مما لا شك فيه أن الأحداث الجارية الآن في الولايات المتحدة ستؤثر لا محالة على الصورة السائدة للولايات المتحدة الأمريكية داخل النظام الدولي، لاسيما أنها المحرك الرئيسي للتوازنات الدولية وحقوق الإنسان وحماية الحريات في العالم. فالإدارة الأمريكية بقيادة "دونالد ترامب" تعيش مرحلةً حسّاسة داخلياً وهي تواجه تداعيات كوفيد-19، إلى جانب مظاهرات حاشدة ضد العنصرية، وخارجياً صراع البيت الأبيض مع الصين، ومع منظمة الصحة العالمية.
هذا طرح مفهوم؛ "أمريكا" الفاعل الأساسي داخل الساحة الدولية على المحك، هل هي لعنة "القدس الشريف". لذلك يُطرح السؤال التالي داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية: هل تطيح التظاهرات بطموحات ترامب لولاية ثانية، أم هي بداية ريح سيستغلها هذا الأخير لكسب الرهان الانتخابي القادم؟
أولاً: ترامب بين كورونا والمظاهرات
في بداية انتشار كوفيد-19 كان الرئيس الأمريكي الحالي أهم المتفاعلين داخل الإعلام مع "الجائحة"، وقد قدَّم عدة نصائح، كانت خارج الغطاء الصحي للشعب الأمريكي للتعامل مع الفيروس، وكانت كل تلك المخرجات بداية لمواجهة الفيروس، وفي الوقت نفسه حملة من نوع آخر استعداداً للانتخابات الأمريكية القادمة. فبالرغم من أن أمريكا قد شهدت انتشاراً واسعاً لفيروس كورونا فإن الرئيس الأمريكي ظل منشغلاً بالجائحة كأداة مستقبلية، من أجل استخدامها كورقة أساسية خلال المرحلة القادمة.
لكن ترامب لم يسلم من الأزمات الداخلية، وذلك في خضمّ انتشار فيروس "كورونا" في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظهرت واقعة غيّرت مفهوم الحريات ورؤية العالم لأمريكا في عهد ترامب، فهذا الأخير وجد نفسه في صراع مع الشعب الأمريكي، الذي انتفض من أجل إرجاع الحريات المسلوبة، والتي كان لمؤسسة الشرطة الأمريكية اليد العليا في سلبها.
وذلك، لقتل أحد عناصرها لـ"جورج فلويد"، وهو العمل الذي أدى إلى انقسام الأمريكيين بين معارض ومؤيد للقرارات التي يُصدرها "دونالد ترامب" في مواجهة العصيان المدني (المظاهرات)، وفي ظل هذا المناخ السياسي المتوتر يبقى السؤال: هل ينهض ترامب من تأثيرات كورونا والمظاهرات، أم هي بداية السقوط؟
ثانياً: صورة "جورج فلويد" أظهرت هشاشة الوضع الداخلي الأمريكي
يُعتبر جورج فلويد النقطة والصورة التي أظهرت هشاشة الوضع الداخلي الأمريكي، وبيَّنت للعالم أن أمريكا وشعارات الديمقراطية، والحرية، والدفاع عن الحريات والأعراق ليست سوى شماعة وآلية داخل مرتكزات السياسة الخارجية الأمريكية من أجل السيطرة على العالم، والإخضاع بالقوة. مستغلاً بذلك القوة العسكرية، والشركات الكبرى، التي تقود اقتصاد المعمورة، وتتحكم في مفاصل الاقتصاد والاستثمارات العالمية. لذلك فأمريكا في هذا الوقت تعيش مرحلة يمكن القول إنها مرحلة ما قبل "السقوط من الهرم"، فالعالم بات يستعد لعالم ما وراء "الرجل الأخير"، أو كما قال المفكر فوكو ياما "نهاية التاريخ".
إذاً فالعالم مكشوف على توازنات وقيادات جديدة، داخل النظام الدولي القائم، فالصورة الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية لا تدع مجالاً للشكّ أن الحياة السياسية الدولية باتت على محك التغيير، وخاصة في التوازنات الدولية وقيادة العالم. فواقعة "جورج" أعطت نظرة عالمية للعالم بخصوص الحرية والديمقراطية، التي تتحجج بها الولايات الأمريكية على العالم، وترسم الخطط وتطيح بالأنظمة من أجلها. لذلك فنازلة "جورج" أطاحت بتلك الصورة التي صوّرتها الإدارة الأمريكية للمعمورة، وسقط مفهوم "الشرطي الحارس" وحلَّ محله "أريد أن أتنفس".
هنا الشعار الأمريكي "الشرطي الحارس" قد تغير، وأصبح الوضع الداخلي هشاً، أبانت عنه حادثة مقتل "جورج فلويد" في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك يعارض الخطط والاستراتيجيات المسطرة والمرسومة من قِبل المؤسسات الأمريكية، وخاصة الموجّهة منها إلى الخارج، والموزعة على أرجاء العالم.
في ختام القول.. الولايات الأمريكية في ظل الرئيس الحالي "دونالد ترامب" تعيش حالة انقسام داخلي سيؤثر لا محالة على الصورة التي كانت للولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة في مجال حقوق الإنسان، واحترام الأقليات، ونبذ العنصرية.
فأمريكا قد خسرت السلاح، الذي دائماً ما كانت تُشهره للعالم لتحقيق مآربها وطموحاتها التوسعية في العالم. إضافة إلى ذلك، فالرئيس الحالي وبالرغم من تنصله ومراوغته منذ وصوله إلى سدة الحكم، عندما كان في حافة السقوط بسبب حالة "ترامب وروسيا"، وتأثيرها على الانتخابات، وفي ظل هذه التظاهرات، فإنه يمكن القول وكإجابة على السؤال المطروح: إن تطلُّع "ترامب" لولاية ثانية أصبح يهدد تماسك النسيج الاجتماعي الأمريكي، ومن هنا بات بعيداً كلَّ البعد عن الفوز بـ"ولاية ثانية" داخل البيت الأبيض، والسبب يرجع إلى وعي الشعب الأمريكي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.