بعد أكثر من شهرين متواصلين على انطلاق عملية طوفان الأقصى، يواصل الاحتلال الإسرائيلي استهداف المواطنين في قطاع غزة بالقصف العشوائي، ما أسفر عن وقوع أكثر من 20 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى عشرات الآلاف من المصابين.
هذه الممارسات لم تتوقف فقط على قطاع غزة، إذ يستهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل شبه يومي، الشباب الفلسطينيين في الضفة أيضاً، وذلك إما بالاعتقال وإما بالقتل المباشر، وهو النمط العسكري الذي ينتهجه الاحتلال منذ سنوات، ويتم إطلاق اسم "تكتيك جز العشب" عليه.. فما هي طبيعة وأهداف هذا التكتيك؟
ما هي استراتيجية "جز العشب" الإسرائيلية؟
لأكثر من عقد من الزمن، يردد المحللون عند وصف الاستراتيجية التي تستخدمها إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، استعارة مجازيةّ مفادها: مع استعراض القوة العسكرية الساحقة لها، فإن القوات الإسرائيلية "تجز العشب".
وتشير هذه العبارة إلى أن عناصر المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية ومساعي إعداد الأسلحة محلية الصنع بمثابة "الأعشاب الضارة" التي يجب مكافحتها أولاً بأول.
وقد واجهت مثل هذه التكتيكات انتقادات من جماعات حقوق الإنسان الدولية، ويرجع ذلك في كثير من الأحيان إلى العدد غير المتناسب من الوفيات التي تسببت فيها القوات الإسرائيلية بحق المواطنين المدنيين، مقارنة بتلك التي تسبب فيها المسلحون من المقاومة الفلسطينية على مدى سنوات.
وحول ذلك كتب ديفيد م. واينبرغ من معهد القدس للاستراتيجيات والأمن، لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية: "تماماً مثل قص حديقتك الأمامية، يعد هذا عملاً شاقاً ومستمراً. إذا فشلت في القيام بذلك، تنمو الأعشاب الضارة وتبدأ الثعابين في الانزلاق بين الأغصان".
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية بأمريكا، نورمان فينكلستين، إن "سياسة جز العشب التي ينتهجها جيش إسرائيل تعني أن يقتل ألف شخص ويدمر كل شيء يظهر في الأفق بشكل دوري كل بضع سنوات، وذلك بصورة منتظمة، باعتبار أن هذا من شأنه أن يمنع العشب- أي الفلسطينيين- من النمو والازدهار".
ويُعدّ أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، هو أول من أشار إلى ضرورة انتهاج هذا التكتيك، وذلك باعتبار أنه سيصعب على إسرائيل حماية كل مواطن على حدة من القتل، ولكنها تستطيع إلحاق ضرر وخسائر ضخمة بصفوف أعدائها عبر ردعهم من مجرد التفكير في مفهوم المقاومة.
تكتيك "جز العشب" لإفشال أي فرصة للمقاومة
ويُعد تكتيك الجيش الإسرائيلي المعروف باسم "جز العشب" استراتيجية تعتمد على الجولات القتالية المحدودة في فترة زمنية محددة، وتتضمن توجيه ضربات قوية ومكثفة إلى قدرات أي فصيل أو جهة عسكرية وملاحقتها بالاستهداف؛ لكيلا تتمكن من التقاط الأنفاس والتمكن من العمل على الأرض.
وتتبع قوات الاحتلال هذا التكتيك تجاه أهداف معينة، مثل منظومة الصواريخ الدقيقة وبعض المنظومات القتالية التي تصنفها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية "خطراً لا يمكن التهاون معه أو السكوت عنه"، وتراه بشكل أساسي مصدر تهديد لها لا يمكن تدميره بصورة مختلفة.
ويشير مراقبون إلى أن إسرائيل تتبع هذا النهج بممارسة الضغط باستخدام القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية، مع مراعاة عدم تطور الأمور حتى وصولها إلى حرب عسكرية مفتوحة، وذلك من خلال الاعتماد على العمل السري غير المعلن من قبل الجيش الإسرائيلي والهجمات المحدودة.
استخدام ممنهج للاستراتيجية بالضفة الغربية
وقد مارس الاحتلال الإسرائيلي استراتيجية "جز العشب" تجاه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، من خلال الحروب والاجتياحات المتعددة منذ الانسحاب من غزة عام 2005، كما مارسها بشكل متكرر في الضفة الغربية من خلال استهداف واغتيال النشطاء الذين تصفهم بـ"المطلوبين"، واقتحام المخيمات واعتقال العشرات من المواطنين الفلسطينيين بشكل دوري.
فقد بدأت بعد الانتفاضة الثانية بصياغة خطة عملية على الأرض تؤدّي إلى إحداث أكبر ضرر ممكن، ليس فقط في المقدرات الفلسطينية، إنما في اتجاه ترسيخ "الندم" تجاه الزخم الفلسطيني والمقاومة، وزرع فكرة أن "الثمن المدفوع من قبل الفلسطيني كان أكبر بكثير من النتائج التي عادت عليه بالفائدة جرّاء الانتفاضات".
وتنفذ إسرائيل عمليات اقتحام واستهداف دورية في الضفة الغربية منذ قرابة عامين حتى الآن بدعوى "قتل واعتقال مطلوبين"، وتقول إن أحد أسباب إطلاق هذه العملية هو أن "السلطة (ضعيفة) في شمال الضفة الغربية".
ويكثف جيش الاحتلال عمليات اقتحام واعتقال وقتل في بلدات ومدن الضفة الغربية، بموازاة حرب مدمرة يشنّها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أسفرت عن 20 ألفاً و667 قتيلاً، و52 ألفاً و586 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، ودمار هائل في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، بحسب سلطات القطاع والأمم المتحدة.