تجري الولايات المتحدة وإيران، في العاصمة النمساوية فيينا، منذ أبريل/نيسان 2021، مفاوضات نووية غير مباشرة، بواسطة الشركاء الأوروبيين فى الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
مرت هذه المفاوضات بعدة جولات، بعضها ناجح والآخر مليء بالعقبات، فانتهت الجولة السادسة، بعد يومين من إعلان فوز المرشح الأصولي، ورجل الدين، إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي تم إجراؤها في 18 يونيو/حزيران.
والآن عادت جميع الوفود المشاركة فى هذه المفاوضات إلى بلادهم، فى انتظار الجولة السابعة والتي من الممكن أن تكون الأخيرة، لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والمعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب فى مايو/أيار 2018.
نقل ملف الاتفاق النووي من الخارجية إلى مجلس الأمن القومي
كان من المفترض استكمال الجولات الست للمفاوضات النووية في فيينا الأسبوع الماضي على أقل تقدير، لكن وبحسب مسؤول بارز في الحكومة الإيرانية، تحدث إلى "عربي بوست"، فإن هناك المزيد من العقبات التي خلقها فريق الرئيس المنتخب حديثاً، إبراهيم رئيسي، والذي تم تشكيله للمشاركة فى محادثات فيينا بجانب الفريق النووي المفاوض الحالي، بقيادة عباس عراقتشي، نائب وزير الخارجية الإيرانية.
هذه العقبات التي تحدث عنها المسؤول الحكومي الإيراني، زادت من التكهنات داخل إيران في الآونة الأخيرة، بأن ملف الاتفاق النووي برمته، قد تم سحبه من وزارة الخارجية، وإسناده إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
هنا، تجدر الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للأمن القومي كان مسؤولاً عن الملف النووي، منذ اندلاع الأزمة النووية وتحويل القضية النووية الإيرانية إلى مجلس الأمن الدولي عام 2002، وحتى عام 2013. وبعد أن تم انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني في نفس العام، أسند روحاني مهمة الملف النووي إلى وزارة الخارجية الإيرانية بقيادة محمد جواد ظريف.
يقول المحلل السياسي، والدبلوماسي السابق، فريدون مجلسي، لـ"عربي بوست": "تولى مجلس الأمن القومي الإيراني للملف النووي، يعني أن المفاوضات الحالية في فيينا سيتم التعامل معها من منظور أمني بحت، وليس دبلوماسياً، وهذه دائماً ما كانت رغبة التيار الأصولي".
كثيراً ما نادى التيار المحافظ والمتشدد بضرورة تحويل ملف الاتفاق النووي إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، باعتبار أى تفاوض على البرنامج النووي الإيراني، هو من ضمن قضايا الأمن القومي للبلاد.
بالعودة إلى حقيقة ما إذا كان قد تم تحويل ملف الاتفاق النووي من وزارة الخارجية إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، يقول دبلوماسي إيراني رفيع المستوى، تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "إلى الآن ما زالت المفاوضات النووية في فيينا مسؤولية وزارة الخارجية، لكن في الواقع الأمر كله يتحول رويداً رويداً لمجلس الأمن القومي".
وبحسب الدبلوماسي الإيراني، فإن الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً، إبراهيم رئيسي، قام بتشكيل فريق خاص به، ليجتمع بالفريق المفاوض الحالي، والذي يخوض المفاوضات في فيينا، ويشاركه اتخاذ القرارات المستقبلية.
يقول المصدر ذاته، لـ"عربي بوست": "قام السيد رئيسي بتشكيل ما أطلق عليه لجنة تنفيذية، أو الفريق الخاص بحكومته المقبلة، لإدارة الخطوات المستقبلية التي ستتم مناقشتها في مفاوضات فيينا".
من هم أعضاء فريق "إبراهيم رئيسي"، وما هي مهامهم؟
يقول الدبلوماسي الإيراني لـ"عربي بوست"، إن اللجنة المشكلة من قبل رئيسي، تقوم بإعداد التوصيات الخاصة بالمفاوضات النووية الحالية في فيينا، بعد التنسيق مع المجلس الأعلى للأمن القومي، بعد أن تتخذ قراراتها بالإجماع.
وبحسب مصدر مقرب من علي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي، في حديثه لـ"عربي بوست"، فإن السيد شمخاني يرأس هذه اللجنة.
وقال المصدر ذاته إن أعضاء اللجنة هم: النائب البرلماني، ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان، مجتبى ذو النور، والسيد ذو النور، نائب أصولي، معروف بمعاداته للاتفاق النووي منذ إبرامه في عام 2015، وكان دائم الانتقاد لحكومة حسن روحاني، بسبب رغبتها في التفاوض مع الغرب.
كما تضم اللجنة، بحسب المصدر، النائب البرلماني الأصولي، عبدالرضا المصري، وهو النائب الثاني لرئيس البرلمان الحالي، محمد باقر قاليباف، وله علاقات وثيقة بالرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد.
بالإضافة إلى الممثلين الأساسيين عن الرئيس المنتخب حديثاً، إبراهيم رئيسي، وهما على حسيني تاش، القائد السابق بالحرس الثوري، والذي كثرت التكهنات حول احتمالية توليه منصب وزير الخارجية في حكومة رئيسي.
أما الممثل الثاني لرئيسي فهو الدبلوماسي السابق، علي باقري كاني، المحسوب على التيار المحافظ، والذى أيضاً لديه وجهات نظر سلبية تجاه الاتفاق النووي.
يقول الدبلوماسي الإيراني، لـ"عربي بوست"، إن "علي حسيني تاش، وعلي باقري كاني، الآن يعتبران من أهم الشخصيات التى تساعد السيد رئيسي، بشأن الاتفاق النووي، وهما من يتواصلان رسمياً ومباشرة مع الفريق النووي المفاوض الإيراني، الذي يخوض المفاوضات في فيينا".
الكثير من العقبات
على ما يبدو أن الفريق المفاوض النووي الحالي، أصبح لا يتمتع بالكثير من الصلاحيات في الوقت الحالي، وبحسب مسؤول في حكومة حسن روحاني، المنتهية ولايتها، تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخول له بالحديث إلى وسائل الإعلام، فإن كبير المفاوضين الإيرانيين علي عراقتشي، الذي يقود المفاوضات الآن في فيينا، ليس لديه سوى القليل من الصلاحيات، خاصة بعد انتخاب إبراهيم رئيسي وتشكيل فريقه الجديد.
في اجتماعه مع مجلس وزرائه، قال الرئيس الإيراني المنتهية ولايته، حسن روحاني: "لقد أضاعوا فرصة الحكومة الثانية عشرة"، في إشارة إلى حكومته الثانية، واتهاماً ضمنياً للتيار المحافظ بوضع المزيد من العقبات أمام حكومته التي تتفاوض في فيينا لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
يقول المصدر الحكومي الإيراني، لـ"عربي بوست"، إن روحاني مستاء للغاية لما حدث فى الأسابيع الأخيرة فيما يخص المفاوضات النووية فى فيينا، وتحدث إلى مستشاريه عن وضع المزيد من العقبات أمام حكومته كي لا تحقق أي انتصار في مسألة إحياء الاتفاق النووي، حتى إنه بعث برسالة إلى المرشد الأعلى، لكنه لم يتلق أي رد إلى الآن.
لم يفصح المصدر الحكومي عن محتوى رسالة الرئيس حسن روحاني، إلى المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، مكتفياً بقول إنها "رسالة سرية وخاصة جداً".
في نفس الاجتماع الذي تم عقده يوم الثلاثاء 13 يوليو/تموز، قال حسن روحاني بعد أن أعرب عن أسفه لما يدور فى البلاد الآن: "عندما انتصر منتخبنا الوطني خلال المفاوضات، وسجل ثلاثة أهداف، لماذا يصعب عليهم التصفيق لهم، لماذا يصعب عليهم أن يقولوا أحسنت"، فى إشارة إلى الإنجازات التي حققها الفريق النووي المفاوض الحالي في فيينا فيما يخص بعض المسائل الإشكالية الخاصة برفع العقوبات الأمريكية عن طهران.
كما أشار روحاني إلى أنه لولا تعنت البرلمان (الذي يسيطر عليه المتشددون)، وإصداره تشريعاً يجبر الحكومة على وقف التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي من شأنه أن يمنع عمليات التفتيش الدولية للمنشآت النووية الإيرانية، لكان قد تم رفع العقوبات منذ مارس/آذار الماضي، وعادت الولايات المتحدة إلى الصفقة النووية.
شروط إضافية من فريق رئيسي
يقول المحلل السياسي والدبلوماسي السابق، فريدون مجلسي: "يبدو أن المفاوضات النووية في فيينا، وصلت إلى طريق مسدود الآن، خاصة أن الولايات المتحدة تريد ضمانات من طهران بأن المفاوضات الحالية هي أساس لتفاوض أوسع وأشمل، يشمل البرنامج الصاروخي الإيراني، والسياسات الإقليمية، وفي المقابل تطلب طهران من واشنطن ضماناً لعدم تكرار ما فعله ترامب، وضمان أن أي رئيس أمريكي قادم لن يستطيع الانسحاب من الاتفاق النووي".
لكن هناك المزيد من العقبات بالإضافة إلى ما ذكره السيد مجلسي، فبحسب مصادر دبلوماسية إيرانية، مطلعة على سير المفاوضات فى فيينا، فإن الفريق الجديد للرئيس المنتخب حديثاً، إبراهيم رئيسي، يطالب برفع كامل للعقوبات النووية وغير النووية، ورفع العقوبات بالكامل المفروضة على الحرس الثوري الإيراني، والتي قامت إدارة ترامب بفرضها فى أكتوبر/تشرين الأول 2019.
كما أعلن إبراهيم رئيسي، في أول مؤتمر صحفي له بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة، أنه لا يوجد مجال للتفاوض على البرنامج الصاروخي الإيراني، والسياسات الإقليمية للجمهورية الإسلامية؛ الأمران اللذان يعتبران من ضمن الخطوط الحمراء للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي.
هل سيستمر المتشددون في عنادهم؟
بالرغم من تعرض الإصلاحيين الذين توصلوا إلى الاتفاق النووي في عام 2015، والذين دعموا الحوار مع الغرب، إلى فقدان نفوذهم داخل إيران، بعد أن انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الصفقة في مايو/أيار 2018، بالإضافة إلى تعالي أصوات المحافظين المطالبين بخروج إيران الكامل من الصفقة النووية، لكن هذا لا يعني أن المتشددين أو المحافظين الذين أصبحوا الآن يسيطرون على السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية، يواصلون معاداة الاتفاق النووي.
بالنظر إلى إعلان المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، مراراً وتكراراً، عن رغبته في أن تتمكن الحكومة المقبلة، في حل المشاكل الاقتصادية للمواطنين العاديين، وتركيز برنامج إبراهيم رئيسي، على الخطوات الاقتصادية التي من المفترض أن تقوم بها حكومته المقبلة لتقليل أعباء الحياة على الإيرانيين، فإن أبسط طريق لتحقيق رغبة خامنئي وإبراهيم رئيسي، هو إنجاز المفاوضات النووية في فيينا، وضمان إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، لتحقيق بعض الاستقرار الاقتصادي والحفاظ على السلطة في الداخل.
يقول المحلل السياسي الإيراني المستقل إحسان طاهري، لـ"عربي بوست": "جاء إبراهيم رئيسي، بدعم كبير من التيار المحافظ الذي لطالما عارض الاتفاق النووي، لكنه في نفس الوقت، أعلن دعمه للمفاوضات الحالية، وموافقته على العودة إلى الصفقة النووية في حال عودة الولايات المتحدة، وهو مماثل تماماً لرغبات علي خامنئي".
وأضاف طاهري: "لكي يحصل رئيسي على قاعدة دعم شعبية، ويعزز سلطته التي هي سلطة التيار المحافظ، يجب عليه تحقيق بعض الانتعاش لحياة الإيرانيين الذين عانوا طوال السنوات الماضية جراء العقوبات؛ لذلك ستكون العودة إلى الاتفاق النووي، وإزالة العقبات في فيينا هي الأداة المُثلى له".
يرى طاهري أن ما يحدث الآن، وما أسماه حسن روحاني محاولات لإفشال حكومته في إحياء الاتفاق النووي، ما هو إلا رغبة من المحافظين، في تأجيل هذا النصر، إلى أن يتولى إبراهيم رئيسي منصبه في الشهر القادم.
فيقول لـ"عربي بوست": "طالما كان السيد خامنئي يرغب في إحياء الاتفاق النووي، سيحقق إبراهيم رئيسي هذه الرغبة، ويفوز المحافظون في النهاية بثمار تعب وجهد سنوات الإصلاحيين والمعتدلين في التفاوض مع الغرب".
ويضيف: "بعبارة أخرى، يريد المحافظون الحصول على نصر إحياء الاتفاق النووي، ونسب الفوز لأنفسهم وليس إلى الحكومة السابقة".