كان من الممكن أن تؤول حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، إلى نتيجة مختلفة تماماً، وتدفع بمصر إلى مأزق لا تُحمد عقباه، لولا تدخُّل مواطن مصري يُدعى محمود سعادة.
فقد أوشك الانتصار السياسي والعسكري الذي حققه الجيش المصري خلال تلك الحرب ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، أن يتحول إلى خسارة فادحة، بعد قرار الرئيس الأسبق أنور السادات طرد خبراء الاتحاد السوفييتي من مصر، ما دفعهم إلى منع تصدير مُعدات ضرورية للجيش.
وهنا برز دور عالم مصري مجهول، تمكن بدون طلقة رصاص واحدة أن يحسم كفة الحرب لصالح مصر، ويمكّنها من امتلاك اليد العليا مع بدء ساعة المعركة.
فمن هو محمود سعادة، وكيف استطاع خبير بقسم التجارب الصناعية أن يلعب دوراً بارزاً في حرب عسكرية حامية الوطيس بين مصر وإسرائيل؟
طرد الخبراء السوفييت أوقع مصر بمأزق
بحسب موقع المجموعة 73 مؤرخين للتأريخ المصري، تبدأ القصة تحديداً عام 1972، حينما قرر الرئيس أنور السادات طرد الخبراء السوفييت من مصر قبل الحرب المُنتظرة.
فبعد الخسارة الفادحة لمصر في حرب 1967، توصلت التحقيقات المطولة للمخابرات المصرية في أسباب الهزيمة، إلى ضبط عمليات تجسس واسعة النطاق بين صفوف الخبراء العسكريين السوفييت، الذين استعان بهم نظام الرئيس جمال عبدالناصر على كافة المستويات، وثبت نقلهم للمعلومات لجهات غير معلومة.
وبالتالي قررت القيادة المصرية طرد الخبراء الأجانب عام 1972.
كذلك كان القرار خطوة سياسية مدروسة من السادات للتقرُّب من أمريكا، بالانفصال عن السوفييت، لكن ما لم ينتبه النظام المصري له آنذاك أن طرد الخبراء الروس سيكون عائقاً فيما يتعلق بصفقات تسليم مصر الأسلحة التي سبق التعاقُد عليها بين البلدين في عهد نظام عبد الناصر.
معضلة تهدد الغطاء الجوي للجيش المصري
من بين تداعيات هذا التعنُّت وقوع مصر في كارثة كادت تقلب موازين الحرب، بحسب بوابة VETO المصرية للأخبار.
إذ إن الدفاع الجوي الذي يعتمد كلياً على 90% من صواريخ سام 2، و10% من صواريخ سام 3، لا يملك مدة مفتوحة من تواريخ انتهاء الصلاحية.
فوقود تلك الصواريخ له فترة محددة لكي يظل قابلاً للاستخدام، علاوة على أن عمليات توريد هذا الوقود لمصر من قِبَل الاتحاد السوفييتي قد توقفت كلياً مع طرد الخبراء من البلاد.
فكان رد فعل السوفييت بالتعنُّت فى إمداد مصر بما تحتاجه، من أسلحة حديثة وقطع غيار ووقود صواريخ، يعنى أن يصبح حائط الصواريخ المصري خارج نطاق الخدمة عند الشروع في المعركة مع إسرائيل.
ما يعني بالضرورة انكشاف سماء مصر وجيشها على الجبهة أمام أي طائرات معادية، واستحالة دخول الحرب عملياً بدون وقود يطلق الصواريخ، ما أوقع الجيش المصري في معضلة استدعت حالة من الاستنفار على كافة المستويات.
الاستعانة بالخبير الأكاديمي محمود سعادة
بعد أن تأزم الموقف بشكل دفع قيادة القوات المسلحة للاستنفار من أجل حل المشكلة، كان اللجوء إلى المدنيين والاستعانة بالخبرات الأكاديمية على رأس الحلول المطروحة في ذلك الموقف.
وهنا تقدم الأكاديمي المصري، الدكتور والمهندس محمود يوسف سعادة، الأستاذ بقسم التجارب نصف الصناعية بالمركز القومي للبحوث لتلبية النداء.
وبأمر مباشر من المشير محمد علي فهمي، قائد سلاح الدفاع الجوي المصري، تم نقل العالم المصري بسيارة خاصة والتوجه معه لمقابلة مسؤولين كبار، وفور وصوله عرضوا عليه تفاصيل المشكلة التي تهدد الجيش وفرص الانتصار في الحرب.
يوثِّق اللواء طيار محمد عكاشة في كتابه جند من السماء، أنه منذ هذه اللحظة عكف محمود يوسف سعادة وفريقه على الدراسة والبحث، فنجح في خلال شهر واحد من استخلاص 240 لتر وقود جديد صالح من الكمية المنتهية الصلاحية الموجودة بالمخازن.
وبالعمل يومياً لساعات وصلت إلى 16 ساعة متواصلة له ولفريقه من العلماء، استطاع فك شفرة مكونات الوقود إلى عوامله الأساسية والنسب المحددة لكل عامل من هذه المكونات.
وبالفعل تم إجراء تجربة شحن صاروخ بهذا الوقود وإطلاقه ونجحت التجربة تماماً، بحسب صحيفة الوفد المصرية.
إنجاز استطاع تمكين مصر من النصر
تقول نجلة العالم المصري، سعاد محمود سعادة، الأستاذة الدكتورة المتخصصة في ترميم الآثار، بحسب موقع العالِم Scientist للأخبار العلمية: "الحل الذي توصل إليه والدي بالتعاون مع الجيش هو تكوين الوقود من العناصر المستخدمة فيه، وتوفير كميات هائلة منه، الأمر الذي أدى في النهاية لخوض الحرب والانتصار الكبير".
وأضافت أن ذلك مثّل بداية التعاون بين الجيش المصري والمركز القومي للبحوث، حيث تمكن والدها حينها من استخلاص ما بلغ إجمالياً نحو 45 طن وقود جديد من الوقود المنتهي الصلاحية المتاح في مصر، منذ التعاون السوفييتي العسكري مع نظام عبد الناصر.
وهو الأمر الذي مهد لسلاح الدفاع الجوي المصري لتأدية دوره خلال الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي.
إنجازات متوالية ورحيل هادئ
كان المهندس محمود سعادة من أوائل من عملوا في مجال الكيمياء الصناعية والموجات فوق الصوتية في مصر، بحسب تصريحات نجلته في الصحف المصرية.
وكان المسؤول عن حل مشكلة أخرى كانت تؤرق المسؤولين عن الزراعة المصرية، وهي الفئران الحقلية الكبيرة التي كانت تلتهم المحاصيل، ولم تفلح المبيدات الحشرية في التخلص منها.
مضيفة أن والدها تمكن من استخدام الموجات الصوتية في طرد الفئران والتخلص منها نهائياً لحماية الثروة الزراعية.
وبحلول عام 2011، توفي العالم المصري محمود يوسف سعادة، الذي تخرج في كلية الهندسة قسم الكيمياء الصناعية، ولم يكن يعلم أنه سيكون جندياً مجهولاً محورياً في ضمان نصر حرب أكتوبر.
وبذلك يكون أحد أبرز من حارب ضد إسرائيل في 1973، من دون أن يطلق رصاصة واحدة.