منذ أيام غرد الرئيس الأميركي دونالد ترمب على حسابه بتويتر، مطالباً منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بتخفيض الأسعار فوراً، في نفس الوقت ذكر الرئيس الأميركي دول الشرق الأوسط بحماية واشنطن لهم.
أسعار النفط تراجعت بشكل طفيف بعد هذه التغريدة، في الوقت الذي يترقب فيه البعض انعكاسات ما قاله ترمب على سوق النفط، لكن صحيفة The Telegraph البريطانية ترى أن هذه التغريدة هي والعدم سواء وأن السوق سوف يتغير بالفعل بسبب عوامل أخرى.
أندرو كريتشلو الخبير بأسواق الطاقة، أشار في تقرير بالصحيفة البريطانية إلى أن ترمب بلا أنياب حين يتعلَّق الأمر بأسواق النفط. رغم الصخب الذي أحدثه مراراً على تويتر بشأن تلاعب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في السوق، بسبب 5 أحداث رئيسية ستغير مسار توجه الأسعار، التي تبلغ حالياً نحو 80 دولاراً (61 جنيهاً إسترلينياً) للبرميل، خلال العام المقبل.
لقاء الجزائر
أول هذه الأحداث بحسب الصحيفة البريطانية، هو أعضاء أوبك، وحلفاؤهم، بقيادة روسيا في الجزائر نهاية هذا الأسبوع لعقد اجتماع. وافقت المجموعة في يونيو/حزيران على رفع إنتاجها الجماعي بمقدار مليون برميل يومياً، لكنَّها لم تحدد بعد كيفية توزيع هذه البراميل الإضافية. ستوفر السعودية وروسيا معظم هذا الخام الإضافي، في ظل محدودية القدرة الإنتاجية الفائضة في الدول الأخرى.
وقبل أيام فقط من وصول وزراء النفط إلى الجزائر العاصمة، قال ترمب: "إنَّنا نحمي دول الشرق الأوسط التي لن تكون بمأمن لفترة طويلة بدوننا، ومع ذلك تستمر في الضغط من أجل رفع أسعار النفط أكثر فأكثر! سنتذكر هذا. يجب أن تخفض منظمة أوبك المحتكرة للسوق أسعار النفط الآن!".
ومع ذلك، كان الاجتماع الجزائري يُخيِّم عليه بالفعل قدراً معيناً من التوتر السياسي قبل تدخُّل ترمب، إذ ألغى وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه رحلته إلى شمال إفريقيا، وهدَّد في مقابلة باستخدام حق "الفيتو" ضد محاولات أعضاء آخرين في أوبك الاستيلاء على حصة إيران في السوق بمجرد أن تخنق العقوبات الأميركية وصول إمداداتها من النفط الخام إلى الأسواق الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني.
وتخشى إيران أن تتآمر السعودية، التي تعد أكبر منافس إقليمي لها، مع حلفائها العرب في المنظمة لتشكيل ائتلاف جديد مع موسكو يهدف إلى تهميش طهران بشكل دائم. وقال زنغنه لـ S&P Platts، وهي منصة رئيسية لمعلومات الطاقة: "إنَّهم يضحون بأوبك ويدمرونها ببطء دون الجهر بهذا بوضوح. يريدون جمع بعض الأسماء معاً لإنشاء منتدى يحل محل منظمة أوبك والتحكم على السوق".
الفرض الكامل للعقوبات الأميركية على إيران
وبحسب الصحيفة البريطانية تعد إعادة الفرض الكامل للعقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران المقرر تطبيقها 4 نوفمبر/تشرين الثاني. حدث كبير قد يغير سوق النفط أيضاً، وتتوقع S&P Global Platts Analytics أن ينخفض الإنتاج اليومي الإيراني بمقدار 1.4 مليون برميل نتيجةً لقرار ترمب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي، وفرض عقوبات صارمة على طهران. والكيفية التي سيجري بها تعويض هذا الناتج الإيراني من النفط تعتمد بشكل كبير على روسيا والمملكة العربية السعودية.
وحثَّ فريق أبحاث النفط والغاز التابع لبنك HSBC هذا الشهر على توخي الحذر، بعدما حذَّر البنك من أنَّ ارتفاع الأسعار إلى 100 دولار للبرميل يُشكِّل خطراً على السوق: "أوضحت الإدارة الأميركية أنَّ هدفها المقصود هو خفض الصادرات إلى الصفر، ومعاقبة أولئك الذين لا يخفضون وارداتهم من إيران. نتوقع أن يمتثل حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيون تماماً، إلا أنَّنا غير واثقين تماماً من ردة فعل دول مثل الصين والهند وتركيا وغيرها".
نتائج التجديد النصفي للكونغرس
أيضاً ثمة أمر هام وهو نتائج الانتخابات النصفية الأميركية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني التي ستعلن بعد أيام قليلة من بدء سريان العقوبات الإيرانية، إذ سيتعين على أسواق النفط أن تستوعب هذه النتائج فقد أدت أسعار البنزين المرتفعة إلى إحباط آمال العديد من الرؤساء الأميركيين في السابق، ومن غير المحتمل أن يكون ترمب استثناءً للقاعدة بالنظر إلى جميع التحديات الأخرى التي تواجهها إدارته. وإذا نجح الديمقراطيون في السيطرة على مجلس النواب، أو مجلس الشيوخ، فقد يشل ذلك ترمب تماماً طوال السنتين المتبقيتين له في السلطة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وعلى الرغم من أنَّه ليس متوقعاً أن تؤدي النتيجة إلى التأثير في أداء صناعة النفط والغاز الأميركية التي حققت العديد من الأرقام القياسية مؤخراً، فإنَّها في الحالتين ستجعل من الصعب على ترمب التدخل في الشرق الأوسط، وتمنعه من تصعيد حربه التجارية مع الصين أكثر. إذ لا يؤدي فرض أكبر مستهلكين للنفط في العالم رسوماً متبادلة على التجارة إلى دعم الطلب العالمي على النفط، الذي من المتوقع أن يبلغ 100 مليون برميل يومياً في المتوسط هذا العام.
أزمة المنطقة المحايدة
رابعاً، هناك ما يُسمَّى بأزمة "المنطقة المحايدة". إذ توقف الإنتاج في منطقة حقول النفط بين السعودية والكويت منذ عام 2014، لكن ربما تكون بيدها الآن القدرة على مد الأسواق بمخزون كافٍ من النفط بمجرد أن تحظر العقوبات المفروضة الشُحنات الإيرانية. وتحتوي المنطقة على حقلين عملاقين قادرين على إنتاج نحو 500 ألف برميل يومياً. ويمكن أن تستأنف الدولتان الخليجيتان إنتاجهما في ديسمبر/كانون الأول، وذلك بعدما تمكَّنتا من تسوية خلافاتهما السياسية في المنطقة في وقتٍ سابق من هذا العام. وإن كان سوق النفط يرغب في استيعاب صدمات نقص المعروض من النفط، التي ربما تنتج عن تعثر الإنتاج في الدول المنتجة المضطربة مثل ليبيا وفنزويلا، فإنَّ الكثير من هذا الخام قد يأتي من المنطقة الحدودية التي أُنشئت عند إعادة رسم الخرائط في عام 1922، بحسب الصحيفة البريطانية.
لوائح جديدة ستؤثر على الأوضاع بالتأكيد
وبحسب الصحيفة البريطانية فأخيراً، هناك العامل المتمثل في إدخال لوائح جديدة صارمة على الوقود المستخدم في الشحن، والمعروفة باسم "لوائح المنظمة البحرية الدولية لعام 2020". يمكن أن توفر للوائح الجديدة التي فرضتها المنظمة الواقع مقرها في لندن، والتي تهدف لخفض مستوى الكبريت في الوقود البحري إلى 0.5%، نحو تريليون دولار أميركي على الاقتصاد العالمي على مدار السنوات الخمس المقبلة، فقد مثَّل تزويد السفن بالوقود البحري نحو 6% من الطلب على النفط في العام الماضي، وهذا أمر جدير بالملاحظة.
ووفقاً لـPlatts Analytics، فإنَّ شرط توفير وقود أنظف لأساطيل الشحن في العالم يمكن أن يضيف متوسط 7 دولارات للبرميل إلى تقديرات خط الأساس لسعر خام برنت بنهاية العقد المقبل. وتكافح شركات الشحن من أجل الاستعداد في الوقت المناسب، فيما بدأ تأثير هذا التغيير التنظيمي بالفعل في التبلور في زوايا معينة من سلسلة إمدادات النفط.
تمثل جميع هذه العوامل تحديات أساسية يتعين على أسواق النفط استيعابها، على عكس تغريدات ترمب.