بدأت الشركات الناشئة في وادي السيليكون بالولايات المتحدة تعيد النظر حول تلقي الأموال السعودية عقب الجدل الذي سبّبته حادثة مقتل خاشقجي .
ويبدو أن مقتل خاشقجي دفع عدداً من الشركات الناشئة لتجنُّب الحصول على الأموال السعودية، وخاصة بعد أن لمّح الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى احتمال تورّط ولي العهد السعودي في الجريمة.
هذا الأمر سبَّب حرجاً شديداً لعدد من المستثمرين الذين تلقَّوا في وقت سابق أموالاً من السعودية.
وقالت صحيفة The New York Times الأميركية، إن بعض مؤسسي الشركات الناشئة يسألون المستثمرين لديهم عمّا إذا كانت لهم صلات مالية بحكومات أجنبية ذات سجلٍ سيئ في مجال حقوق الإنسان.
في حين يقول آخرون إنهم سيُطالبون بمعرفة مصدر أموال الاستثمار من الآن فصاعداً.
جون فريونيس وجيوتي بانسال اللذان بدآ بتأسيس أول صندوق رأس مال مُخاطِر لهما، تلقّيا نصيحةً بالسعي وراء ما سمَّوه "الأموال سهلة المنال" القادمة من صناديق الثروة السيادية، كتلك التي تُديرها السعودية وأبوظبي.
لكنَّ الشريكين قالا إنهما لم يشعرا بارتياح تجاه فكرة الاستثمار لمصلحة حكومات قمعية. وبدلاً من ذلك، سعيا إلى الاستثمارات الوافدة من منظمات غير ربحية، مثل مستشفيات الأطفال وجامعات السود التاريخية.
ما زالت الجهود ودعوات المقاطعة في بدايتها
لويس فون آن، المدير التنفيذي لموقع Duolingo لتعليم اللغات، يقول إنَّه دقَّق مؤخراً في أكثر من 100 مليون دولار جمعتها شركته من المستثمرين، من بينها شركة Union Square Venture وشركة Kleiner Perkins.
لويس يعتقد أنَّ أيَّاً من هذه الأموال لم تأت من السعودية، لكنَّه ليس متأكداً من ذلك؛ نظراً للطابع المُعقَّد المُبهم الذي تتسم به شبكة وسائل الاستثمار التي تُدعم صناديق رأس المال المُخاطِر.
لكنه ينوي إثارة هذه المسألة مع أي مستثمر محتمل، في حال احتاجت شركة Duolingo إلى مزيدٍ من الاستثمارات.
مؤسسو الشركات الناشئة لا يدَّعون نظافة اليد
هناك رجال أعمال مثل أمول سارفا، مؤسس شركة Knotel الناشئة في مجال إيجاد مساحات العمل المشتركة وتصميمها، لا يرغبون في تلقي أموالٍ من جماعات بعينها، ومن ضمنها الحكومات الفاسدة.
"كل الأموال شرعية، وهناك الكثير منها حولنا، وإذا استطعنا أن ننتقي مصادرنا سوف نحصل على الأموال التي نريدها"، كما قال لصحيفة The New York Times.
وفي الأسبوع الماضي، كتب فريد ويلسون، الشريك في شركة Union Square Ventures الأميركية البارزة التي يقع مقرها في نيويورك، في تدوينة avc.com إن مديراً تنفيذياً لإحدى الشركات في محفظته الاستثمارية سأله ولأول مرة عن العلاقات المالية للشركة.
وقال إنَّه يتوقع الكثير من مثل هذه الرسائل الإلكترونية في الأسابيع المقبلة. وذكر ويلسون في مدونته، أنَّه ليس "طاهر اليد" كلياً، لأنَّ شركته باعت ذات مرة أسهماً في إحدى الشركات المُندرجة في محفظتها الاستثمارية لـ "مشترٍ كان يعمل كواجهةٍ لمصالح دول خليجية".
لكنه أكد في المقابل أن صناديق شركة Union Square Ventures لم تجمع أي أموال من الحكومات القمعية، وطالب شركات رأس المال المُخاطِر والشركات الناشئة بأن تتبين ممَّا إذا كان يمكنها أن تفتخر بالمستثمرين لديها. وأضاف ويلسون: "مع الأسف، سيجيب العديد عن هذا السؤال بالنفي، ولن يكون سهلاً أن تُحَل هذه العلاقات".
ويواجهون اتهامات بالنفاق أمام غواية المال "الفاسد"
وكان الكاتب البارز أناند جيريدراداس Anand Giridharadas قد قال إن اختفاء الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي دليل واضح على "نفاق وادي السيليكون"، ففي الوقت الذي تروّج فيه شركات التكنولوجيا الجديدة لمثاليتها ومهامها المتغيرة عالمياً، تعتمد العديد من تلك الشركات على أموال سعودية.
وأضاف الكاتب في صحيفة Washington Post أن حادثة قتل خاشقجي على أيدي عملاء سعوديين، وتكتم شركات التقنية عن الإدلاء بأي تعليق حول الحادثة "تأتي لتؤكد أن العلاقات المالية بين الحكومة السعودية وشركات التقنية أهم من المبادئ التي تدعيها هذه الشركات".
وأغلب الشركات تتكتّم على مصادر أموالها
شركاتٌ بارزة مثل شركتي Andreessen Horowitz وKleiner Perkins تكون كتومة للغاية، لدرجة أنَّها لا تقبل استثمارات من صناديق المعاشات التقاعدية العامة، التي تنشر نتائج استثماراتها، إذ تُتيح هذه الإقرارات للعوام أن يعرفوا قدر الأموال التي تجنيها هذه الشركات لمستثمريها.
ويصعُب تعقُّب مصدر المال عند غياب المعلومات المطلوب كشفها. وحتى وقت كتابة هذا المقال، رفضت العديد من الشركات البارزة في وادي السيليكون أن تناقش علناً مسألة شركائها المحدودين.
لكن السعودية من أكبر المستثمرين في قطاع التكنولوجيا الأميركي
الجيل السابق من رجال الأعمال السعوديين مثل الأمير الوليد بن طلال، استثمر مليارات الدولارات في الشركات الكبرى الرابحة في الولايات المتحدة الأميركية، لكن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تمكن من تحويل أنظار المملكة العربية السعودية الاستثمارية، من وول ستريت إلى وادي السيليكون.
أصبح صندوق الاستثمار العام (واحد من أكبر دفاتر شيكات السندات في وادي السيليكون) يعمل في الأغلب من خلال صندوق تمويل بقيمة 100 مليار دولار جمعتها شركة سوفت بانك اليابانية، التي شقّت طريقها إلى صناعة التكنولوجيا على نحو سريع غير مسبوق، بالاستحواذ على حصص بمليارات الدولارات من الشركات الصاعدة.
وضع صندوق الاستثمار العام حوالي 45 مليار دولار في "صندوق الرؤية الأول"، الخاص بـ "سوفت بانك"، وكذلك ذكرت "بلومبيرغ" مؤخراً أن الصندوق السعودي بصدد استثمارٍ آخر قيمته 45 مليار دولار، وُضعت في "صندوق الرؤية الثاني" لـ "سوفت بانك".
وكانت شركة SoftBank -التي تُعَد أضخم وأقوى مستثمر في الشركات الناشئة والتي جمعت من السعودية 45 مليار دولار من أجل تمويل صندوقها الاستثماري المُسمى صندوق رؤية سوفت بنك SoftBank Vision Fund- هي الوحيدة التي أعلنت ارتباطها بالسعودية.
لكن المستثمرين يرغبون في قطع علاقتهم بأنظمة يعتبرون أنها قمعية
وبعد مقتل جمال خاشقجي، بدأ ديفيد غوتيليس، الشريك في Data Guild التي تحتضن الشركات الناشئة وتستثمر فيها، يسأل المستثمرين المحتملين عن مصادر أموالهم. واكتشف غوتيليس العديد من العلاقات مع حكوماتٍ ذات سجل سيئ في مجال حقوق الإنسان، ومن ضمنها روسيا والصين والسعودية.
وقال غوتيليس إنَّه أنهى محادثاتٍ بشأن جمع أموال مع ثلاث مجموعات، شملت صناديق رؤوس أموال استثمارية، ويعتزم قطع علاقته بمجموعتين أخريين بسبب ما اكتشفه، ورفض أن يذكر اسم هذه الجماعات.
فيما أعلن، الشهر الماضي، أنَّ شركته لن تقبل أموالاً من أنظمةً قمعية، ولن تدخل في شراكات مع أي مؤسسة أو شركة تتخذ من هذه الأنظمة عملاء لها أو مستثمرين أو أعضاء في مجالس إداراتها. "أودُّ أن أعود إلى إنشاء شركاتٍ تفيد العالم دون القلق إزاء مسألة خضوع أي مجلس إدارة لأي نظام، فذلك ليس بالشيء الذي يجدر بنا حتى مناقشته"، كما قال في تقرير The New York Times.
وهذا يقود للبحث في مصادر تمويل الشركات بوادي السليكون
وذكر روي باهات، المستثمر في شركة Bloomberg Beta التي تُمثِّل ذراع رأس المال المُخاطِر لشركة Bloomberg، أنَّ هذه التساؤلات تعكسُ إدراكاً متنامياً في وادي السيليكون إزاء الطبيعة العالمية لأموال الاستثمار.
وأضاف أنَّ بعض المؤسسين بدأوا يسألونه عن صناديق هوية الشركاء المحدودين لبعض صناديق رأس المال المُخاطِر منذ سنة مضت، عندما أصبحت صناديق الثروات السيادية حاضرة بشكل أقوى في صناعة التكنولوجيا.
الأمر لا يقتصر على السعودية.. فالكرملين يستثمر في تويتر!
وليس واضحاً إلى أي مدى سوف تبقى هذه المخاوف، فبالكاد أحدثت بعض عمليات الكشف الماضية عن مثل هذه الروابط حراكاً بين الشركات الناشئة.
ففي العام الماضي 2017، نشرت New York Times تحقيقاً بشأن وثائق أنشطة المصارف الخارجية، عُرف باسم Paradise Papers. وأشار التحقيق إلى أن استثماراً في شركة تويتر أجرته شركة DST Global، التي أسسها يوري ميلنر، كان مدعوماً من مصرف خاضع للكرملين، غالباً ما يُستخدَم في عقد صفقات استراتيجية سياسية.
ويشتهر يوري ميلنر في وادي السيليكون بدهائه في عقد الصفقات، ولم يضر هذا الكشف بمكانته ضمن الشركات الناشئة. ودافعت عنه آنذاك العديد من الشركات التي جمعت أموالاً من المؤسسة التي لم يُكشف عن ارتباطها بأي صفقة تضمنت استثماراً من الحكومة الروسية.