وسط فيض من الأخبار يركز على سلبيات توافد اللاجئين إلى أوروبا، هناك قصة يتم تجاهلها، وهي أن اندماج اللاجئين في ألمانيا جاء أفضل من المتوقع، وأن اقتصاد هذه الدولة المتقدمة قد يصبح في خطر من دونهم.
ويبدو أن الأيام تثبت أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت مُحقة، عندما فتحت أبواب بلادها أمام اللاجئين عام 2015.
وتسبب الدعاية السلبية ضد هذا القرار في الإطاحة بمستقبل ميركل السياسي حيث اضطرت للتخلي عن زعامة حزبها وأعلنت نيتها عدم الترشح للمستشارية، بعد أن حمّلها الناخبون مسؤولية الأزمة التي تسبب فيها اللجوء.
ولكن هل هناك أزمة فعلاً سببها اللجوء السوري في ألمانيا حقاً؟
تتحدث وسائل الإعلام الألمانية، والأكثر شبكات التواصل الاجتماعي، عن الجرائم المروعة التي يرتكبها اللاجئين.
ولكن، تبين أن الكثير من التقارير عن جرائم اللاجئين كاذبة أو مبالَغ بها.
كما أن نسبة ارتكاب اللاجئين السوريين تحديداً للجرائم أقل من نسبة المهاجرين من مناطق أخرى، وضمن ذلك مهاجرون جاؤوا من دول أوروبية، وفقاً للشرطة الألمانية.
على الجانب الآخر، هناك قصة نجاح اقتصادي وثقافي لا يتم التركيز عليها.
قصة تشير إلى أن اندماج اللاجئين في ألمانيا جاء أفضل من المتوقع وفي زمن قصير نسبياً.
وهذه القصة جاء الإعلان عنها من قِبل ممثل لأصحاب وأرباب العمل الألمان، أي إحدى أكثر الفئات تعاملاً مع اللاجئين.
وشهد شاهد من أهلها.. ميركل على حق، اندماج اللاجئين في ألمانيا جاء أفضل من المتوقع
فقد أعلن رئيس رابطة أرباب العمل الألمان إنغو كرامر، أن اندماج اللاجئين في ألمانيا جاء أفضل من المتوقع، بل إن البلاد في حاجة لمزيد من المهاجرين.
وقال إنغو كرامر في مقابلة مع صحيفة "أوغسبورغر ألغماينه"، الجمعة 14 ديسمبر/كانون الأول 2018، إن المستشارة أنجيلا ميركل كانت مُحقّة بقولها بعبارتها "سننجز ذلك"، التي كانت تعني بها إدماج اللاجئين في عام 2015.
وأردف قائلاً: "إن ذلك الإدماج يجري بصورة أفضل مما كان متوقعاً".
وكانت ميركل قد قالت شعارها "سننجز ذلك"، مع قدوم اللاجئين بأعداد كبيرة في عام 2015، وردَّدته كثيراً، قبل أن تعلن في سبتمبر/أيلول 2016، عدم رغبتها في تكراره، لتحوّله لشعار بسيط، أو عبارة فارغة، على حد تعبيرها.
كما اعترفت بأن البعض كان يشعر بالاستفزاز حياله، الأمر الذي لم تكن تقصده.
The Muslim Refugees are working out so well in Europe, Merkel will pay them to leave Germany. https://t.co/27sTtTcz56 pic.twitter.com/iBG2ksTHOP
— Johnny Dee Unplugged (@Johnny_Capione) February 12, 2017
مفاجأة في حجم اللاجئين الذين يعملون أو يتدربون مهنياً
اندماج اللاجئين في ألمانيا جاء أفضل من المتوقع، لدرجة أن النقابي الألماني عبّر عن مفاجأته شخصياً من سرعة اندماجهم.
وأوضح في هذا الصدد، أن قرابة 400 ألف شخص من أكثر من مليون لاجئ وصلوا للبلاد، خصوصاً منذ عام 2015، حاصلون حالياً على وظيفة أو مقعد تدريب مهني، وأن الغالبية العظمى منهم يعملون في وظائف مؤمَّنة إجتماعياً؛ ومن ثم "هم مندمجون تماماً".
وقال إن غالبية المهاجرين الشبان يستطيعون بعد عام من الدروس، التحدث بالألمانية بشكل جيد، إلى حد يستطيعون معه متابعة دروس التدريب المهني.
"إنهم دعامة لاقتصاد البلاد، ونحن في حاجة لمزيد منهم وإلا فسنكون في خطر"
وقال كرامر إن الكثير من المهاجرين باتوا "دعامة للاقتصاد" الألماني، ولا ينبغي للألمان أن يخافوا من الهجرة، بل أن يروا في الذين يأتون إليهم ويعملون عامل إثراء للبلاد.
وأشار إلى أن غالبية الشركات المتوسطة ما زالت تبحث عن موظفين، وتضع آمالها في قانون الهجرة والعمالة الماهرة الذي أعده الائتلاف الحكومي الكبير.
وقال إن على ألمانيا أن تنظر بواقعية أكبر إلى موضوع الهجرة عما كان عليه الحال سابقاً، وأن يبقى المجتمع منفتحاً، ومستعداً لاجتذاب العمالة المتخصصة من الخارج.
وحذر من أنه في حالة عدم نجاح الألمان في استقطاب المهاجرين ودمجهم، ستكون هناك خطورة من تراجع الاقتصاد كما كان الحال في تسعينيات القرن الماضي.
شركات كبرى تحاول مساعدة الشبان اللاجئين على دخول سوق العمل.. وهذه هي النتيجة
وظهر أن هناك ارتفاعاً في رغبة اللاجئين الشباب في الانضمام إلى التدريب المهني.
فقد تم تسجيل 10250 متقدماً لمقعد تدريب مهني في 30 سبتمبر/أيلول 2016، وفقاً لإحصائيات المكتب الاتحادي للعمل.
وارتفع العدد بعد مرور عام من ذلك إلى أكثر من 26 ألفاً، ونجح قرابة ثلثهم في تحصيل مقعد تدريب.
ولأن دخول سوق العمل والالتحاق بالتدريب المهني لا يعدان مهمة سهلة، تحاول شركاتٌ ألمانيةٌ ضخمةٌ المساعدة في ذلك.
Me with Syrian refugee family that showed up at my doorstep 4 yrs ago. They're now working + studying + welcomed in Germany! No #muslimban pic.twitter.com/YEOe8QTXHO
— Iliana Montauk (@ilianamontauk) March 6, 2017
من هذه الشركات شركة القطارات الألمانية "دويتشه بان"، التي وسعت في عام 2014 برنامجها لتهيئة الشباب لبدء التدريب المهني، بتخصيص مقاعد للاجئين في فترة التأهيل الأولية (EQ).
والبرنامج بعد توسيعه، يتضمن تقوية اللاجئين لغوياً عبر دورات وتدريبهم مدة تصل إلى عام، لترى كل من الشركة والمتدرب ما إذا كان باستطاعتهما العمل معاً على المدى الطويل.
ويخول التدريب المهني هؤلاء اللاجئين للعمل في شركة القطارات مستقبلاً.
وكانت الشركة قد احتفت في فرعها بمدينة هامبورغ شمال البلاد، في أغسطس/آب 2018، بتجاوز شبان لاجئين برنامج التهيئة المذكور، ليبدأوا تدريبهم المهني في مجال الميكانيكيا والكهرباء وبناء السكك.
بالشهادة الإعدادية السورية سيعمل بالإلكترونيات
يحمل محمد خلاص الشهادة الإعدادية من سوريا، والآن هو يتأهب للعمل في مجال الإلكترونيات، بفضل هذا البرنامج.
جاء محمد (19 عاماً)، من مدينة اللاذقية السورية، منذ 3 أعوام، وهو يرغب في أن يعمل بمجال الإلكترونيات في شركة دويتشه بان.
وأنهى محمد المرحلة الثالثة من دراسة اللغة الألمانية "B1" بعد أن حصل على صفة لاجئ وإقامة، وانتقل من مخيم اللاجئين، إلى شقته الخاصة، قبل أن يتجاوز العقبة الأخيرة، وهي فترة التأهيل الأولي "EQ"، بحسب موقع "فيلت".
وتمكن محمد من النجاح في الحصول على مقعد تدريب مهني، انطلاقاً من حمله الشهادة الإعدادية السورية، وسيعمل مثل أخويه مستقبلاً لدى شركة قطارات.
وكانت وزيرة الشؤون الاجتماعية في ولاية هامبورغ، ميلاني ليونهارد، قد ذكرت منتصف يوليو/تموز 2018، أن نحو ثلث اللاجئين الذين يعيشون في هامبورغ (10 آلاف شخص) يعملون.
ورغم خبرته فإن البيروقراطية الألمانية تعرقل شركته، وأوقفت عنه المعونة
وفي شرق البلاد، وصل الشاب السوري مؤيد حمادة وأشقاؤه إلى العاصمة الألمانية في نهاية عام 2015، وبدأوا بدراسة دورات اللغة الألمانية، ووصلوا للمرحلة الثالثة أو الرابعة منها.
وبدأ مؤيد وأشقاؤه بالعمل بدوام جزئي لدى أرباب عمل آخرين بمجال التبليط في الوقت نفسه ولفترات متقطعة، كما قال لـ "عربي بوست".
ثم أسست عائلة مؤيد شركة خاصة للتبليط في برلين منذ شهرين تقريباً؛ نظراً إلى عملهم في هذا المجال مسبقاً بسوريا وفي دول كلبنان والجزائر.
وهم الآن في طور توسيع نطاق عملهم والبحث عن شركات تمنحهم عقود عمل كبيرة، الأمر الذي اعتبره أصعب ما في تجربتهم.
وقال مؤيد إنهم يعانون التعقيدات الإدارية والبيروقراطية مع بدئهم العمل في الشركة.
المشكلة أن تأسيس الشركة أدى إلى وقف معونة البطالة لشقيقه الذي تم تسجيل الشركة باسمه.
كما يعمل مؤيد وشقيقه بدوام جزئي فحسب، الأمر الذي يأملون تغييره في الفترة القادمة، خاصة أن لذلك تأثيراً إيجابياً على وضعهم بالنسبة للإقامة في البلاد.