بينما كانت العائلة مجتمعة بمناسبة عيد الميلاد، بدت ماريا فان كيركوف شاردة، إذ إنها تلّقت للتوّ رسالة عبر البريد الإلكتروني تفيد بحالات التهاب رئوي غامض في الصين. وفي غضون تسعة شهور ونصف، تحوّلت مجموعة الحالات الأولى تلك إلى وباء مدمّر ووجدت خبيرة الأوبئة الأمريكية البالغة من العمر 43 عاماً نفسها في واجهة معركة منظمة الصحة العالمية ضد كوفيد-19.
النهاية "لا تزال بعيدة": قالت كيركوف في مقابلة حصرية لوكالة الأنباء الفرنسية: "أشعر بفخر بالغ لكوني جزءاً من هذا الفريق"، مشيرة إلى الكميات الهائلة من المعلومات التي تم جمعها بشأن الوباء في غضون أشهر. لكنها أقرّت بأن "النهاية لا تزال بعيدة".
كانت الخبيرة المتخصصة بالفيروسات والبكتيريا المسببة للأمراض في منزل شقيقتها في كارولاينا الشمالية خلال عطلة عيد الميلاد مع زوجها وابنيهما عندما سمعت عن تفشي حالات التهاب رئوي غير معروفة المصدر في ووهان.
قالت "دق ذلك ناقوس الخطر على الفور"، مستذكرة تلقيها اتصالات طارئة الساعة الثالثة صباحاً لدى جلوسها "على أرض غرفة المعيشة في منزل شقيقتي بينما كان أفراد العائلة نائمين". وتابعت "تواصلت (الأزمة) مذاك".
عاصفة إعلامية: بعدما قضت سنوات وهي تجري أبحاثاً خلف الكواليس على أمراض خطيرة مثل إيبولا وإنفلونزا الطيور وميرس (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية)، شاركت فان كيركوف في أول مؤتمر صحفي لها على الإطلاق في 14 كانون الثاني/يناير الماضي، لتشرح للصحفيين في جنيف ما كان يعرف حينها عن الفيروس الغامض الجديد.
اعتقدت أن الأمر لن يتكرر. لكنها على مدى شهور، شاركت في مؤتمرات صحفية عدة كل أسبوع إلى جانب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس والمدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بالمنظمة مايكل ريان. وتقرّ بأن الوضع بدا سريالياً. وقالت: "أشعر وكأن ذلك يحدث مع شخص آخر".
تتحدّث فان كيركوف، كبيرة الخبراء التقنيين بشأن الوباء في المنظمة، بهدوء وتأنٍّ، وكثيراً ما تستخدم إيماءات جسدية للتأكيد على أمور ما أثناء محاولتها تفسير استنتاجات علمية معقّدة ورسائل منظمة الصحة العالمية الأساسية بشأن كيفية الحد من تفشي الفيروس.
إذ قالت إن لديها شعوراً عميقاً بالمسؤولية لإيصال، بدقة وصدق، ما تعرفه منظمة الصحة العالمية وما لا تعرفه بعد بشأن الفيروس وللتأكيد على "أننا هنا للمساعدة".
إهانات عبر الإنترنت: لكن بالنسبة للباحثة التي تحمل درجات علمية من جامعتي كورنيل وستانفورد وكلية لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة، لطالما كانت مهمة التواصل صعبة للغاية. وقالت: "لا يكون أداؤنا مثالياً دائماً"، مستذكرة بغضب الجدل الذي أثاره تصريح أدلت به خلال مؤتمر صحفي في حزيران/يونيو و"أخرج عمداً عن سياقه".
أضافت حينها أنه يبدو أن الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض كوفيد-19 إطلاقاً نادراً ما يصيبون آخرين بالعدوى، لكن تم تفسير تصريحاتها على أنها تعني بأن الأشخاص الذين لم تظهر عليهم أعراض بعد (وإن ظهرت لاحقاً) لا ينقلون العدوى.
كما قالت إن الناس بدأوا يقولون "الأمر غير مهم. افتحوا مجتمعاتكم". وأضافت أن "أموراً كهذه تزعجني حقاً، لأنني أدرك أن ما نقوله مهم".
بينما أقرّت بأن الحادثة "لا تزال تؤرقني"، مضيفة أنها لن ترتدي مجدداً القميص البنفسجي الذي ظهرت به في التسجيل المصوّر الذي لا يزال يتم تداوله رغم جهود المنظمة لتصحيح الأمر.
باعتبارها بين الوجوه الأكثر شهرة في إطار استجابة منظمة الصحة العالمية للوباء، كان على فان كيركوف التعامل كذلك مع الإهانات الشخصية التي تتعرض لها على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أشارت إلى أنها حاولت عدم الالتفات إلى التعليقات السلبية والعنيفة أحياناً، مفضلة التركيز على رسائل الدعم خصوصاً تلك الصادرة عن فتيات يشعرن بالفخر لرؤية امرأة في موقع علمي بارز كهذا.
"يوم طويل متواصل": أقرّت فان كيركوف بأن العمل كان صعباً وأنها بالكاد كانت تقضي وقتاً في منزلها في الأشهر الستة الأولى، فضلاً عن يوم عطلة كامل. وقالت إن تلك الفترة بدت "وكأنها يوم طويل متواصل"، مضيفة أن زوجها كان "داعماً بشكل لا يصدّق".
بعدما شاركت في بعثة توجّهت إلى الصين في شباط/فبراير، بقيت بعيدة عن عائلتها لأسابيع خشية تعريضهم للفيروس. وخشي نجلها الأكبر البالغ من العمر عشر سنوات تقريباً من أنها قد لا تعود من الصين بينما لم يفهم الأصغر البالغ نحو عامين قرارها حجر نفسها في غرفة نومها.
كما قالت: "عندما كنت أعود إلى المنزل، كان طفلي يأتي ويركض خلفي. اعتقد أنها لعبة. كنت أركض إلى الغرفة وأبكي". ومنذ ذلك الحين، قالت إن عائلتها على غرار الجميع، بدأت تحاول التأقلم مع "هذا الوضع الطبيعي الجديد". وأضافت: "هذا أمر نحاول جميعنا التعامل معه".