تتواصل الجهود الإقليمية والدولية التي تقودها كل من حركة حماس والسلطة الفلسطينية، لبحث ملف إعادة إعمار غزة بعد الحرب الإسرائيلية التي انتهت في 21 من شهر مايو/أيار 2021، وسط تباين الموقف الفلسطيني الداخلي بشأن الطرف المسؤول عن إدارة وتنفيذ والإشراف على ملف إعمار غزة.
تباين المواقف الفلسطينية بدا واضحاً في إصرار السلطة الفلسطينية على أن تكون هي الطرف الأول والمباشر في التواصل مع الأطراف الدولية لتحويل الأموال الخاصة بالإعمار عن طريقها، كما حدث في الحروب الإسرائيلية الثلاث على غزة: 2008 -2012-2014، في حين تُبدي حماس تحفظاً على هذا الموقف خشيةً من تكرار تجربة الإعمار السابقة، التي اتهمت فيها السلطة الفلسطينية بالتقاعس في الإيفاء بتعهداتها لتعويض متضرري الحرب.
ملف إعادة إعمار غزة
الجديد في هذا الملف هو ما كشف عنه مصدر حكومي مطلع في حكومة غزة لـ"عربي بوست" من أن "المخابرات المصرية طلبت من حماس تقديم خطة مالية تتضمن أهم الاحتياجات لإعادة إعمار غزة، بما فيها إقرار بالتعويضات لأصحاب المنشآت المدنية التي دُمرت خلال هذه الحرب".
وأضاف المصدر ذاته أنه "جرت سلسلة لقاءات جمعت قيادة المخابرات المصرية مع المسؤولين الحكوميين، وقيادة حركة حماس داخل غزة وفي القاهرة، تم من خلالها تقديم حركة حماس لرؤية جديدة تتضمن دمج متضرري حرب 2014 بحرب 2021 في ملف واحد لدى مؤتمر المانحين التي من المتوقع أن تستضيفه القاهرة خلال الأشهر القادمة، على ألا يزيد هذا المبلغ على مليار دولار، وفقاً للتقديرات الحالية".
وتابع المصدر لـ"عربي بوست" أن "ما تبقى من تعويضات لم يتم استكمالها من حرب 2014، هي 550 مليون دولار، منها 150 مليوناً لقطاع الإسكان، و400 مليون أخرى للقطاع الصناعي والتجاري والمقاولات، إضافة إلى وضع حماس لتقدير أولي بأن أضرار حرب مايو 2021، تقدر بنصف مليار دولار".
وأكد المصدر ذاته أن "حماس طلبت من مصر ضرورة إيفاء الدول المانحة بتعهدات سابقة جرى التوافق عليها في السنوات الماضية بقيمة ملياري دولار ضمن خطة اقتصادية طرحتها عدة دول كقطر ومصر والاتحاد الأوروبي، تتضمن تحسين قطاع البنى التحتية والاتصالات والكهرباء والمدارس والمستشفيات، واستكمال بناء 3 محطات لتحلية مياه البحر، وإنشاء محطات جديدة لتصريف المياه العادمة وتكريرها لإعادة استخدامها، نظراً لتلوث شواطئ غزة بكميات كبيرة منها، إضافة إلى توسيع الممر التجاري بين غزة ومصر المعروف باسم بوابة صلاح الدين، لضمان تدفق الوقود والغاز إلى محطة الكهرباء في غزة، بعيداً عن إسرائيل".
موقع متقدم في التفاوض
تُظهر حركة حماس ارتياحاً لموقفها في التفاوض منذ انتهاء الحرب، وظهر ذلك بشكل واضح في تصريحات زعيم الحركة في غزة، يحيى السنوار، في خطابات الانتصار خلال الأيام الماضية، التي أكد فيها أن الوضع الاقتصادي في غزة بعد الحرب سيشهد تحسناً، وأن حماس لن تقبل باستمرار الحصار المفروض عليها.
وأضاف المتحدث أنه قد يكون لهذا الأمر ارتباط بسعي حماس إلى استثمار ما حققته من إنجازات في معركة سيف القدس الأخيرة، إذ لا تزال الحركة تمسك بزمام الأمور من ناحية تعدد أوراق الضغط التي قد تمارسها على الأطراف ذات العلاقة، وتحديداً إسرائيل، وما يتعلق بملف الجنود الإسرائيليين لديها.
عاطف عدوان، المقرر السابق للجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي والقيادي في حركة حماس، قال لـ"عربي بوست": "نحن في حماس لدينا أولويات في هذه المرحلة، وهي إعادة إعمار ما دمرته الحرب على غزة، كما أننا ننظر إلى أن احتياجات قطاع غزة لا تقتصر فقط على إعادة بناء ما دمرته الحرب ونعود إلى مربع الحصار، نحن ننظر إلى أنه يجب استثمار هذا الانتصار الذي حققه شعبنا في غزة لإنهاء حصاره، وضمان تدفق الأموال سواء عبر مصر أو الأمم المتحدة لتشغيل أكبر قدر ممكن من العمالة تحديداً في قطاع الإنشاءات، وإنهاء أزمة الكهرباء والمياه العادمة، وتطوير البنى التحتية".
تغييب السلطة
في المقابل تشعر السلطة الفلسطينية بأن شرعيتها التي تمتلكها لتمثيل الفلسطينيين تراجعت ليس على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى الإقليمي والدولي، فجولة رئيس الوزراء محمد اشتية إلى دول الخليج لا يبدو أنها نجحت في تحقيق أهدافها، لأن بعض الدول وفقاً لما يرشح من تسريبات، تسعى إلى تكرار النموذج القطري في تحويل أموال الإعمار إلى هيئات تتبع لها لتشرف عليها بشكل مباشر.
وفي السياق ذاته فإن دولاً في الخليج كالإمارات والسعودية لا تمر بعلاقات جيدة مع السلطة الفلسطينية، لذلك فإن المتوقع أن تفقد السلطة معركة تمثيل الفلسطينيين في ملف إعمار غزة، وقد تكون مصر الطرف المستفيد في هذا الملف، نظراً للثقة التي منحتها لحركة حماس في رعاية اتفاق التهدئة، وقيامها بتقديم مساعدات عينية للقطاع خلال فترة الحرب وبعدها.
واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قال لـ"عربي بوست" إن "استثناء السلطة الفلسطينية من أي جهود للاتفاق على عملية إعادة الإعمار لن يكون مقبولاً بالنسبة لنا، فالسلطة تقود جهوداً سياسية على أعلى المستويات لإنضاج رؤية مختلفة لإعمار غزة، تتضمن رفض العمل باتفاق توريد مواد الإعمار من إسرائيل التي أعقبت حرب 2014 والمعروفة بنظام (GRM)، لأنها كانت سبباً في إطالة أمد تعويض المتضررين".
وتابع المتحدث أن "وفد حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الذي يزور القاهرة سيبحث هذا الملف مع كل الأطراف، بما فيها حركة حماس والقوى السياسية والاتحادات والمركبات الاقتصادية في غزة، إضافة إلى معرفة الرؤية المصرية لإعمار غزة، والمستقبل السياسي خلال المرحلة القادمة لترتيب البيت الفلسطيني".
وتتمسك السلطة الفلسطينية بملف إعمار غزة، ليس فقط من منظور المصلحة السياسية بإبقائها طرفاً قوياً في المعادلة، بل لأن هنالك مصلحة اقتصادية تحاول السلطة من خلالها تحقيق عوائد اقتصادية من خلال تدفق أموال الإعمار عبر خزينتها.
وبالعودة إلى مؤتمر القاهرة في أكتوبر من عام 2014، تعهدت الدول المانحة بتقديم 5.4 مليار دولار، تم تخصيص 1.2 مليار دولار منها لموازنة السلطة تحت بند تعافي الاقتصاد، ولكن السلطة لم تلتزم بتخصيص هذا المبلغ على هيئة مشاريع يتم تمويلها في غزة بعد الحرب، بل حولت السلطة هذا المبلغ إلى موازنتها التشغيلية لصرف رواتب الموظفين.
محمد خبيصة، محرر الشؤون الاقتصادية في وكالة الأناضول، قال لـ"عربي بوست" إن "مرور أموال الإعمار عبر السلطة يعود عليها بعوائد اقتصادية، من بينها توفر السيولة المالية التي قد تستثمرها بفوائد في حال تم إيداعها في البنوك، إضافة إلى منح السلطة مرونة في عمليات الإيفاء بالتزامات مستحقة الدفع كفواتير الكهرباء التي يتم شراؤها من إسرائيل".