سلَّطت صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 15 أكتوبر/تشرين الأول، الضوءَ على دراسة شاملة نشرتها "دورية لانسيت الطبية" Lancet medical journal، توصل خلالها الباحثون إلى أن فشل الحكومات في التعامل مع ارتفاعٍ استمر طيلة ثلاثة عقود في معدلات الإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها، مثل السمنة وداء السكري من النوع الثاني، قد فاقم من انتشار جائحة كورونا المستجد وأدى إلى تقليص متوسط العمر المتوقع في جميع أنحاء العالم.
الدراسة نشرتها دورية لانسيت الطبية المرموقة، ورغم أن آخر البيانات التي تستند إليها مستمدة من تقييم "العبء العالمي للأمراض" (GBD) لعام 2019، أي قبل ظهور جائحة كورونا المستجد، فإنها تساعد في توضيح الأسباب التي يرجع إليها مدى الهشاشة التي جاء عليها تعامل الأنظمة الصحية العالمية مع الفيروس.
يُشار إلى أن دراسة "العبء العالمي للأمراض" Global Burden of Disease هي تقييم شامل على المستويين المحلي والعالمي لحالات الوفاة والعجز الناتج عن الإصابة بنحو 107 من الأمراض الرئيسية والإصابات وعوامل الخطورة، ويُجريها باحثون من "معهد القياسات الصحية والتقييم" (IHME) في سياتل بالولايات المتحدة، وكلية هارفارد للصحة العامة، بمشاركة من منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي.
تفاصيل مقلقة: من جانبه، قال محرر دورية "لانسيت" في المملكة المتحدة، الدكتور ريتشارد هورتون، إن المناطق التي كان متوسط العمر المتوقع فيها أقل (أي الأشد تأثراً بالأمراض التي يمكن الوقاية منها)، كانت أكثر المناطق تضرراً من فيروس كورونا المستجد، مشيراً إلى أن الفيروس لم يكن وباءً واحداً، ولكنه "توليفة من فيروس كورونا المستجد ومجموعة من الأمراض غير المُعدية، مع حضور عوامل الفقر وعدم المساواة".
لفت الدكتور هورتون إلى أن "الجائحة هي نتاج تفاعل الفيروس مع أشخاص متعايشين مع أمراض أخرى، وهذا هو التحدي الذي يواجهه الجميع، خاصة عند أخذ مشكلة التفاوت الاجتماعي في الاعتبار. ومن ثم، إذا ركزت الحكومات فقط على محاولة الحد من انتشار الفيروس، فإن هذه استراتيجية ستفشل على المدى الطويل".
حيث تعاني أعداد متزايدة من الأشخاص في جميع أنحاء العالم أمراضاً، مثل ارتفاع ضغط الدم والارتفاع المزمن لنسبة السكر في الدم أو زيادة الوزن أو ارتفاع نسبة الكولسترول بالدم، وكل ذلك مرتبط بسوء التغذية وقلة ممارسة التمارين الرياضية، وكلها عوامل خطر تُفاقِم خطورة الإصابة بفيروس كورونا المستجد. كما أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الوفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، لا سيما في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي.
تحول في متوسط العمر: وقال الباحثون في دراستهم إن العالم يقترب من نقطة تحول فيما يتعلق بإنجازاته السابقة في متوسط العمر المتوقع، فمنذ عام 1990، كان متوسط العمر المتوقع قد شهد ارتفاعاً مطرداً، غير أن هذا الارتفاع أخذ يشهد تباطؤاً بعد ذلك، وبنسبٍ متفاوتة تستند في كثير من الأحيان إلى التفاوت في عديد من العوامل بين المناطق الغنية والفقيرة في جميع أنحاء العالم.
ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، جاءت الأمراض المزمنة مسؤولة عن 88 % من عبء المرض الإجمالي، وأكبر العوامل المساهمة في تفاقم سوء الحالات الصحية على مدى الثلاثين عاماً الماضية هي مرض السكري وحوادث السقوط واضطرابات تعاطي المخدرات وأمراض الرئة والتدهور العقلي المرتبط بالتقدم في السن.
كما كان للتدخين دور في نحو 125 ألف حالة وفاة مبكرة في المملكة المتحدة، وارتفاع ضغط الدم في 87 ألف حالة وفاة، وسوء التغذية في 78 ألفاً و500 حالة وفاة، وارتفاع نسبة السكر في الدم في 75 ألفاً و500 حالة وفاة، والسمنة في نحو 56 ألفاً و200 حالة وفاة.
تشير الدراسة إلى أن ارتفاع حالات الإصابة بين عديد من الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة والمخاطر المرضية الكامنة أدى إلى خلق نوعٍ من "الحالة المثالية" لمُفاقمة الفيروس وتداعيات الإصابة به.
تقييم شامل: فيما قال الدكتور هورتون، من دورية لانسيت الطبية، إن الدراسة كانت "التقييم الأشمل لحالة استعداد العالم لفيروس مثل كورونا المستجد، مباشرة قبل ظهوره. وهي تكشف أن العالم كان معرضاً بدرجة حادة لاجتياح من فيروس يستهدف كبار السن، وأولئك الذين يعيشون بأمراض مزمنة غير معدية، وأولئك الذين يعيشون في مجتمعات يتفشى فيها عدم المساواة.
من ثم، يقول الدكتور هورتون: "إذا أردنا حقاً حماية مجتمعاتنا من ويلات أمراض مثل فيروس كورونا المستجد، فيجب على الحكومات وضع استراتيجيات وطنية، ليس فقط للحد من انتشار الفيروس، ولكن أيضاً للتعامل مع عبء الأمراض المزمنة وعوامل الخطر الكامنة على نحو أشد حزماً".
في السياق نفسه، يقول البروفيسور كريستوفر موراي، مدير "معهد القياسات الصحية والتقييم"، إن النظم الصحية تقاعست عن التعامل مع الآثار المترتبة على ارتفاع الأمراض المزمنة والأمراض غير المعدية طويلة الأجل.
وفيما يتعلق بالمستقبل، قال موراي: "نتوقع أن يستمر فيروس كورونا المستجد في إحداث آثاره المباشرة في عام 2021، وأن تكون شديدة الوطأة". فقد انخفضت معدلات تطعيم الأطفال لأن العائلات لا تستطيع الوصول إلى المراكز الصحية، والنساء لم يعد من السهل أن يلدن في مرافق آمنة، والأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج لأمراض أخرى غير كورونا المستجد لا يحصلون عليه على النحو المناسب. ويشير موراي إلى أن الآثار الاقتصادية ستكون دافعاً لتفاقم سوء الحالة الصحية العامة لثلاث أو أربع سنوات قادمة.