كشف مصدر مطلع لـ"عربي بوست"، على صلة بالمفاوضات التي جرت بين مصر والاتحاد الأوروبي، أن القاهرة قدمت مجموعة من المكتسبات للاتحاد الأوروبي مقابل المنحة، منها حراسة سواحل البحر الأبيض المتوسط، ومنع الهجرة السرية إلى دول أوروبا.
وأضاف المصدر نفسه أن من بين ما ستقدمه القاهرة لدول الاتحاد الأوروبي، توصيل المساعدات برياً إلى غزة، مقابل تعهد دول الاتحاد بالمساهمة في مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس.
وأضاف المتحدث أن مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى مصر جاءت بعدما حققت القاهرة مكاسب أمنية واستراتيجية مهمة لدول الاتحاد الأوروبي، ونجحت إلى حد كبير في وأد خطر الإرهاب، كما أنها استضافت ملايين المهاجرين على أراضيها ولم تسمح لهم بالهجرة عبر سواحلها إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وأوضح المصدر أن القاهرة في بداية الأمر لم تلقَّ ردوداً إيجابية على مطالبها، ووعد الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات أمنية تساعدها على ضبط الحدود، وغلب على الاجتماعات الصفة الأمنية، في حين أن القاهرة كانت لديها رغبة في أن تكون المساعدات اقتصادية.
أشار المتحدث إلى أن حرب السودان، وحرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وإقرار القاهرة لقانون اللجوء، كلها عوامل أسهمت في توفير القاهرة ورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي لتسريع صرف المنحة.
وشدد المصدر ذاته على أن خطوات القاهرة حرَّكت المياه الراكدة، وأن بعض الدول داخل الاتحاد الأوروبي كانت لديها تحفظات على تقديم مساعدات مالية ضخمة، دون أن تقدم القاهرة مزيداً من الوعود والإجراءات المرتبطة بتحسين حالة حقوق الإنسان.
وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الاتحاد الأوروبي قدم إلى القاهرة حزمة مالية لدعم الاقتصاد المصري، تبلغ 7.4 مليار يورو، مشيراً إلى أن الحزمة المالية تشتمل على 3 مكونات رئيسية تتمثل في: التمويل الميسر، وضمانات الاستثمار، والدعم الفني لتنفيذ مشروعات التعاون الثنائي.
وووفقاً لرويترز، يتضمن التمويل المقترح 5 مليارات يورو على شكل قروض ميسرة، و1.8 مليار يورو على شكل استثمارات، كما سيتم تقديم 600 مليون يورو أخرى على شكل منح، بما في ذلك 200 مليون يورو لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
كما قال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي لوكالة رويترز، إن معظم تمويل الاتحاد الأوروبي تم تخصيصه حديثاً وتم وضعه بالتعاون الوثيق مع صندوق النقد الدولي، حيث سيتم تسليم مليار يورو من تمويل القروض "المالية الكلية" هذا العام، مشيراً إلى أن الـ4 مليارات يورو المتبقية تخضع لموافقة البرلمان الأوروبي.
ما المكاسب التي ستقدمها مصر للاتحاد الأوروبي؟
أول تلك المكاسب التي ستأتي بعد مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى مصر، بحسب مصدر "عربي بوست"، هو ضمان عدم وصول ما يقرب من 9 ملايين مهاجر على الأراضي المصرية إلى السواحل الأوروبية.
وأضاف المتحدث أن جزءاً من مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى مصر سيذهب لتعزيز الشراكة الأمنية لمراقبة السواحل المصرية، وتأمين الحدود الشاسعة مع ليبيا التي تنطلق منها غالبية مراكب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وحسب المصدر نفسه، سيتم التعاقد لجلب أجهزة رصد متطورة لمراقبة الحدود، إلى جانب تعزيز التعاون بين القوات البحرية المصرية ونظيرتها لدى الدول الأوروبية المتشاطئة على البحر المتوسط وتحديداً اليونان.
ويلفت إلى أن الشراكة تقضي بأن يكون هناك تكامل استخباراتي بين أجهزة مخابرات عدد من الدول الأوروبية في مقدمتها فرنسا وإيطاليا واليونان وألمانيا وبلجيكا وقبرص، على أن يمتد هذا التعاون للأجهزة الأمنية في ليبيا.
وأقنعت القاهرة الدول الأوروبية بأن مسألة ضبط السواحل بحاجة إلى تعاون جماعي، وأن قدرتها على تأمين سواحلها إلى حد كبير جاء بجهودها الفردية، وأن التوسع في عمليات التأمين والتعامل مع مافيات التهريب التي تشكل مفاتيح للهجرة غير الشرعية بحاجة إلى حضور أوروبي فاعل.
وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، التي سافرت إلى القاهرة برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورؤساء وزراء اليونان والنمسا وبلجيكا والرئيس القبرصي، إن مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى مصر هي أفضل طريقة لمعالجة تدفقات الهجرة إلى الدول الأوروبية.
وفي الأشهر القليلة الماضية، شهدت جزيرتا كريت وجافدوس اليونانيتان ارتفاعاً حاداً في أعداد المهاجرين الوافدين، معظمهم من مصر وبنغلاديش وباكستان، مما زاد الضغط على السلطات غير المجهزة على النحو الملائم وأثار مخاوف من طريق تهريب جديد في البحر المتوسط.
تقديم المساعدات لغزة
وكشف مصدر دبلوماسي آخر على صلة بتفاصيل اتفاق مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى مصر أن جزءاً منها سيتم توجيهه لتقديم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مشيراً إلى أن القاهرة تحملت الجزء الأكبر من المساعدات التي دخلت القطاع منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي.
وأضاف مصدر "عربي بوست" أن دول الاتحاد الأوروبي رأت ضرورة مساعدة مصر في هذا الملف لتحقيق أكثر من هدف، إذ إنها تسوق للشراكة مع مصر باعتبارها أحد أوجه أدوارها لإنهاء الحرب الدائرة حالياً بعد أن واجهت انتقادات شعبية في الداخل بسبب موقفها المتحيز للجرائم الإسرائيلية.
وعلى الناحية الأخرى، حسب المصدر، فإن دول الاتحاد الأوروبي تحث مصر على أن تلعب دوراً أكثر فاعلية في الضغط على الفصائل الفلسطينية وتحديداً حركة حماس للوصول إلى هدنة تمنع اتساع رقعة الصراع في المنطقة.
وحسب المصدر نفسه، طلبت القاهرة من دول الاتحاد الأوروبي مواقف علنية وأكثر حدة للضغط على إسرائيل لوقف القتال، ووعدت بأن تستمر في أدوارها الفاعلة بشأن الوصول إلى تهدئة تفضي مستقبلاً إلى وقف كامل لإطلاق النار.
وأشار المصدر إلى أن الاتحاد الأوروبي تحدث مع مصر بشأن تداعيات الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح الفلسطينية وكيفية التعامل معه، وهدفت لضمان تأمين الحدود البحرية التي تمنع وصول النازحين إلى سواحلها.
في المقابل، وعدت الدول الأوروبية بأنها ستكون أكثر انخراطاً في المفاوضات الجارية بشأن الهدنة، وأنها ستحرك سفاراتها ودوائرها الدبلوماسية للضغط باتجاه الوصول إلى هدنة بين الاحتلال وحركة حماس.
تأمين الحدود مع السودان
وكشف مصدر "عربي بوست" أن تأمين الحدود الجنوبية مع السودان يعد كذلك ضمن بنود الاتفاق، وأن جزءاً من مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى مصر سيتم توجيهه لضمان وقف عمليات التهريب.
وقال المتحدث إن هناك معلومات استخباراتية لدى جهات أوروبية أشارت لوجود عمليات تهريب للنازحين والمهاجرين عبر الحدود المصرية السودانية جنوباً ومنها إلى الحدود الغربية مع ليبيا وصولاً إلى سواحل أوروبا.
وأوضح المصدر أن جزءاً من مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى مصر سيذهب إلى جهات محلية مصرية تعمل على رصد أعداد المهاجرين على الأراضي المصرية والتعرف على معلومات متكاملة بشأن البلدان التي جاؤوا منها.
وسجلت المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي نحو 286 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق برية وبحرية مختلفة، وتستضيف مصر، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حوالي 480 ألف لاجئ سوداني وطالب لجوء مسجل.
الانتقال الطاقي
سلَّط بيان صادر عن الاتحاد الأوروبي أولوياته الست في علاقاته مع مصر، وهي: العلاقات السياسية، والاستقرار الاقتصادي، وتعزيز التجارة والاستثمار، وإدارة الهجرة، والأمن، وبناء قدرات الموارد البشرية، مع إعطاء الأولوية لانتقال الطاقة وتعزيز أمن المياه والغذاء.
وفي هذا السياق، سيمنح الاتحاد الأوروبي مصر 35 مليون يورو لتوسيع قدرتها على توليد الطاقة المتجددة وتعزيز إمدادات الكهرباء، وهناك مشروع عبارة عن كابل بحري من الألياف الضوئية يمتد على مسافة 7100 كيلومتر، سيزيد من نقل البيانات ويحسن الاتصال بين دول شمال أفريقيا وبين دول البحر الأبيض المتوسط.
وعلى جبهة الأمن الغذائي، قامت المفوضية الأوروبية بالفعل بتمويل مصر بمبلغ 100 مليون يورو لتوسيع تخزين الحبوب وإنتاجها للتخفيف من تأثير الحرب الروسية الأوكرانية، وفي المستقبل القريب، سيساعد الاتحاد الأوروبي القاهرة في توسيع وتحديث محطة معالجة مياه الصرف الصحي في حلوان، بالإضافة إلى تجديد البنية التحتية لمحافظة الفيوم.
ويشير مصدر دبلوماسي مصري لـ"عربي بوست" إلى أن الاتحاد الأوروبي ينتظر أن تلعب مصر دوراً بارزاً في نقل الطاقة إلى أوروبا، بالإضافة إلى دعم الاتفاقيات الموقعة سابقاً بين مصر وإسرائيل، وتقضي بتصدير الغاز الخام إلى مصر وإسالته في معامل التكرير المصرية وإرساله عبر خطوط أنابيب إلى دول الاتحاد الأوروبي، موضحاً أن جزءاً من الدعم سوف يذهب إلى تطوير محطات الإسالة، والرؤية الأوروبية المستقبلية تتوقع أن تتضاعف كميات الغاز الوارد من إسرائيل إلى مصر خلال الخمس سنوات المقبلة، وهو ما يساعد على تأمين احتياجات الطاقة في ظل مخاوف من اتساع الصراع بين روسيا والدول الغربية.
ووقعت كل من مصر والاتحاد الأوروبي وإسرائيل مذكرة تفاهم لزيادة صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف إمداد أوروبا بالغاز الإسرائيلي عبر محطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط، حيث تسعى القارة الأوروبية لسد جزء من احتياجاتها من الطاقة عبر إمدادات الغاز القادمة من أفريقيا ومنطقة شرق البحر المتوسط لتعويض واردات الغاز الروسي.
وأضاف المصدر ذاته أن جزءاً من التمويل سيدخل ضمن خطة مصرية أوروبية لمشروع الربط الكهربائي بين الجانبين، وأن الزيارة الأخيرة كانت شاهدة على نقاشات شارك فيها مسؤولون أوروبيون مع قيادات مصرية من وزارة الكهرباء بشأن وضع المخطط العام وإعداد دراسة المشروع.
وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي وعدوا بمزيد من المنح وليس القروض التي تساعد على تنفيذ هذا الربط، وذلك الاعتماد على مشاريع الطاقة المتجددة في مصر.
وكانت مصر تجري مناقشات مع اليونان وقبرص لبناء كابل تحت البحر يربط بين البلدان الثلاثة، إذ تبلغ القدرات الكهربائية المنتجة لدى مصر يومياً نحو 58 ألف ميجاواط، بينما لا يتعدّى الاستهلاك اليومي 33 ألف ميجاواط.
ويؤكد المصدر ذاته أن القاهرة سوف تستفيد في المقابل من توسع الاستثمارات الأوروبية المتوقع في مشروعات البنية التحتية وتحسين الخدمات الأساسية إلى جانب التوسع في تقديم دعم مالي لتطوير التعليم والتدريب المهني ورفع مستوى الأيدي العاملة، إلى جانب دخول شركات أوروبية في مشروعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والصناعات المختلفة إلى جانب مشروعات السياحة.