في فناء مدرستهن في العاصمة دمشق، اصطفت أعدادٌ من الفتيات السوريات يرتدين الزي المدرسي باللونين الوردي والأزرق لتحية العلم وغناء النشيد الوطني. وعلى بعد بضعة أميال في إحدى الضواحي، لعب الأطفال في فناء مدرسة أُعيد تأهيلها، حيث استُبدلت النوافذ المهشمة لكن ظلَّت الجدران المتفحمة ذات التجاويف من جراء قصف المدفعية باقية في واجهة المبنى. هذا ما رصدته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في هذا التقرير عن أوضاع الأطفال السوريين في العام الدراسي الجديد.
أطفال أكثر سيذهبون إلى المدارس
مع انحسار القتال ليقتصر على مناطق أقل في سوريا، سيذهب عددٌ أكبر من الأطفال إلى المدارس هذا العام، وفقاً لما قالته الحكومة السورية التي قدرت عددهم بنحو 4 ملايين طفل.
ومع حرصها على تصدير صورة تُظهر عودة الحياة لطبيعتها، قالت الحكومة إنَّها أعادت تأهيل أكثر من 400 مدرسة على مدار الشهرين الماضيين فقط، ودعت الطلاب إلى العودة إلى ارتداء زي المدرسة، الذي طُرح جانباً طوال سنوات الصراع.
قال هزوان الوز وزير التعليم السوري لصحيفة الوطن الموالية للحكومة في تصريحات نشرت بالتزامن مع بداية العام الدراسي يوم الأحد 2 سبتمبر/أيلول: "هذا تأكيد على أننا وصلنا إلى مرحلة الانتصار. مما يعني أن الأمور يجب أن تستقر، بما في ذلك التعليم".
غير أنَّ الحرب أبعد ما يكون عن النهاية، وألحق الدمار الذي خلفته ندوباً بأطفال البلد بشكل خاص، بما في ذلك أولئك الذين لاذوا بالفرار من الصراع، وفقاً لخيرت كابيلاري المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).
كان فقدان العائلات لسبل كسب العيش، والفقر المتفشي، والصدمة من جراء القتال واستمرار انعدام الأمن -حتى في مناطق انتهى بها القتال- فضلاً عن التخفيضات الحادة في المساعدات ضمن أكبر العقبات التي تواجه أطفال سوريا.
يظل نحو مليوني طفل في سوريا غير ملتحقين بالمدارس. كما أنَّ مدرسة من بين كل ثلاث مدارس تقريباً خارج الخدمة. وتَرك نحو 180 ألف مدرس مؤهل أيضاً المنظومة التعليمية. وبحسب منظمة يونيسيف، فمنذ أبريل/نيسان، قُتل 31 طفلاً من جراء الذخائر غير المُنفجرة بما في ذلك ذخائر في مناطق انتهى القتال فيها.
لكن مليون طفل في إدلب يتجهزون للحرب لا المدرسة
في شمال غرب سوريا، حيث تهدد الحكومة بشن هجوم على محافظة إدلب، يستجمع مليون طفل قواهم -كثير منهم نزحوا بالفعل أكثر من مرة بسبب الصراع- استعداداً لحملة عسكرية ساحقة.
وفي البلدان المجاورة ليست ظروف السوريين أحسن حالاً، حيث يعيش ما يفوق الـ 4 ملايين لاجئ سوري أكثر من نصفهم من الأطفال. ويوجد على الأقل 700 ألف طفل لاجئ غير ملتحقين بالمدارس، وكثير غيرهم معرضون لخطر التسرب من التعليم.
في هذه المرحلة الجديدة من الحرب، تتباحث الدول المانحة حول أفضل الطرق للإسهام بأموالها.
تقول الحكومة السورية إنَّ الوضع آمن الآن لعودة اللاجئين إلى ديارهم. فيما تقول الأمم المتحدة ووكالات أخرى إنَّ الحديث عن العودة سابق لأوانه، لكنها تواجه نقصاً في الميزانية تخشى أنَّه سيُحِد من خدماتها وسيعطي اللاجئين انطباع أنَّهم ليس مرحباً بهم. تشعر الدول المانحة، المنهكة بالفعل من تقديم المساعدات في عدة صراعات في أنحاء المنطقة، بتردد في ضخ المزيد من الأموال في الحرب السورية الممتدة، خاصة عندما يظل التوصل لحل سياسي بعيد المنال. في الدول التي تستضيف اللاجئين، يتطلع المانحون إلى دعم الحكومات المحلية مباشرةً بدلاً من تقديم المساعدة للاجئين عن طريق دعم منظمات المعونة.
وقال كابيلاري: "الحقيقة هي أنَّ الأطفال يصبحون مجدداً كرة في لعبة سياسية واحدة، حيث الحكومة على جانب والمانحون على الجانب الآخر، في نهاية المطاف نحن نقف في المنتصف ونشعر بالسخط نيابة عن أطفال سوريا".
قال وزير التعليم إنَّ منظمة يونيسيف خفضت مساعدتها للطلاب -بما في ذلك توفير مليون حقيبة مدرسية- "بذريعة أنَّ التمويل الدولي انخفض".
نقص كبير في تمويل التعليم في سوريا
تقول يونيسيف إنَّ التمويل في سوريا أقل من احتياجاتها بـ 40 مليون دولار، أي بفارق يبلغ 43%.
وقال كابيلاري إنَّ بعض التخفيضات كانت رد فعل على القيود التي تفرضها الحكومة على وصول منظمته سواء إلى المناطق التي جرى استعادتها مؤخراً من قبضة المعارضة، أو إلى الرصد المستقل للإنفاق.
في دوما خارج دمشق، كان الآباء حتى أول يوم في العام الدراسي الأحد 2 سبتمبر/أيلول لا يزالون يسجلون أطفالهم في المدارس الحكومية. وأعادت القوات السورية الاستيلاء على المنطقة في وقت سابق من هذا العام بعد سنوات من سيطرة المعارضة عليها.
وقالت مديرة إحدى المدارس إنَّ أكثر من 1800 طالب التحقوا بمدرستها، التي كان بها في العام الماضي 350 طالباً فقط.
قال ملاك رسلان مدير مدرسة سيف الدولة الابتدائية: "هناك إقبال كبيرٌ" الآن بما أنَّ القتال قد انتهى. تُقدم العديد من المدارس فصولاً صباحية ومسائية لاستيعاب الأعداد المتزايدة للطلاب.
تغريد حايلاني (27 عاماً) تقول إنَّ أطفالها الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 11 سنوات، كانوا يتلقون التعليم بالمنزل لسنوات بسبب القصف والآن هم متأخرون في التعليم، مضيفة: "لا يمكنهم القراءة ولا الكتابة. أنا ممتنة لأنهم سيعودون إلى المدرسة".
قال ياسر حجازي إنَّه أبقى أطفاله بالمنزل لأن المعارضة غيرَّت المناهج الدراسية وأصبحت تُدرَّس "مفهومها الخاص عن الدين".
أثناء عطلة العام الدراسي، وفرت واجهات مباني المدرسة المتفحمة والمليئة بتجاويف رصاص المدفعية الظل للأطفال الذين يلعبون في فناء المدرسة.
في لبنان والأردن، بلغ النقص في تمويل اليونيسيف 48% و49% على التوالي.
اليونيسيف لم تعد تستطيع دعم الأطفال
قال روبرت جنكيز ممثل يونيسيف في الأردن إنَّ المنظمة خفضت عدد اللاجئين الأطفال الذين يحصلون على مساعدات مدرسية في الأردن من 55 ألفاً العام الماضي إلى 10 آلاف هذا العام. ويمثل الأطفال أكثر من 50% من الـ 670 ألف لاجئ المسجلين لدى الأردن.
في لبنان، البلد الذي يضم أعلى تركيز في العالم للاجئين السوريين بالنسبة لتعداد السكان الأصليين، عَنَت التخفيضات في التمويل أنَّ 20 ألف طفل فقدوا فرصتهم في الحصول على التعليم غير النظامي، والدعم المقدم لهم لمساعدتهم في أداء واجباتهم المدرسية فضلاً عن إعادة التأهيل الأساسية للمدارس. ويمثل الأطفال أكثر من 55% من المليون لاجئ سوري المسجلين في لبنان.
قال جنكيز: "نشعر بالقلق إزاء ما نسميه بآليات المواجهة السلبية، وهو قرار تأخذه العائلات شديدة الضعف -على سبيل المثال: الزواج المبكر، وزواج الأطفال وعمالة الأطفال".
في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، ذكر وزير التعليم الأردني أنَّ 31% من الأطفال السوريين في عمر الالتحاق بالمدارس كانوا لا يتلقون التعليم سواء النظامي أو غير النظامي. وارتفعت أيضاً نسب زواج الأطفال في السنوات الأخيرة، إذ تُظهر البيانات الخاصة بالمحكمة الدينية الأردنية في 2016 أنَّ 36% من الزيجات السورية المسجلة في الأردن شملت فتيات دون 18 عاماً، وهي نسبة تزيد بأربعة أضعاف عن تلك الخاصة بعام 2011.
في عمّان، كان شقيقان يبحثان في كومة قمامة عن الخردة لبيعها إلى المصانع الأردنية. وتسرب الشقيقان البالغان من العمر 17 و18 عاماً من المدرسة منذ عام 2013 عندما لاذا بالفرار من مدينة حمص السورية مسقط رأسهما.
ومع الإعاقة التي كان يعاني منها والدهما، فالشقيقان هما المعيلان الرئيسيان لأسرتهما، ويجنيان على الأكثر ديناراً أردنياً (1.4 دولار) يومياً، وهو ما يكفي لشراء الخبز.
وقريباً، قد ينضم لهما في العمل بعد تخفيضات التمويل أشقاؤهما الثلاثة البالغين من العمر 10أعوام، و13 عاماً و15 عاماً.
في منزلهم في حي جبل النصر في عمَّان، بكت والدتهم إلهام صدى، وإلى جوارها كانت تجلس ابنتها البالغة من العمر عشرة أعوام مرتدية قميصاً وردياً كتب عليه "أميرة والدتي الصغيرة".
وقالت إلهام إنَّه دون أموال الأمم المتحدة لن يستطيع أطفالها الالتحاق بالمدرسة.
وأضافت: "في سوريا، كان الأمر رائعاً، فبوجود المال أو دونه، يمكن لعائلتنا إعانتنا للبقاء على قيد الحياة، لكن هنا كلنا غرباء. لا يعرفنا أحد. لا توجد فرصة ونحن منهكون للغاية".
أما والدهم، طاهر الجملي فيقول إنَّ عائلته أصيبت بصدمة أثناء القتال في سوريا، وفرت من منزل إلى آخر، وفقدَ الاتصال بأغلب أسرته.
وقال: "نخشى كثيراً العودة".