جدل أثاره مشروع القانون المقدَّم من الحكومة المصرية بشأن تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، والذي وافقت عليه لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب من حيث المبدأ، على أن يطرح في البرلمان للنقاش ومن ثمَّ التصويت عليه، فيما أبدى أطباء مصريون وأعضاء سابقون في مجلس نقابة الأطباء مخاوفهم من القانون الجديد، ويعتبرون بعض بنوده "تهديداً" لاستقلال القطاع الصحي في البلاد، ويتهمون الحكومة بالمضي قدماً في خصخصة قطاع الصحة في مصر؛ ما سيؤثر على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وكذلك على قدرة الفقراء على إيجاد خدمة صحية مناسبة لهم.
نص مشروع قانون المنشآت الصحية
لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب المصري مرَّرت خلال اجتماعها بحضور وزير الصحة المصري خالد عبدالغفار من حيث المبدأ على مشروع قانون مقدَّم من الحكومة في شأن تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، وأشارت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون إلى أنه في ضوء ما نص عليه الدستور في المادة (18) من تشجيع الدولة مشاركةَ القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون، وبناء على التوجيه الرئاسي بالعمل على تنفيذ ما نص عليه الدستور، وبما يؤدي إلى تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل، تمت دراسة الآلية القانونية الملائمة التي تضمن كفالة ذلك مع حفظ الحقوق العامة، بما يتفق مع أحكام الدستور.
وأوضحت أنه برزت الحاجة إلى استصدار قانون ينظم آلية منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية أو إدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة، بما يسمح للقطاعين الخاص والأهلي بتولي ما تقدم، لذلك تضمن القانون تفاصيل الحفاظ على المنشآت الصحية وجعلها صالحة للاستخدام طوال مدة الالتزام، والالتزام بتقديم الخدمات الصحية بأحكام القوانين والقرارات المطبقة على المنشآت الصحية، وكذا المنظمة لتقديم الخدمات المكملة التي تعمل بها.
كما نص مشروع القانون على أنه تسري على المنشآت الصحية محل الالتزام التشريعات ذات الصلة والشروط والمواصفات المطبقة على المنشآت الطبية الخاصة، فيما لم يرد بشأنه نص خاص بشروط الالتزام، وذلك حتى يتم إحكام الرقابة على جودة الخدمات الطبية المقدمة من جانب المنشأة الصحية خلال مدة الالتزام، وأوجب مشروع القانون على الوزارة المختصة بالصحة حال قيام الملتزم بإغلاق المنشأة الصحية محل الالتزام، وعند انتهاء مدة الالتزام اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، وعلى الأخص ضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية اللازمة لهم.
استثمار الأجانب في قطاع الصحة في مصر
ينص مشروع القانون على جواز منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين المصريين أو الأجانب، سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم اعتباريين، لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، أو لإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة، وذلك وفقاً لإحدى الطرق المبينة بقانون تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة رقم ۱۸۲ لسنة ۲۰۱٨ بحسب طبيعة كل مشروع، وبمراعاة عدد من الشروط والقواعد والإجراءات.
الموقف الرسمي الخاص بوزارة الصحة المصرية، كشفه مساعد وزير الصحة والسكان والمتحدث الرسمى باسم الوزارة، حسام عبد الغفار، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إذ قال إن وزارة الصحة تواصلت مع كل المعنيين بقانون تشغيل المنشآت الصحية في مصر، وحين سؤاله عن التواصل مع وزارة الصحة المصرية أو هيئة الحق في الدواء، قال حسام عبد الغفار: "تواصلنا مع كافة المعنيين بالقانون، وأنت تستطيع أن تفسر ذلك كما تريد"، وحين معاودة السؤال حول تواصلهم بشكل مباشر مع وزارة الصحة المصرية للاستماع لرأيهم في القرار، قال حسام عبدالغفار لـ"عربي بوست": "أنا قلت لك، تواصلنا مع كل المعنيين بالقرار، دون أن أكشف لك عنهم، وأنت افهم براحتك"!.
وبخصوص مخاوف نقابة الصحة من الاستعانة بالأجانب في القطاع الصحي في مصر، وهو ما سيؤثر على الأطباء في مصر، قال حسام عبد الغفار لـ"عربي بوست" إن الوزارة في مشروع القانون التزمت ببنود قانون العمل في مصر، متسائلاً: "أليس لدينا بنود واضحة في قانون العمل المصري تنظم آلية عمل الأجانب؟ إذاً فلماذا التخوف من هذا البند؟".
كان عبد الغفار قد قال إن مشروع قانون المنشآت الطبية الذى أعدته الوزارة ووافق عليه أخيراً مجلس الوزراء، جاء متناسباً مع الأمور المستحدثة داخل المنشآت الطبية، وتحتاج إلى تنظيم بقانون، ولفت عبد الغفار إلى أن القانون يشتمل على حزمة من الخدمات للمستثمرين والتي تعمل لصالح المواطن في المقام الأول، وهي أنه فى حالة إنشاء مستثمر لمنشأة صحية، فإنه بذلك يوفر عدد أسرّة إلى النظام الصحي المصري، وفي حالة إدارة المستثمر الأجنبي للمنشآت الصحية، سيوفر ذلك خدمات صحية عالية يتم تطبيقها في الخارج.
مخاوف الأطباء
بخصوص مشاكل مشروع قانون المنشآت الطبية، والتي أثارها بعض الأطباء، فإنهم يتخوفون مما قد يُشكله هذا القانون من مخاطر مستقبلية على القطاع، خاصةً مع ما يتضمنه من أحكام تُتيح للقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب إنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، بما في ذلك المرافق العامة، إلى جانب الاستعانة بكوادر طبية غير مصرية، وهو ما يوسع من مؤشرات هجرة الأطباء المصريين إلى الخارج.
وقد سجل عام 2022 أعلى حصيلة لاستقالات الأطباء والطبيبات خلال السنوات السبع الماضية، بإجمالي 4261 طبيباً، وبمعدل 12 طبيباً وطبيبة في اليوم الواحد، وفقاً لبيان صدر عن نقابة الأطباء، في يناير/كانون الثاني 2023، وأكد أن العدد يزيد سنوياً، إذ تضاعف 4 مرات من 1044 استقالة عام 2016 إلى 4127 استقالة عام 2021.
كما تنص المادة الثالثة من مشروع القانون على "تحديد نسبة الأطباء وأفراد هيئة التمريض والفنيين الأجانب العاملين بالمنشأة الصحية محل الالتزام بقرار من الوزير المختص بالاتفاق مع الوزير المختص بشؤون العمل، وبعد أخذ رأي الجهات المعنية، على أن يصدر لكل منهم ترخيص مؤقت لمزاولة المهنة داخل المنشأة فحسب، وفقاً للشروط والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير، وعلى النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية".
وهي المادة التي يعتبرها الأطباء الأخطر في القانون، حيث تفتح الباب أمام الأشخاص ذوي المهارات المنخفضة من الدول الأخرى للعمل بأجور زهيدة. كما يشكل هذا النص من القانون تهديداً مباشراً للعاملين في قطاع الرعاية الصحية.
نقابة الأطباء في اجتماعات مستمرة
الأمين العام لنقابة الأطباء المصرية، الدكتور محمد فريد حمدي، قال في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إن وزارة الصحة أرسلت للنقابة نسخة من مشروع القانون، وكذلك حضر وفد من النقابة العامة للأطباء جلسات مناقشة القانون في البرلمان المصري، وما زالت الجلسات سارية للنقاش حول القانون الذي يشتمل على تفاصيل كثيرة، ولم يتم البت بعد في مناقشة القانون بشكل كامل، مشيراً إلى أن جلسة أخرى سوف يعقدها البرلمان خلال أيام لاستكمال النقاش، وسوف يحضر ممثلون من النقابة كذلك هذه الجلسة.
كشف كذلك أن القانون يتضمن على بند يخص العمالة الأجنبية، والخطورة هنا هي أن القانون لم يحدد النسبة التي سيسمح بها مشروع القانون بخصوص العمالة الأجنبية، لكنه أشار إلى أن النقابة متمسكة ببنود قانون العمل، المنظم لعمل الأجانب داخل مصر، وطالبوا وزارة الصحة بتنفيذ كافة بنود قوانين العمل في كتابة مشروع القانون، وذلك من أجل الحفاظ على مستوى الخدمة الصحية، وكذلك معايير الجودة.
قال إن النقابة العامة للأطباء اجتمعت مع كافة النقباء والأمناء من أجل مناقشة المشروع، مشيراً إلى أن النقابة سوف تكمل اجتماعاتها كذلك في الفترة المقبلة للوصول إلى رأي نهائي بخصوص المشروع، وبخصوص الصورة الأولية لمشروع القانون ورأي النقابة فيه، قال إن الصورة الأولية من حيث المبدأ، تقول إن هناك بعض البنود الإيجابية في المشروع خاصة إذا تم التمسك بها وتنفيذها كما هي في المشروع حتى يتم تبديد المخاوف من المشروع بشكل كامل.
موقف النقابة العامة للأطباء
كانت النقابة العامة للأطباء قد سبق أن حددت 7 مطالب رئيسية لابدَّ من مراعاتها خلال مناقشات قانون المسؤولية الطبية بمجلس النواب، المنتظر إقراره قريباً، وهي:
1- إصدار قانون منضبط للمسؤولية الطبية، يضمن إجراء التحقيق مع الطبيب بمعرفة لجنة فنية والعقوبات تكون تعويضات للمريض في حالة ثبوت الخطأ.
2- يتضمن القانون عمل تأمين إجباري ضد أخطاء المهنة.
3- تلافي أي عوار دستوري في القانون وسرعة الانتهاء منه.
4- النقابة ترفض أي مشروع قانون مشوه قد يؤدي إلى واقع أسوأ من الوضع الحالي، خاصة أن فلسفة قانون المسؤولية الطبية هي العدالة الناجزة للمريض والطبيب.
5- وجود تعويض عادل وجابر للضرر حال ثبوت الخطأ البشري، وليس المضاعفات الطبية المثبتة بالدوريات العلمية.
6- التفرقة بين الخطأ الطبي وبذل الجهد والعناية بالمريض، والمضاعفات الطبية نتيجة التدخل الطبي وكذلك الإهمال الطبي.
7- تشكيل لجنة فنية محايدة للبت في المسائل الطبية، أمر حتمي ومعمول به في كل دول العالم، بما فيها دول الخليج وآخرها الإمارات.
أما بخصوص موقف البرلمان المصري، فقد قالت النائبة إيناس عبد الحليم، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، في تصريحات تليفزيونية، إن "مشروع قانون المنشآت الطبية المنتظر جاء في وقته ويهم جميع قطاعات الخدمات الصحية، ونحن في الدستور نقول إن علاج المصريين مجاناً، ووزارة الصحة مسؤولة عن المحافظة على المنشآت"، وأضافت إيناس عبد الحليم أن العقوبات التي ستتم على المخالفات التي ستحدث ستأخذ بعض الوقت في المناقشات، وبعض الأشياء في القانون ستصل لنتائج إيجابية، وعلينا سماع آراء الجميع قبل مناقشة القانون.
وأوضحت إيناس عبد الحليم أن "المشروع خطة جيدة، و"نحن في المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل؛ مما يمهد لأن تكون باقي المراكز جاهزة، ونحن في طريقنا لباقي المحافظات، كما أننا نريد مصلحة المواطن والطبيب، والمريض من حقه اختيار المكان الذي سيعالج فيه وذلك في التأمين الصحي الشامل".
تنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي
لكن جمعية الحق في الدواء لها رأي آخر، إذ يرى رئيس جمعية الحق في الدواء، محمود فؤاد، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن القانون الحالي هو امتداد لسياسة الحكومة المصرية المتمثلة في الانصياع لمطالب صندوق النقد الدولي، وذلك للحصول على القروض المطلوبة لتمويل الموازنة المصرية، وقال إن الحكومة اتخذت بعض الإجراءات في الفترة الماضية كشفت من خلالها طبيعة القانون المطروح حالياً أمام البرلمان.
قال إن الحكومة بدأت في زيادة رسوم الكشف في المستشفيات الحكومية، وكذلك استقطاع جزء كبير من ميزانية العلاج على نفقة الدولة، وكذلك عدم صرف أي أدوية مجانية من المستشفيات إلا دواء واحداً لكل الأمراض، وباقي الأدوية يقوم المريض بشرائها على حسابه الشخصي، كما قال إن الدولة قصرت العلاج على نفقة الدولة على شرائح قليلة في المجتمع، مثل أسر الشهداء والمصابين، وكذلك عائلات "تكافل وكرامة".
مشيراً إلى أن كل هذه الإجراءات كشفت أن الحكومة المصرية تغسل أيديها من تكلفة الصحة في مصر، وتترك المواطن المصري للمجهول، وقال إن بند فتح باب الاستثمار للأجانب، خطير ولا يوجد مثيل له في العالم، لأنه يفتح الباب أمام تحكم الأجانب في القطاع الصحي بالكامل مع مرور الوقت.
كما أوضح كذلك في تصريحاته لـ"عربي بوست" أن القانون يتضمن بيع وحدات الرعاية الصحية في المحافظات، وهو المرادف لما يعرف بـ"طب الأسرة"، مشيراً إلى أن ذلك سوف يؤثر بالسلب على خدمات الصحة المقدمة للمواطن الفقير في المراكز والقرى البعيدة، مشيراً إلى أنهم تناقشوا مع وزارة الصحة حول مشروع القانون، وقدموا لها كل التحفظات التي يرونها جديرة بالمناقشة مرة أخرى وتغييرها.
أوضح في تصريحاته أن هناك شركات سعودية تسعى الآن إلى الاستحواذ على مستشفيات متوسطة وصغيرة في مصر؛ لتقوم بالاستثمار فيها، وتقوم بجلب كوادر طبية وصحية من الخارج، وهو ما سيؤثر على قطاع الصحة في مصر.