وحدة الإرباك الليلي التي تمنع الإسرائيليين من النوم.. عندما تصبح الأغاني الوطنية سلاحاً فتاكاً يستغل نقطة ضعف جنود الاحتلال

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/06 الساعة 14:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/06 الساعة 14:03 بتوقيت غرينتش
وحدة الإرباك الليلي في غزة

اكتشف الفلسطينيون سلاحاً جديداً فعالاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، إنها الأغاني والأهازيج الوطنية وغيرها من الأنشطة التي تُنفذها وحدة الإرباك الليلي بغزة.

الأمر ليس مزحةً أو مبالغة، الأغاني والأناشيد الوطنية وغيرها من الأنشطة التي تنفذها وحدة الإرباك الليلي تمثل مشكلةً حقيقيةً لقوات الاحتلال.

والسر في التوقيت والأسلوب.

ووحدة "الإرباك الليلي" هي أسلوب مقاومة جديد ابتدعه شباب غزة، لتُضاف لعدة وحدات ظهرت منذ بداية مسيرات العودة، وأهمها "وحدة الكوشوك"، ووحدة "الطائرات والبالونات الحارقة"، ووحدة "قصّ السلك"، ووحدة "المساندة"، وغيرها من الوحدات والأساليب المبتكرة التي تخدم نفس الهدف، وهو مواجهة الاحتلال وجيشه.

سر تأثير الأنشطة التي تُنفِّذها وحدة الإرباك الليلي رغم بساطتها

تبدأ مجموعات من "وحدة الإرباك الليلي"، التي تضم المئات من الفتية والشبان مع ساعات الليل الأولى بالتوجه إلى مناطق السياج الحدودي على امتداد الشريط الحدودي شرقي قطاع غزة.

يُطلق أعضاء الوحدة ألعاباً ومفرقعات ناريةً، ويقومون ببث أغانٍ وطنية وأصوات أهازيج مرتفعة عبر سماعات كبيرة، لإزعاج جنود الاحتلال الإسرائيلي المتمركزين على الحدود وسكان المستوطنات القريبة من القطاع.
ويعد هذا الأسلوب من قبل الفتية والشبان أحد أبرز الوسائل والأدوات التي يستخدمونها، في إطار مسيرات العودة الشعبية السلمية، المتواصلة في غزة منذ الـ30 من مارس/آذار العام 2018، للتأكيد على حقِّ العودة وكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.

والهدف خلق أجواء من الخوف لدى الجنود المستوطنين

وتضم الوحدة المئات من الشبان والفتية، مهمتهم خلق أجواء خوف وإزعاج لمئات المستوطنين في غلاف غزة، وإزعاج جنود الاحتلال، الذين يراقبون الحدود من أبراج مراقبة عسكرية، أو في مواقع أقيمت خلف تلال وسواتر رملية على طول الحدود شرق وشمال القطاع، الذي يرزح تحت حصار مشدد منذ اثني عشر عاماً.

ومع حلول ساعات الليل الأولى يبدأ الشبان والفتية بقرع الطبول والأغاني.

فيما يُطلق آخرون بالونات حارقة أو مفرقعات، بهدف إزعاج الاحتلال على مقربة من السياج الحدودي شرقي القطاع.

والأسلحة هي الدبكة والمزمار

ففي إحدى المرات تجمَّع قرابة ثلاثمائة من المواطنين المشاركين في وحدة الإرباك الليلي، على بعد عشرات الأمتار من السياج الحدودي شرقي غزة، وأقاموا فعاليات شعبية على وقع الطبول والأغاني والدبكة الفلكلورية، مستخدمين سماعات ومكبرات صوت، إضافةً إلى إطلاق العنان لأبواق مزاميرهم.

وبعضهم ألقى قنابل صوت يدوية ومفرقعات مصنوعة من مواد بدائية في غزة.
وفي خيمة نُصبت على بُعد عدة مئات من الامتار من الحدود، كان أربعة شبان ينفخون عشرات البالونات بيضاء اللون، ومطبوع عليها بالإنجليزية "أنا أحبك"، وتحمل مواد حارقة قبل أن يطلقوها باتجاه المناطق الحدودية.

والنتيجة أن الجنود لا يعرفون النوم

ويقول (محمد .ع)، 22 عاماً، وهو أحد المشاركين في وحدة الإرباك لموقع "شاشة نيوز": "هدفنا من هذا الحراك والأسلوب الإبداعي أن نجعل جنود الاحتلال والمستوطنين في مستوطنات قريبة من غزة لا ينامون ولا يذوقون طعم النوم، وجعل حياتهم جحيماً طوال ساعات الليل… نُشعرهم بالإرباك والخوف وألا يكونوا في مأمن".
أما الفتى (يسري .ج) 17 عاماً، فيقول: "رسالتنا للعدو أن يرحل ويرفع الحصار عنا… نحن في غزة نعاني ولا أحد يلتفت إلينا من العالم".

وأضاف "قررنا أن نبقى في أراضينا ومتمسكين بها، سنواصل إزعاجهم كل ليلة، ونربك حياتهم، ولا نجعلهم ينامون".

من جهتها، اعتبرت الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار أن وحدات الإرباك الليلي هي بداية لمرحلة متطورة في الاحتجاجات والمسيرات الشعبية السلمية المتواصلة في غزة، لرفع الحصار الإسرائيلي وتثبيت حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها عام 1948.
وقُتل مئات الفلسطينين وأصيب آلاف آخرون بإصابات مختلفة خلال مهاجمة قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل مميت المشاركين في مسيرات العودة السلمية، منذ 30 مارس/آذار 2018.

وحدات الإرباك تطور أساليبها

عند اقتراب عقارب الساعة من الوصول إلى التاسعة ليلاً، وعلى حدود قطاع غزة الشرقية، بالقرب من الشريط الفاصل بين المستوطنات الإسرائيلية، يُجهّز الشاب "أبو ياسر الغرابلي" نفسَه خلفَ كومة صغيرة من الرمال مُحاطة بأكياس بلاستيكية سوداء متشابكة، وبعض إطارات السيارات القديمة؛ لعقد اجتماع ميداني سريع، قبل لحظات من إطلاق فعاليات المواجهات الليلية.

وبعد دقائق قليلة من موعد الاجتماع، بدأ العشرات من الشبان الفلسطينيين بالتوجه نحو "كومة الرمال" التي تُضيء طريقها بعض النيران المشتعلة في الإطارات، وشكّلوا حلقة دائرية كبيرة حول "الغرابلي"، (مسؤول وحدات الإرباك الليلي شرقي مدينة غزة)، الذي بدأ بشكل فوري بتوزيع المهام على الشبان.

الليزر في عيونهم

وفور انتهاء الاجتماع الميداني، انتشر الجميع نحو مهمته، فمنهم مَن سيُشعل النار بالإطارات على الحدود، وآخرون مهمتهم تشغيل مكبّرات الصوت وبثّ الأغاني الوطنية والثوريّة.

في حين ستهتمّ مجموعة أخرى برمي الحجارة وقنابل "المولوتوف" المشتعلة والبالونات الحارقة على المواقع الإسرائيلية، وتسليط ضوء الليزر على عيون الجنود الإسرائيليين.

المهمّة الأكثر صعوبة، في قصّ السياج الفاصل واختراق الحدود وحرق المواقع الإسرائيلية ستوكل للشباب الأكثر جرأة.

رد إسرائيلي غير متناسب

جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعامل بقوة مفرطة مع الأنشطة التي تنفذها وحدة الإرباك الليلي بغزة

إذ يستخدم  الرصاص وقنابل الغاز والقصف المباشر للتصدّي لها، ما أسفر عن سقوط شهداء من الفلسطينيين وإصابة العشرات منهم.

ويقول "الغرابلي"، قائد "وحدات الإرباك الليلي"، شرقي حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة: إن "الفكرة الأولى من هذه الوحدات كانت فقط مجرّد خطوة لإقلاق راحة الجنود الإسرائيليين داخل مواقعهم العسكرية المحاذية لقطاع غزة، وخاصة في فترة الليل، لكن النتائج التي تحقّقت من هذه الفكرة الشبابية أجبرتنا على تطويرها واستخدامها في مقاومتنا للمحتل".

والنتيجة رعب إسرائيلي وحشد للقوات

يقول الغرابلي "سعينا بكل جهد لتطوير هذه الوحدات، بعد أن كانت مقتصرة على إشعال الإطارات قرب الحدود، حتى تطوَّرت لاستخدام الليزر وتسليطه على عيون الجنود الإسرائيليين، لإرباكهم والتأثير على رؤيتهم، ومن ثم قصّ السياج الفاصل، وإلقاء القنابل الزجاجية المشتعلة على مواقع الاحتلال، واستخدام مكبّرات الصوت، وبثّ الأغاني الوطنية لإزعاج المستوطنين والجنود".

ويشير الغرابلي إلى أن هذا النوع الجديد من المقاومة أدخل الرعب والقلق في نفوس الإسرائيليين، الأمر الذي أجبر حكومة الاحتلال على إصدار ق

رارات بتعزيز ومضاعفة قواتها على حدود غزة، وهذا الأمر بالنسبة إلينا يُعدُّ إنجازاً؛ لنجاحنا في كشف نقطة ضعف الجيش وإقلاق راحته، وجعله متأهّباً ليلاً ونهاراً".

وهناك مزيد من المفاجآت

"الغرابلي" كشف خلال حديثه لـ "الخليج أونلاين" عن مفاجآت جديدة سيبدأ تنفيذها على مراحل خلال الفترة المقبلة على حدود غزة، مؤكّداً أن الشريط الفاصل سيكون كالنيران المشتعلة والدائمة فوق رؤوس جنود الاحتلال والمستوطنين.

وزاد: "وحدات الإرباك الليلي ستُطوّر عملها وتتجه نحو طرق جديدة تشمل اجتياحاً دائماً وجماعياً للحدود ليلاً، وقصّ السياج، وحرق المواقع العسكرية التي يصل إليها الفلسطينيون، إضافة إلى تكثيف إشعال الإطارات، وتبدأ من الساعة الثامنة مساءً حتى ساعات الفجر، للتأثير على رؤية جنود الاحتلال".
وذكر أن هناك خطوات أخرى، منها إرسال بالونات وطائرات حارقة ليلاً تجاه المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، وإطلاق قنابل صوت بكثافة على المناطق التي تعجّ بالمستوطنين، بهدف إرعابهم وإجبارهم على هجر المستوطنات، إضافة لإطلاق قنابل تحمل مواد وروائح سامّة ستُطلق فوق الأراضي الزراعية التابعة للمستوطنين بهدف تسميمها.

وتقول الهيئة العليا لمسيرات العودة الكبرى إن الإرباك الليلي يمثّل "بداية" لمرحلة متطوّرة من الاحتجاجات، للمطالبة برفع الحصار الإسرائيلي وتثبيت حقوق اللاجئين "في العودة إلى بلداتهم وقراهم التي هُجّروا منها"، قبل سبعين عاماً.

وإسرائيل تراها خطراً بالغاً عليها

الأنشطة التي تُنفذها وحدة الإرباك الليلي ينظر لها المستوى الأمني في "إسرائيل" بعين الخطورة، مثل البالونات الحارقة، ويتّهمها الاحتلال بأنها تقف وراء قصّ السلك الشائك ووضع عبوات ناسفة.

وتطوُّر أساليب المقاومة على حدود غزة كشف عن نقاط ضعف الجيش "الإسرائيلي".

وقالت صحيفة "هآرتس" العبرية، 23 سبتمبر/أيلول 2018، في هذا الصدد: إن "أهالي غزة حدّدوا نقطة الضعف الجديدة لدى جيش الاحتلال وبدأوا بالتركيز عليها"، مبيّنةً أن الجيش يواجه صعوبة في مواجهة التظاهرات الليلية على حدود قطاع غزة، محذّرةً من سيناريو يخشى منه الاحتلال وهو التسلّل الجماعي تحت غطاء التظاهرات الليلية، والوصول للمستوطنات المحاذية للقطاع.

"الشبان في غزة فعلياً نجحوا في استنزاف قوات الاحتلال على الحدود، وكشفوا للجميع نقطة ضعفه في التعامل مع أي مواجهات أو خطر يُحيط به في الليل"، حسبما يقول الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، يوسف الشرقاوي، لـ "الخليج أونلاين".

ويضيف: "الخطر الأمني في الليل دائماً ما يُقلق جيش الاحتلال كثيراً، ويُصيبه بتخبّط كبير، وهذا الأمر قد استغلّه شباب غزة جيداً، ففتحوا المواجهات من أبواب مختلفة وجديدة مع قوات الاحتلال، بعد أن كانت تلك المواجهات تقتصر على فترة النهار فقط".

ويوضح أن نتائج المواجهات الليلية ستكون كبيرة وثقيلة على جيش الاحتلال، فهو يضطرّ لإبقاء عيون جنوده مفتوحة دائماً، ويقلّص ساعات راحتهم، والدفع بقوات إضافية ومراقبة مضاعفة للشريط الحدودي، والتعامل مع أي حدث أمني على الشريط بكل قوة وصرامة، الأمر الذي يستنزف قوة وتركيز جيشه بشكل كبير.

وعن خشية جيش الاحتلال من اجتياح جماعي للشريط الحدودي، أكّد أن هذا الخيار وارد حدوثه، وفي حال تم ستكون هناك نتائج كبيرة وخطيرة على كل المستوطنات المحيطة بغزة، تجعلهم يعيشون في خطر دائم، مؤكّداً أن وحدات "الإرباك الليلي" نجحت في أن تُبقي الاحتلال داخل "دوامة كبيرة" لها نتائج أمنية خطيرة.

تحميل المزيد