وقعت معركة عسقلان في اليوم الـ12 من شهر أغسطس/آب 1099، وكانت آخر اشتباك قبل أن تُكلل الحملة الصليبية الأولى بالنجاح الكامل على المسلمين في الفترة من 1096 إلى 1099، ويسقط بموجبها بيت المقدس في يد الفرنجة الأوروبيين.
حصار بيت المقدس
تم حصار القدس في الفترة من 7 يونيو/حزيران إلى 15 يوليو/تموز عام 1099 خلال الحملة الصليبية الأولى. وبعد أن استولوا على أنطاكية في يونيو/حزيران عام 1098، ظل الصليبيون في المنطقة لتخطيط مسار عملهم.
كان البعض راضين عن تثبيت أنفسهم على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالفعل، بينما بدأ البعض الآخر في شن حملات صغيرة خاصة بهم أو الدعوة إلى مسيرة نحو القدس بهدف "استرداد المدينة المقدسة للكنيسة".
وبالفعل تحرك الجيش الصليبي عبر بيروت وصور قبل أن يتحول إلى الداخل في يافا. عند وصولهم إلى رام الله في 3 يونيو/حزيران، وجدوا القرية مهجورة، بحسب صحيفة البوابة الإخبارية.
وبعد معرفته بنوايا الصليبيين للمدينة المقدسة، بدأ الوالي الفاطمي للقدس، افتخار الدولة، بالتحضير لحصار الجنود وقطع خط الإمداد عنهم ومنعهم من استخدام آبار المدينة في الحصول على المياه.
حينها وصل الجيش الصليبي قبل مشارف القدس في 7 من ذات الشهر.
على الرغم من أن الطعام لم يكن مشكلة فورية للجنود الصليبيين، إلا أنهم واجهوا مشاكل في الحصول على الماء. هذا، إلى جانب التقارير التي تفيد بأن قوة إغاثة كانت تغادر مصر مركز الخلافة الفاطمية.
وفي محاولة هجوم مباشر في اليوم الـ13، تمكن الجيش الفاطمي من صد الصليبيين، بحسب صحيفة اليوم السابع المصرية.
ضعف الفاطميين وضياع بيت المقدس
بعد 4 أيام فقط تعززت آمال الصليبيين عندما وصلت سفن جنوة إلى يافا مع الإمدادات المُنتظرة للحملة الصليبية من أوروبا.
تم تفكيك السفن بسرعة، واندفعت الأخشاب إلى القدس لبناء معدات الحصار. بدأ هذا العمل تحت إشراف قائد جنوة، غولييلمو إمبرياكو.
يقول كتاب "الأحداث المهمة فى تاريخ الأمة" للكاتب والمؤرخ الأردني مجيد الألوسى، إن العصر الفاطمى الثاني اتسم بشكل كبير بالضعف، مما أغرى الصليبيين على مهاجمة بيت المقدس ودخوله وذبح المسلمين فيه، في مجزرة ارتكبها القائد الفرنسي جودفري بوايون السفاح، ولهذا قام الوزير الفاطمي الأفضل بتجهيز جيش وسار به حتى وصل مدينة عسقلان القريبة من القدس.
معركة عسقلان
بعد فترة من حصار بيت المقدس، اندلعت معركة عسقلان التي تُعد آخر معارك الحملة الصليبية الأولى مع الدولة الفاطمية في تلك المنطقة.
إذ دارت المعركة بين جيش الصليبيين بقيادة جودفري بوايون، مقابل جيش الفاطميين في قرية حمامة التابعة آنذاك لمدينة عسقلان.
وقد انتهت المعركة بهزيمة مدوية للجيش الفاطمي على الرغم من تفوقه عددياً عليهم، ما ثبّت سيطرة الصليبيين على بيت المقدس. وبذلك حققت الحملة هدفها الرئيسي في الاستيلاء على المدينة المقدسة في 15 يوليو/تموز عام 1099.
كان الجيش الفاطمي في الوقت نفسه يعد العدة ويشكل جيشاً ضخماً لغزو الصليبيين واسترداد القدس، وقيل إن عدد هذا الجيش وصل إلى 20 ألف جندي، يقودهم الوزير الفاطمي الأفضل شاهنشاه.
بادرهم الجيش الصليبي بالهجوم قبل أن يصل المسلمون إلى القدس، بصفوف بلغ عددها أكثر من 10 آلاف جندي، وخرجوا تاركين المدينة في 10 أغسطس/آب.
وبعد استطلاع قوة الجيش الفاطمي، شن الصليبيون عليهم في فجر يوم 12 أغسطس/آب هجوما مفاجئاً، حيث كان جنود الفاطميين يستريحون في معسكراتهم دون تأهُّب لمعركة مباغتة.
تم تقدير خسائر المسلمين في تلك المعركة بأكثر من 12 ألف جندي من إجمالي الجيش، علاوة على أعداد الجرحى.
أطماع الصليبيين في عسقلان
أغرى الانتصار الذي حققته القوات الصليبية في معركة عسقلان قائد الجيش الصليبي جودفري بوايون، وطمع في حصار مدينة عسقلان بغية احتلالها.
وبالفعل، "نازل الفرنج عسقلان وضايقوها" بحسب ما وثقه المؤرخ الكردي ابن الأثير الجزري، فنهض سكان المدينة للدفاع عنها في مقاومة شعبية لا مثيل لها، وفقاً لموقع فلسطين.
فقُتل من "أهل عسقلان من شهودها وتجارها وأحداثها، علاوة على ألفين وسبعمئة شخص من أجنادها"، وفقاً للمؤرخ. وأمام هذه المقاومة التي لاقاها الصليبيون في المدينة، قرروا رفع الحصار عنها بعد أن فرضوا عليها ضريبة ضخمة نظير الانسحاب بلغت قيمتها 20 ألف دينار.
إلا أن خلافاً وقع بين قائدي الحملة الصليبية، وهما ريمون دوق تولوز الذي كان ضمن قيادات الحملة الصليبية، مع قائد الجيش الفرنجي جودفري بوايون.
إذ خشي الأخير تأسيس ريمون إمارة لنفسه على الساحل فيحرم مدينة بيت المقدس المحتلة شواطئها على البحر، وهو ما كان في مصلحة أهل عسقلان.
فبعد علمهم بوقوع اختلاف بين قادة الجيش الصليبي وانسحاب الجزء الأكبر من هذا الجيش اشتدت مقاومتهم، ما أدى إلى رحيل بقايا القوات بعد شهرين من الحصار، دون أن يتسلموا الضريبة الضخمة التي فرضوها نظير فك الحصار عن المدينة.
النتيجة الإجمالية وكارثة فقدان القدس
تشير الوثائق التاريخية وفقاً لموقع ThoughtCo إلى أن الخسائر الدقيقة لمعركة عسقلان غير معروفة بصورة دقيقة، على الرغم من أن بعض المصادر تشير إلى أن الخسائر الفاطمية تراوحت بين 10.000
و12.000.
وإثر الهزيمة تراجع فلول الجيش الفاطمي إلى مصر، ونهب الصليبيون معسكر الوزير الأفضل شاهنشاه قبل أن يعودوا إلى القدس في 13 أغسطس/آب.
وقد أدى خلاف جودفري وريموند السالف ذكره بشأن مستقبل عسقلان إلى بقاء المدينة في أيدي الفاطميين، فكانت بمثابة نقطة انطلاق لشن هجمات مستقبلية على بيت المقدس لاستردادها لاحقاً بقيادة صلاح الدين الأيوبي.