قالت The Telegraph البريطانية إن السفير الكوري الشمالي في إيطاليا، جو سونغ-غيل، انشق عن نظام الزعيم كيم ويبحث هو وزوجته عن طريقة يحصلان بها على اللجوء السياسي بعد هذه الواقعة.
وينتمي الدبلوماسي الكوري الشمالي إلى عائلةٍ دبلوماسية مرموقة، ومن شأنه أن يملك معلوماتٍ حيوية عن الشؤون الداخلية لنظام كيم جونغ أون، ما يمثل ضربة قوية للزعيم الكوري.
وهرب جو سونغ-غيل، هو وزوجته، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وتفيد تقارير بأنَّه يطلب اللجوء.
أميركا وِجهته على ما يبدو
وقال خبراءٌ إنَّه ربما وصل إلى الولايات المتحدة بالفعل، وإنه على علمٍ مُفصَّل بكيفية تهريب كوريا الشمالية سلعاً فارهة إلى البلاد، وهوية من يضطلعون بالأدوار الرئيسية في الدائرة المُقرَّبة من الزعيم الكوري الشمالي.
ونشرت صحيفة JoongAng Ilbo الكورية الجنوبية، الخميس 3 يناير/كانون الثاني 2019، نقلاً عن مصدرٍ دبلوماسي لم يُذكَر اسمه، أنَّ جو كان قد تقدَّم بطلبِ لجوءٍ لدولةٍ غربية غير معلومة، وأنَّه في "مكانٍ آمن" هو وعائلته بحماية الحكومة الإيطالية.
وفي حين أخبرت وزارة الخارجية الإيطالية صحيفة The Telegraph البريطانية بأنَّه لم ينمِ إلى علمها أن جو تقدَّم بأيِّ طلبٍ للجوء في إيطاليا.
وبحسب الصحيفة البريطانية، سيدرك جو أنَّ قراره الهروب قد يأتي على حساب أرواح أقربائه، الذين ما يزالون موجودين بكوريا الشمالية، في حين يعيش هو وزوجته أعواماً عديدة يترقَّبون هجوم عملاء بيونغ يانغ.
وقال راه جونغ-إيل، الرئيس السابق للاستخبارات الكورية الجنوبية والذي كان مسؤولاً عن مراقبة كوريا الشمالية: "كانت روما أهم سفارة أوروبية في بيونغ يانغ طوال أعوامٍ عديدة، ويرجع هذا جزئياً لكونها موقعاً للمحادثات الجارية مع برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة للحصول على المعونة، ولكن أيضاً لأنَّها تسيِّر معظم السلع الفارهة التي يريد النظام الكوري الشمالي الحصول عليها من أوروبا".
وأخبر راه صحيفة The Telegraph: "دبَّرَت السفارة الكورية الشمالية في روما شَحن سيارات، ويخوت، ومواد بناء مثل الرخام، وأطعمةٍ باهظة، مثل السمك وحتى المثلجات".
وقال راه إنَّ الانشقاق الواضح -على ما يبدو- من جانب جو، يُرجَّح أنه كان مُخطَّطاً له منذ فترة وأنَّه -كما في الحالات التي كان هو طرفاً فيها- نُقِل المنشقون جواً إلى الولايات المتحدة بالفعل عن طريق القاعدة الجوية الأميركية التي تقع خارج مدينة فرانكفورت الألمانية.
السفير المنشق كان محل ثقة
وقال راه إنَّه من الواضح أنَّ جو (48 عاماً)، كان محلَّ ثقةٍ من النظام الكوري الشمالي، إذ كان ابن نائب رئيس إدارة التخطيط والتوجيه، وهي وكالة تابعة لحزب العمال الكوري مكلفة "التطبيق الكامل لتعاليم وقرارات القائد الأعلى".
وصف منشقون سابقون إدارة التخطيط والتوجيه بأنَّها "الكيان الوحيد ذو الأهمية الفعلية فيما يتعلَّق بصُنع القرارات أو السياسة"، في حين أشار البعض حتى إلى أنَّ كيم "دمية" في يد قادة الإدارة.
وقال تاي يونغ-هو، الذي انشق عن سفارة كوريا الشمالية في لندن عام 2016، إنَّ والد جو قد توفَّى، في حين شغل حماه، ري تو سوب، منصب سفير كوريا الشمالية لدى تايلاند في تسعينيات القرن الماضي، علاوة على توليه البروتوكول الدبلوماسي لعائلة كيم الحاكمة، في وزارة الخارجية الكورية الشمالية.
وأخبر تاي قناة Channel A، الواقع مقرَّها في سول: "عملت مع جو في القسم نفسه بوزارة الخارجية في بيونغ يانغ فترةً طويلة، لكنني لم أتخيَّل يوماً أن يطلب اللجوء. صُدِمت بهذه الأنباء".
وأضاف تاي في المقابلة الصحافية، التي أُجرِيَت في وقتٍ متأخر من يوم الخميس 3 يناير/كانون الثاني 2019: "عملت أعواماً أيضاً مع حماه، وهو دبلوماسي مخضرم معروفٌ في بيونغ يانغ، تولى كذلك منصب القنصل العام في هونغ كونغ بداية الألفية".
وقال تاي إنَّ زوجة جو تخرَّجت في كلية الطب المرموقة بمدينة بيونغ يانغ، وتمتَّعت كلتا العائلتين بحياةٍ مليئة بالامتيازات، بصفتهم أفراداً من "النخبة الثرية والمرموقة" بكوريا الشمالية.
وأضاف أنَّ الزوجين كانا يعيشان بـ "أرقى شقةٍ" في بيونغ يانغ.
نجح في اصطحاب عائلته معه
وفي آخر مرةٍ رأى فيها تاي زميله جو، قبل أن يُكلَّف في بريطانيا عام 2013، كان لدى جو طفلٌ واحد، وكما فهم فإنَّه أخذ طفله معه عندما أُرسِل إلى إيطاليا. وأشارت صحيفة JoongAg Ilbo إلى أنَّه قد رُزِقَ بطفلٍ آخر، قائلةً إنَّ جو كان بصحبة زوجته و"أطفاله"، بحسب الصحيفة البريطانية.
وكان واقع أنَّ جو استطاع اصطحاب عائلته معه إلى روما مؤشراً آخر على أنَّه كان بين النخبة الموثوق بها في بيونغ يانغ.
أجبرت كوريا الشمالية دبلوماسييها العاملين بالخارج على ترك أطفالهم في بلادهم بعد تولِّي كيم السلطة في أواخر عام 2011.
وقال تاي، وهو نائب السفير الأسبق لدى بريطانيا، في مذكراته المنشورة عام 2018، إنَّ ذلك كان السبب الرئيس لانشقاقه، واصفاً هذه الخطوة بأنَّها مُخطَّطٌ لـ "احتجاز الرهائن".
وقال راه: "سوف يشتاط كيم غضباً إزاء هذا الانشقاق الأخير، خاصةً أنَّه أتى في وقتٍ ينعم هو فيه بالاهتمام الدولي عقب نجاحاته الدبلوماسية الأخيرة. الآن فَقَدَ كيم اعتباره، وسيكون هذا سيئاً بالنسبة إلى أقرباء جو الموجودين بعد في كوريا الشمالية".
وقال إنَّه عادةً ما تُرسَل عائلات المنشقين إلى معسكرات عمل فتراتٍ متفاوتة، إلَّا أنَّ مكانة هذا المنشق خصوصاً، ومعرفته بالشؤون الداخلية للنظام، والإحراج الذي سبَّبه لكوريا الشمالية، سوف تقتضي بشكلٍ شبه أكيد عقوبةً أكثر حدّة.
وقال توشيميتسو شيغيمورا، وهو أستاذٌ مُتخصِّص في شؤون كوريا الشمالية لدى جامعة واسيدا بمدينة طوكيو، إنَّ مُعِدِّي التقارير الأميركيين سيُبدون اهتماماً خاصاً بالتغييرات التي يُحدِثها كيم في صفوف النظام، في حين يستمر في استبدال مَن عيَّنهم والده بمناصب سياسية وعسكرية وإحلال رجاله محلهم.
وأضاف للصحيفة البريطانية: "سيريدون كذلك معلوماتٍ بشأن الوضع القائم مع الجيش، لأنَّ من الواضح أن هناك اضطراباً جللاً في بيونغ يانغ. لم يورد كيم بالكاد أيَّ ذكرٍ للقوات المسلحة في خطابه للعام الجديد، وأصبحت سياسة والده (الجيش أولاً) ضرباً من الماضي، إذن فإن هناك استياءً كبيراً بين صفوف كبار الضباط".
سجلٌّ حافل من تسوية الحسابات
وبحسب الصحيفة البريطانية، قال شيغيمورا إنَّه سيكون على جو "توخي الحذر الشديد من الآن فصاعداً"، في حين تملك كوريا الشمالية سجلاً حافلاً من تسوية الحسابات مع المنشقين ومعارضي النظام.
في عام 2012، حكمت محكمة كورية جنوبية على آن هاك-يونغ، وهو عميلٌ كوري شمالي، بالسجن 4 أعوام، بعد تخطيطه لاغتيال بارك سانغ-هاك، وهو منتقدٌ صريح لكوريا الشمالية، في حين قُتِل باتريك كيم، وهو قِس كوري جنوبي كان يساعد منشقين كوريين شماليين على الهرب مروراً بالصين، العام الماضي (2018)، بإبرةٍ مسمومة.
وفي الحادثة الأشهر، قُتِل كيم جونغ-نام، الأخ غير الشقيق للديكتاتور الكوري الشمالي، في مطار كوالالمبور الدولي عام 2017، بغاز الأعصاب المسمى VX.
وعُيِّن جو، الذي درس في إيطاليا من عام 2006 إلى 2009، ويُعرَف عنه أنَّه يتحدَّث اللغات الفرنسية والإيطالية والإنكليزية بطلاقة، بالسفارة الكورية الشمالية في روما، في مايو/أيار عام 2015.
أصبح جو القائم المؤقت بأعمال السفير في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، بعد أن طردت إيطاليا السفير الكوري الشمالي آنذاك مون جونغ-نام؛ احتجاجاً على اختبارٍ للأسلحة النووية أجرته بيونغ يانغ في الشهر السابق، مخالِفةً بذلك قرارات الأمم المتحدة.
وقال المشرِّعون في سول بعد أن أُوجَزت لهم التطوُّرات من قِبل السلطات الاستخباراتية، إنَّ جو لم يتواصل مع الوكالة الاستخباراتية في سول منذ هربه واختفائه، ملمحين بذلك إلى أنَّه يطلب اللجوء إلى دولةٍ ثالثة في الغرب.
وأخبر مصدرٌ على درايةٍ بالأحداث، طلب الإبقاء على هويته مجهولةً، حتى يتسنَّى له التحدُّث عن قضيةٍ سياسية حسَّاسة كتلك، وكالة أنباء رويترز بأنَّ جو استُبدِل رسمياً من منصب القائم بأعمال السفير آخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وحلَّ محله كيم تشون.