كان التوتر واضحاً في صوت علي كريمي وهو يصف معاناته للحصول على حبوب الديازوكسيد التي يحتاجها والده لخفض معدلات الإنسولين في دمه ومحاربة سرطان البنكرياس، إذ إن أزمة الدواء في إيران تهدد حياة والده.
فلا سبيل للحصول على هذا الدواء إلا عن طريق الاستيراد، وهو أمرٌ لم يكن يمثل أي إشكال حتى وقتٍ قريب، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية عن أزمة الدواء في إيران التي تسببت بها العقوبات الأميركية.
ولكن على مدار الشهور الثلاثة الأخيرة، لم يكن كريمي قادراً على العثور عليه في أي مكان، ولم يتبقَّ معه الآن سوى زجاجة واحدة.
وفي ظل أزمة الدواء في إيران، اضطر لإعطاء والده حبة واحدة
"الآن، وبما أنَّ الدواء ليس موجوداً، نحن مجبرون على إعطائه حبة واحدة فقط في اليوم".
هكذا قال كريمي في حوار عبر تطبيق Telegram (أحد تطبيقات المراسلة المشهورة بين الإيرانيين).
وتسبب تقليل الجرعة في مضاعفات مثل خطر الدخول في نوبات تشنّج، والحاجة لمراقبة الأب طوال اليوم؛ للتأكد من عدم ارتفاع مستويات الإنسولين، ما يسبب دخوله في حالة غيبوبة.
ويتزايد القلق حول أزمة الدواء في إيران مع إعادة فرض عقوبات الولايات المتحدة الأميركية هذا الشهر، بعد انسحاب الرئيس الأميركي ترمب من الاتفاق النووي.
وبسبب العقوبات المصرفية القاسية والتوعد بفرض عقوبات ثانوية على الشركات التي تتعامل مع إيران، بات من المستحيل على شركات الدواء الأجنبية الاستمرار في العمل مع البلد.
ولكن إدارة ترمب تقول إن العقوبات لن تؤثر على السلع الإنسانية
ويقول مسؤولو إدارة ترمب إنَّ العقوبات لن تؤثر على تجارة السلع الإنسانية، ولكنَّ الكثيرين يشكّكون في هذا.
وقال جيرارد أرود سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة: "البنوك وصلت لدرجة من الفزع من العقوبات لدرجة جعلتها تعزف عن التعامل مع إيران في أي شيء. وهو ما يعني وجود خطرٍ كبيرٍ بنقص الدواء في البلاد خلال الأشهر القليلة المقبلة".
إذ يبدو أن أزمة الدواء في إيران مرشحة للتصاعد.
والمشكلة حتى لو قبلت الشركات الأوروبية بتصدير الدواء لإيران، فلا يوجد بنوك للتمويل
وبدأت "حملة الضغط القصوى" التي تشنها إدارة ترمب في إلغاء بعض السبل القليلة المتبقية لدى إيران لإجراء المعاملات المصرفية للحصول على السلع الإنسانية.
ويقول أحد مستوردي الدواء في إيران، الذي طلب عدم الكشف عن هويته حتى لا يتعرض لمضايقات من السلطات الإيرانية، إنّ العقوبات المصرفية هزت الثقة لدى الكثير من عملائه الأوروبيين والأميركيين، الذين ينتظرون إشارات من الجهات المعنية عن البنوك التي يمكنهم التعامل معها دون خطر التعرض لعقوبات.
وقال اسفنديار باتمانغيلدج، الخبير المختص في العقوبات والتجارة في السلع الإنسانية لدى موقع الأخبار البريطاني Bourse and Bazaar المختص بالشأن الإيراني: "هذا يخلق أزمة الدواء في إيران".
لأنه حتى إذا وجدت شركة أوروبية تريد البيع لإيران، لا يمكن إرسال الدفعات المالية إلى أوروبا بانتظام، وبطريقة يعتمد عليها، بسبب غياب البنوك في إيران".
فهل يتعمد الأميركيون التباطؤ في إصدار التراخيص الإنسانية؟
"وزارة الخزانة الأميركية كانت بطيئة أو ربما متباطئة في إصدار تراخيص بتصديق من الكونغرس لأسباب إنسانية"، حسب باتمانغيلدج.
وتسمح هذه التراخيص للشركات بالتعامل مع إيران والدول الأخرى التي تدرجها الولايات المتحدة في القائمة السوداء لرعاة الإرهاب.
وتزداد المشكلات تعقيداً بسبب مشاكل الاقتصاد الإيراني الموجودة بالأساس، والتي أدت إلى تدهور حادٍ في قيمة الريال الإيراني، وأدت إلى زيادات كبيرة في تكلفة الدواء؛ لأن معظمه مستورد.
كما أن أزمة العملة الإيرانية تجعل الأمور أسوأ، حتى إن الأطباء ناشدوا السلطات التدخل
تتسبب مشكلة العملة الإيرانية بدورها، في تفاقم أزمة الدواء في إيران أكثر مما هي عليه.
وفي هذا الصدد، يقول كريمي إنّ حبوب الديازوكسيد كانت لا تزيد عن 28 دولاراً للزجاجة، ولكن في آخر مرة اشتراها، منذ ثلاثة أشهر، ارتفع سعرها إلى 43 دولاراً للزجاجة.
في بعض الحالات، كان النقص يُعزى لتخزين المرضى للأدوية، أو لجهود الحكومة بالتحكم في الإمداد، لمعرفتها أنّ العملة الصعبة سوف ستكون صعبة المنال في المستقبل القريب.
وكتب 200 طبيب من أطباء الصحة النفسية مؤخراً خطاباً مفتوحاً للسلطات الإيرانية عن انخفاض الكميات المتوافرة من الدواء.
وقال أحد الموقعين الطبيب أمير حسين جلالي، عبر Telegram: "حتى بعض الأدوية التي تُنتج محلياً وتحتاج إلى مواد خام من الخارج، شهدت فترات نقص كثيرة".
وقال إنّه كان من الصعب تغيير النظام العلاجي للمريض، خاصة في حالات المرض النفسي والأمراض المزمنة.
ومحاولة تقديم بديل محلي قد تكون خطيرة، والأميركيون ما زالوا يتلكأون
وفي محاولة لحل أزمة الدواء في إيران ، يلجأ البعض إلى محاولة استبدال الأدوية الناقصة.
ولكن حتى استبدال الدواء بآخر من نفس العائلة الكيميائية قد يؤدي إلى تدهور حالة المريض.
فقد بدأت مريم بيمان، التي تعاني مرض التصلب المتعدد، مؤخراً في استخدام آخر زجاجة لديها من دواء Orlept الألمانيّ.
وفي ظل أزمة الدواء في إيران التي تزداد تفاقماً، لم تكن مريم قادرة على إيجاد المزيد من هذا الدواء أو بديل له، طوال ثلاثة أشهر، الأمر الذي يجعل من المستحيل عليها العمل أو حتى التركيز.
وبعد ثلاثة شهور من تكبّد المشقة دون الدواء، الذي يستخدم عادة في علاج الصرع، ولكنه يوصف أيضاً في المشاكل العصبية، وجدت مريم أخيراً بديلاً محلياً، غير أنّه أبعد ما يكون عن الدواء المثاليّ لحالتها.
وقالت: "الآن بسبب استخدام الدواء الإيراني، أعاني من الصداع ومشاكل في الرؤية".
وأضافت: "لم يسبب لي الدواء الألماني أي صداع. كان يزيد من تركيزي دون التأثير على رؤيتي".
وقال باتمانغيلدج إنّ إدارة ترمب قد تحسّن الموقف بإصدار قواعد إرشادية واضحة لشركات الدواء التي تتعامل مع إيران.
وأضاف مشيراً إلى مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي: "لم يكن هناك شيء يسجل، سوى كلام بلا عمل من بومبيو".
وأضاف: "وهذا يعكس إما صراعاً داخلياً في الإدارة، وإما تجاهل لما يحدث".