لعبت حسنة أحمد دوراً مهماً في إنقاذ المصلين، حين نفذ الإرهابي جريمته واقتحم مسجد النور وقتل العشرات في نيوزيلندا، حيث كانت تدفع النساء والأطفال إلى مكان آمن.
كانت حسنة تصرخ في النساء وتقول: "احملن أطفالكن، واذهبن من هذا الطريق"، وهي تقودهم إلى الخارج عن طريق بابٍ جانبي ومنه عبر ممرٍ بعيدٍ عن سيل الرصاصات والمذبحة التي تحدث من خلفهم، حسبما قالت صحيفة New Zealand Herald النيوزيلندية.
حسنة أحمد حاولت مساعدة زوجها لكنها قتلت
لم تكن السيدة وحدها في المسجد، بل كانت برفقة زوجها فريد أحمد، الذي يعاني من شلل بسبب حادث سيارة صدمه بها سائق مخمور منذ 6 أعوام.
لكن الأمر كان معقداً للغاية، تأكدت حسنة أن زوجها لا سبيل له من الهروب فحاولت بكل الطرق مساعدته.
وبينما تسلك طريقها عائدة إلى المسجد. أصابتها رصاصةٌ من الخلف. ولقيت حتفها، وفي الداخل، كان فريد يظن أنه هو من سيُقتل.
قال فريد لصحيفة The New Zealand Herald، الإثنين 18 مارس/آذار: "كان مشهداً مرعباً.. لقد رأيت دماءً، وجرحى، ورأيت جثثاً، وأناساً في حالة رعبٍ".
وأضاف: "لقد كانوا يتدافعون وهم يحاولون الخروج، فكرت حينها كيف يمكنني الخروج؟ لقد جهزت نفسي عقلياً، وقلت لنفسي: أهدأ فلا فائدة من الذعر، أياً كان ما سيحدث، فإنه سيحدث".
واستطاع زوجها النجاة من القتل
يحكي فريد كيف استطاع النجاة من القتل، فيقول إنه كان في غرفةٍ جانبيةٍ ولم يستطع رؤية المسلح، ولكنه سمع الطلقات واحدةً تلو الأخرى، واستطاع سماع الصرخات المرتعبة.
كانت النوافذ تتحطم ويتسلقها الناس للخروج.
رأى فريد بعد ذلك فجوةً بين الجموع المرتعبة وقرر أن يحاول دفع كرسيه بنفسه ليخرج.
قال فريد: "استغللت الفرصة وخرجت ببطءٍ وأنا أتوقع أن أُصاب بطلقةٍ في رأسي من الخلف في أي لحظةٍ، انسللت بلطفٍ لمسافةٍ أبعد ومن ثم خرجت.. كانت سيارتي مركونةً خلف المسجد فوقفت خلفها وقررت البقاء هناك".
وفي الخارج انتظر زوجته لكنها لم تخرج
وخلف سيارته، ظل يراقب الباب حتى يشاهد زوجته، لكن لم يخرج أي أحد، لم يكن لديه أي فكرةٍ عن أنها خرت صريعةً في الجهة الأخرى من المسجد.
وقال: "لم أستطع رؤيته (المسلح) لكنني استطعت سماعه.. استطعت سماع توقف إطلاق النار لعدة ثوانٍ ليبدأ من جديدٍ وظننت أنه على الأغلب يغير مخزن الذخيرة، فعل ذلك حوالي سبع مراتٍ. لقد استمر في الأمر".
ومن جانبه مر رفاقه المصلون، متسلقين سوراً يفصلهم عن الملكيات المجاورة، وبدؤوا في طرق الأبواب بأسًى، صارخين طلباً للمساعدة والمأوى.
قال فريد: "اتصل بي أحد أصدقائي منذ ساعتين وقال لي باكياً: لقد رأيتك هناك ولكنني تركتك"، مضيفاً: "لقد أخبرته أنه اتخذ أكثر القرارات حكمةً، أنا رجلٌ مقعدٌ ولم أكن لأستطيع القفز، لا يجب عليك أن تشعر بالأسى".
وتابع أيضاً: "لقد كانوا جميعهم يائسين من قدرتهم على الخروج، ولكن بالنسبة لي، لم أكن مذعوراً".
وبعد 10 دقائق كان فريد متأكداً من أن إطلاق النار قد توقف، وقال: "كان لديّ شعورٌ بأنه بالتأكيد قد أنهى عمله".
ومع مرور الوقت قرر دخول المسجد مرة أخرى
ومع مرور الوقت وعدم خروج زوجته قرر دخول المسجد مرة أخرى ومعه أحد المصلين.
لكنه عقب على ما قام به بالقول: "كان هذا العمل في الغالب أغبى ما يمكن فعله، ولكنني لم أستطع التفكير بطريقةٍ أخرى في ذلك الوقت"، مضيفاً: "أردت أن أتفقد النساء، وأبحث عن زوجتي".
ومضى قائلاً: "بمجرد أن دخلنا رأيت الجثث، من الجلي أنهم كانوا يحاولون الهروب، ولكن الرصاصات أصابتهم من الخلف فسقطوا على وجوههم"، مضيفاً: "وصلنا إلى الحجرة الرئيسية وكانت أغلفة الرصاصات في كل مكانٍ".
كان فريد واحداً من أقدم رواد المسجد وكان يخطب في الناس لما يقرب من ثلاثِ سنواتٍ؛ لذلك فهو يعرف كل الوجوه الموجودة في تلك الغرفة تقريباً، القتلى، والجرحى وأولئك الذين يحتضرون.
فكانت المشاهد المرعبة
يحكي فريد عن بعض ما شاهده في المسجد، قائلاً: "لقد رأيت رجلاً محتضناً ابنه.. يا له من أمرٍ فظيعٍ، لقد رأيته يصرخ قائلاً: أرجوك ساعدني. وقد رأيت جثتين ملقاتين فوقه فطلب مني أن أزيلهما، فقلت: لا أستطيع".
لم يستطع فريد التقدم أكثر داخل الغرفة؛ لأن الجثث كانت ملقاةً على الأرض بشكلٍ يجعل من المستحيل عليه التحرك.
وأضاف: "قال لي رجلٌ أثيوبيٌ: هل يمكنك أن تساعدني، لا أستطيع التنفس. رأيت شخصاً يتنفس بطريقةٍ جعلتني أشعر أنه سيموت قريباً".
وتابع: "وجدت رجلين يستلقيان على الأرض أحياء، أحدهما من بنغلاديش وقد كنت أعرفه وكان من المفترض أنه سيصطحب طفليه وزوجته الحامل إلى منزلهم في بنغلاديش مساء هذا اليوم"، مضيفاً: "رآني وقال لي: لقد انتهيت. ورأيت رجلاً من فلسطين، كان ينزف بشدةٍ".
وقال: "كان هناك الكثير من الجثث".
حتى جاءت الشرطة وأخبرته بمقتل زوجته
كان الجميع يرجون فريد أن يساعدهم، أن يخبرهم بأن المساعدة قادمة، متسائلين أين عربات الإسعاف.
وعدهم قائلاً: "إنها على وشك القدوم". وطمأنهم جميعاً بأنهم سيكونون بخير، وأن عليهم الانتظار والتحلي بالصبر، وأن "كل شيءٍ سيكون على ما يرام".
أضاف فريد: "بعدها دخلت قوات الشرطة إلى الغرفة وصرخوا فيَّ قائلين: ماذا تفعل عندك. واصطحبوني للخارج. أحدهم كان يحرسني والآخر كان يساعدني".
خرج إلى آخر الشارع خلف حاجز الشرطة، وكانت لديه رغبةٌ محمومةٌ في الوصول لمعلومةٍ عن مكان النساء والأطفال، ولكن كل ما استطاع فعله هو الانتظار.
لم يمر وقتٌ طويلٌ حتى استدعاه أحد رجال الشرطة، كان صديقاً يعرف زوجة فريد جيداً.
قال لفريد: أشعر بأن عليّ إخبارك، يا صديقي، هناك خبر سيئ، اذهب للمنزل".
ذهب فريد إلى بيته ليبلغ ابنته شفاء، ذات الـ15 عاماً، بمقتل أمها.
قال فريد وهو يغالب دموعه: "عندما عادت إلى المنزل كنت مضطراً لإخبارها. وكان الجزء الأسوأ عندما قالت لي: هل تقول لي إنني فقدت أمي؟".
وأضاف: "قلت نعم.. ولكنني أنا أمُكِ الآن.. وسوف نواجه هذا الأمر سوياً".
فاضطر لإخبار عائلته بالخبر الحزين
قال فريد إنه اضطر بعدها لإخطار العائلة، مضيفاً: "قلت ابكوا إذا لزم الأمر، ولكن لا تسمحوا لبكائكم أو يأسكم أن يحطم معنوياتكم".
ويتذكر فريد تلك اللحظة قائلاً: "تحدثت وتحدثت وأعطيتهم العديد من المبررات التي تحتم عليهم التفكير بشكلٍ إيجابي".
كان فريد فخوراً بزوجته، التي قضت أغلب حياتها تعمل متطوعةٍ في المجتمع وعلمت الأطفال في المسجد.
قال فريد: "لقد ضحت بحياتها من أجل إنقاذ الآخرين وكان هذا آخر أعمالها، قادت العديد منهم إلى بر الأمان وكانت ستأتي بعدها لإنقاذي.. كنت لأصفها بأنها شخص خُلق ليهب حياته للآخرين".
وهذه قصة زواجهما
هاجر فريد إلى نيوزيلندا عام 1988، في حين وصلت حسنة إلى البلد عام 1994.
تزوجا في اليوم الذي وصلت فيه إلى مدينة أوكلاند، وانتقلا إلى مدينة نيلسون في الأسبوع نفسه.
انتقلا عائدين إلى أوكلاند بعد الحادث الذي تعرض له فريد، وتدرب ليعمل في معالجة المثلية.
قال فريد: "لقد كانت ذات شخصيةٍ رائعةٍ، أنا فخورٌ جداً بها.. لقد حازت قلوب الملايين، ولقد أخبرت ابنتي بأننا يجب أن نعيش على تلك الذكرى، يجب أن نسعد من أجلها بدلاً من أن نبكي".
لا يزال فريد في حالة تخبط من الهجوم "المدبر" الذي أنهى حياة ما يقارب من 50 شخصاً. لكنه قرر ألا يجعله يدمر حياته.
يضيف: "لا يمكنك إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكن ما يمكننا فعله من الآن إما أن نهزم أنفسنا ونعرضها للمعاناة، أو أن نتحايل عليها ونحول تلك التجربة إلى مستقبلٍ أفضلٍ".
"لا أحمل أي ضغائن"
وأشار إلى أنه لن يستطيع كراهية المسلح، وأعلن أنه سامح مرتكب عملية القتل الجماعي.
يقول فريد: "سُئلت: كيف تشعر حيال الرجل الذي قتل زوجتك؟ فقلت: أنا أحب هذا الشخص لأنه إنسانٌ، وأخٌ لي".
وتابع: "أنا لا أؤيده فيما فعل، لقد أساء التصرف. لكن من الممكن أن يكون قد جُرح، أو ربما حدث له شيءٌ ما في حياته.. ولكن في النهاية هو لا يزال أخاً لي".
وأضاف: "لقد سامحته، وأنا على يقينٍ من أنه إن كانت زوجتي على قيد الحياة كانت ستفعل الشيء نفسه. أنا لا أحمل أي ضغائن".
وأردف قائلاً: "كنت أحاول أن أحزن، وراودني شعورٌ بأنني أتمنى أن أحتضنه، وأتمنى أن أقابل أمه وأحتضنها وأقول لها: أنتِ خالتي"، مضيفاً: "تمنيت لو كان له أختٌ يمكنني أن أحتضنها وأقول لها: لا فرقٌ بينكِ وبين أخواتي".
وقال: "قد يدعوني بعض الناس بالمجنون ولكنني أتحدث من قلبي ولا أدعي، وإن سنحت ليَ الفرصة لكنت احتضنته".
تمنى فريد أن يفكر المسلح والآخرون الذين يحملون المعتقدات نفسها ملياً في ما حدث، وأن يغيروا حياتهم.
وقال: "أنت حيٌّ، ولا زالت لديك الفرصة"، مضيفاً: "لكل شخصٍ جانبان: الشيطاني والإنساني، أخرج الإنساني، بدلاً من القتل والكراهية، تمنيت لو استطعت قول ذلك".
وأنهى حديثه قائلاً: "إن استطعت أن أحول شخصاً من القسوة إلى الكرم، سأنال شرفاً عظيماً".