قال الصحافي الروسي ليونيد بيرشيدسكي، إن هناك تياراً "خبيثاً" يمر أسفل "التحالف النفطي" الذي شكلته السعودية وروسيا وأدهشنا بقوته لخفض إنتاج النفط قريباً، مشيراً إلى أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، صافح بود الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على مرأى ومسمع من الجميع في قمة العشرين، إلا أنه لا يحاول إخفاء توقعاته بأن "تختفي روسيا من سوق النفط".
وأكد بيرشيدسكي في مقالته المنشورة بموقع وكالة Bloomberg الأميركية، أن التعاون النفطي الروسي-السعودي ذو طابع "تكتيكي بحت"، وليس استراتيجياً، لمستقبل سوق النفط.
ففي النهاية -التي قد تكون وشيكة- قد تفقد الدولتان، اللتان تعدان من بين كبار مصدري النفط في العالم، اهتمامهما بعقد اتفاقيات خفض إنتاج النفط؛ إذ تتأهَّب كلتاهما للمنافسة في أسواق مهمة وتسعيان لإبقاء الولايات المتحدة خارجها.
احتياطي النفط الروسي المُؤكد سينفد خلال 26 عاماً
في مقابلة مع وكالة Bloomberg الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول 2018، والتي استعرض خلالها محمد بن سلمان رؤيته على المدى الطويل لسوق النفط، قال إنه حتى وإنَّ بدأ الطلب على النفط ينخفض عقب 2030، "فستختفي كل يوم دول مُنتِجة للنفط (من السوق).
فبعد 19 عاماً من الآن، سيتراجع إنتاج روسيا بشدة، هذا إن لم تختفِ تماماً، مع وصول إنتاجها الحالي إلى 10 ملايين برميل (يومياً)؛ لذا إذا قارنا ارتفاع الطلب على النفط واختفاء الموردين، فستحتاج السعودية إلى زيادة الإنتاج في المستقبل".
ولم يسترسل الأمير في التفسير لأكثر من ذلك، لكن من المرجح أنَّ هذه التوقُّعات تستند إلى أحجام الاحتياطي النفطي لدى كبار المنتجين.
ويعد إصدار توقعات حول حجم النفط الباقي في أية دولةٍ عمليةً معقدة. فوفقاً لعرض شركة British Petroleum الإحصائي عن الطاقة العالمية لعام 2018، الذي يستخدم بيانات من مصادر رسمية وأخرى خارجية، سينفد احتياطي النفط الروسي المُؤكد خلال 26 عاماً، إذا استمر إنتاجها بالمعدل ذاته الذي كان عليه في 2017، بينما لا يزال لدى السعودية 61 عاماً لضخ إنتاجها.
بيد أن معدل الاحتياطي المُؤكَّد ليس هو المقياس الأمثل للتنبؤ بنهاية عمر إنتاج النفط لأية دولة، إذ لا يعكس هذا المعدل سوى مقدار النفط الذي يمكن أن تتوقع الدولة استخراجه مع تأكيدات بعوائد مادية مقبولة في إطار أوضاعها الاقتصادية والتنفيذية القائمة.
لكن في كل يوم، تحدث اكتشافات جديدة، وتدخل تطورات على تكنولوجيا التنقيب عن النفط، وتطرأ تقلبات على أسعار السوق. إلى جانب أنَّ الأرقام الرسمية قد تبالغ أحياناً في تقديراتها الإيجابية.
ستختفي روسيا من سوق النفط قبل أن تلحق بها السعودية
ومن ثم، فكثيراً ما يكون من الأفضل البقاء في أرض محايدة. وهذا هو تحديداً ما تفعله شركة Rystad Energy لأبحاث الطاقة -ومقرها النرويج- إذ تضع لكل دولة 4 تقديرات مختلفة حول حجم مواردها واحتياطاتها من الطاقة، وتُدمِج فيها حتى أبعد الاحتمالات أي الحقول غير المكتشفة.
وباستخدام تقديرات Rystad حول "احتياطيات النفط المؤكدة والمرجحة إضافة إلى موارد النفط التي تقل احتمالات استخراجها من مشاريع أو اكتشافات غير مؤكدة، من بينها الكميات التي لن تدر أرباحاً" -مُقدَّرة عند مستويين من عدم اليقين أعلى من الاحتياطيات المؤكدة- تتكشف صورة عن روسيا والسعودية لا تختلف عمّا ذُكِرَ سابقاً سوى اختلاف طفيف؛ إذ تمنحهما التقديرات 28 و56 عاماً على التوالي من إنتاج النفط إذا حافظا على معدل الإنتاج ذاته الذي كانا عليه عام 2017.
استناداً إلى بيانات مُستقاة من مصادر عدة، هناك أسباب تدعو ولي العهد السعودي لاعتقاد أنه حتى قبل أن يتسبب انتشار السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية وغيرها من التكنولوجيات البديلة للنفط في الإضرار بالاحتياج العالمي للنفط، سيختفي بعض كبار الدول المنتجة للنفط الحالية من السوق.
ومن بين هذه الدول المكسيك، وربما أيضاً الصين (ففي المقابلة التي أجراها ولي العهد مع وكالة Bloomberg، توقع الأمير محمد بن سلمان أن ينخفض إنتاج الصين بشدة بعد 5 أعوام من الآن -وهو توقع ربما يكون مفرط التفاؤل- لكن وفقاً لإحصائيات شركة British Petroleum، لم يبقَ في عمر إنتاج النفط بالصين سوى 18 عاماً). وستختفي روسيا، على الأرجح، من سوق النفط قبل أن تلحق بها السعودية.
ولا ينطوي هذا بالضرورة على امتيازٍ كبير، إذ إنَّ إبقاء السعودية على كمٍّ كبير من النفط بباطن الأرض في الوقت الذي يتوجه فيه العالم نحو عصرٍ حتمي من انخفاض الطلب، لا يعد الاستراتيجية الأمثل.
إلى جانب أنَّ خفض الإنتاج لا يكون منطقياً إلا حين يحدث بهدف الوصول إلى ارتفاع كبير بالأسعار، لكن حتى هذا قد يفقد أهميته قريباً؛ إذ إنَّ سعر التعادل الذي تحتاج المملكة لأن تصل إليه لسد العجز في ميزانيتها هو 74.4 دولار للبرميل الواحد خلال العام الجاري (2018)، بعد أن كان 105.7 دولارات في 2014. ووفقاً لبعض التقديرات، ربما ينخفض إلى 55 دولاراً بحلول 2021.
ما هو "التكتيك" الروسي حول إنتاج النفط؟
ويضيف الصحافي الروسي: "في حين أنَّ روسيا لا بد أن تكون أكثر انفتاحاً لخفض الإنتاج الذي يستهدف رفع الأسعار؛ نظراً لحجم احتياطيها القليل، لكن من ناحية تكتيكية فقط. وتقوم استراتيجيتها للمدى الطويل على استخدام مرونتها الأيديولوجية وقوتها العسكرية لوضع يديها على موارد النفط في فنزويلا وليبيا، حيث يمكن أن تعتمد الشركات الروسية المملوكة للدولة على الحصول على تنازلاتٍ مقابل دعم القادة المتعطشين للدعم الأجنبي؛ ومن ثم خفض اعتماد روسيا ذاتها على تصدير النفط.
إذ يبلغ سعر نقطة التعادل الذي تحتاجه روسيا للحفاظ على ميزانيتها دون عجز، 50 دولاراً للبرميل الواحد لهذا العام، وهي تأمل أن تتمكَّن من الاستمرار في النزول بهذا السعر.
وبالإضافة إلى كل هذا، لا تهتم السعودية ولا روسيا بخفض إنتاج النفط، حتى يتسنى للولايات المتحدة الاستمرار في رفع إنتاجها وتصبح منافساً لهما في الأسواق العالمية.
موسكو والرياض سترغبان في ضخ أكبر كمية من النفط خلال السنوات المقبلة
وتشير بيانات شركة Rystad إلى أنَّه بوسع الولايات المتحدة الاستمرار في ضخ النفط بالمعدلات الحالية فترة أطول من روسيا؛ ومن ثم ليس هناك سبب يدعو لمساعدة كبرى شركات النفط الصخري الأميركية في رفع إنتاجها لأكثر من المعدل الحالي من خلال رفع السعر.
ووفقاً لما هو عليه الوضع الحالي، تتنافس روسيا والسعودية في أسواق كبرى، منها الصين، ويرغب المسؤولون الروس في توسيع المنافسة لتشمل مناطق أخرى من آسيا. ولا تبدو احتمالية تصدير الولايات المتحدة نفطها في الأسواق نفسها مقبولة.
بمعنى آخر: إذا نحينا المصافحات الودية وتكاتف الزعماء الديكتاتوريين معاً، فسنجد أنَّ السعودية وروسيا كلتيما لا ترغبان في الدخول في تعاون طويل المدى حول خفض إنتاج النفط. ففي غضون سنوات قادمة، سترغب كلتاهما في ضخ أكبر كمية ممكنة من النفط إلى الأسواق.
وربما لهذا السبب لم تُطرح على أجندة هذا التحالف الثنائي المُشكَّل حديثاً معدلات خفض إنتاج ضخمة: إذ لا يرقى خفض إجمالي إنتاج النفط إلى مليون برميل يومياً من منظمة الدول المصدرة للنفط وروسيا مجتمعين، وهو ما نوقش خلال اجتماع أوبك في فيينا، إلى كونه تغييراً تضطرب له الأسواق.