اعتبرت صحيفة The Washington Post الأميركية، الأحد 10 يونيو/حزيران 2018، أن الصورة التي نشرت لاجتماع الدول السبع الكبار في كندا من حساب المستشارة الألمانية على إنستغرام، اختزلت القمة بكاملها رغم أن الوضع لم يكن كما أظهرته الصورة.
وقالت الصحيفة الأميركية، كان هناك المئات، إن لم يكن الآلاف، من الصور التي التُقِطَت في قمة السبع الكبار التي عُقِدَت بمقاطعة كيبك الكندية نهاية هذا الأسبوع، وهو اجتماعٌ استمر يومين ليناقض قادة الدول الأعضاء كل شيءٍ، بدايةً من التغيُّرات المناخية إلى سياسة التجارة الدولية.
وأضافت لكنَّ صورةً واحدة على وجه الخصوص هي التي برزت بعد نشرها يوم السبت 9 يونيو/حزيران، وورودها في جميع أنحاء الإنترنت لتكوينها السريالي.
ماذا تحوي الصورة؟
في الصورة، تقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلف طاولةٍ ضيقةٍ وطويلة، ضاغطةً بكلتا يديها بقوة على سطح الطاولة الذي يضم بعض الوثائق المبعثرة في جميع الزوايا، وهي تُحدِّق مباشرةً بالرئيس ترمب -الذي يجلس بدوره على الجهة المقابلة- راسمةً على وجهها تعبيراً محايداً قدر الإمكان.
هل هو غاضب؟ ضجر؟ مستمتع؟ من النادر أن تجتمع هذه المشاعر الثلاثة في آنٍ واحد، لكن من الصعب تحديد ما كان يشعر به حينها فعلاً. تُحدِّق عينا ترمب بانشداهٍ إلى الأمام، وتركزان في اتجاه ميركل دون تثبيت نظراتهما عليها تحديداً. بينما هو عاقد ذراعيه أمام صدره، كاشفاً تحتهما فقط طول ربطة عنقه وانفلاتها.
يحاوط ميركل وترمب عددٌ كبير من القادة الآخرين، ويعلو وجه كلٍ منهم نظرة غير مفهومة. من جانب وجهه المبهم جزئياً، يمكن للمرء أن يتعرَّف فقط على جبهة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتغضنة، أما رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، فوجهه مرئي تماماً في الكادر، لكنَّ أفكاره لا تزال غامضةً تماماً كالآخرين، إذ ظهر عاقداً ذراعيه أيضاً على صدره مُوجِّهاً نظراته إلى مكانٍ ما فوق رأس ميركل، كما تقول الصحيفة الأميركية.
إلى يمين آبي يقف مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الوحيد في الصورة الذي بدا كما لو أنَّه كان في خضم حديثٍ ما. لكن حتى لو كان يتحدث إليهم فعلاً، يبدو أنَّ لا أحد ينصت إلى ما يقوله.
ظهرت الصورة لأول مرة على حساب ميركل الرسمي على إنستغرام ظهيرة يوم السبت.
وجاء في النص المرفق بالصورة: "اليوم الثاني من قمة السبع الكبار في كندا: اجتماع عفوي بين جلستيّ عمل".
صورة البيت الأبيض مختلفة تماماً
وكانت الصورة مختلفة تمام الاختلاف عن الصور الرسمية التي نشرها البيت الأبيض عن زيارة ترمب لقمة السبع الكبار، التي كانت في الغالب صوراً مُتكلِّفة، أو تلك التي سلَّطَت الضوء على ترمب بطلته القيادية. دفع هذا التفاوت بعض الناس إلى التساؤل: هل كانت ميركل -أو أي شخص في فريقها- تسخر من الرئيس الأميركي؟، بحسب الصحيفة الأميركية.
ففي نهاية الأمر هدد ترامب أثناء مؤتمر القمة بتوقيع عقوباتٍ صارمة إذا لم توافق الدول الأخرى على تخفيض الرسوم الجمركية على السلع الأميركية كثيراً، أو وقفها تماماً.
وقال ترامب للصحفيين عندما سُئِلَ عمَّا قد يحدث إذا لم توافق تلك الدول على شروطه: "حسناً، إذا أبدوا أي ردة فعل، فإنَّهم يرتكبون بذلك خطأً فادحاً. صرنا أشبه بالحصالة التي يسرق الجميع منها، وسنضع حدَّاً لهذا".
وبحسب الصحيفة الأميركية، في اليوم السابق، طالب ترامب بإعادة روسيا إلى المجموعة، على الرغم من ضمها لمنطقة القرم في أوكرانيا قبل أربع سنوات، الموقف الذي أثار استياء بقية القادة في الاجتماع. وكما ذكر داميان باليتا، وآن غيران، وجون واجنر، من صحيفة Washington Post الأميركية يوم الجمعة 8 يونيو/حزيران، فإنَّ طلب ترامب دَفَعَ بقمة السبع الكبار إلى بدايةٍ غير واعدة.
وحدة الصف التجاري أم الرد على تغريدات ترمب؟
يهدف هذا التجمُّع السنوي عادةً إلى التعبير عن وحدة الصف، لكنَّ ترمب أثار لهجةً مُتحفِّزةً في ظل وجودٍ عداءات عامة مربكة على خلفية الخلافات التجارية. كان معظم الزعماء الأجانب في القمة يأملون إلى استغلال الاجتماع لمواجهة ترمب بشأن التعريفات الجديدة التي يفرضها على الواردات، لكنَّهم وجدوا أنفسهم بدلاً من ذلك يردون على تعليقات ترمب بخصوص روسيا وتغريداته المتحذلقة على تويتر، بحسب الصحيفة الأميركية.
وحتى قبل تصريحات روسيا، كان ترمب قد قلب بالفعل قمة السبع الكبار هذه السنة رأساً على عقب فقط بإثارة احتمالية رفضه التوقيع على بيانٍ مشترك مع قادةٍ آخرين يؤكد الالتزام بالمبادئ والقيم مشتركة. وبعدما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنَّ الدول الست الأخرى ستكون مستعدةً للتحرُّك دون الولايات المتحدة، انتقده ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، مُهدِّداً بفرض عقوبات تجارية جديدة والانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.
صورة بألف كلمة
ولاحظت الصحفية المستقلة إيلينا كريسكي أنَّ "الفريق المسؤول عن إدارة الحسابات الإلكترونية التابعة لميركل أدَّى تحرُّكاً قوياً بنشر هذه الصورة الساخرة على حسابها على إنستغرام".
استخدم روَّاد الشبكات الاجتماعية الصورة فعلاً في إطلاق عددٍ هائل من النكات، فبالنسبة للكثيرين، كانت الصورة أبلغ من "ألف كلمة"، ونافذة ومُعبِّرة.
قال مات فولر، مراسل الكونغرس للنسخة الأميركية من موقع HuffPost على تويتر: "الصورة أشبه بأعمال روكويل نورمان".
لم يكن فولر الوحيد الذي استطاع رؤية صدى أعمال أحد رسامي أوائل القرن العشرين البارزين الأميركيين في تجمع كل هذه الوجوه التي يعلوها تعبيرات غامضة، داخل غرفة تضم أكثر قادة العالم نفوذاً.
إذ غرَّد مستخدم يُدعى كيفن قائلاً: "تغير الكثير في أميركا، وبقى الكثير على حاله أيضاً".
So much has changed in America, and yet so much hasn't pic.twitter.com/x2mthUr4Kc
— Kelvin (@mrchan) June 9, 2018
لغة جسد ترمب تكشفه
وكما تشير لغة ترمب الجسدية في الصورة، فإنَّه قد لا يكون سعيداً لكونه هناك من الأساس، ومثلما ذكر داميان باليتا وآن غيران في مقالة نشرت بصحيفة Washingtion Post يوم السبت:
"لم يتراجع أو يُخفِّف من حدَّةِ انتقاداته، وبالرغم من إشارته إلى "أنجيلا" و"جاستن" باسميهما الأول، لم يحاول ترمب فعل الكثير لإخفاء عدم ثقته في نموذج الإجماع الدولي للشؤون العالمية الذي تمثله القمة.
كان ترمب يتذمر لمساعديه قبيل الاجتماع لأنَّه لا يريد الجلوس والاستماع إلى محاضرات الزعماء الآخرين، وكان يفكر في إرسال نائبه بنس لينوب عنه.
وصل إلى الاجتماع متأخراً وغادر مبكراً، وعقد مؤتمراً صحفياً منفرداً صباح يوم السبت أطلق فيه إنذاره التجاري الأخير وقال إنَّ حجم الاقتصاد الأميركي يشير إلى أنَّ الدول الأخرى لا تستطيع الفوز في حرب تجارية"، بحسب الصحيفة الأميركية.
وأعلن ترمب ملاحظته الأخيرة بعد ساعات من مغادرته الاجتماع، إذ غرَّد قائلاً إنَّه أمر ممثل الولايات المتحدة بعدم التوقيع على البيان المشترك الذي أكد قواعد التجارة بعدما أثارت تصريحات أدلى بها ترودو في مؤتمرٍ صحفي حفيظته.