قالت صحيفة The Guardian البريطانية، في تقرير نشرته يوم الجمعة 1 ديسمبر/كانون الأول ،2023 إن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يخف شدة قصفه لقطاع غزة، وقد قال قائد القوات الجوية عن الغارات الجوية المتواصلة إنها تجري "على مدار الساعة". وقال إن قواته كانت تضرب أهدافاً عسكرية فقط، لكنه أضاف: "نحن لا نجري عمليات جراحية". ومع ذلك، لم يُولَ اهتمامٌ يُذكَر للأساليب التي يستخدمها الاحتلال لاختيار أهداف في غزة، وللدور الذي لعبه الذكاء الاصطناعي في حملة القصف.
مع استئناف إسرائيل هجومها بعد وقف لإطلاق النار لمدة سبعة أيام، هناك مخاوف متزايدة بشأن أسلوب الاستهداف الذي يتبعه الجيش الإسرائيلي في حربه ضد حماس، والتي، وفقاً لوزارة الصحة بغزة التي تديرها حماس، أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 15 ألف شخص في القطاع.
الاحتلال يستخدم الذكاء الاصطناعي في قصف غزة
صقل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ فترة طويلة سُمعته فيما يتعلق بالبراعة التقنية، وقد قدم في السابق ادعاءات جريئة ولكن لا يمكن التحقق منها، حول تسخير التكنولوجيا الجديدة. وبعد حرب 11 يوماً بغزة في مايو/أيار 2021، قال المسؤولون إن إسرائيل خاضت "حربها الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي" باستخدام التعلم الآلي والحوسبة المتقدمة.
لقد أتاحت الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس فرصة غير مسبوقة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لاستخدام مثل هذه الأدوات في مسرح عمليات أوسع بكثير، وعلى وجه الخصوص، لنشر منصة صنع الأهداف بالذكاء الاصطناعي تسمى "غوسبل"، والتي ساهمت بشكل كبير في تسريع عمليات القتل التي شبَّهها المسؤولون بـ"المصنع".
كشفت صحيفة The Guardian البريطانية تفاصيل جديدة حول "غوسبل" ودوره المركزي في حرب إسرائيل بغزة، وذلك من خلال مقابلات مع مصادر استخباراتية وتصريحات غير ملحوظة أدلى بها الجيش الإسرائيلي والمسؤولون المتقاعدون.
يعتمد هذا المقال أيضاً على الشهادات التي نشرتها المجلة الإسرائيلية الفلسطينية +972 ومجلة Local Call باللغة العبرية، التي أجرت مقابلات مع العديد من المصادر الحالية والسابقة في مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي والذين لديهم معرفة ببرنامج غوسبل.
تقدم تعليقاتهم لمحة عن وحدة استخبارات عسكرية سرية، يديرها الذكاء الاصطناعي، وتلعب دوراً مهماً في هجوم إسرائيل.
إن الصورة التي تظهر ببطء لكيفية تسخير جيش الاحتلال الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي، تأتي على خلفية المخاوف المتزايدة بشأن المخاطر التي يتعرض لها المدنيون مع توسع الجيوش المتقدمة بجميع أنحاء العالم في استخدام الأنظمة الآلية المعقدة والمبهمة في ساحة المعركة.
زيادة الأهداف اليومية على قطاع غزة
في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه حدَّد "أكثر من 12 ألف" هدف في غزة، بفضل وحدة إدارة الاستهداف.
وقال أحد المسؤولين، واصفاً عملية الاستهداف التي تقوم بها الوحدة: "نحن نعمل دون أي تنازلات في تحديد هوية العدو وماهيته". وأضاف: "نشطاء حماس ليسوا محصنين، بغض النظر عن المكان الذي يختبئون فيه".
وتعتبر أنشطة الوحدة، التي تشكلت في عام 2019 بمديرية المخابرات التابعة للجيش الإسرائيلي سرية. ومع ذلك، زعم بيان قصير على موقع جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه يستخدم نظاماً قائماً على الذكاء الاصطناعي يسمى "غوسبل" في الحرب ضد حماس "لتحديد الأهداف بوتيرة سريعة".
وقال إنه "من خلال الاستخراج السريع والآلي للمعلومات الاستخباراتية"، أصدر "غوسبل" توصيات مستهدفة لباحثيه "بهدف المطابقة الكاملة بين توصية الآلة والتعرف الذي يقوم به الشخص".
وأكدت مصادر متعددة مطلعة على عمليات الاستهداف التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي وجود برنامج "غوسبل"، قائلة إنه استُخدِمَ لإصدار توصيات آلية لمهاجمة الأهداف، مثل المنازل الخاصة للأفراد المشتبه في أنهم نشطاء بـ"حماس" أو "الجهاد الإسلامي".
بناء قاعدة بيانات
في السنوات الأخيرة، ساعد قسم الأهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي على بناء قاعدة بيانات لما قالت المصادر إنه يتراوح بين 30 ألفاً و40 ألفاً من المسلحين المشتبه بهم. وقالوا إن أنظمة مثل "غوسبل" لعبت دوراً حاسماً في بناء قوائم الأفراد المسموح باغتيالهم.
وقال أفيف كوخافي، الذي شغل منصب قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى يناير/كانون الثاني، إن وحدة الاستهداف "مدعومة بقدرات الذكاء الاصطناعي"، وتضم مئات الضباط والجنود. وفي مقابلة نُشِرَت قبل الحرب، قال إنها "آلة تنتج كميات هائلة من البيانات بشكل أكثر فعالية من أي إنسان، وتترجمها إلى أهداف للهجوم".
وبحسب كوخافي، "بمجرد تفعيل هذه الآلة" في حرب جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد حماس والتي استمرت 11 يوماً في مايو/أيار 2021، سجلت 100 هدف يومياً. وقال: "في الماضي كنا ننتج 50 هدفاً في غزة سنوياً. والآن تنتج هذه الآلة 100 هدف في اليوم الواحد، ويتم مهاجمة 50% منها".
لا يُعرف على وجه التحديد ما هي أشكال البيانات التي يستوعبها برنامج غوسبل، لكن خبراء قالوا إن أنظمة دعم القرار القائمة على الذكاء الاصطناعي للاستهداف ستحلل عادةً مجموعات كبيرة من المعلومات من مجموعة من المصادر، مثل لقطات الطائرات المسيَّرة والاتصالات التي يجري اعتراضها وبيانات المراقبة والمعلومات المستمدة من مراقبة تحركات وأنماط سلوك الأفراد والمجموعات الكبيرة.
مهاجمة نشطاء في غزة
أُنشِئَت وحدة الاستهداف لمعالجة مشكلة مزمنة لجيش الاحتلال الإسرائيلي: في العمليات السابقة بغزة، لم يكن لدى سلاح الجو أهداف لضربها بشكل متكرر. وقالت المصادر إنه منذ اختفاء كبار مسؤولي حماس في الأنفاق ببداية أي هجوم جديد، سمحت أنظمة مثل غوسبل للجيش الإسرائيلي بتحديد موقع ومهاجمة مجموعة أكبر بكثير من النشطاء المبتدئين.
وقال أحد المسؤولين، والذي عمل على قرارات الاستهداف في عمليات غزة السابقة، إن الجيش الإسرائيلي لم يستهدف في السابق منازل صغار أعضاء حماس بتفجيرات. وقالوا إنهم يعتقدون أن هذا قد تغير بالنسبة للصراع الحالي، حيث استُهدِفَت هذه المرة منازل نشطاء حماس المشتبه بهم بغض النظر عن رتبهم.
وفي بيان مقتضب لجيش الاحتلال الإسرائيلي حول وحدة الاستهداف، قال مسؤول كبير إن الوحدة "تقوم بهجمات دقيقة على البنية التحتية المرتبطة بحماس بينما تلحق أضراراً كبيرة بالعدو وهي أقل ضرراً لغير المقاتلين".
ويتم تأكيد دقة الضربات التي أوصى بها "بنك أهداف الذكاء الاصطناعي" في تقارير متعددة بوسائل الإعلام الإسرائيلية. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن الوحدة "تتأكد قدر الإمكان من عدم وقوع أي ضرر للمدنيين غير المشاركين".
وقال مصدر عسكري إسرائيلي كبير سابق لصحيفة The Guardian البريطانية، إن قياساً "دقيقاً للغاية" يُستخدَم لمعدل إخلاء المدنيين للمبنى قبل وقت قصير من الغارة.
برنامج الذكاء الاصطناعي لم يقلل من استهداف المدنيين
ومع ذلك، قال الخبراء في الذكاء الاصطناعي والنزاعات المسلحة الذين تحدثوا إلى الصحيفة البريطانية، إنهم يشككون في تأكيدات أن الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي قللت من الضرر الذي يلحق بالمدنيين من خلال تشجيع الاستهداف الأكثر دقة.
وقال محام يقدم المشورة للحكومات بشأن الذكاء الاصطناعي والامتثال للقانون الإنساني، إن هناك "القليل من الأدلة التجريبية" لدعم مثل هذه الادعاءات. وأشار آخرون إلى التأثير الواضح للقصف.
ووفقاً للأرقام التي نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني، خلال الأيام الـ35 الأولى من الحرب، هاجمت إسرائيل 15 ألف هدف في غزة، وهو رقم أعلى بكثير من العمليات العسكرية السابقة في المنطقة الساحلية المكتظة بالسكان. وبالمقارنة، في حرب 2014، التي استمرت 51 يوماً، ضرب الجيش الإسرائيلي ما بين 5 و6 آلاف هدف.