يعوّل خبراء التكنولوجيا على شبكة الجيل الخامس 5G في تغيير قطاع الاتصالات واستخدام التطبيقات الإلكترونية والخدمات الرقمية بشكل جذري.
فما هي الخصائص التقنية لخدمة 5G التي تميزها عمّا قبلها من الشبكات؟ وما آثارها المستقبلية على معاملاتنا الشخصية والمهنية؟ هل تشكل هذه التكنولوجيا تهديداً للبيئة والصحة العامة بسبب تردداتها الكهرومغناطيسية؟
سياسياً، ما هي رهانات الصراع الصيني مع باقي دول العالم – خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي – بسبب اتهام شركة هواوي Huawei بأنها "حصان طروادة" للمخابرات الصينية؟
"حرف ورقم يحمل الكثير من الوعود ويثير الكثير من التخوفات لدى الدول، والشركات والرأي العام!"
هكذا يمكن تلخيص وضعية المولود التكنولوجي الجديد 5G، فهذه التقنية من الجيل الخامس من الاتصالات المحمولة ستحل قريباً محل الجيل الرابع الذي لم يعد قادراً على استيعاب التزايد المطرد للاتصالات الصوتية وخدمات الفيديو.
بماذا تتميّز شبكات الجيل الخامس عن سابقاتها؟
تقنياً، يستعمل الجيل الخامس ترددات راديو 3.5 GHz في نسخته الأولى قبل الوصول إلى مستوى 26 GHz.
وتهدف التكنولوجيا الجديدة إلى توفير إمكانية الربط دون ازدحام على مستوى الترددات التقليدية التي يستخدمها الجيل الثاني والثالث والرابع، والتي تتراوح بين 700 MHz و26 GHz.
فاعلية وقوة الجيل الخامس ليست مرتبطةً بنوع ومستوى ترددات الراديو المستعملة فقط؛ لكن كذلك بنوعية البنيات التقنية التحتية (اللاقط الهوائي ووحدات التحكم)، والتي تسمح بالتمتع بجودة دخول للخدمات الرقمية تعادل 10 مرات سرعة الولوج المتوفرة عبر شبكات الجيل الرابع من الاتصالات.
على سبيل المثال، لن يستغرق تحميل ملف تبلغ مساحته 1 GB باستخدام الهاتف الجوال أو الحواسيب اللوحية أكثر من 10 ثوانٍ عبر تقنية 5G، مقابل 7 دقائق كاملة في التقنيات المستخدمة حالياً.
سرعة الاستجابة من الخاصيات المميزة لهذا الجيل الجديد من الشبكات، سواء الاستقبال أو إرسال المعطيات الرقمية، حيث تصل هذه السرعة إلى 1 ms جزء من الثانية مقابل 10 إلى ms 40 جزء من الثانية بالنسبة لشبكات الجيل الرابع.
كل هذه الميزات التقنية المتعلقة بسهولة الدخول وسرعة الإرسال والاستقبال ستؤثر بلا شك على كل التطبيقات اليومية من التعليم، التجارة والصحة…
التحول المركزي الناتج عن 5G هو سرعة التحميل والتواصل عبر الفيديو بفضل ترددات 26 GHz. وبفضل شبكات الجيل الخامس سيصبح الاتصال بين مليون من الهواتف، والأجهزة الإلكترونية والسيارات دون سائق، وإنترنت الأشياء وغيرها أمراً شديد السهولة.
وما يزال مزودو خدمات الاتصالات بالعالم يستعدون للهجرة التقنية إلى الجيل الخامس، بينما بدأت شركات الاتصالات بإمارة موناكو وفي كوريا الجنوبية بتوفير أولى الخدمات التي تعتمد على تقنيات 5G بالفعل.
هل تهدد شبكات الجيل الخامس البيئة والصحة العامة؟
تخوُّف الرأي العام في الغرب والجمعيات الفاعلة والنشطاء في ميدان حماية البيئة من التكنولوجيا الجديدة ينبع من أن ملايين المستخدمين سيجبرون على استبدال هواتفهم الذكية التي تعمل بتكنولوجيا الجيل الرابع بأخرى جديدة تتلاءم مع تقنية 5G.
ويبلغ متوسط تكلفة الهواتف الجوالة الجديدة 650 دولاراً كنموذج هواتف هواوي، وسامسونغ Samsung، وسوني Sony، وشاومي Xiaomi.
هذا التحول سيؤدي إلى ارتفاع عدد الهواتف غير القابلة للاستعمال، ما يشكل تهديداً للبيئة في غياب الآليات الفعالة لإعادة تدوير وتصنيع الهواتف القديمة.
كما سيؤدي طرح تكنولوجيا الجيل الخامس إلى ازدياد استهلاك الطاقة، نظراً لمتطلبات هذه الشبكات الجديدة في الربط السريع لملايين الهواتف وإنترنت الأشياء في الكيلومتر المربع الواحد، خاصةً عند استعمال مستوى الترددات 26 GHz، والذي سيترتب عليه أيضاً تزايد عدد اللاقطات الهوائية للربط بين مختلف المدن والطرقات لضمان تغطية جديدة لشبكة الاتصالات.
هل الموجات الكهرومغناطيسية خطرة فعلاً؟
حسب آخر تقارير لمنظمة الصحة العالمية لسنة 2018، ليس هناك أثر سلبي لتردادت الهواتف المحمولة، ولم يتم إثبات عكس ذلك حتى الآن.
لكن مع الجيل الخامس، الوضع يمكن أن يتغير على اعتبار أنه تقنياً 5G تتوفر على "ضباب كهرومغناطيسي" أقوى بالمقارنة مع ماهو موجود بالجيل الثاني والثالث الرابع والبلوتوث.
هواوي و5G: "حصان طروادة" للمخابرات الصينية؟
يرتبط الصراع بين الشركات الصينية – وعلى رأسها هواوي – والعديد من الدول الغربية بملفين خلافيين؛ الأول، يتعلق برهان الاستقلالية التكنولوجية والخوف من فقدان زمام الأمور لشركات الاتصالات والحكومات في حالة اختيار الحلول التكنولوجية لهواوي.
أما الخلاف الثاني، فيتعلق بالمخاوف المتزايدة من أن شركة الاتصالات الصينية العملاقة يمكن أن تتجسس لصالح المخابرات الصينية.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية اتهمت هواوي بشكل مباشر ببناء آليات خلفية للتجسس (Backdoors) في شبكات الجيل الخامس، ما يسهل وصول المخابرات الصينية إلى الكثير من البيانات والمعلومات الحساسة.
من جانبها، اعتبرت هواوي اتهامات إدارة ترامب خيالاً سياسياً مبالغاً فيه وفصلاً من فصول الحرب التجارية بين بكين وواشنطن.
وعلى غرار الموقف الأمريكي، قررت بريطانيا استبعاد الشركة الصينية من مشاريع الجيل الخامس مع منع شراء أي معدات مرتبطة بـ5G من هواوي ابتداء من سنة 2020، مع التأكيد على سحب كل معدات الشركة من كل شبكات الاتصالات في البلاد خلال موعد لا يتجاوز العام 2027.
أما الموقف الفرنسي، فيسيطر عليه الحذر في التعامل مع هواوي؛ فرغم عدم منع اللجوء إلى تكنولوجيا الشركة الصينية، شددت الحكومة على أهمية حماية المناطق الأمنية والحساسة للأمن القومي.
وتبدو فرنسا مجبرة على اتخاذ هذا الموقف، إذ تعتمد شركتا Bouygues وSFR الفرنسيتان بنسبة تتجاوز الـ50% على شبكات جوال تعتمد على حلول هواوي.
أما باقي دول الاتحاد الأوروبي، فباتت تشجّع كبرى شركات الاتصالات الأوروبية مثل إريكسون السويدية ونوكيا الفنلندية على إطلاق شبكات الجيل الخامس الخاصة بها.
مما لا شك فيه أن غالبية الدول الكبرى باتت على قناعة تامة بأن هواوي تشكل "حصان طروادة" للتنصت والتجسس لصالح المخابرات الصينية. وتصاعدت هذه الاتهامات بعد إعلان أمريكا القبض على مواطنين صينيين بتهمة المشاركة في حملات تجسس عبر الإنترنت لسرقة تصميمات أسلحة ومعلومات عن أدوية وشفرة العديد من البرمجيات إلكترونية.
وفي باقي الدول، لا تعتمد الاتهامات الموجهة من مختلف الحكومات على حجج ثبوت قوية كفيلة بالتأكد من وجود عمليات التجسس والتنصت، خاصةً أن الشركة نجحت في نشر خدماتها وتكنولوجيتها بأكثر من 130 دولة عبر العالم، لكن بالنظر إلى تركيبة الحكومة الصينية ونهجها القمعي، فلا يُستبعد أن تستغل هذه التكنولوجيا في أغراض التجسس وجمع البيانات.
الصين تدافع عن شركاتها: العين بالعين والسن بالسن
رغم تعاظم التيار المناوئ لهواوي، فإن رد الصين لم يتأخر وكان حازماً: كل من يحاول المس بشركاتها لن تتردد في اتخاذ إجراءات انتقامية ضده.
أولى هذه الإجراءات مست الشركات الأمريكية كآبل Apple، وكولكوم Qualcomm، وسيسكو Cisco، وبوينغ Boeing التي صنفتها بكين كشركات غير موثوقة.
تدرس الصين كذلك إطلاق عمليات تفتيش واسعة النطاق ضد الشركات الأمريكية، ما سيؤثر على القيمة السوقية لهذه الشركات على اعتبار أن السوق الصيني هو أول سوق تصديري للمنتجات الأمريكية.
هواوي من جهتها مطمئنة رغم الضغوط الغربية كونها تحتل المركز الثالث عالمياً في مبيعات الهواتف الذكية بعد سامسونغ وآبل. هي كذلك الأول عالمياً من حيث التمكن من تكنولوجيا الجيل الخامس بفضل استثماراتها في البحث والتطوير الكبيرة والتي تجاوزت ما قدره 15 مليار دولار.
الشهور المقبلة ستكون محددة لمستقبل صراع هواوي الصينية مع باقي الدول المناوئة لهذه التكنولوجيا؛ فكل شركات ومؤسسات تقنين الاتصالات تحضر لإطلاق طلبات العروض لنشر شبكات الجيل الخامس.
بين الخوف ورهان السبق التكنولوجي يتحدد مستقبل هواوي وخدمات الجيل الخامس.