ذكرت مصادر مطلعة لـ "عربي بوست"، أنَّ المتَّهمين في قضية قتل جمال خاشقجي، وعددهم 11 شخصاً، مسجونون في مبنى خاص بالعاصمة السعودية الرياض، يقع على طريق الدمام، تُحيطهم حراسة مشددة.
وقالت هذه المصادر إنَّ هذا المبنى تابع لجهاز أمن الدولة السعودي، وهو عبارة عن مجمع سكني صغير، موضِّحة أنَّ شكله من الخارج يُشبه مجمعاً سكنياً صغيراً، وهو أحد المباني الجديدة التي استحدثها جهاز أمن الدولة بالسعودية، لممارسة التحقيق والاستجواب بحقِّ المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي.
وأشارت إلى أنَّ هذا المبنى يعدُّ البديل عن سجن عليشة، الذي كان يقع في وسط العاصمة الرياض، في منطقة عليشة، بالقرب من جامعة الملك سعود للبنات.
المسافة بين سجن عليشة القديم وطريق الدمام الذي يوجد به المبنى الجديد لأمن الدولة الذي يحتجز فيه المتهمون في قضية خاشقجي
تطورات قضية قتل جمال خاشقجي
وأعلنت النيابة العامة السعودية في 15 تشرين ثان/نوفمبر 2018 توجيه التهم إلى 11 شخصاً من الموقوفين في قضية مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي. كما قررت إقامة الدعوى الجنائية بحقهم مع المطالبة بقتل من أمر وباشر الجريمة منهم وعددهم خمسة أشخاص، وإنزال العقوبات "الشرعية" على البقية.
وأبعدت النيابة العامة السعودية في ذلك الوقت الشبهات عن ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي محمّلة مسؤولين آخرين مسؤولية الجريمة.
وقال مسؤول في النيابة العامة في مؤتمر صحافي في الرياض ردا على سؤال حول احتمال تورط ولي العهد بالجريمة، إن نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد العسيري أمر بإعادة خاشقجي إلى السعودية، وأن رئيس فريق التفاوض في موقع الجريمة أمر بقتله.
ولم تعلن النيابة أسماء المتهمين في بيانها أو مؤتمرها الصحفي، ولكن مصادر خاصة أبلغت عربي بوست بأسماء المتهمين المتحتجزين على ذمة قضية خاشقجي.
أسماء المحتجزين في قضية خاشقجي
وقالت المصادر إنَّ المحتجزين في المبنى هم 11 شخصاً، على خلفية قضية خاشقجي، وهم التالية أسماؤهم:
1- عبدالعزيز محمد الحساوي
2- ثائر غالب الحربي
3- محمد سعد الزهراني
4- خالد عائض العتيبي
5- مشعل سعد البستاني
6- وليد عبدالله الشهري
7- منصور عثمان أباحسين
8- فهد شبيب البلوي
9- بدر لافي العتيبي
10- سيف سعد القحطاني
11- تركي مشرف الشهري
ومن أبرز المحتجزين على خلفية القضية، أربعة أسماء بارزة، كان لها دور كبير في عملية اغتيال خاشقجي، وذلك حسبما ذكرت المصادر لـ "عربي بوست"
ثائر غالب الحربي: نال ترقية من الأمير محمد
ثائر غالب الحربي (مواليد 1979)، يعدُّ عنصراً بارزا في الحرس الملكي السعودي.
وقد حصل على ترقية مباشرة من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في أكتوبر/تشرين الأول 2017م، أي بعد مدة قصيرة من توليه ولاية العهد.
وقد حصل الحربي على ترقية برتبة ملازم أول في القوات المسلحة، وذلك بعد أن شارك في صدِّ الهجوم الذي استهدف قصر محمد بن سلمان في جدة عام 2017، الأمر الذي جعل محمد بن سلمان يكلفه بدور في عملية اغتيال خاشقجي.
محمد سعد الزهراني: أحد أفراد الحراسة الخاصة
الزهراني من مواليد (مواليد 1988)، وهو أحد أفراد الحراسة الخاصة لولي العهد محمد بن سلمان، وهو من الأعضاء الأساسيين في الفريق الذي تورَّط في اغتيال جمال داخل القنصلية.
عبدالعزيز محمد الحساوي: الحارس الشخصي لبن سلمان
عبدالعزيز محمد الحساوي (ولد عام 1987): حارس شخصي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كُلف بشكل مباشر بمرافقة فريق الاغتيال داخل القنصلية، بصفته أحد المقربين من ولي العهد.
والشخصيات الثلاث السابقة مرتبطون بأجهزة أمن ولي العهد السعودي.
وقالت المصادر، تم اختيارهم ضمن فريق الاغتيال للقيام بأدوار رئيسية في عملية قتل خاشقجي، وذلك نظراً لأنَّهم عناصر في الحرس الملكي، ومقربون بشكل مباشر من الأمير محمد بن سلمان، مما يعني أنه يمكنه الاعتماد عليهم في المهام الحساسة والخطيرة.
هل يكون اتهام القنصل السعودي محاولة لجعله كبش الفداء لاستبعاد القحطاني؟
القنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي، هو من ضمن الفريق المحتجز على خلفية اغتيال خاشقجي، حسب المصادر ذاتها.
لكنّ المصادر رجَّحت أنَّ دور القنصل في الجريمة هو استدراج خاشقجي للقنصلية، بأوامر مباشرة من المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني.
ولم تحدد هذه المصادر إذا ما كان القنصل سيكون كبش الفداء في قضية اغتيال خاشقجي، بعد تبرئة المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني واستبعاده من قائمة الأسماء المتهمة في العملية.
ماذا سيكون مصيرهم، وهل سيُحاكمون؟
عدم إفصاح السلطات السعودية عن أسماء ومصير المحتجزين، على خلفية قضية خاشقجي، بشكل واضح ورسمي يثير علامات استفهام كبيرة حول مصيرهم، خاصة بعد أن أعلنت النيابة العامة التحقيق مع 21 شخصاً، وتوجيه التهم إلى 11 شخصاً، وطالبت بإعدام مَن أمر بجريمة قتل خاشقجي ومَن نفَّذها، وعددهم 5 أشخاص.
فمع إقامة الدعوى الجزائية بحقِّهم، وإحالة القضية للمحكمة، واستمرار التحقيقات مع بقية الموقوفين، للوصول إلى حقيقة وضعهم وأدوارهم، لم تفصح السلطات السعودية عن أي معلومات تفصيلية حول القضية، الأمر الذي يزيدها غموضاً وغرابة، وذلك في غياب أي معلومات عن سير المحاكمة أمام الرأي العام المحلي والعالمي.
لماذا تأخرت إجراءات محاكمة قتلة خاشقجي؟
السلطات السعودية ليس لديها نية لتنفيذ أحكام قضائية رسمية بحق المتهمين في قضية خاشقجي.
بهذه الكلمات فسَّر عضو النيابة العامة السعودية السابق محمد القحطاني الإجراءات السعودية في القضية.
وقال القحطاني لـ "عربي بوست"، إنَّ احتجاز السلطات السعودية للمتهمين الـ11 في سجن طريق الدمام، لَهو تأكيد على أنَّ السلطات السعودية غير جادّة في تنفيذ أيِّ عقوبات جنائية أو تعزيرية، بحقِّ مَن تمَّ توجيه التهم إليهم في قضية قتل جمال خاشقجي، حتى فيمن طالبت النيابة العامة بإعدامهم، ومَن أمر بجريمة القتل ونفَّذها، وعددهم 5 أشخاص، أو مَن قام بالدعم اللوجيستي لمنفذي الجريمة.
ورأى القحطاني أنَّ النيابة العامة وعبر أوامر مباشرة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تسعى إلى كسب وتضييع الوقت في قضية خاشقجي، منوهاً إلى أنَّ احتجاز المتهمين سيبقى مستمراً حتى يتناسى الرأي العام القضية بشكل كامل، ويخمد صداها، ما لم يستجدّ أي أمر جديد على القضية.
من جانبه قال الناشط الحقوقي سلطان العبدلي في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست"، إن النظام السعودي في نظام المرافعات الشرعية ينصُّ على مواد، في ظاهرها جيد، وفي ظاهرها أنّها تحمي من توجه لهم التهم.
واستدرك قائلاً: "لكن الإشكالية تكمن في أنَّه لا القضاء السعودي ولا النيابة العامة ولا جهات التحقيق في أجهزة الأمن تتمتع باستقلالية، بل تعاني من استلاب كبير لهذه الاستقلالية".
وأضاف أنّ أوامر وآليات التحقيق والقضاء جميعها تصل بأوامر شفهية ومباشرة من الديوان الملكي، أو من أمير المنطقة إذا كانت المسألة أو القضية أقل أهمية.
ويشير العبدلي إلى أنَّ نظام المرافعات الشرعية ينصُّ في المادة 64 على أن تكون المُرافعة علنية، إلا إذا رأى القاضي من تِلقاء نفسه أو بناءً على طلب أحد الخصوم إجراءها سِراً، مُحافظة على النِّظام، أو مُراعاة للآداب العامة، أو لحُرمة الأُسرة.
وقال: "هنا تكمن الإشكالية والكارثة في استغلال مثل هذا البند، مشدداً على أنّ أي محاكمة يجب أن تكون علنية في الأصل، إلا إذا كانت تتعلق بخصوصية كحرمة الأسرة والأحوال الشخصية، وما عدا ذلك يجب أن تكون أبواب القضاء مفتوحة وأمام الملأ والعلن".
وقال: "النظام السعودي على المستوى السياسي والقضائي يعتمد على فكرة أن ولي الأمر هو المشرّع الأساسي، وفقاً لتفسيره للدين".
ويرى العبدلي أنَّ النظام السعودي، سواء على المستوى السياسي والقضائي، يسعى إلى استخدام واستثمار الاستثناءات لتفريغ الأنظمة والقوانين من محتواها ومضمونها الأساسي، وهذا ما جرى في قضية الصحفي جمال خاشقجي التي تحوَّلت إلى قضية دولية وعامة، ولطَّخت فيه سمعة النظام السعودي، لكن ومع هذا لم تتم محاكمة المتهمين في القضية علانية، ولم تعلن أسماؤهم بشكل رسمي من قبل النيابة العامة بشكل واضح.
ويطالب العبدلي بتقديم المتهمين في قضية خاشقجي بشكل علني، عبر وسائل الإعلام وإجراء محاكمات علنية تنقل على الهواء مباشرة.
أحمد عسيري وسعود القحطاني خارج القائمة
قائمة المتهمين الأحد عشر خلت من أسماء بارزة، ورئيسية كنائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، المقربان من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حسبما قالت المصادر لـ "عربي بوست".
ويعلق العبدلي على ذلك قائلاً إنَّ متهمين كباراً ورئيسيين مثل: سعود القحطاني متهم ومخطط رئيسي في القضية، ولكنه لا يزال على رأس عمله ولم يتم إيقافه أو محاكمته.
وأضاف أنَّ المتهمين والمخططين الكبار في قضية قتل خاشقجي كنائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، لا يزال يسمح لهم بالتنقل والسفر بجوازات أخرى، بل لا يزال القحطاني على رأس عمله، ولم يتم إيقافه أو محاكمته.
ورأى أنَّ النظام يسعى عبر المحاكمات الصورية في قضية خاشقجي لتضييع الوقت حتى تموت القضية وتنسى من الرأي العام، في ظل عدم توفر قضاء عادل وغياب نيابة تتمتع بالاستقلالية والمصداقية.