لطالما كانت مصر على خط التماس مع الشأن الفلسطيني على مر التاريخ؛ إذ لعبت دوراً هاماً في دعم وتمكين القضية، وقد تغيرت طبيعة هذا الدور على مر السنين وفقاً لتطورات التحالفات الإقليمية والأحداث الدولية.
لكن الموقف السياسي الرسمي لم يكن دوماً معبراً عن رغبات وتطلعات المصريين أنفسهم، الأمر الذي دفع ببعض الجنود في الجيش المصري من العاملين على الحدود مع دولة الاحتلال إلى الاشتباك مع جنود إسرائيليين؛ رفضاً للكيان واحتجاجاً على ممارساته الاستعمارية في فلسطين المحتلة.
ومن بين هذه الشخصيات سليمان خاطر، وأيمن حسن، وآخرهم محمد صلاح.
سليمان خاطر
كان الجندي المصري سليمان خاطر يؤدي فترة تجنيده الإلزامية ضمن فرقة من قوات الأمن المركزي التابعة لجهاز الشرطة في محافظة سيناء، وذلك عندما قرر إطلاق النيران على فوج إسرائيلي في 5 أكتوبر/تشرين الأول عام 1985.
ولد خاطر عام 1961 في قرية أكياد بمحافظة الشرقية، وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي التحق بالخدمة العسكرية، وجاء تجنيده في وزارة الداخلية ضمن قوات الأمن المركزي.
وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول من العام 1985، وأثناء قيامه بالحراسة بمنطقة رأس برقة بجنوب سيناء فوجئ بمجموعة من الجنود الإسرائيليين يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته، فأطلق رصاصات تحذيرية، ثم أطلق النار عليهم ليقتل 7 أشخاص من المجموعة، بعدما لم يستجيبوا لتحذيره.
وبعد اعتقال سليمان خاطر، كشف التقرير النفسي لحالته أنه "مختل عقلياً نوعاً ما"، وقال الرئيس المخلوع حسني مبارك وقتها إنه "في غاية الخجل بعد وقوع الحادثة".
تمت محاكمة سليمان خاطر عسكرياً، وصدر في 28 ديسمبر/كانون الأول عام 1985 حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 25 عاماً، حيث تم ترحيله إلى السجن الحربي بمدينة نصر، وهناك نُقل إلى السجن ومنه إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا.
لكن بعد أقل من 10 أيام من الحبس، وتحديداً في 7 يناير/كانون الثاني عام 1986، أعلنت وسائل إعلام مصرية خبر "انتحار" خاطر في ظروف غامضة، وخرجت مظاهرات غاضبة بالجامعات تهتف باسم خاطر، وشكَّكت أسرته في انتحار ابنها، وطالبت بإعادة التشريح؛ لكن طلبها قوبل بالرفض.
أيمن حسن
نفذ الجندي المصري أيمن حسن عملية عُرفت بـ"رأس النقب" في منطقة حدودية بين مصر وإسرائيل، والتي أسفرت عن قتل 21 إسرائيلياً وإصابة 20 آخرين، كان بينهم أحد كبار رجال الموساد المسؤولين عن تأمين مفاعل ديمونة النووي، إضافة لضباط بمطار النقب العسكري.
وقد بدأ حسن تخطيط عملية بهدف الانتقام من جندي إسرائيلي أساء للعلم المصري، وذلك قبل اندلاع أحداث "مذبحة الأقصى" الأولى، التي أججت الغضب الشعبي العام تجاه الاحتلال.
الشاب الذي كان من مواليد محافظة الشرقية، قرر الهجوم على إحدى نوبات الحراسة على الحدود مع الاحتلال، في منطقة كانت تشهد اقتراب نقاط الحراسة الحدودية بين الجانبين.
وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1990، حينما وقعت مذبحة المسجد الأقصى على يد متطرفين يهود، وراح ضحيتها عشرات الشهداء والمصابين الفلسطينيين، قرر أيمن حسن توسيع العملية، وبدأ في التدريب والاستعداد.
بحلول 26 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، وصل حسن إلى كمين يبعُد 13 كيلومتراً شمال مدينة إيلات، على طريق أسفلتي يربطها بمدينة رفح. وفيه كانت حافلة تتبع هيئة الإمداد والتغذية الإسرائيلية بداخلها جندي واحد كان أول الأهداف، ثم تبعتها حافلتان وسيارة جيب يقودها عميد بالموساد من كبار المسؤولين عن تأمين مفاعل ديمونة، فقام بتصفيته، ثم عاد إلى مكان اختبائه، قبل أن يبدأ في تبادل إطلاق النار مع إسرائيليين هرعوا لملاحقته.
العملية استغرقت نحو 20 دقيقة، قتل فيها المجند المصري 21 جندياً إسرائيلياً منهم الشخص الذي أهان العلم المصري. وبعد إتمام المهمة عاد أيمن حسن بإصابة سطحية في الرأس، ليسلم نفسه إلى قيادة المنطقة العسكرية.
استمرت محاكمة الجندي المصري لعدة أشهر، قبل أن يصدر قرار في أبريل/نيسان 1991 بحكم يقضي بسجنه 12 عاماً، ليخرج عام 2000 بعفو شرطي.
محمد صلاح
وفي حادث إطلاق النار على الحدود المصرية الإسرائيلية عند معبر العوجة في 2023، ما أدى إلى مقتل فرد أمن مركزي مصري وثلاثة عسكريين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين، يأتي اسم محمد صلاح في بطولة هذه العملية.
وبحسب الرواية الإسرائيلية للحادث عبر وسائل إعلام بينها القناة "12"، وصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن المجند في الأمن المركزي المصري محمد صلاح شرطي قد تسلل متجاوزاً خط الحدود في فجر السبت 3 يونيو/أيلول 2023، وباغت جندياً ومجندة في موقع للحراسة في نطاق لواء باران وقتلهما بعدما أطلق عليهما النار من مسافة قريبة ببندقية قديمة الطراز.
وقد توجَّه صلاح بعد ذلك نحو قوة عسكرية أخرى بالمنطقة ووقع تبادل كثيف لإطلاق النار انتهى بمقتله وإصابة جندي إسرائيلي بجروح خطيرة، نُقل على إثرها إلى المستشفى؛ حيث توفي هناك متأثراً بجراحه، كما أصيب جندي إسرائيلي آخر بجروح طفيفة.
وفي حين تأخر إعلان هوية المجند المصري في بداية الحدث والتغطيات الإعلامية له، تبين أنه يدعى محمد صلاح إبراهيم، يبلغ من العمر 22 عاماً فقط، من مركز طوخ، بمحافظة القليوبية.
ووفقاً لما جاء في التحقيق الإسرائيلي لاحقاً، اتضح أن المجند المصري محمد صلاح لم يتسلل لاجتياز الحدود، بل دخل عبر معبر للطوارئ، بعدما خطط لهذا الهجوم وغادر معسكره ليلاً مسلحاً ببندقية كلاشينكوف وستة مخازن للذخيرة وعدة سكاكين، وقطع 5 كيلومترات متوجهاً نحو الحدود الإسرائيلية.
التحقيق ذكر أيضاً أن "الجندي المصري خطَّط لكل خطوة مسبقاً، وكان يعرف المنطقة جيداً، بما في ذلك موقع المراقبة الذي قتل فيه الجنديين الإسرائيليين، بحكم عمله حارس حدود".