قال الأكاديمي المصري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، إن واقعة منعه من السفر التي تعرض لها مؤخراً، والتضييق الذي يحدث بحقه، لن يؤثر مطلقاً على أفكاره ومواقفه التي يتبناها، والتي أكد أنها نابعة فقط من عقله وضميره، و"مستقلة تماماً، وليست انعكاساً لوصفات أيديولوجية مُعلّبة تتبناها أحزاب أو جماعات أو تيارات بعينها".
فيما حذّر نافعة من اتخاذ قرار بزيادة سعر رغيف الخبز، قائلاً: "هذا موضوع شديد الحساسية، وقد يتسبب في انفجار اجتماعي، خاصة إذا مسّ مصالح الشريحة الأكثر فقراً في المجتمع، وهي شريحة عريضة لم تعدّ تحتمل المزيد من الأعباء".
وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي بوست"، أن "انفتاح النظام الحاكم على الجميع وإقدامه على إجراء إصلاح سياسي شامل سيحقق فائدة كبرى ليس فقط للمجتمع المصري ككل، وإنما للنظام الحاكم نفسه، وسيسهم بشكل كبير في حماية مستقبل الدولة المصرية ومستقبل الأجيال القادمة".
لكن نافعة رأى أنه لا توجد مؤشرات على حدوث ذلك، مُعبّراً عن أمله في أن يحدث الانفتاح والإصلاح المنشودان في وقت قريب، مؤكداً أن "التغيير المطلوب لا ينبغي أن يقتصر على تغيير الأشخاص، ولكن يجب أن يمتد ليشمل تغييراً أيضاً في النهج وفي الرؤية والسياسات".
أما عن مآلات أزمة سد النهضة، فرأى أن "صفحتها لم تطوَ بعد؛ فما تزال الأزمة قائمة ومحتدمة، وقد تنفجر في أي لحظة، وما لم تنجح الجهود والضغوط الدبلوماسية في حمل إثيوبيا على الموافقة على اتفاقية متوازنة وملزمة حول عملية ملء وتشغيل السد؛ فلن يكون أمام مصر من خيار آخر سوى تدميره أو احتلال المنطقة المُقام عليها".
وشدّد الأكاديمي المصري البارز على أن "أي نظام سياسي، مهما بلغت قوته أو جبروته، لن يستطيع أن يستمر في حال نجاح إثيوبيا في التحكم الفعلي في عملية تدفق مياه النيل، وهو ما أعتقد أنه هدفها النهائي الحقيقي"، منوهاً إلى أنه "من السابق لأوانه أن نقول إن إثيوبيا انتصرت؛ فالحرب لم تُحسم بعد، والمعركة ستكون طويلة وممتدة ولا تزال بها جولات أخرى عديدة".
حسن نافعة (73 عاماً) هو الرئيس السابق لقسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة (أكبر جامعة حكومية)، أوقفته السلطات المصرية في سبتمبر/ أيلول 2019، بتهمة "مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها ونشر أخبار وبيانات كاذبة"، قبل أن تطلق سراحه في مارس/آذار 2020.
وتالياً نص المقابلة الخاصة:
ما ملابسات قرار منعك من السفر؟ وما الأسباب التي أدت لذلك من وجهة نظرك؟
الباعث على السفر كان زيارة ابني المقيم مع أسرته في الخارج، ولأنني لم أرِ حفيدي منذ ما قبل اعتقالي عام 2019؛ فقد كنت بالطبع أتطلع بشغف إلى هذه الزيارة التي انتظرتها طويلاً. كنت أدرك أنني قد أتعرض لمضايقات عند السفر هذه المرة، وأنت تعلم طبعاً أنه سبق أن تعرضت لمضايقات متكررة في مطار القاهرة، حتى قبل اعتقالي منذ حوالي عامين، وصلت أحياناً إلى حد مصادرة كتبي.
لذا، فقد حرصت على استطلاع رأي جهاز الأمن الوطني مسبقاً قبل الإقدام على أي إجراء يتعلق بالسفر، وبادرت من تلقاء نفسي بالاتصال تليفونياً بالضابط المسؤول عن ملفي في هذا الجهاز. المفارقة هنا أنه أكد لي عدم وجود ما يمنع سفري للخارج، ومن ثم فبمقدوري أن أبدأ في اتخاذ إجراءات السفر في أي وقت أشاء، لكنه طلب في الوقت نفسه موافاته بمواعيد السفر أو بصورة من بطاقة السفر عقب الحصول عليها.
كان هذا بالنسبة لي خبراً سعيداً سارعت بإبلاغه إلى ابني الذي فاجأني باستخراج بطاقة السفر وأرسلها لي في اليوم التالي، وقمت بدوري بإرسال صورة منها إلى ضابط الأمن الوطني المختص، وكان ذلك قبل ثلاثة أسابيع من الموعد المقرر للسفر، عكفت خلالها على استكمال باقي الإجراءات، بما في ذلك استخراج الشهادة التي تفيد حصولي على الجرعة الثانية من التطعيم، وعمل المسحة الخاصة باختبار كورونا… إلخ.
غير أن مفاجأة من العيار الثقيل كانت تنتظرني، فقبيل السفر، وبعد إتمام كل الإجراءات، اتصل بي ضابط الأمن الوطني ليسألني إن كنت قد راجعت مكتب النائب العام للتأكد من عدم وجود قرار بمنعي من السفر، فأجبته بالنفي، وبأنه لم يسبق لأي جهة أن أخطرتني بوجود قرار بالمنع من السفر.
فقال لي إنه علم من أحد زملائه باحتمال وجود مثل هذا القرار، وبأن الحرص يقضي بضرورة التأكد من هذا الأمر قبل التوجه إلى المطار، فقمت على الفور بإخطار مكتب المحاماة الذي أتعامل معه، وبعد أن أكد لي بدوره أنه لا وجود لمثل هذا القرار، وأنه سيرسل محامياً لاستطلاع الأمر لدى مكتب النائب العام، وهناك قيل للمحامي إنني ممنوع فعلاً من السفر على ذمة قضيتين لم يفصل فيهما بعد. كان ذلك يوم السبت الموافق 21 أغسطس/آب الجاري، بينما كان يفترض أن أتوجه إلى المطار مساء اليوم التالي لركوب الطائرة المتوجهة إلى باريس قبل فجر يوم الإثنين 23 أغسطس/آب.
هذا فيما يتعلق بالملابسات، أما عن الأسباب فهي من وجهة نظري، نفس الأسباب التي أدت إلى اعتقالي من قبل وحبسي لمدة ستة أشهر والتحفظ على أموالي؛ فأنا من وجهة نظر الدولة مُتهم بمساعدة جماعة إرهابية على تحقيق أهدافها، ولأنني لا أملك سوى قلمي، يفهم من الإجراءات العقابية المُتخذة ضدي، بما في ذلك الإجراء الأخير بمنعي من السفر، أن النظام الذي يحكم مصر حالياً لا يستسيغ كتاباتي، ويعتبر أن وجهات نظري التي تعكسها هذه الكتابات تحريضية وتساعد القوى المناوئة له، خاصة الجماعات الإرهابية منها.
كيف تابعت ردود الفعل تجاه ما حدث معكم مؤخراً؟
ينبغي التمييز هنا بين نشر خبر المنع من السفر وبين التعليق عليه فقد لاحظت أن عشرات الصحف والمواقع الإخبارية نشرت أو أذاعت هذا الخبر دون تعليق في معظم الأحيان، واكتفت بالنقل من تغريدة كنت قد دوَّنتها بنفسي في صفحتي على موقع "تويتر".
أما المتابعون لي على الموقع نفسه فقد انقسمت تعليقاتهم المدونة إلى قسمين، الأول: متعاطف ومتضامن معي إلى أبعد حد، وبالتالي مستنكر لما حدث لي، والثاني: شامت ويعتبر أن ما حدث لي هو عقاب طبيعي أستحقه من نظام انقلابي أيدته وساعدته على الوصول إلى الحكم. وهنا تكمن المفارقة التي تعكس عمق الأزمة التي تعيشها النخبة السياسية والفكرية المصرية في المرحلة الراهنة، فأنا، من ناحية، مُتهم من جانب النظام الحاكم بمساعدة جماعة إرهابية على تحقيق أغراضها، وأنصار الجماعة التي أنا مُتهم بمساعدتها على تحقيق أغراضها يعتبرونني، من ناحية أخرى، أحد أنصار النظام الحاكم وأعمدته، وأن ما يجري لي هو الجزاء الطبيعي والمصير الذي ينتظر كل من يتنكر للديمقراطية ويساعد نظاماً عسكرياً على الوصول إلى الحكم. وفي تقديري أن هذه الصورة تكفي في حد ذاتها للتدليل على حجم التشوّه الذي أصاب الحياة السياسية المصرية في الوقت الراهن.
ناشدت النائب العام إعادة النظر في قائمة الممنوعين من السفر.. فهل اتخذت أو ستتخذ إجراءات بعينها إزاء ما جرى؟
كان الهدف من "التغريدة" إحاطة كل من الرأي العام والنائب العام علماً بما يجري، على أمل أن يقوم كل طرف بما ينبغي أن يقوم به. المهم، وبصرف النظر عن النتائج، أن لدي الآن معرفة بوجود قرار يمنعني من السفر، وهو ما كنت أجهله من قبل، وأن هذا القرار صدر على ذمة قضيتين، هما القضية 488، وهي القضية الأصلية التي اتهمت فيها بمساعدة جماعة إرهابية على تحقيق أغراضها، والقضية 397، وهي قضية متفرعة عن القضية الأصلية وصدر بشأنها قرار بالتحفظ على أموالي.
وفي اعتقادي أن قرار منع السفر لا سند له من القانون؛ فالقضية الأصلية التي تسببت في إلقاء القبض عليّ وحبسي لمدة ستة أشهر، لم تعرض أصلاً على أي محكمة وبالتالي لم تنظر أمام أي جهة قضائية، باستثناء نيابة أمن الدولة، بل لم يتم استدعائي لاستكمال أي نوع من التحقيقات بشأنها منذ الإفراج عني في مارس/آذار 2020، أما القضية الثانية، أي القضية الفرعية، فقد صدر بشأنها حكم قضائي بوقف قرار النائب العام بالتحفظ على أموالي ووافقت المحكمة المختصة على إحالتها إلى المحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية المادة 47 من قانون الإرهاب.
وأعتقد أنه ليس من المعقول، ولا من المنطقي، أن يكون هناك قرار بالمنع من السفر على ذمة قضية ليست منظورة أصلاً أمام المحاكم، وليست في الوقت نفسه محلاً لتحقيقات إضافية، أو في قضية منظورة أمام المحكمة الدستورية يتوقع أن تطول هناك لسنوات قد تصل إلى عشر، وعلى أي حال، فليس أمامي سوى تكليف مكتب المحاماة الموكل من طرفي بمتابعة هذه القضية واتخاذ الإجراءات القانونية التي قد يراها ضرورية.
ما الذي ستصل إليه التطورات الخاصة بمنعك، وآخرين، من السفر، فضلاً عن التضييق عليكم؟
هذه ضريبة معرض لأن يؤديها في هذه الأيام الصعبة كل مَن يتمسك باستقلالية رأيه وتفكيره ويصرّ على عدم الانخراط في جوقة المدافعين عن سياسات لا يتفق معها كلياً أو جزئياً. وفي تقديري أن الضريبة التي تحملتها تعدّ أهون بكثير من تلك التي وقعت على عاتق غيري. فغيري تم اعتقاله لفترات أطول بكثير، وبعضهم ما زال قابعاً في السجون، بل يتعرض لأنواع من التنكيل أشد وأقسى بما لا يُقاس. وعلى أي حال فسنرى كيف سيتطور الوضع من الناحية القانونية، وما إذا كان محامي الدفاع سينجح في وقف قرار المنع من السفر إلى أن تفصل المحكمة الدستورية في الأمر، أو على الأقل في الحصول على إذن في كل مرة تثور الحاجة للسفر. وقد علمت أن الطلب الذي قدمه المحامي إلى النائب العام، للحصول على تصريح بالسفر هذه المرة، قد أحيل لنيابة أمن الدولة، وما زلنا في انتظار الرد.
هل أنت نادم على عدم اتخاذك في السابق قراراً بالرحيل من مصر خلال الظروف الراهنة والاستقرار خارج البلاد مثل كثيرين؟ وهل الحياة في الخارج أمر وارد بالنسبة لك حال السماح لك بالسفر؟
لا لست نادماً مطلقاً؛ فأنا لم أفكر أصلاً في الرحيل من مصر في أي يوم من الأيام، لا قبل اعتقالي ولا بعد الإفراج عني، ولكي أكون أميناً معك، ومع نفسي، أعترف بأن هذا الخاطر راودني في بعض الأحيان بينما كنت قابعاً بين جدران زنزانة صغيرة أتأمل ذاتي وأستعرض شريط حياتي، وبعد خروجي من السجن تحدث معي كثيرون للتعبير عن تعاطفهم معي وحثني البعض على السفر والاستقرار خارج البلاد، وأبدوا استعداداً صادقاً للمعاونة، لكني رفضت بشدة هذا العرض، شاكراً لهم اهتمامهم، واستقر رأيي نهائياً على عدم التفكير في هذا الاحتمال بتاتاً.
تجدر الإشارة هنا إلى أن فرصاً كثيرة كانت قد أتيحت لي من قبل إما للاستقرار نهائياً في الخارج أو للحصول على جنسيات دول أخرى، لكن الفلاح في داخلي كان يرفض، ولو تلميحاً، فكرة أن يكون حاملاً لجواز سفر غير مصري.
الرئيس عبدالفتاح السيسي صرّح مطلع الشهر الجاري بأنه يقبل ويرحب بالاختلاف في كل وجهات النظر، لأن الاختلاف برأيه "سُنّة من السنن".. ما تعقيبكم؟ وهل آراء ووجهة نظر الدكتور حسن نافعة لم تعدّ مقبولة لدى السيسي؟
ليس لدي أي تعقيب على ما قاله الرئيس السيسي حول فهمه الخاص لهذه القضية المحورية، وأعتقد أنه محق تماماً حين يقول إن الاختلاف هو أحد أهم سنن الكون؛ فقد خلق الله البشر مختلفين في كل شيء تقريباً: في لون البشرة، وفي اللسان، وفي الأديان والمعتقدات، وفي الأعمار، وفي الثروة، وفي طريقة التفكير… إلخ، وبالتالي ينبغي أن تعكس الحياة السياسية في أي مجتمع هذا التنوع الهائل في الشكل والمضمون، الأمر الذي يفرض ضرورة وجود الرأي والرأي الآخر، وإلا نكون قد خالفنا سنن الكون.
لكن الأمانة تقتضي منا أن نقول إن الحياة السياسية في مصر تبدو الآن قاحلة ومقفرة تماماً بسبب محاولات الأجهزة الأمنية تعقب كل رأي مخالف ومعاقبته ومحاصرته. وليست المشكلة في وجهة النظر الشخصية لحسن نافعة أو لغيره من آحاد الناس؛ فمن حق رئيس الدولة أن يقبل أو يرفض كلياً أو جزئياً وجهة نظري الشخصية أو وجهة نظر غيري في أي أمر من الأمور؛ فأنا لا أدعي العصمة أو احتكار الحقيقة، ولكن من حقي أن أعبّر عن وجهة نظري المختلفة عن وجهة النظر التي يتبناها رئيس الدولة، كما أن من واجب رئيس الدولة أن يحمي هذا الحق ويصونه، بل أن يدافع عنه بكل الوسائل والطرق الممكنة.
كيف ترى مصر اليوم في ظل ما تُوصف بـ"الجمهورية الجديدة المدنية الديمقراطية" التي دشّنها النظام خلال شهر يوليو/تموز الماضي؟
أتمنى، مثلما يتمنى الرئيس السيسي نفسه، أن تصبح مصر دولة قوية وقادرة على أن تمارس الدور الذي يليق بها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأن يحكمها نظام سياسي يستند إلى مبادئ التعددية والمواطنة واحترام كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، وهي المبادئ العامة التي تشكل أساس قيام الدولة المدنية الديمقراطية. لكن هذه المبادئ والأسس العامة لا تزال غائبة في مصر، وبالتالي تدخل في عداد الأمنيات والأحلام ولم تُترجم بعد إلى أرض الواقع.
ويبدو أن البعض يتصور أن بناء عاصمة جديدة، وإقامة شبكة حديثة من الطرق والسكك الحديدية والأنفاق والكباري والموانئ تكفي لقيام "دولة مدنية ديمقراطية"، لكني أختلف تماماً مع هذه النظرة الضيقة للأمور. صحيح أن البنية الأساسية ضرورية لأي دولة حديثة، جمهورية كانت أم ملكية، لكن التعددية والمواطنة واحترام الحريات والمحافظة على كرامة الإنسان وحقوقه، أكثر ضرورة لبناء الإنسان ولقيام الدولة "المدنية الديمقراطية"؛ فهذه الأسس لا تزال غائبة عندنا إلى حد كبير، ويجب أن نبذل جهداً كبيراً لتبنيها وترسيخ دعائمها في المرحلة المقبلة.
هل منعك من السفر، وتجربة السجن التي تعرضت لها سابقاً، والتضييق الذي يحدث بحقكم ستؤثر سلباً على الأفكار والمواقف التي تتبناها أم لا؟
هذه كلها ضرائب ينبغي أن يكون كل إنسان صادق مع نفسه مستعداً لدفعها، خاصة إذا أراد هذا المواطن الفرد أن يصون كرامته الإنسانية، وأن يحافظ على حقه في إبداء الرأي والإصرار على التمتع بكافة حقوقه الأساسية التي تكفلها قوانين "الجمهوريات المدنية الديمقراطية".
وأعود وأكرر، كما سبقت الإشارة، أن ما دفعته على هذا الصعيد أقل بكثير مما دفعه آخرون، وأن ما دفعته من ثمن، وهو قليل بالمقارنة بآخرين كما قلت، لن يؤثر مطلقاً على الأفكار والمواقف التي أتبناها، خصوصاً أنني على يقين تام من أنها أفكار ومواقف نابعة فقط من عقلي ومن ضميري الوطني، وبالتالي مستقلة تماماً، وليست انعكاساً لوصفات أيديولوجية مُعلّبة تتبناها أحزاب أو جماعات أو تيارات بعينها.
كيف تابعتم القرار المحتمل بزيادة سعر رغيف الخبز؟ ولماذا لم تكن له أي تداعيات تُذكر؟
حتى الآن، لا أظن أن قراراً بزيادة سعر رغيف الخبز قد اُتخذ بالفعل. ما أذكره حول هذا الموضوع أن الرئيس السيسي تحدث عنه بالفعل، وعبّر عن رأيه في ضرورة زيادة السعر الحالي، "لأن ثمن سيجارة واحدة يزيد عن ثمن 20 رغيفاً". وعلى الفور قمت بكتابة "تغريدة" كان نصها كالتالي: "قضية دعم الخبز شديدة الخطورة ومن ثم فلا ينبغي أن يتخذ فيها قرار ارتجالي أو منفرد وتستحق أن يدور حولها حوار مجتمعي حقيقي وجاد في أجواء صحية لا يسودها خوف أو نفاق"، وختمتها قائلاً: "اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد".
لذا، أعتقد أن الشق الثاني من السؤال: وهو "لماذا لم تكن لهذا القرار تداعيات تُذكر" لم يعدّ له محل من الإعراب، لأنه لم يُتخَذ بعد قرار برفع سعر الخبز، وأظن أن هذا الموضوع ما زال محل دراسة من جانب الحكومة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.
ومن ناحيتي فما زلت أرى أنه موضوع شديد الحساسية، وقد يتسبب في انفجار اجتماعي، خاصة إذا مسّ مصالح الشريحة الأكثر فقراً في المجتمع، وهي شريحة عريضة لم تعدّ تحتمل المزيد من الأعباء.
ناشدت الرئيس السيسي استخدام حقه الدستوري في عدم التصديق على أحكام الإعدام الأخيرة، لكن القضاء لا يزال يصدر أحكاماً جديدة بالإعدام وسط توقعات لدى البعض باحتمالية تنفيذ تلك الإعدامات.. فماذا لو جرى تنفيذها بالفعل؟
نعم هذا حدث بالفعل، وكان دافعي لهذه المناشدة إنسانياً بحتاً؛ فأنا لست من أنصار عقوبة الإعدام من حيث المبدأ، حتى في القضايا الجنائية، وأعتقد أن عقوبة الأشغال الشاقة رادعة بما يكفي، فما بالك بالقضايا السياسية، والتي قد لا تتوافر فيها دائماً وبالضرورة كل ضمانات المحاكمة العادلة. لذا أتمنى ألا تصدر أحكام إعدام جديدة، كما أتمنى ألا ينفذ ما صدر منها بالفعل، وأن يستخدم الرئيس حقه الدستوري في عدم التصديق عليها.
السيسي قال سابقاً إنه والجيش سيرحلان قبل حدوث ضرر لمصر في المياه.. فما الذي انتهت إليه أزمة سد النهضة؟ وهل يمكن القول إن إثيوبيا انتصرت في تلك المعركة عبر فرض سياسة الأمر الواقع؟
أزمة سد النهضة لا تزال مستمرة ولم تطوَ صفحتها بعد. ولأن إثيوبيا فشلت في تخزين كمية المياه التي كان يفترض أن تتم خلال عملية الملء الثاني، وهي حوالي 14 مليار متر مكعب، ولم تستطِع تخزين سوى ربع الكمية المستهدفة، فضلاً عن أن الفيضان كان غزيراً هذا العام؛ فقد كان من الطبيعي ألا تشعر مصر بحدة الأزمة هذا العام أيضاً، وبالتالي مرت عملية التخزين بسلام خلال فترتي الملء الأول والثاني.
ومع ذلك فلا تزال الأزمة قائمة ومحتدمة، وقد تنفجر في أي لحظة، خاصة أن مراحل الملء لم تُستكمل بعد، وبالتالي يتوقع أن تتجدد الأزمة من جديد، مرة على الأقل كل عام، خاصة قبيل فترات الملء.
وما لم تنجح الجهود والضغوط الدبلوماسية في حمل إثيوبيا على الموافقة على اتفاقية متوازنة وملزمة حول عملية ملء وتشغيل سد النهضة؛ فلن يكون أمام مصر من خيار آخر سوى تدميره أو احتلال المنطقة المُقام عليها، بالتعاون مع السودان، خاصة أنها أرض سودانية تم التنازل عنها بموجب اتفاقية 1902، مقابل التزام إثيوبيا بإقامة سدود على النيل الأزرق إلا بعد التشاور مع دولتي المصب.
لهذا، أعتقد أن الرئيس كان جاداً فيما قال. كما أعتقد أن أي نظام سياسي، مهما بلغت قوته أو جبروته، لن يستطيع أن يستمر في حال نجاح إثيوبيا في التحكم الفعلي في عملية تدفق مياه النيل، وهو ما أعتقد أنه هدفها النهائي الحقيقي. لذا من المبكر أو من السابق لأوانه أن نقول إن إثيوبيا انتصرت؛ فالحرب لم تُحسم بعد، والمعركة ستكون طويلة وممتدة ولا تزال بها جولات أخرى عديدة.
هناك أنباء عن تغيير وزاري مرتقب قبل نهاية العام الجاري.. فكيف تنظرون لهذا التغيير الوزاري المتوقع؟ وهل وضع الحكومة في عهد السيسي أشبه بوضع الحكومة في عهد مبارك؟
لا أعوّل كثيراً على أي تغيير وزاري يمكن أن يحدث في ظل استمرار الرؤية والسياسات المتبعة حالياً؛ فالتغيير المطلوب لا ينبغي أن يقتصر على تغيير الأشخاص ولكن يجب أن يمتد ليشمل تغييراً أيضاً في النهج وفي الرؤية وفي السياسات.
وأعتقد أن وضع الحكومة في عهد السيسي لا يشبه وضع الحكومة في أي نظام سياسي آخر منذ قيام الجمهورية في مصر وحتى الآن. فنظام السيسي يبدو لي مختلفاً عن كل ما سبقه من أنظمة، رغم هيمنة المؤسسة العسكرية عليه.
صحيح أن الحكومة ظلت في كل العهود السابقة مجرد أداة للتنفيذ وليس لصنع السياسات، وهي مهمة ظلت مقصورة على رئيس الدولة، غير أن الحكومة في عهد السيسي لم تعُد تخضع ليس فقط لأي نوع من المراقبة، سياسية كانت أم قضائية أم برلمانية أم إعلامية، ولكنها أصبحت أيضاً بمنأى عن تأثير الرأي العام. فحين تكون هيمنة الدولة على وسائل الإعلام شاملة إلى الدرجة التي هي عليها الآن، وبالتالي لا يوجد رأي ورأي آخر يوجه السياسات القائمة ويقوِّمها، تصبح الحكومة محصنة ضد كل نقد أو توجيه إلا من الرئيس وأجهزته الأمنية فقط، وهذا لا يكفي وحده ضماناً لترشيد عمل الحكومة.
رئيس حزب الإصلاح والتنمية المصري، محمد أنور السادات، قال إن هناك توجهاً جديداً من قِبل الدولة في التعاطي مع ملف حقوق الإنسان، حيث سيكون هناك انفتاح كبير، وإصلاحات أشمل خلال الفترة المقبلة في ملف الحقوق السياسية والحريات، خاصة في ظل استقرار الأوضاع.. ما ردكم؟
أقدّر الجهد الذي يبذله الأخ محمد أنور السادات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، لكني لا أعرف ما هي الأسس التي استند إليها والتي تجعله متفائلاً إلى هذه الدرجة حول استعداد النظام الحاكم للانفتاح أكثر على المعارضة أو لإجراء إصلاحات سياسية شاملة في المستقبل القريب، ربما تكون لديه معلومات من مصادر موثوق بها حول توجهات النظام، وأتمنى أن يكون ما قاله صحيحاً ومؤكداً.
وفي كل الأحوال، فإنني أعتقد جازماً أن انفتاح النظام الحاكم على الجميع وإقدامه على إجراء إصلاح سياسي شامل، وهو ما يتوقعه السادات أو يؤكده، سيحقق فائدة كبرى ليس فقط للمجتمع المصري ككل، وإنما للنظام الحاكم نفسه، وسيسهم بشكل كبير في حماية مستقبل الدولة المصرية ومستقبل الأجيال القادمة.
لذلك، أضم صوتي إلى صوته وأطالب معه، وبشدة، بهذا الانفتاح وبذلك الإصلاح. لكني للأمانة وللأسف الشديد لا أستطيع مشاطرته هذا التفاؤل ولا أرى علامات تشير إلى أننا بدأنا نسلك على الطريق بالفعل، فمتى يحدث الانفتاح والإصلاح المنشودين؟، أتمنى أن يكون ذلك قريباً.