لم يكن وارن كريستوفر كلارك، المولود في مدينة شوغرلاند بولاية تكساس الأمريكية والشغوف بالسفر وتعليم الأطفال مجنداً نمطياً في داعش.
لكنَّه أرسل خطاب تقديم وسيرة ذاتية إلى داعش أوائل عام 2015 حسبما كشفت صحيفة The New York Times، لكن حلفاء الولايات المتحدة في سوريا أسروه بعد ذلك وقال كلارك لشبكة NBC News إنَّ هدفه لم يكن أن يصبح محارباً أو مقاتلاً، وإنَّما أراد فقط تدريس اللغة الإنجليزية وفق ما نشر موقع Insider
كلارك يمثل جوانب من الواقع الجديد للإرهاب
ربما لا يكون كلارك، الذي اتُهم يوم الجمعة 25 يناير/كانون الثاني بتقديم الدعم المادي لداعش، من نمط الأشخاص الذين يخطرون على البال عند ذكر التنظيم. لكنَّ دراسةً نشرتها مؤسسة راند حللت أنشطة الإرهاب الجهادي في الولايات المتحدة في حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وتظهر أنَّ هذا المواطن من تكساس يمثل جوانبَ من الواقع الجديد للإرهاب.
قال التقرير: "الصورة التي تظهر من تحليلنا تشير إلى أنَّ الصور النمطية التقليدية للذكر المسلم العربي المهاجر بوصفه الأكثر عرضة للتطرف، ليست ممثلةً للكثير من المجندين الإرهابيين اليوم".
بروز الجنسية الأمريكية في عضوية تنظيم داعش
وقال الموقع الأمريكي إن حقيقة أنَّ المواطنين الأمريكيين يشكلون أكبر تهديد إرهابي داخل الولايات المتحدة ليست تطوراً حديثاً.
إذ أفاد برنامج جامعة جورج واشنطن للتطرف عام 2015 أنَّ من بين 71 شخصاً ألقي القبض عليهم بسبب أنشطة ذات علاقة بداعش في الولايات المتحدة في ذلك العام، كان 58 منهم مواطنين مولودين في أمريكا.
وتتطابق دراسة جامعة جورج واشنطن في معظمها مع الاتجاه الذي ذكرته مؤسسة راند، التي وجدت بشكل مستقل أنَّه في الوقت الذي اكتسب فيه داعش نفوذاً في حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، فإنَّ عدد المجندين المولودين في أمريكا والميالين للإرهاب قد بدأ في الزيادة.
ووجدت راند أنَّ 106 أشخاص من أصل 152 من الأمريكيين من أصحاب الصلات المعروفة بداعش كانوا مواطنين ولدوا في الولايات المتحدة.
وبالمقارنة، فإنَّ 59 فحسب من أصل 131 من المنتسبين إلى القاعدة كانوا مواطنين أمريكيين.
وفي كشفٍ آخر، أظهرت راند أنَّ مجندي داعش في أمريكا قد أصبحوا أكثر تنوعاً من الناحيتين العنصرية والعرقية مع زيادة نفوذ الجماعة، وهم أكثر تنوعاً بشكل ملحوظ من أولئك الذين لديهم انتماءات معروفة لتنظيم القاعدة.
وحوالي 65٪ من مجندي داعش منذ عام 2013 من المولودين في الولايات المتحدة إما أفارقة أمريكيون/سود أو قوقازيون/بيض. ويعد هذا تحولاً عن السنوات الأولى للتنظيم، وتحولاً أكثر راديكالية مقارنةً بأولئك الذين اجتذبهم تنظيم القاعدة.
حيث إن جاذبية داعش أوسع نطاقاً
بدأت التنظيمات الإرهابية بمساعدة الإنترنت في استهداف الفئات السكانية الأكثر هشاشة مع مرور الوقت، لا سيما الشباب والذين يشعرون بالغربة الاجتماعية ممن يجدون إحساساً بالانتماء في هذه المجموعة البعيدة.
وبينما يحظى داعش بفهمٍ واستخدامٍ أكثر تطوراً للشبكات الاجتماعية، فقد أظهرت القاعدة قدرةً على الاستفادة من إمكانات الإنترنت، إذ أفادت راند أنَّ عدد "المواقع ذات الصلة بالإرهابيين قد زاد بصورةٍ مذهلة من 100 موقع عام 1998.. إلى حوالي 4300 موقع بحلول عام 2005".
وفي ذلك العام كان داعش لا يزال في مهده.
ومع ذلك، فإنَّ تسويق القاعدة يجتذب عادةً مجالاً أضيق من المجندين من حيث الدين والعرق والقومية. أما داعش، فقد اجتذب مدى أوسع من الناس. وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة هيذر ويليامز لموقع Business Insider إنَّ كلارك يمثل نمطاً شائعاً باطراد من المجندين غير المنجذبين بالضرورة إلى العنف، لكن إلى بعض المكونات الأخرى للمنظمات الإرهابية.
وأضافت ويليامز: "كان هناك أشخاصٌ في الماضي ممن ينطبق عليهم ذلك النمط، لكنَّ الأمر صار أكثر تكراراً الآن".
وربما يكون الإرهاب في طور التغيُّر، لكنَّ الخبراء يحذرون من الاعتماد على الصور النمطية.
ذلك أنَّ كلارك، المدرس ذا الـ34 عاماً من تكساس، والذي وقع مؤخراً في الأسر في شمال سوريا، لا يناسب تماماً أية فئة "إرهابية" نمطية. فكلارك مواطن مولود في الولايات المتحدة. وبحسب مقابلة مع شبكة NBC News، لم يغادر الولايات المتحدة في البداية بنية الانضمام إلى داعش، وإنَّما سعى إلى فرصٍ للسفر قادته في النهاية إلى تركيا والعراق ثم سوريا.
وقال كلارك للشبكة إنَّه لم يحمل السلاح قط لصالح داعش، بل إنَّ التنظيم الإرهابي قد اعتقله بعد محاولته الانشقاق، وزعم بأنَّه انجذب إلى داعش بدافع الفضول، لا رغبةً منه في أن يصبح مقاتلاً.
وقالت ويليامز: "الأمر المستفاد هنا أنَّ ما يشد أولئك المنجذبين إلى التنظيم الإرهابي قد يكون أمراً فضفاضاً للغاية".
وكلارك خير مثال على الانجذاب لداعش
نُشِرَ تقرير راند في شهر ديسمبر/كانون الأول، قبل شهرٍ تقريباً من أسر كلارك. لكنَّ ويليامز قالت إنَّ خلفيته مثالٌ جيد على نوعية الأفراد الذين يستجيبون لدعوة داعش.
وقال التقرير: "عددٌ كبير من الأفراد الذين تناولتهم الدراسة جرى إغراؤهم لدعوة الجهاد في بلاد المسلمين في الخارج، لا الداخل. وسواءٌ كان أولئك الأشخاص من الباحثين عن المغامرة أو ممن ألهمهم إدراكٌ مضلل للواجب الديني، فهم لم يكونوا بالضرورة ممن لحقهم اضطهادٌ من الولايات المتحدة".
ومع ذلك، فقد حذرت ويليامز من تنميط شخصيةٍ معينة، ولا سيما هذا التنميط المستند إلى القومية.
وقالت لموقع Business Insider: "لا أعتقد أنَّ هذا الأمر أداة تشخيصية ناجحة، ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى التحيز".
وأضافت أنَّ حظر السفر الذي فرضه إدارة ترامب، والذي يستهدف الكثير من الدول ذات الأغلبية المسلمة، ليس بالضرورة سياسةً مفيدة في مكافحة الإرهاب، بل يمكن حتى أن يشتت الانتباه.
وختمت تصريحاتها قائلةً: "لو كانت مفاهيم وكالة إنفاذ القانون مستندة إلى التاريخ، فثمة معقولية لذلك، لكن ينبغي لهم إدراك التحول".