لماذا عاد مهاتير محمد إلى السياسة بعدما اعتزلها؟.. فوزه أنهى 60 عاماً من سيطرة “الجبهة الوطنية” على الحكم

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/09 الساعة 21:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/09 الساعة 21:49 بتوقيت غرينتش
مهاتير محمد

أعلن السياسي الماليزي المخضرم مهاتير محمد، الأربعاء 9 مايو/أيار 2018، أنه حقق فوزاً تاريخياً في الانتخابات التي أُجريت الأربعاء. كما يُتوقع أن يؤدي مهاتير اليمين الدستورية بعد يومين.

ويقول مهاتير، البالغ من العمر 92 عاما والذي حكم البلاد 22 عاماً حتى عام 2003، إن ممثلاً للملكية الدستورية الماليزية اتصل بالمعارضة للاعتراف بفوزها.

وخرج مهاتير من التقاعد  السياسي وانضم إلى المعارضة بعد أن أثار غضبه من فضيحة فساد كبيرة تورَّط فيها رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق، في حين اعتبرت المعارضة أنه هو القادر على توحيد المخالفين له للخلاص من فساد رئيس الوزراء الحالي.

وبحسب نتائج غير رسمية، حقق الائتلاف الذي يقوده السياسي الماليزي العجوز 123 مقعداً ويكفيه فقط 112 مقعداً فقط لتشكيل الحكومة.

وبهذا الفوز، أنهي تحالف مهاتير، الذي يحمل اسم "Pakatan Harapan" (أو تحالف الأمل)، سيطرة "الجبهة الوطنية" على السلطة 60 عاماً، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

في السياق ذاته، قرر زعيم ائتلاف الجبهة الوطنية ورئيس الحكومة الحالي، نجيب عبد الرزاق، تأجيل مؤتمر صحفي كان من المزمع أن يعقده الأربعاء 8 مايو/أيار 2018، إلى الغد، دون تفاصيل عن عدد المقاعد التي حصل عليها الائتلاف.

ويضم تحالف الجبهة الوطنية 14 حزباً سياسياً، وقد تربَّع على رأس السلطة على مدى أكثر من 6 عقود، أبرزها "أمنو" والجمعية الصينية الماليزية وحزب المؤتمر الهندي الماليزي، وتوافقت هذه الثلاثة على ما يُعرف بعقد اجتماعي لحكم الاتحاد الملاوي قبل الاستقلال عام 1957.

كان هذا السباق الانتخابي واحداً من أكثر السباقات التي شهدت منافسةً شديدة في تاريخ ماليزيا، بعدما عاد مهاتير من التقاعد لينافس تلميذه السابق نجيب، المتورط في فضيحة فساد كبرى.

وتعد هذه الانتخابات العامة هي الـ14 بماليزيا، غير أنَّ البلاد لم تشهد أي تغييرٍ في الحزب الحاكم منذ أن نالت استقلالها كاتحاد مالايا عام 1957. وقد كان كلٌ من والد نجيب وعمه رئيس وزراء، ودائماً ما كان حزبهما، حزب المنظمة الوطنية لماليزيا الموحدة، في سدة الحكم.

اللجوء إلى مهاتير للتخلص من "فساد نجيب"

وفي محاولةٍ مستميتة للإطاحة بنجيب، اتجهت المعارضة إلى مهاتير، الذي شغل منصب رئيس الوزراء 22 عاماً، ويُنسَب إليه الفضل في تحويل ماليزيا ذات الأغلبية المسلمة إلى دولة حديثة. غير أنَّ مهاتير أيضاً أسس منظومة السلطة المركزية، التي استفاد منها نجيب لسنوات.

وفي إحدى جولاته الانتخابية، اعتذر مهاتير عن تمكينه نجيب من أن يصبح رئيس وزراء عام 2009.

وقال للناخبين الأسبوع الماضي: "أكبر خطأ ارتكبته في حياتي هو اختياري لنجيب".

حاول مهاتير، الذي سيبلغ من العمر 93 عاماً في يوليو/حزيران 2018، لمَّ شمل المعارضة المتشرذمة، وجذب ناخبي عرق المالاي، الذي طالما دان بالولاء للحزب الحاكم، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.

جديرٌ بالذكر أنَّ نجيب متورطٌ منذ سنوات في فضيحة تتعلق باختفاء مليارات الدولارات من صندوق استثمار سيادي كان يتولى رئاسته، وهو صندوق 1MDB. 

وتوصلت وزارة العدل الأميركية إلى أنَّ ما يعادل 3 مليارات ونصف المليار دولار من صندوق الاستثمار السيادي لماليزيا مرَّ عبر عمليات غسل أموال من خلال مؤسسات مالية بالولايات المتحدة، وأُنفِقَت في شراء أغراض مثل عقارات باهظة، ومجوهرات، ولوحات فنية، وكذلك في إنتاج أفلام منها "The Wolf of Wall Street".      

وخلصت وزارة العدل أيضاً إلى أنَّ 731 مليون دولار من الصندوق السيادي أُودِعَت في حساباتٍ بنكية تنتمي إلى السيد نجيب. وأشار مسؤولون أميركيون إلى "الجشع الصادم" للأفراد المتورطين في عملية الاحتيال هذه.       

وتُجرِي وزارة العدل تحقيقاً جنائياً، وكانت قد رفعت دعاوى مدنية لاسترداد أصول بقيمة 1.7 مليار دولار جُنِيَت من غسل الأموال، وتشمل عقداً من الألماس بقيمة 27.3 مليون دولار، حصلت عليه روسمه منصور قرينة السيد نجيب، وكذلك لوحة للرسام بابلو بيكاسو بقيمة 3.2 مليون دولار أُهدِيَت إلى الممثل ليوناردو دي كابريو.       

وتُحقق دولٌ أخرى في تحويلاتٍ مالية ذات صلة بالأموال المفقودة من الصندوق.   

ومع ذلك، قال مسؤولون ماليزيون إنَّه لا توجد أدلة على أنَّ الأموال المأخوذة من الصندوق قد اختُلِسَت. 

حليف ترمب 

واستمر نجيب في منصبه من خلال وقف التحقيقات، وإقصاء منتقديه، والملاحقة القضائية لمعارضيه، بجانب الحفاظ على دعم قاعدته الجماهيرية من المسلمين المحافظين.  

وقدَّم الرئيس دونالد ترمب، الذي لعب الغولف فيما سبق مع نجيب ووصفه بأنه "رئيس الوزراء المفضل لديه"، معروفاً له بأن دعاه إلى البيت الأبيض في شهر سبتمبر/أيلول 2017. 

إذ سمحت هذه الرحلة لنجيب بأن يُظهِر للمصوتين في بلاده أنَّه بإمكانه الذهاب إلى الولايات المتحدة دون أن يُلقى القبض عليه. 

وفي أثناء وجوده بواشنطن، أقام نجيب وحاشيته في فندق ترمب الدولي Trump International Hotel.   

وأشار نجيب إلى زيارته واشنطن في بيانٍ صدر يوم الإثنين 7 مايو/أيار 2018، أكد فيه أنَّ حكومته تحظى باحترامٍ دولي؛ إذ قال: "الحقيقة أنَّ مكانة ماليزيا في العالم رفيعة جداً".   

مهاتير وحَّد صفوفه

ويعود الفضل لمهاتير أكثر من أي شخص آخر في تشكيل الحكومة القوية التي استغلها نجيب للبقاء بالسلطة، ولكن في ظل محاولاته إسقاط نجيب خلال هذه الحملة، وحّد مهاتير صفوفه مع قادة المعارضة الذين أرسلهم فيما مضى إلى السجن.   

ورأى الكثير من الحلفاء الجدد لمهاتير أنَّ التحالف معه أفضل وسيلة لإعادة زعيم المعارضة السابق أنور إبراهيم إلى المشهد. كان أنور قد خسر بفارق ضئيل أمام نجيب عام 2013، ومن المقرر أن يُطلَق سراحه الشهر القادم (يونيو/حزيران 2018)، عقب إدانته للمرة الثانية بارتكاب جريمةٍ جنسية، رفضها إبراهيم وقال إنها مسيسية.    

ورأى الكثيرون أنَّ الحكمين الصادرين ضد أنور -الأول كان تحت حكم مهاتير، والثاني تحت حكم نجيب- مدفوعان سياسياً. وسعى مهاتير، الذي ظل فترة طويلة ينتقد استخدام نجيب التعويضات الحكومية كأداةٍ سياسية، لتسليط الضوء على فضيحة صندوق الاستثمار السيادي.    

وفي خطابه الأخير، قال مهاتير: "بدلاً من المحاربة لأجل شعبه ودولته ودينه، يعتقد نجيب أنَّ الثقة يمكن شراؤها بالمال. لا يُعرَف عنا أنَّ لدينا ديمقراطية، وإنَّما كليبتوقراطية (حكم اللصوص)".  

كم من الوقت يمكن لرجل يبلغ من العمر 92 عاماً البقاء في الحكم؟

جزء من اتفاق مهاتير لقيادة المعارضة هو أنه بعد عامين سوف يتنازل عن السلطة لأنور إبراهيم. هذا الأخير هو حالياً في السجن.

كان أنور أيضاً في السابق ربيب مهاتير، لكن مهاتير كان قد سجنه في عام 1999 عندما بدا أنه كان قوياً أكثر من اللازم وكانت شعبيته تتزايد.

في الوقت الحاضر، نحَّى الرجلان خلافاتهما جانباً؛ إذ أعلن مهاتير قبل قليل، أنه سيصدر عفواً عن أنور، خاصة أنه من المتوقع أن يخرج خلال شهر، ثم يُفسح المجال له لتولي منصب رئيس الوزراء، بحسب صحيفة The Gurdıan.

تحميل المزيد