامة مع محمد علي، هو أن الأخير يملك معلومات مؤكدة وجرأة غير مسبوقة في طرح ما لديه، وأن "هناك خطة ومنهجاً يسير عليه وضعته جهة سيادية داخل مصر"، على حد تعبيره.
وأضاف أن "ولاء هذه القيادات لمصر أولاً، ولا يرضيها ما يفعله السيسي، وإذا كان هذا الجهاز قد ساعده في مرحلة ما، فليس معنى ذلك إعطاءه الضوء الأخضر في أن يفعل ما يشاء".
وقال إن الإعداد لهذه الخطة بدأ بالفعل منذ عامين، وإنه لم يكن وليد الصدفة، مع العلم أن هذا التوقيت جاء في أعقاب خروج قيادات الجهاز من الخدمة أو إحالتهم إلى التقاعد.
تفاصيل الخطة
وبحسب مصادر عربي بوست فإن الخطة تقوم على استهداف شخص السيسي واسرته من أجل تحطيمها معنوياً وكسر هيبته أمام الشعب المصري الذي يعتبر أغلبه أن هيبة الرئيس من هيبة الدولة المصرية.
ما ذكرته المصادر تحدث عنه ضياء رشوان نقيب الصحفيين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، أول أمس الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول 2019، في برنامج "على مسؤوليتي"، حينما قال إن ما لفت نظره في فيديوهات محمد علي هو تناوله شخص الرئيس السيسي وعائلته بطريقة مسيئة لم تفعلها المعارضة المصرية مع أي رئيس مهما اختلفت معه من قبل.
كما ذكر أيضاً ملاحظاته عن حديث علي عن فساد في الجيش المصري وأوجاع الناس الاجتماعية والاقتصادية، وأضاف رشوان أن "هذه الأمور -السيسي وعائلته والجيش – هي من المحرمات لدينا في مصر، وكونه يخرج ليكسر هذه المحرمات فهو أمر غير طبيعي وراءه شيء".
وبحسب ما حصل عليه "عربي بوست" من أكثر من مصدر أمني، فإن الخطة التي يتبعها محمد علي تبدأ بتحطيم صورة السيسي جماهيرياً، وكذا عائلته، وهي نفس الخطة التي اتبعها السيسي مع الرئيس السابق محمد مرسي طوال العام الذي حكم فيه مصر، وتعبئة الجماهير ضده.
وأوضحت المصادر أن الفارق هو أن السيسي الآن لديه آلة إعلامية تقف إلى جواره على الأقل في هذه اللحظة.
انكسار قدسية السيسي واهتزاز النظام ثم تحرك الجماهير
وتتضمن الخطة أنه بمجرد أن تسقط القدسية التي وضعها السيسي لنفسه أمام الشعب، ستنكسر هيبته شعبياً، وهي بالفعل كذلك الآن.
وأوضحت المصادر أنه لا أحد يستطيع التكلم أو الخروج بمظاهرة في ظل آلة القمع التي يتبعها السيسي، لكن "مثل هذه الفيديوهات التي ينشرها محمد علي، ستكسر حاجز الخوف الذي وضعه السيسي مرة أخرى عقب 30 يونيو/حزيران بحجة الإرهاب، وهي أولى الخطوات لتحريك الجماهير.
وأكد المصدر أنه "لا يتوقع نزولاً جماهيرياً كبيراً اليوم الجمعة"، لكنه استدرك قائلاً "لكن النظام والسيسي نفسه اهتز، وتحلحلت أجهزته الأمنية من داخله لمجرد فيديوهات على الشبكات الاجتماعية، في ظل عجز واضح من آلة السيسي الإعلامية التي يهيمن عليها، إلا أنها عاجزة عن كبح جماح محمد علي".
ترتيبات قادمة
وأوضحت المصادر أن السيسي أخطأ خطأ رهيباً حينما أزاح وجوهاً كثيرة من الساحة الإعلامية كانت داعمة له قبل 30 يونيو/حزيران 2013، "هذه الوجوه ستنضم قريباً إلى محمد علي"، على حد تعبيره.
وأوضح أن هناك ترتيبات أخرى سيتم الإعلان عنها في وقتها، "نتوقع عدم استجابة كبيرة للتظاهرات اليوم، لكن في المقابل أتوقع أن هناك خطوات أخرى، وهي مزيد من الفيديوهات وكشف الفضائح".
محمد على تلقى تدريباً
ولمّح المصدر إلى أنك لو لاحظت مفردات خطاب محمد علي، فستلاحظ بعض الكلمات التي تعكس هذا الغضب من أداء الرئيس المصري، مثل حديث محمد علي عن كيفية استقبال السيسي لمحمد بن سلمان مثلاً على سلم الطائرة، وحينما قال إن "السيسي يجلس خانعاً أمام الرئيس الأمريكي".
"كل هذه المفردات ليست مفرداته، وإنما تؤكد أنه تلقى تدريباً على كيفية جذب انتباه الجمهور من خلال إثارة مشاعر المصريين، وعزة الجيش المصري الذي لا يقبل أن يظهر قائده الأعلى خانعاً أمام أي رئيس دولة في العالم"، على حد تعبيره.
وظهر جلياً في الأسابيع الماضية تأثير فيديوهات محمد علي على الرأي العام المصري، في الوقت الذي ظهرت في فيديوهات جديدة تناولت شخص السيسي، وكان آخرها فيديو الضابط الملثم، والذي تحدث فيه عن أن هناك جهات سيادية خاصة جهاز المخابرات العامة المصرية تساند وتدعم المقاول محمد علي.
وفوجئ الشارع المصري منذ أسابيع قليلة بظهور فيديوهات لمقاول مصري كان يعمل مع الجيش ويبثها من إقامته في إسبانيا، والتي وجه خلالها اتهامات بالفساد وإساءة إدارة البلاد إلى الرئيس المصري وعددٍ من قادة القوات المسلحة المقربين منه.
نجح علي في لفت الأنظار، ليبدأ آخرون في نشر فيديوهات مشابهة، كان أبرزهم الصحفي المصري مسعد أبوفجر الذي ظهر في فيديوهات تتحدث عن فساد السيسي في سيناء وتتهمه بالعمالة لإسرائيل، إلى جانب خروج الناشط السياسي المصري وائل غنيم عن صمته الذي دامَ نحو 6 سنوات.
ومحمد علي هو مقاول عمل في المشاريع التي تديرها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية نحو 15 عاماً، قبل أن ينتقل مؤخراً للعيش في إسبانيا، على خلفية خلافات مالية مع المؤسسة العسكرية.