كل العواصم العربية محتلة ما عدا القدس ما زالت تقاوم

ردود الأفعال العربية الضعيفة حيال قضية القدس تظهر وبوضوح كيف تم التأثير على سيكولوجية تلك الشعوب؛ لتصبح أكبر ردود أفعالها هي الشجب والإدانة

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/10 الساعة 05:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/10 الساعة 05:41 بتوقيت غرينتش

تدوينة: عبير يوسف

في كتابه "سيكولوجية الجماهير" يقول غوستاف لوبون، وهو مؤسس علم نفسية الجماهير: "لقد حلت السياسة محل الدين، ولكنها استعارت منه نفس الخصائص النفسية، بمعنى آخر أصبحت السياسة ديناً وكما في الدين فقد أصبح البشر عبيداً لتصوراتهم الخاصة بالذات، الجماهير مجنونة بطبيعتها، فالجماهير التي تصفق بحماسة شديدة لمطربها المفضل أو لفريق كرة القدم الذي تؤيده تعيش لحظة هلوسة وجنون، والجماهير المهتاجة التي تهجم على شخص؛ لكي تذبحه دون أن تتأكد من أنه هو المذنب هي مجنونة أيضاً، فإذا ما أحبت الجماهير ديناً ما أو رجلاً ما تبعته حتى الموت، كما يفعل اليهود مع نبيهم، والمسيحيون المتعصبون وراء رهبانهم، والمسلمون وراء شيوخهم، والجماهير اليوم تحرق ما كانت قد عبدته بالأمس، وتغير أفكارها كما تغير قمصانها، ولكي نقنع الجماهير ينبغي أولاً أن نفهم العواطف الجياشة في صدورها، وأن نتظاهر بأننا نشاطرها إياها، ثم نحاول بعدئذ أن نغيرها عن طريق إثارة بعض الصور المحرضة بواسطة الربط غير المنطقي أو البدائي بين الأشياء، إن الطغاة الحقيقيين للبشرية كانوا دائماً أشباح الموتى أو الأوهام التي خلقتها بنفسها".

وتحدث لوبون في كتابه عن أبرز الخصائص النفسية للجمهور وسرعة انفعاله ونزقه، فيقول لوبون: "فلا شيء مدروس لدى الجماهير، فهي تستطيع أن تعيش كل أنواع العواطف، وتنتقل من النقيض إلى النقيض بسرعة البرق ، وذلك تحت تأثير المحرضات السائدة"، وإننا بذلك نستطيع أن نمتلك القدرة على فهم تحولات كثيرة مما تحدث في عالمنا العربي، وبالأخص بعد ثورات الربيع العربي؛ لتقف الجماهير مع تيار أو آخر ثم ضده، وقد يصل بها الأمر في بعض الأحيان إلى الانقلاب على الثورة ذاتها التي خرجوا من أجلها، وذلك بعد وقوعها عرضة لحالات التحريض اليومي والممنهج التي تحدث في الإعلام.

ويثبت لوبون أن سرعة تأثر الجماهير وسذاجتها في التصديق لأي شيء هما سمتان بارزتان من سمات العقلية الجماهيرية، وبالأخص لدى الجماهير، خاصة الثورية، أو التي في حالة غليان اجتماعي، وهي حالة الترقب والاستعداد في التلقي، وهو الذي يساعد على تقبل الكثير من الأفكار وخضوعها للرسائل التي تمرر لها، والذي يبرر انتشار الشائعات، وفي نفس الوقت يبرر تقبلها لمواقف ربما لم تكن لترتضيها في أوقات سابقة، وأكبر دليل على ذلك هو رد الفعل العربي في التعامل مع قرار رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني المغتصب، ونقل سفارة دولته إليها، الذي صرح الرئيس الأميركي بأنه قرار متأخر.

ويذهب لوبون إلى أن من صفات الجماهير أيضاً التعصب والاستبداد والنزعة للمحافظة؛ لذلك فإن الجماهير عادة ما تكون أشد تعصباً للأفكار والعقائد، وأشد تطرفاً ضدها كذلك، فإذا ما أضيف لذلك التعصب شعور الجمهور بقوته، فإن استبداده برأيه يكون بحجم تعصبه، ومن الصعوبة أن يقبل الاعتراض عليه أو مناقشته، ومن عاطفة هذا الاستبداد يظهر احترام الجماهير للقوة وعدم ميلها للطيبة التي تعتبرها شكلاً من أشكال الضعف؛ لذلك هم يميلون نحو المستبدين الذين يسيطرون بقوة وبأس.

ويؤكد لوبون أنه حتى في حالة هجومها على ديكتاتور مخلوع، فلأنه فقد قوته ودخل في خانة الضعفاء غير المهيبين.

ويقول لوبون: إن الجماهير في النهاية محكومة باللاوعي، ولذلك فإن من الصفات النفسية المرتبطة بها هي صفة المحافظة، تلك الصفة التي تتحكم فيها العوامل الوراثية لتلك الشعوب، والتي ثبت أنه حتى عند ثورانها وانتفاضاتها، فإنها سرعان ما تمل من الفوضى والانفلات اللذين تخلفهما تلك الموجات الاحتجاجية أو الثورات، وتميل مرة أخرى بغريزتها إلى العبودية، أو إلى من يقمعها، بحجج كثيرة كالاستقرار وحماية البلد وغيرها، ولكم في الدول العربية خير دليل.

ويستشهد لوبون بما قام به نابليون بعد الثورة الفرنسية، وكيف قامت مجموعات شعبية كبيرة بالتصفيق والتهليل له عندما قام بإلغاء الحريات، وطالبته بالحكم بيد من حديد، رغم أنه جاء بعد ثورة قدمت الكثير من التضحيات.

ويلفت لوبون النظر إلى نقطة مهمة في ثورات الجماهير؛ فرغم أنها عندما تثور تبغي من وراء ذلك تغيير واقعها بمؤسساته وهياكله، إلا أنها تكتفي فقط بتغيير الأسماء وظواهر المؤسسات الرسمية، بينما تبقى تلك المؤسسات بعمقها ومضمونها كما هي و بدون أي تغيير حقيقى، مما ينتهي به الأمر باستمرار الأنظمة ولكن بعد تغيير الوجوه، ويمكن بوضوح رؤية ذلك متجلياً في ميل بعض الشعوب وثقتها في مؤسسات أمنية أو عسكرية، رغم ما لدى تلك المؤسسات من جرائم وفظائع ارتكبت بحقها، ورغم أن هذه المؤسسات تعتبر امتداداً للأنظمة السابقة المخلوعة أو التي تم الثورة عليها.

ردود الأفعال العربية الضعيفة حيال قضية القدس تظهر وبوضوح كيف تم التأثير على سيكولوجية تلك الشعوب؛ لتصبح أكبر ردود أفعالها هي الشجب والإدانة حيال موقف الولايات المتحدة الأميركية، وبدلاً من أن تقوم أنظمة الدول العربية بحث مواطنيها على سحب الاستثمارات ورؤوس الأموال التي تتدفق بشكل يومى إلى الاقتصاد الأميركي، وتخفض التمثيل الدبلوماسي لدولها في الولايات المتحدة الأميركية، نجد أنها اكتفت بالشجب والإدانة، ونجد أيضاً وبسبب تحول نفسية الجماهير تجاه القضية التي كانت تسبب سابقاً اندلاع المظاهرات في كل العواصم العربية، إلا أن الشعوب نفسها أصبحت تشاهد الموقف عبر شاشات التلفاز، حين أصبحت العواصم العربية محتلة عن طريقة أنظمتها سقطت القدس، القدس لم تسقط بيد الآخرين يا صديقي، ولكنها سقطت بنا، سقطت بتخاذلنا وضعفنا، "من لا يملك قوت يومه لا يملك حريته"، ونحن بالطبع لا نملك قوت يومنا؛ لذا أصبحنا محتلين وخانعين.

يقول لوبون: "إن التقليص التدريجي لكل الحريات لدى بعض الشعوب يبدو أنه ناتج عن شيخوختها، بقدر ما هو ناتج عن النظام السياسي، وهذا التقليص يشكل أحد الأعراض المنذرة بمجيء مرحلة الانحطاط التي لم تستطع أي حضارة في العالم أن تنجو منها حتى الآن"، ويتضح الآن بوضوح أن كل العواصم العربية محتلة، ما عدا القدس ما زالت تقاوم.

الخلاصة:
يقول فاروق جويدة: "خدعونا زمناً يا ولدي، بالوطن القادم بالأشعار، لن يطلع صُبحٌ للجبناء، لن ينبت نهرٌ في الصحراء، لن يرجع وطنٌ في الحانات بأيدي السفلة والعملاء، لن يكبر حلمٌ فوق القدس وعينُ القدس يُمزّقها بطش السُفهاء"، ويقول تميم البرغوثي: "في القدس رغم تتابع النكبات ريح براءة في الجو، ريح طفولة، فترى الحمام يطير، يعلن دولة في الريح بين رصاصتين"، وتقول غولدا مائير: "عندما أحرقنا القدس لم أنم طيلة الليل وتوقعت أن العرب سيأتون نازحين من كل حدب وصوب نحو إسرائيل، فعندما بزغ الصباح علمت وأيقنت أننا أمام أمة نائمة"، ويقول محمد نصير: "والله لا أدري إن كانت القدس في القلب أم القلب في القدس، ردّوا عليّ قُدسي وقلبي"، ويقول مظفر النواب: "إن من يغلقون السجون على الناس لا يفتحون على القدس أبوابها المغلقة"، نعم يا صديقي فلن يأتي النصر على يد من أغلقوا السجون على شعوبهم، ألا لعنة الله على الظالمين.

اسمعوا واستمتعوا بأغنية "القدس العتيقة" لفيروز:
مريت بالشوارع.. شوارع القدس العتيقة
قدام الدكاكين اللي بقيت من فلسطين
حكينا سوى الخبرية وعطيوني مزهرية
قالوا لي هيدي هدية من الناس الناطرين
ومشيت بالشوارع.. شوارع القدس العتيقة
أوقف عباب بواب صارت وصرنا صحاب
وعينيهن الحزينة من طاقة المدينة
تأخدني وتوديني بغربة العذاب
عم صرخ بالشوارع.. شوارع القدس العتيقة

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد