سلطت وكالة Bloomberg الأميركية الجمعة 28 سبتمبر/أيلول 2018، الضوء على الرجل المسؤول عن إقليم شينجيانغ الصيني ذات الأغلبية المسلمة، باعتباره هو المسؤول الأول عن معسكرات الاحتجاز التي يقبع خلفها أكثر من مليون شخص من أقلية الإيغور المسلمة.
وقالت الوكالة الأميركية إن كان يوجد رجلٌ واحد تتمثَّل فيه فجوة القيم بين دولة الصين النامية والغرب، فمن المحتمل جداً أن يكون ذلك الرجل هو تشين تشوانغو.
واعتبرت الوكالة الاميركية، أن مسؤول الحزب الشيوعي الأبرز في إقليم شينجيانغ أقصى غرب البلاد هو المهندس وراء حملة القمع التي تُشَن على أقلية الإيغور المسلمة. وتقول منظمة الأمم المتحدة إنَّ هذه الحملة نقلت ما يصل إلى مليون منهم -أي ما يُقارب عُشر سكان الإقليم- إلى "معسكراتٍ لإعادة التأهيل".
أدان الاتحاد الأوروبي عمليات الاحتجاز الجماعي ودعا مشرِّعون أميركيون لفرض عقوباتٍ على تشين وغيره من كبار المسؤولين الصينيين، ما يهدد بتصعيد التوتر القائم بالفعل إثر الحرب التجارية الراهنة. ووصف السيناتور الأميركي ماركو روبيو التقارير الآتية من إقليم شينجيانغ الصيني بأنَّها "كما لو كانت فيلماً مُروِّعاً".
صعد نجمه في الصين رغم أفعاله
لكن في الصين، فإنَّ نجم تشين في صعود. إذ حازت له أفعاله في إقليم شينجيانغ، بالإضافة إلى مظاهر الولاء للرئيس شي جين بينغ، له ترقية مُنِح إياها العام الماضي 2018 بضمِّه للمكتب السياسي القوي للحزب الشيوعي، ما يجعله واحداً من بين أقوى 25 مسؤولٍ في الصين. وفي عام 2023، قد يُدرَس احتمال منح تشين البالغ من العمر 62 عاماً مقعداً في اللجنة العليا الدائمة بالمكتب السياسي، التي تضم سبع أعضاء فقط.
ويتعدَّى صعود تشين مجرد شخصه. إذ يثير ذلك القلق لدى الحكومات الغربية حيال ما إن كان إقليم شينجيانغ يُستَخدم الآن لاختبار نموذجٍ جديد من الحكم الاستبدادي قد يبدِّل أسلوب حُكم البلاد كلها، وربما تصديره كذلك في أنحاء المنطقة. ويُهدد ذلك بفَتح جبهةٍ جديدة في إطار التوتُّر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، ذلك الذي شمل إلى الآن التجارة، والأمن السيبراني، ومعركةً على النفوذ عبر معظم منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في ظل محاولة الرئيس شي جعل بلاده قوَّة عالمية عُظمى بحلول عام 2050.
ومن شأن أية خطوة أميركية لفرض عقوباتٍ على تشين أن تؤجِّج مخاوف الصين من وجود مخطط أجنبي لإضعاف سيادتها على إقليمٍ عانت الدولة كي تسيطر عليه، وهو موضوعٌ حسَّاس بالنسبة لحزبٍ في حالة قلقٍ دائمة من الحركات الساعية للاستقلال في هونغ كونغ، وتايوان، وإقليم التبت. وكان تشين، أكثر من أي قائد آخر من كبار قادة الصين الموجودين في السلطة الآن، في واجهة جهود الصين لإخضاع هذه المناطق المضطربة.
قال جيمس ليبولد، وهو محاضر أقدم في جامعة لا تروب بمدينة ميلبورن الأسترالية: "ما نحن بصدده الآن هو صدامٌ للقيم. فالسياسات التي أُقِرَّت تحت رعايته في شينجيانغ هي فقط طليعة صورة قسرية أكثر صرامة من الحكم الصيني، بدأ الغرب لتوه إدراك أنَّها قد تكون ذات تبعاتٍ كُبرى على موقع الصين في العالم، وكذلك على علاقة الصين بالغرب الليبرالي".
رجلٌ عصامي
ويُعَد تشين داخل الحزب الشيوعي الصيني رجلاً عصامياً. فبخلاف شي، الذي كان والده ثورياً بارزاً تحت حكم ماو تسي تونغ ودينغ شياو بينغ، لم تكن لدى تشين أية صلاتٍ عائلية تُساعده على الصعود في مراتب السلطة. وكُتِب عنه القليل نسبياً بالمقارنة بغيره من كبار قادة الصين، فلا يظهر إلا قصاصات من المعلومات عنه على مواقع الحزب الإلكترونية في أقاليم خبي، والتبت، وشينجيانغ.
نشأ تشين في مقاطعة خنان الداخلية قُرب وقت إطلاق حملة "القفزة الكُبرى للأمام" بقيادة ماو تسي تونغ، تلك التي شهدت موت شخص واحد تقريباً من بين كل ثمانية بالغين في مقاطعته من الجوع، أو الضرب الوحشي، أو الانتحار. انضمَّ تشين للجيش بعد بلوغه سن 18 عاماً، وأصبح في النهاية عضواً بالحزب الشيوعي والتحق بالجامعة، بحسب الوكالة الأميركية.
ومع أنَّ تشين تخرَّج في الجامعة عندما كانت الصين تنفتح على العالم، فإنَّ وظيفته الأولى بعد الجامعة تضمَّنت انضمامه لبلدية ريفية في خنان، ما آذن ببدء مسيرةٍ استمرت 40 عاماً من الصعود من كونع عضواً مغموراً في الحزب ("أباراتشيك" كما يوصَف بالروسية) حتى أصبح عضواً بالمكتب السياسي. وأثناء ترقِّيه في مراتب الحزب، عمل تشين في مرحلةٍ ما تحت إمرة لي كه تشيانغ، رئيس الوزراء الصيني الحالي.
"من الظلمات إلى النور"
حانت فُرصة تشين الكبرى عام 2011، عندما عُيِّن في منصب كبير مسؤولي الحزب في إقليم التبت، وهو واحد من أقاليم بعينها في الصين يتطلَّب سفر الدبلوماسيين والصحفيين الأجانب إليها تصريحاً خاصاً. كان ذلك تعييناً مرموقاً؛ إذ قاد الرئيس السابق هُو جين تاو الإقليم قبل نحو عشرة أعوام من توليه رئاسة البلاد.
في ذلك الوقت، كان إقليم التبت لا يزال يعاني إثر اندلاع أحداث عنفٍ ضد حكم بكين. ألقى تشين خطاباتٍ يحتفي فيها بـ"التحرير السلمي" للتبت من جانب الحزب الشيوعي، قائلاً إنَّ قيادة الحزب أخرجت الإقليم "من الظلمات إلى النور".
فرض تشين عندئد مجموعةٍ من السياسات ستُثبِّته في موضع رجل بكين الأول لقمع الاضطرابات العِرقية. فأبلغ تشين كوادر الحزب أنَّ الاستقرار الاجتماعي هو "مسؤوليتهم الأولى"، وأصدر لهم تعليماتٍ بالعيش في القرى التبتية، وعيَّن مسؤولي الحزب بالمعابد التبتية. قال تشين إنَّ البوذية في التبت يجب تكييفها مع "الحضارة الاشتراكية". وأُمِرَت المعابد بتعليق الأعلام الصينية وصور قادة الحزب الشيوعي.
بحلول عام 2015، كان تشين قد وضع نحو 100 ألف موظف في القرى التبتية وتأسَّست أكثر من 1700 مؤسسة تابعة للحزب بالمعابد التبتية، وفقاً لإعلام الدولة. ووفقاً لبحثٍ أجراه ليبولد والباحث أدريان زينز، أعلنت حكومة إقليم التبت بين عامي 2011 و2016 عن 12313 وظيفة شاغرة ذات طابع شُرَطي، وهذا أكثر بأربعة أضعاف من إجمالي الوظائف التي أُعلِن عنها في السنوات الخمس التي سبقتها مجتمعة.
ووصف مينغ جيان تشو، رئيس الجهاز الأمني الصيني أثناء الفترة التي قضاها تشين حاكماً للتبت، النظام الذي أرساه تشين بأنَّه "مثالٌ يُحتذى في البلاد كلها" في "حفظ الاستقرار".
أولى تشين كذلك اهتماماً وثيقاً لتحولات السلطة في بكين. وفي فبراير/شباط عام 2016، أشاد علانيةً بالرئيس شي جين بينغ بصفته القائد "الحقيقي" للصين قبل أشهر من إعلان توليه المنصب رسمياً، ووصفه بأنَّه "قائدٌ حكيم" يملك "خطةً مدهشة" لأجل الصين. وفي ذلك العام، ارتدى أعضاء الوفد الذي أرسله تشين لحضور الجلسات التشريعية الوطنية في الصين دبابيس على صدورهم عليها صورة شي، وهو نوعٌ من التملُّق كان شائعاً خلال فترة حُكم ماو تسي تونغ التي اتسمت بغلبة الطابع الشخصي.
شي يواجه مشكلةً في شينجيانغ
وفيما ضيَّق تشين الخناق على المعارضة في التبت، كان الرئيس شي يواجه مشكلةً في شينجيانغ، وهو إقليمٌ يضم نحو 10 ملايين من الإيغور الذين يتحدثون اللغة التركية (شِقٌ منها) عانت بكين طويلاً في محاولتها لفرض حكمها عليه. ثارت ثائرة سكان الإقليم تحت حكم الصين، وظهر ذلك في ارتفاع عدد الهجمات الإرهابية والعنف الإثني الذي بدأ عام 2009.
يقع شينجيانغ كذلك في قلب مبادرة البنية التحتية الشهيرة للرئيس شي جين بينغ المعروفة باسم "الحزام والطريق"، التي تعد بإنفاق أكثر من 100 مليار دولار لإعادة تشييد طرق التجارة القديمة الممتدة من الصين إلى أوراسيا. كان شي بحاجةٍ لأن يكون الإقليم تحت سيطرةٍ صارمة، وفي أغسطس/آب عام 2016، أسند إلى تشين حُكم الإقليم ليُطبِّق سياسة "اضرب أولاً" ضدّ الإرهاب والاضطرابات المحلية.
اتَّجه تشين فوراً لنسخ النظام الذي حقق له النجاح في التبت. فأرسل مسؤولين من الحزب الشيوعي إلى قرى الأويغور، وأسَّس شبكةً من نقاط التفتيش والكاميرات ذات تقنية التعرُّف على الوجوه، وأغلق المساجد في محاولةٍ منه لـ"تصيين" الإسلام في الإقليم (إضفاء الطابع الصيني على الإسلام). ووفقاً لملف شخصي عنه باللغة الصينية، درَّب تشين قوات الأمن في شينجيانغ مستخدماً تقنية أتقنها في التبت: حساب وقت استجابة الشرطة لمكالمات الطوارئ بالثانية.
أمَّا الجانب الأكثر إثارة للجدل، فكان إنشاء معسكرات "إعادة التأهيل" الجماعية التي أثارت احتجاج الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك انتقادات لاذعة من جانب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. ولم ترد إدارة الدعاية في شينجيانغ على الفور على فاكس مُرسَل من الوكالة تسأل فيه عن المعسكرات.
ووفقاً لتقارير إعلامية محلية، فإنَّ تشين هو الشخص الوحيد الذي شغل منصب مفوَّض الحزب في كلٍ من شينجيانغ والتبت. ويقول جيمس ميلوورد، وهو أستاذ بكلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون، إنَّ استراتيجيته المزدوجة من إجراءاتٍ أمنية مشددة من جهة وإعادة التأهيل من جهةٍ أخرى صُمِّمت كي "تنزَع عن الناس إثنيتهم وتحبسهم".
وقال ميلوورد إنَّ تشين "أتى" في شينجيانغ "وكان ذا منصبٍ بارز في الحزب، ومُنِح تفويضٌ وتمويلٌ ضخ لفعل ما يريد. من الواضح أنَّه يحظى بدعم شي لدرجة لافتة للنظر".