تصاعد هجمات الفصائل الشيعية المقربة من إيران على التواجد الأمريكي في العراق، كان هذا أحد الملفات الأساسية في زيارة وزير المخابرات الإيرانية في زيارته للعراق.
يبدو أن ما تشهده العراق من تصاعد الهجمات ضد القوات الأمريكية أثار قلق طهران التي وإن كانت تريد إخراج القوات الأمريكية من العراق، إلا أنها تريدها هجمات بحدود واضحة دون أن تخرج الأمور عن السيطرة، خصوصاً في ظل المفاوضات النووية الجارية حالياً.
كان وزير المخابرات الإيرانية، محمود علوي، وصل إلى العاصمة العراقية بغداد، يوم الأربعاء 14 يوليو/تموز 2021، بصحبة وفد إيراني كبير، ضم مسؤولين أمنيين، وبعض القادة في الحرس الثوري الإيراني.
تأتي زيارة وزير المخابرات الايرانية، التابعة للحكومة، بعد أسبوع واحد من زيارة حسين طائب، رئيس منظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وهما المنظمتان اللتان دائماً فى منافسة على الكثير من الأمور والملفات، ومن بينها ملف العراق.
ذكر مصدر أمني إيراني، كان من ضمن الوفد الذي ترأسه وزير المخابرات الايرانية، محمود علوي، في زيارة بغداد يوم الأربعاء، لـ"عربي بوست"، أن زيارة علوي جاءت "لمناقشة بعض الأمور الهامة والمشتركة بين العراق وإيران".
ومن بين هذه الأمور الهامة- التى ذكرها المصدر الأمني من الجانب الإيراني- هجمات الفصائل المسلحة الشيعية العراقية المقربة من إيران، بالإضافة إلى الحوار الاستراتيجي المقبل بين العراق والولايات المتحدة، وبعض المسائل الخاصة بالمعابر الحدودية بين البلدين.
اجتماع "عادي" مع الرئيس العراقي
فور وصول وزير المخابرات الإيراني، محمود علوي إلى العراق، قام الرئيس العراقي برهم صالح باستضافته بمحل إقامته بالمنطقة الخضراء شديدة التحصين ببغداد، وبحسب مصدر من الجانب الإيراني، مطلع على هذا الاجتماع، تحدث لـ"عربي بوست"، قائلاً إن اللقاء كان أقل من العادي، ولم يناقش الجانبان أىاً من الأمور الهامة، سوى تبادل التحيات والتأكيد على أهمية عمل البلدين على استقرار العراق وتحقيق الأمن، بالإضافة إلى قيام علوي بتقديم التعازي إلى الرئيس العراقي نيابة عن الشعب الإيراني.
جاءت تعازي وزير المخابرات الإيراني، على خلفية الحادث المأساوي الذي نتج عن حريق ضخم في مستشفى الحسين التعليمي في محافظة ذي قار الجنوبية، والذى كانت مخصصاً لعزل مصابي كورونا، وأسفر الحريق عن وفاة وإصابة مئات الأشخاص.
اجتماع وزير المخابرات مع مستشار الأمن القومي العراقي
وبالعودة إلى زيارة محمود علوي، غير المعلنة مسبقاً، فقال المصدر الأمني من الجانب الإيراني، إن وزير المخابرات توجه بعد لقائه بالرئيس العراقي، مباشرة للقاء مستشار الأمن العراقي، قاسم الأعرجي، وفالح الفياض، رئيس وحدات الحشد الشعبي العراقي.
في هذا الاجتماع الذي دار في مقر الحشد الشعبي، داخل المنطقة الخضراء، بالعاصمة العراقية بغداد، تمت مناقشة الهجمات الأخيرة للفصائل المسلحة العراقية على القوات والمصالح الأمريكية فى البلاد.
وذكر المصدر الأمني لـ"عربي بوست"، أن الأعرجي ركز على مطلب واحد فقط، وهو أن يتوسط الجانب الإيراني لتهدئة الفصائل المسلحة العراقية، قبيل الانتخابات البرلمانية التي من المقرر إجراؤها في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وبحسب مصدر مقرب من مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، تحدث لـ"عربي بوست"، قائلاً: "كان السيد الأعرجي يريد العمل على تهدئة الأمور بين الفصائل العراقية المسلحة والولايات المتحدة، لضمان إجراء الانتخابات فى موعدها، خاصة أن زيارة حسين طائب، السابقة زادت الأمور سوءاً بالنسبة للحكومة العراقية".
في المقابل، ناقش محمود علوي، وزير المخابرات الإيراني، مع السيد قاسم الأعرجي، بعض الأمور التى ستتم مناقشتها في الجولة المقبلة من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، وعلى رأسها انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
يقول المصدر الأمني الإيراني، الذي كان مطلعاً على هذا الاجتماع، لـ"عربي بوست": "علوي جاء برسالة واضحة من القيادة الإيرانية فيما يخص انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وهي ضرورة ضغط الحكومة العراقية مقابل أن تعلن واشنطن جدولاً زمنياً لانسحاب جنودها قبل نهاية العام الجاري".
لقاء "أبوالفدك" والفصائل المسلحة العراقية
بعد اجتماع محمود علوي، وزير المخابرات الإيراني، بمستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، وفالح الفياض رئيس هيئة وحدات الحشد الشعبي، ذهب للقاء أبوالفدك المحمداوي، نائب رئيس الحشد الشعبي، والمقرب من إيران، وعدد من قادة كتائب حزب الله العراقية، وسيد الشهداء، وهما من ضمن الفصائل المسلحة العراقية المقربة من إيران، والتابعة لهيئة الحشد الشعبي أيضاً.
يقول المصدر الأمني من الجانب الإيراني: "لم يجتمع علوي بجميع قادة الفصائل المسلحة في وقت واحد، فضل أن يجتمع بقادة كتائب حزب الله وسيد الشهداء بمفردهم فى البداية".
وبحسب المصدر الأمني الإيراني، فإن هذا القرار يعود إلى رغبة وزير المخابرات الإيراني، في الاجتماع بشكل منفرد بقادة فصيل عصائب أهل الحق، بقيادة قيس الخزعلي، والذى دائماً ما يتمرد على التعليمات الإيرانية من حين لآخر، فيما يخص مهاجمة القوات الأمريكية.
يقول قائد عسكري فى فصيل سيد الشهداء، لـ"عربي بوست"، "إن الاجتماع مع علوي كان مجرد إيصال رسائل من المرشد الأعلى على خامنئي، حول استهداف فصائل المقاومة للقوات الأمريكية".
عادة ما تشير الفصائل المسلحة الشيعية العراقية، لأنفسها باسم فصائل المقاومة، باعتبارها جزءاً أساسياً من محور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة.
وفي يوم 11 يوليو/تموز الجاري، بدأت الفصائل المسلحة العراقية، الجزء الثاني من خطتها لإخراج القوات الأمريكية. جدير بالذكر أن الجزء الأول من الخطة كان يشمل تكثيف استهداف القوات الأمريكية المتمركزة في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، والأصول الأمريكية على الحدود العراقية-السورية، بالإضافة إلى السفارة الأمريكية الواقعة فى المنطقة الخضراء بالعاصمة العراقية بغداد.
وأضاف القائد العسكري قائلاً: "لم تكن الرسائل التي يحملها السيد علوي تتضمن أى شيء عن هدنة قريبة، أو تراجع فى مهاجمة القوات الأمريكية، فقط ضبط النفس، وعدم الانخراط في المبالغة، نحن والأصدقاء في إيران نعلم أنه قد آن الأوان لطرد الأمريكان، لكن لن يتم ذلك بطريقة عشوائية".
بالنسبة إلى فصيل عصائب أهل الحق، بقيادة قيس الخزعلي، الذي أعلن في أوقات سابقة، أن أمر مهاجمة الفصائل العراقية، للقوات الأمريكية داخل العراق، قرار عراقي وطني خالص، ولا يؤثر به أي عامل أجنبي.
يقول مصدر مقرب من فصيل عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست"، إنه في الآونة الأخيرة كانت هناك بعض الخلافات الصغيرة بين العصائب وكتائب حزب الله، "أعتقد أن اجتماع علاوي مع العصائب سيكون للعمل على حل هذه الأزمات الصغيرة".
مناقشة تبادل السجناء بين طهران وواشنطن، مع الكاظمي
وبحسب المصادر التى تحدث لـ"عربي بوست"، كان الموضوع الأبرز الذي تمت مناقشته في اجتماع وزير المخابرات الإيراني، محمود علوي، برئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، هو مناقشة أمر تبادل السجناء بين طهران وواشنطن، في الجولة المقبلة من الحوار الاستراتيجي الأمريكي-العراقي.
هذا الأمر كانت قد تمت مناقشته فى المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في فيينا، حيث طالبت واشنطن طهران بالإفراج عن جميع السجناء الأمريكيين من أصل إيراني، المحتجزين لدى السلطات الايرانية بتهم التجسس.
في المقابل، طلبت طهران من واشنطن الإفراج عن كافة السجناء الإيرانيين، في جميع أنحاء العالم، والذين تمت معاقبتهم بالسجن لانتهاك العقوبات الأمريكية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
يقول مصدر حكومي عراقي، كان حاضراً الاجتماع بين وزير المخابرات الإيراني، ورئيس الوزراء العراقي، لـ"عربي بوست": "طلب السيد علوي من الكاظمي، مناقشة الأمر مع الأمريكان في الجولة المقبلة من الحوار الاستراتيجي، وضرورة إقناع الجانب الأمريكي بأن الإفراج عن كامل السجناء الإيرانيين في جميع أنحاء العالم المتهمين بانتهاك العقوبات الأمريكية، أمر لا بد من تسويته لاستكمال محادثات إحياء الاتفاق النووي".
في المقابل، طلب الكاظمي من السيد علوي، بحسب المصدر الحكومي العراقي، مساعدة الجانب الإيراني فى العمل على تهدئة الفصائل المسلحة العراقية، وتوقف استهدافها للقوات الأمريكية لضمان إجراء الانتخابات البرلمانية فى أجواء مستقرة أمنياً.
وعد السيد علوي، رئيس الوزراء العراقي، بالعمل على هذا الأمر، وأن إجراء الانتخابات البرلمانية من أولويات القيادة الإيرانية العليا.
زيارة أخرى لوفد أمريكي للعراق
يوم الخميس 15 يوليو/تموز، زار وفد أمريكي يترأسه بريت ماجورك، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، العاصمة العراقية بغداد، والتقى برئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، للتحضير للجولة المقبلة من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة.
ذكر بيان رسمي لمكتب رئيس الوزراء، أن الزيارة تضمنت أيضاً، مناقشة آلية الانسحاب الأمريكي من العراق، في الجولة المقبلة من الحوار الاستراتيجي.
لكن مصدراً حكومياً عراقياً مطلعاً على هذا اللقاء، قال لـ"عربي بوست"، إن أمر انسحاب القوات الأمريكية من العراق، لم تتم مناقشته بجدية فى هذا اللقاء، الذي تركز على ضرورة عمل الحكومة العراقية على حماية القوات والبعثات الدبلوماسية الأمريكية في العراق.
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "تمت الإشارة فقط إلى أن أمر الانسحاب من الممكن مناقشته فى الجولة المقبلة من الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، دون التطرق إلى انسحاب كامل".