ضربة جديدة لم تكن تتوقعها تعرضت لها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بسبب اغتصاب وقتل مراهقة ألمانية علي يد كردي عراقي، فعل فعلته ثم عاد بهدوء إلى بلاده قبل أن يتم القبض عليه.
هذه الواقعة فتحت نيران الانتقادات على سياسة الباب المفتوح والهجرة التي تنتهجها ميركل، وليس هذا فقط وإنما قضية فساد أخرى متعلقة بالموافقة على طلبات اللجوء بمقابل مادي، مما دفع البعض بمطالبة المستشارة الألمانية بتقديم استقالتها بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
ووقعت قبل أيام جريمة قتل مروعة؛ إذ تعرَّضت فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً للاغتصاب والخنق، ودُفِنَت جثتها تحت الأجمة في منطقة منعزلة قرب خطوط السكك الحديدية بالقرب من مسقط رأس الفتاة غربي ألمانيا.
وبحسب الصحيفة الأميركية الجمعة 8 يونيو/حزيران، هيمنت القضية على وسائل الإعلام الألمانية وأصبحت أحدث مكسب يتلقفه خصوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتنبأ البعض أنَّها ربما تكون نقطة تحول في النقاش الدائر حول الهجرة في بلدٍ لا يزال يدخله 10 آلاف طالب لجوء كل شهر.
لا شك أنَّ جريمة القتل منحت ذخيرة لأولئك الذين يرغبون في اتخاذ نهج أكثر صرامة، بقيادة اليمين المتطرف، الذين يشنون حملة تحدٍ واسعة ضد ما يزعمون أنَّه تعامل الحكومة الفاشل مع قضايا اللجوء، كما تقول الصحيفة الأميركية.
فضيحة فساد أيضاً
وتأتي جريمة القتل بالتوازي مع فضيحةٍ متعمِّقة ودعوات لتحقيقٍ برلماني شامل في مزاعم حول احتمال أن يكون موظفو الخدمة المدنية قد منحوا اللجوء لنحو ألف شخص مقابل المال، واحتمال أن يكون بعض هؤلاء المهاجرين مجرمين أو حتى إرهابيين مشتبهين، بحسب الصحيفة الأميركية.
وكان المشتبه به بجريمة القتل، والذي حُدِّدت هويته بأنَّه علي بشار، وهو عراقي يبلغ من العمر 20 عاماً، قد وصل إلى ألمانيا في أكتوبر/تشرين الأول 2015، بعد فترة وجيزة من فتح ميركل الحدود أمام مئات الآلاف من المهاجرين. وقد رُفِض طلبه لجوئه في أواخر 2016، لكن سُمِح له بالبقاء في البلاد حتى النظر في استئنافه.
وأوردت أكبر الصحف الألمانية، Bild، التي خصَّصت صفتحتين للقضية، عنواناً كتبت فيه: "لو كان رُحِّل لظلَّت حية".
القاتل سوابق!
ودخل بشار دائرة اهتمام الشرطة عدة مرات، بما في ذلك بسبب مزاعم الاحتكاك بضابط شرطة، وسرقة أحد المارة، وحمل سكين.
والسبت الماضي، 2 يونيو/حزيران، تمكَّن هو وسبعة أفراد آخرين من أسرته من الفرار من ألمانيا مستقلين طائرةً في دوسلدورف بوثائق أصدرتها القنصلية العراقية لكن تحمل أسماء مزيفة، وذلك بعدما دفعوا نقداً لرحلة في اتجاه واحد إلى إسطنبول ثم إلى العراق، حيث اعتُقِل.
القضية ليست مرتبطة بفضيحة مكتب الهجرة الألماني، لكن تزامنهما معاً عزَّز المخاوف من أنَّ حكومة ميركل لا تسيطر على قضية الهجرة، بحسب الصحيفة الأميركية.
ظلَّت فضيحة مكتب الهجرة تتراكم لأسابيع منذ بدأ المدعون العامون تحقيقاً جنائياً حول مزاعم فساد بمكتبٍ إقليمي في مدينة بريمن شمالي ألمانيا. وتوسَّع التحقيق مؤخراً ليضم 10 مكاتب أخرى على الأقل لديها معدلات منح لجوء تزيد عن المتوسط.
ويدعو منتقدو ميركل، بقيادة حزب البديل من أجل ألمانيا ذي التوجهات اليمنية والذي أصبح الآن أكبر حزب معارض، لإجراء تحقيقٍ برلماني في سياستها تجاه الهجرة. ويحوز المقترح جاذبية لدى أحزاب أخرى أيضاً، وقد يهدد تحالف ميركل غير المستقر مع الديمقراطيين الاشتراكيين، بحسب The New York Times.
اتهامات لميركل بالمسؤولية عن الواقعة
ومساء الخميس الماضي، بعد خروج تقارير عن جريمة القتل، اتهمت أليس فايدل، نائبة رئيس حزب البديل من أجل ألمانيا، ميركل بتشارك المسؤولية في موت الفتاة، التي حددت السلطات هويتها بأنَّها سوزانا فيلدمان، ودعت حكومتها بالكامل إلى التنحي.
وقالت أليس في فيديو نُشِر على تويتر: "أفسحوا المجال أمام سياسة لجوء تتمحور حول القانون والنظام حتى لا يتعين على الآباء والأمهات في بلدنا الخوف على أطفالهم بعد الآن".
وغرَّدت لاحقاً: "ماذا تقولين لوالدي سوزانا المقتولة، سيدة ميركل؟".
لكن كان هناك الكثير من الغضب بين ساسة الوسط أيضاً. إذ تساءل كريستيان ليندنر، زعيم الحزب الديمقراطي الحر، والذي عبَّر هو الآخر عن دعمه لإجراء تحقيقٍ برلماني: "لماذا كان بمقدور الجاني مغادرة البلاد على ما يبدو باستخدام اسمٍ زائف؟".
أما كارل لوترباش، السياسي في الحزب الديمقراطي الاشتراكي المنتمي لتيار يسار الوسط في ألمانيا، فصاغ الأمر على النحو الآتي: "كيف يمكن لمُشتَبه به الصعود على متن طائرة، برغم أنَّ هويته غير واضحة ولا يمكن التحقق منها قطعاً؟"، بحسب الصحيفة الأميركية.
هل فعلاً فقدت الدولة السيطرة؟
في حين قال راينر فيندت، رئيس أحد أكبر الاتحادات الشرطية الألمانية، إنَّ جريمة القتل هي انعكاس لشيء أكبر؛ "فالناس يشعرون أنَّ الدولة فقدت السيطرة، هناك الآلاف من الأشخاص في البلد ولا نعرف مَن هم. هذه مخاطرة أمنية هائلة".
وأضاف: "دولة ضعيفة لم تعد تملك الهيكل الذي يسمح بسرعة إصدار القرارات الصائبة"، مشيراً إلى أنَّ الشرطة والمحاكم ومسؤولي الهجرة لديهم إمكانيات ضئيلة جداً.
وفي عام 2017، تراجع معدل الجرائم الجنائية المُسجَلة في ألمانيا بنسبة 10% تقريباً، وهو الانخفاض الأكثر حدة منذ بدأت الشرطة للمرة الأولى نشر هذه الإحصائيات منذ 25 عاماً مضت. غير أنَّ الأرقام توضح أيضاً أنَّ الجرائم العنيفة، مثل القتل والاعتداء الجنسي، سجلت ارتفاعاً طفيفاً، وهو ما يعزوه البعض لقدوم المهاجرين إلى ألمانيا، بحسب الصحيفة الأميركية.
ومع ذلك، بدأ إجمالي معدل الجرائم العنيفة في التراجع خلال العَقْد الماضي في ألمانيا، والتي لا تزال واحدة من أكثر الدول أماناً في أوروبا.
وليست سوزانا المراهقة الألمانية الأولى التي تُقتَل على يد طالب لجوء في السنوات الأخيرة؛ ففي شهر مارس/آذار الماضي، حُكِمَ على رجل أفغاني بالسجن المؤبد لاغتصابه وقتله فتاة جامعية. وفي شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، طُعِنَت فتاة، في السابعة عشر من عمرها، حتى الموت على يد مراهق أفغاني آخر.
وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة Frankfurter Allgemeine Zeitung الألمانية: "يبدو أنَّ هذه الحوادث في تزايد".
وتأتي هذه الواقعة الأخيرة في الوقت الذي يشرع فيه وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر في تنفيذ خطة لحشد طالبي اللجوء في ما يُسمى بمراكز الإرساء إلى أن يُتخَذ قرار بشأن وضعهم. إذ يريد زيهوفر تسريع عمليات الترحيل.
رفضت طلباتهم ولكنهم مازالوا مقيمين!
ولا يزال يقيم في ألمانيا ما يزيد على نصف مليون شخص ممن رُفِضَت طلبات لجوئهم -على غرار بشار- من المقرر ترحيل نصفهم. غير أنَّ السلطات واجهت صعوبات في الالتزام بهذا، وذلك بصفة جزئية نتيجة نقص الموارد.
فعلى سبيل المثال، يقول مسؤولون إنَّ واحدة فقط من كل وكالتين مسؤولتين عن تقييم المهاجرين تستطيع الوصول إلى ماسحات بصمات الأصابع الضوئية، بحسب الصحيفة الأميركية.
وتتصاعد المشاكل في مكتب الهجرة منذ صيف 2015، حين فتحت ميركل الحدود الألمانية لأول مرة أمام أكثر من 1.4 مليون لاجئ.
وفي وقتٍ مبكر، أشارت صور مراكز طالبي اللجوء المكتظة والتقارير الصحفية القصصية حول اللاجئين الذين يتعلمون النشيد الوطني السوري والتفاخر بوثائق سورية زائفة، إلى نظام لجوءٍ تُقوِّضه أعداد اللاجئين الكبيرة.
وتبع ذلك بعض مظاهر الفشل الصادمة: هجمات شنها طالبو لجوء، أحدها لشاب معروف بالفعل لدى الشرطة والذي قتل 12 شخصاً في سوق عيد الميلاد في برلين عام 2016، واكتشاف ضابط ألماني متعاطف مع اليمين المتطرف عام 2017 نجح في تسجيل نفسه على أنَّه لاجئ سوري عام 2015.
ميركل في مواجهة الاسئلة الصعبة
وتعيّن على ميركل، التي استجوبها المشرِّعون يوم الأربعاء الماضي 6 يونيو/حزيران، مواجهة أسئلة عديدة حول الهجرة. ووصفت المستشارة الألمانية، التي تركت المطالبة باستقالتها دون رد، بهدوءٍ قرار ألمانيا في عام 2015 بفتح أبوابها للاجئين باعتباره "استجابة إنسانية"، كما تقول الصحيفة الأميركية.
ولا يتوقع سوى القليلين أنَّ يُسكِت هذا منتقديها.
كانت والدة سوزانا تبث غضبها يومياً عبر "فيسبوك" منذ أنَّ اختفت ابنتها في 22 مايو/أيار.
وتوجهت في كلماتها بتاريخ 1 يونيو/حزيران -عقب أسبوع من اختفاء ابنتها- مباشرةً إلى ميركل. إذ كتبت "أتوجه إليكِ بهذه الاستغاثة طلباً للمساعدة لأنَّني أشعر بأنَّ الدولة الألمانية وكذلك صديقتنا ومساعِدتنا (قوات الشرطة!!!) تخلتا عني".
كانت الرسالة الأخيرة التي تلقتها من هاتف ابنتها الجوال في 23 مايو/أيار مكتوبة بلغةٍ ألمانية رديئة، وتقول: "لا تبحثي عني. سأعود خلال أسبوعين أو ثلاثة".
في تلك اللحظة، كانت سوزانا ميتة بالفعل.