في الوقت الذي تهدد فيه القوات الروسية العاصمة الأوكرانية، وسط نزوح الآلاف للنجاة بحياتهم، أصبح مُهماً أكثر من أي وقت مضى معرفة كيف يُمكن نُطق اسم العاصمة "كييف"، خاصة إذا كان لطريقة نطق الحروف أبعاد سياسية عملت روسيا على استخدامها؛ لـ"ترويس" المدينة الأوكرانية الأهم.
اختلاف نطق اسم العاصمة ما بين "كييف" و"كرييف"
نطق اسم "كييف" مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاتحاد السوفييتي القديم؛ نظراً إلى استخدام تلك التسمية بهذا النطق على نطاق واسع عندما كانت المدينة تحت الحكم السوفييتي.
وقد استمر هذا بعد استقلال أوكرانيا في عام 1991، حتى تمت الموافقة القانونية على اختيار "كييف" عاصمة للدولة من قِبل الحكومة الأوكرانية.
لذا باختصار، يُطلق المواطنون الأوكرانيون على عاصمتهم اسم "كرييف" (كري-ييف)، وهي الترجمة الصوتية للغة الأوكرانية لهجاء الكلمة Київ. وبذلك يكون الاختلاف الهجائي أيضاً لاسم العاصمة هو Kyiv في النطق الأوكراني، وKiev بالروسية.
وبينما تُعد النسخة الروسية لنُطق اسم المدينة "كييف" أو Киев وهو النطق الشائع عالمياً للعاصمة الأوكرانية، يعود النطق الأخير لاسم العاصمة الأوكرانية استناداً إلى الترجمة الصوتية من السيريلية الروسية، وهي الأبجدية التي تستخدمها اللغة القومية السلافية البيلاروسية.
وقد أصبح الأخير الاسمَ المقبول دولياً خلال الفترة السوفييتية وحتى السنوات الأولى من هذا القرن، والمستخدم بشكل رسمي رغم مخالفته للنطق المحلي الأوكراني لاسم العاصمة.
لكن لم يكن الأمر كذلك حتى انتفاضة الثورة الأوكرانية في "ميدان" عام 2014، حيث ضربت القضية الوعي العام مع الإطاحة بفيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا وإنشاء إدارة جديدة تسعى إلى توثيق العلاقات مع الغرب.
واليوم، يرى الأوكرانيون أن اسم "كييف" بهذه الطريقة يُعد من بقايا الماضي السوفييتي، وهذا الرأي مشتركٌ الآن بين الحكومة والمواطنين على حدٍّ سواء، والتي أطلقت حملة "Kyiv Not Kiev" في عام 2018 لتصحيح نُطق اسم العاصمة الأوكرانية.
لماذا من المهم معرفة الفرق في نطق اسم "كييف"؟
على الرغم من شيوع نطق اسم كييف على العاصمة الأوكرانية، تحاول الدولة الأوروبية الأكبر من حيث المساحة بعد روسيا، أن تستعيد سلطة نطق تسمية "كييف".
إذ تم استخدام الأبجدية الروسية لنُطق الاسم؛ في محاولة لما تمت تسميته بـ"ترويس" أوكرانيا، بمعنى أنها تأتي ضمن محاولات تطبيع أن أوكرانيا ما هي إلا دولة تابعة للاتحاد السوفييتي؛ ومن ثم فهي جزء من روسيا اليوم بالتبعية.
لذلك عكفت السلطات الأوكرانية خلال السنوات الأخيرة، على تحويل مزيد ومزيد من المنشورات الرسمية والحكومية وتسميات المطارات والقواميس الجغرافية وغيرها من التهجئة الروسية إلى البديل الأوكراني.
وفي تصريحات لصحيفة The Guardian البريطانية، يقول أستاذ اللغة بجامعة كامبريدج البريطانية وأحد المواطنين الأوكرانيين، أندري سميتسنيوك: "عندما أقابل شخصاً جديداً، أحب نطق اسمه بالطريقة التي يريد نطقه بها، والأمر مشابه تماماً بالنسبة لاسم عاصمة أوكرانيا، إذ نرى ذلك كعلامة على احترام اللغة والهوية".
أسباب اختلاف النطق بين الروسية والأوكرانية
إن سبب الاختلاف بين اسم العاصمة الأوكرانية بين "كييف" و"كرييف" مرتبط بقرون من التطور اللغوي في منطقة وقعت تحت حكم الإمبراطوريات المنغولية والليتوانية والبولندية والروسية على مدى الألف عام الماضية.
وبحسب صحيفة New York Times الأمريكية، تعود اللغة الروسية والأوكرانية إلى السلافونية الشرقية (عكس اللغات الغربية السلافية مثل البولندية، واللغات الجنوبية السلافية مثل البلغارية).
تقول مونيكا وايت، الأستاذة المشاركة في الدراسات الروسية والسلافونية بجامعة نوتنغهام، إن تلك اللغات جميعاً تأتي من جذر أصلي واحد، لكن حدث اختلاف في الطريقة التي تعمل بها اللغات فيما بعد.
على سبيل المثال، اتخذت اللغة الأوكرانية بعض التأثيرات البولندية خلال الفترة الحديثة المبكرة للدولة، ومن ثم انتهى نطق العديد من أحرف العلة الأوكرانية بشكل مختلف تماماً عن نظيرتها في اللغة الروسية.
وهو الأمر الذي يحدث اليوم في مدن الدولة الواحدة، مثل أن يتغير نطق الهمزات في اللغة العربية وفقاً للدولة، ففي بعضها قد تُنطَق "ق" بينما في الأخرى قد تُنطق "ج" وهكذا.
هناك العديد من الحروف الأبجدية الفريدة في اللغة الأوكرانية، على سبيل المثال حرف الـ"ї" في هجاء اسم العاصمة Київ، وهناك اختلافات كافية في المفردات تجعل من الصعب على الناطقين بالروسية فهم الأوكرانيين عندما يتحدثون بلغتهم المحلية بشكل طلق.
لذلك لطالما كانت استعادة حق نُطق اسم العاصمة "كييف" إلى "كرييف" بالصوت الأوكراني محطَّ اهتمام كبير من الدولة التي تسعى للتحرُّر من سطوة "الاتحاد السوفييتي" التي تمارسها روسيا بحقها حتى اليوم.